الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: يجب عليه الطلب، فإن تيمم قبل الطلب لم يجزه، وهو مذهب الجمهور
(1)
.
•
دليل الجمهور على وجوب طلب الماء:
الدليل الأول:
استدلوا بقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) فهذا دليل على وجوب طلب الماء؛ لأنه لا يصدق عليه أنه لم يجد الماء إلا بعد الطلب.
الدليل الثاني:
من جهة القياس، فإن التيمم بدل عن طهارة الماء، ولا يصح فعل البدل إلا بالعجز عن المبدل، ولا يتحقق العجز إلا بعد البحث والطلب.
•
دليل الحنفية على أن طلب الماء إذا لم يكن معه ماء غير واجب:
استدلوا بقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً)، فمن لم يكن معه ماء فهو غير واجد للماء، فإن قيل: لا يكون غير واجد إلا بعد الطلب، قيل: هذا خطأ؛ لأن الوجود لا يقتضي طلبًا، قال تعالى:(فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)[النساء: 92]، ومعناه: ليس في ملكه، ولا له قيمتها، لا أنه أوجب عليه أن يطلبها.
وقال تعالى: (فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ)[الأعراف: 44]، فأطلق اسم الوجود على ما لم يطلبوه.
وقال تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)[الضحى: 8].
ويقال: وجد فلان لقطة، وإن لم يطلب وجودها.
فإذا كان الوجود قد يكون من غير طلب، فمن ليس بحضرته ماء، ولا هو عالم به، فهو غير واجد، وإذا تناوله إطلاق اللفظ لم يجزئنا أن نزيد عليه فيه فرض الطلب؛ لأن فيه إلحاق الزيادة بحكم الآية، وذلك غير جائز
(2)
.
(1)
انظر في مذهب المالكية: المقدمات (1/ 120)، الذخيرة للقرافي (1/ 335)، المعونة (1/ 149).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 530).
• الراجح من الخلاف:
بعد استعراض القولين وأدلتهما، يمكننا القول بأن من تحقق عدم الماء فإنه يتيمم من غير طلب؛ لأن طلب الماء حينئذ سيكون نوعًا من العبث، وأما من كان لا يتحقق عدم الماء، فإنه يلزمه طلب الماء؛ لأن الوضوء واجب إجماعًا، فيجب طلب الماء للقيام به؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن شرط صحة التيمم عدم وجود الماء، ويبطل إذا وجد الماء، فكيف يصح تيممه، والاحتمال قائم بأن الماء قد يكون موجودًا حوله.
ويمكن لنا أن نقسم حال الإنسان إلى أقسام:
الأول: أن يعلم أن الماء غير موجود، كما لو كان في مفازة من الرمال، ولا يوجد بها أثر من حياة، فهذا يتيمم، وليس عليه الطلب. والله أعلم.
الثاني: أن يغلب على ظنه بناء على أمارات معينة، فيعمل بغلبة الظن، سواء غلب على ظنه عدم الماء، فلا يلزمه الطلب، أو غلب على ظنه وجود الماء، فيجب عليه الطلب حينئذ.
الثالث: أن يشك في وجود الماء، فيجب عليه الطلب حتى يصل إلى اليقين أو إلى غلبة الظن، فيعمل بموجبها.
الرابع: أن يتوهم الأمر، فيجب عليه الطلب، سواء كان الوهم في وجود الماء أو عدمه.
* * *