الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع في قبول الرجل هبة الماء
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• بذل الماء للطهارة يختلف عن بذل سائر الأموال، فالماء إذا بذل بلا سؤال لم يكن فيه منة غالبًا فيجب قبوله.
• قد يكون الماء من أنفس الأموال كالحاجة إلى الماء العذب في لجة البحر، وفي المفازة.
[م-411] إذا وهب للرجل ماء ليتوضأ به، فهل يلزمه قبوله؟.
قيل: يلزمه، وهو مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والصحيح المنصوص في مذهب الشافعية
(3)
، وأصح الوجهين في مذهب الحنابلة
(4)
، وهو اختيار ابن حزم
(5)
.
(1)
فتح القدير (1/ 135)، الجوهرة النيرة (1/ 26).
(2)
التاج والإكليل (1/ 343)، الذخيرة للقرافي (1/ 344) أنواع البروق في أنواع الفروق (3/ 21 - 22).
(3)
قال النووي في المجموع (2/ 291): «إذا وهب له الماء لزمه قبوله، هذا هو الصحيح المنصوص، وبه قطع الأصحاب في الطرق» . وانظر منهاج الطالبين (ص: 6)، الإقناع للشربيني (1/ 79)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 15)، حاشيتا قليبوبي وعميرة (1/ 93).
(4)
المبدع (1/ 212).
(5)
المحلى (1/ 360).
وقيل: لا يلزمه، اختاره بعض المالكية
(1)
، حكاه بعضهم وجهًا في مذهب الشافعية
(2)
.
ومن أجاز رأى أن بذل الماء بين الناس ليس فيه منة، فأوجب قبول الهبة.
ومن منع رأى أن ذلك لا يسلم من منة، والمنة نوع من الحرج والأذى، وقد قال سبحانه وتعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: 78].
والحقيقة أن المنة لها تعلق بالآخذ وبالدافع، فإن كان يعرف من حال الدافع أنه يتبع هبته بالمن والأذى، لم يلزمه قبوله، فإن بعض الناس قد يمن بالشيء الحقير، وبعض الناس قد يرى أن أخذك لهديته نوع من الإحسان عليه، كما قال الشاعر:
يا ذا الذي يعطي الكثير وعنده أني عليه بأخذه أتصدق، كما أن بعض الناس لم يتعود أن يسأل الناس شيئًا، حتى ولو لم يكن في ذلك منة من الدافع، فقد تعود أن تكون يده دائمًا عليا، واليد العليا خير من اليد السفلى.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع الناس على ألا يسألوا الناس شيئًا، كما في صحيح مسلم، قال الراوي: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه
(3)
.
ثم هناك فرق بين أن يعطى الماء دون مسألة، وبين أن يسأل الناس الماء، ففي الأول أقل مِنَّة من الثاني.
وإذا غلب على ظنه أن يمنعه، أو يمن عليه ينبغي أن يقال: لا يجب عليه السؤال حتى على مذهب الجمهور القائلين بأنه إذا وهب له وجب عليه قبوله.
(1)
الذخيرة للقرافي (1/ 344).
(2)
قال النووي في المجموع (2/ 291): «حكى صاحب التتمة والبيان وجهًا أنه
لا يلزمه قبوله، كما لا يلزمه قبول الرقبة للكفارة، وهذا ليس بشيء». اهـ
(3)
صحيح مسلم (1043).
جاء في النوادر والزيادات: «وإنما على المسافر أن يطلب الماء ممن يليه، أو ممن يرجو أن يعطيه، وليس عليه أن يطلب أربعين رجلًا»
(1)
.
فقوله: «ممن يرجو أن يعطيه» دليل على أنه إذا غلب على ظنه أن لا يبذل له الماء لم يجب عليه السؤال.
وقال الغزالي في الوسيط: «وهل يجب عليه الابتداء بسؤال هذه الأمور؟ فيه وجهان: لأن السؤال أصعب على ذوي المروءات، وإن هان قدر المسؤول»
(2)
.
وأما إذا وهب له ثمنه، فقد قال النووي: لم يلزمه قبوله بالاتفاق، ونقل إمام الحرمين الإجماع فيه
(3)
.
وينبغي أن يقيد ذلك بأن لا يكون الواهب ابنًا أو أبًا؛ وذلك لأنه لا منة من الأب على ابنه، فإن الأب هو سبب وجود الابن، فالمنة له قائمة على ولده، أخذ منه ثمن الماء أو لم يأخذ، كما أن الولد لا يمن على أبيه إذا أعطاه ثمن الماء، وذلك لأن الأب إذا احتاج إلى مال ولده فله أن يأخذ قدر كفايته منه، والله أعلم.
* * *
(1)
النوادر (1/ 112).
(2)
الوسيط (1/ 364).
(3)
المجموع (2/ 291).