الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الخامس:
أن يكون جازماً بالنية
فلا يصح تعليق النية إلا إن قصد بكلمة «إن شاء الله تعالى» التبرك، وهذا مذهب الجمهور من المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
وأما الحنفية فقد سبق أنهم يرون النية سنة، فلا يضر تعليقها
(4)
.
فلو توضأ بنية إن كان محدثاً فهذا الوضوء لرفع الحدث، وإلا فهو تجديد، فقد اختلف الفقهاء في هذه الصورة،
فذهب المالكية إلى أنه لا يصح وضوءه، لعدم الجزم بالنية.
جاء في حاشية الدسوقي: «فالواجب عليه إذا توضأ أن يتوضأ بنية جازمة، فإن توضأ بنية غير جازمة - بأن علقها بالحدث المحتمل - كان هذا الوضوء باطلاً»
(5)
.
ووجهه: أن هذا الإنسان إما أن يكون متطهراً أو محدثاً، فإن كان متطهراً فلا اعتبار به، إذ لم ينو التجديد، بل نوى رفع الحدث وليس عليه، وإن كان محدثاً فلا يصح، لعدم جزم نيته.
وذهب الشافعية إلى صحة الوضوء في هذه الصورة.
(1)
حاشية الدسوقي (1/ 94)، منح الجليل (1/ 50)، مواهب الجليل (1/ 239).
(2)
حاشية قليبوبي وعميرة (1/ 45).
(3)
قال في الإنصاف (3/ 296): لو قال: أنا صائم غداً إن شاء الله تعالى، فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد فسدت نيته، وإلا لم تفسد.
(4)
انظر العزو إليهم في مسألة " حكم النية " وقد مر معنا في هذا الباب.
(5)
حاشية الدسوقي (1/ 94)، وجاء في التاج والإكليل (1/ 343).
جاء في المجموع: قال البغوي: لو توضأ ونوى إن كان محدثا فهو عن فرض طهارته، وإلا فهو تجديد، صح وضوءه عن الفرض، حتى لو زال شكه وتيقن الحدث لا يجب إعادة الوضوء
(1)
.
وقالوا: يغتفر التعليق هنا، كالمسافر إذا نوى خلف من شك في نية القصر، فقال ، إن قصر قصرت. اهـ
قلت: ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فهذا غاية ما يمكن أن يفعله، وهو أن يقول: إن كنت محدثاً فهذا الوضوء عنه، فإن كان على طهارة لم يضره هذا الوضوء، وإن كان محدثاً فقد نواه معلقاً، والتعليق يغتفر، وقد رجح المحققون من العلماء صحة التعليق في مسألة مشابهة، كما لو قال رجل: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فتصح نيته على الصحيح
(2)
؛ لأن هذا غاية ما يمكن أن يفعله، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقال بعضهم: يرتفع حدثه، إلا إن انكشف الحال وتبين أنه محدث فيلزمه استئناف الوضوء.
وإنما صح الوضوء للضرورة، لأن هذا غاية ما يسعه، وإذا زالت الضرورة، وانكشف الحال، وتبين أنه محدث فقد زالت الضرورة، فيلزمه أن يعيد الوضوء؛ لأن النية لم تكن جازمة.
قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: لا نقول بأنه لا يرتفع حدثه على تقدير تحقق الحدث، وإنما نقول: لا يرتفع على تقدير انكشاف الحال، ويكون
(1)
المجموع (1/ 374).
(2)
ذكر صاحب الإنصاف (3/ 295) أن هذا القول رواية عن أحمد، ورجحها ابن تيمية، قال في الإنصاف: وهو المختار.
وضوءه هذا رافعاً للحدث إن كان موجودا في نفس الأمر، ولم يظهر لنا للضرورة، فإذا انكشف الحال زالت الضرورة، فوجبت الإعادة بنية جازمة
(1)
.
ولا يشرع للإنسان أن يحدث لكي يجزم بالنية، فلم يرشد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة إلى هذا الفعل، وإنما أرشد بالأخذ باليقين وطرح الشك، كما قال صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في الصلاة فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
ومثل تعليق النية التردد بالنية، وعدم الجزم بها، وله حالتان:
الأولى: أن يحصل التردد منه بعد فراغه من الوضوء، أو ينوي رفض الوضوء بعد الفراغ منه.
فالصحيح عند الجمهور أن ذلك لا يؤثر في وضوئه
(2)
.
ودليلهم: القياس على الصلاة والصوم والحج، فكما أنه لو رفض الصوم أو الصلاة أو الحج بعد فراغه منه لم يبطل صومه ولا صلاته ولا حجه، فكذلك لا يبطل وضوءه.
وقيل: إن وضوءه يبطل، وهو وجه ثان في مذهب الأئمة الثلاثة
(3)
.
وتعليهم: أن حكم الوضوء - وهو رفع الحدث - ما زال باقياً، بدليل
(1)
المجموع (1/ 375).
(2)
قال صاحب (البيان في مذهب الشافعي)(1/ 106): إذا فرغ من الطهارة، ثم نوى قطعها ففيه وجهان:
أحدهما، وهو المشهور: أن طهارته لا تبطل، كما لو فرغ من الصلاة، ثم نوى قطعها.
والثاني: حكاه الصيدلاني: أن طهارته تبطل، كما لو ارتد. اهـ الإنصاف (1/ 151)، المبدع (1/ 120)، الشرح الكبير على المقنع (1/ 53،54).
(3)
انظر المراجع السابقة.
أنه يصح له أن يصلي به، بخلاف الصلاة والصوم والحج فإنها تنقضي حساً بعد أدائها وخروج وقتها، والصحيح الأول.
الحالة الثانية: أن يتردد في الوضوء هل يتمه أو يقطعه، وهذا فيه تفصيل:
الأول: أن يحصل له التردد من أول الوضوء إلى آخره، فهذا وضوءه باطل على الصحيح؛ لأن التردد ينافي النية؛ لأن النية هي القصد إلى الشيء قصداً جازماً.
الثاني: أن يكون التردد حصل له أثناء الوضوء، فهو قد شرع في الوضوء، وهو جازم على رفع الحدث، وفي أثنائه حصل له التردد، ففي هذا خلاف بين أهل العلم:
فقيل: وضوءه باطل، وهو الصحيح من مذهب أحمد
(1)
، ووجه في مذهب الشافعية
(2)
.
وقيل: لا يبطل الوضوء فيما مضى، وإذا أراد إتمام الطهارة قبل تطاول الفصل فلا بد من تجديد النية لما بقي، وهو مذهب المالكية
(3)
، والصحيح في مذهب الشافعية
(4)
، واختاره بعض الحنابلة
(5)
، وهذا أصح من القول الأول.
(1)
قال في الإنصاف (1/ 151): لو أبطل النية في أثناء الطهارة بطل ما مضى منها على الصحيح من المذهب، اختاره ابن عقيل والمجد في شرحه، وقدمه في الرعايتين والحاويين. اهـ
(2)
البيان في مذهب الشافعي (1/ 106).
(3)
مواهب الجليل (1/ 241)، والتاج والإكليل (1/ 239) بهامش المواهب.
(4)
انظر البيان في مذهب الشافعي (1/ 106)،
(5)
قال في الإنصاف (1/ 151) وقيل: لا يبطل ما مضى منها، جزم به المصنف في المغني، لكن إن غسل الباقي بنية أخرى قبل طول الفصل صحت طهارته، وإن طالت انبنى على وجوب المولاة. اهـ
وهذا التفصيل بالنسبة للوضوء، وأما غيره من العبادات فإن الحكم يختلف إذا خرج من النية قبل تمام العبادة، فهناك من العبادات ما يخرج منها قولاً واحداً، فإذا نوى قطع الإيمان صار مرتداً، والعياذ بالله.
وإذا نوى الخروج من الحج أو العمرة بعد دخوله في النسك لم يخرج منهما بهذه النية، لقوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله}
(1)
، وسوف يأتي إن شاء الله تعالى بسط هذه المسألة في كتاب المناسك، بلغنا الله إياه بمنه وكرمه.
(1)
البقرة: 196.