الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في تعذر استعمال الماء
المبحث الأول في تيمم المريض
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• العلة في مشروعية التيمم هو العجز عن الوصول للماء نصًا، ويلحق به العجز الشرعي؛ لأن العجز الشرعي كالعجز الحسي.
[م-407] اختلف أهل العلم في تيمم المريض:
فقيل: المريض لا يتيمم أصلًا مع وجود الماء، حتى ولو خشي التلف، وهذا القول منسوب إلى الحسن وعطاء
(1)
.
• وحجتهما في ذلك:
بأن الله أباح التيمم للمريض والمسافر بشرط عدم الماء، فقال تعالى: (وَإِن
(1)
الأوسط لابن المنذر (2/ 20 - 21)، التمهيد لابن عبد البر (19/ 294)، شرح البخاري
لابن رجب (2/ 204)، المحلى لابن حزم (1/ 346) مسألة: 224، المجموع (2/ 321)، المغني (1/ 161).
كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) [المائدة: 6].
قال ابن عبد البر: «ولولا قول الجمهور، وما روي من الأثر
(1)
، كان قول عطاء صحيحًا، والله أعلم»
(2)
.
وهذا القول ضعيف جدًا؛ لأنه لو لم يجز التيمم إلا لفقد الماء لكان ذكر المرض لا فائدة له.
ومن حيث المعنى، فإن فائدة وجود الماء: هو الاستعمال والانتفاع، وذلك بالقدرة على ذلك، فمعنى قوله:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) أي: فلم تقدروا؛ ليتضمن ذلك الوجوه المتقدمة المذكورة: وهي المرض والسفر، فإن المريض واجد للماء صورة، ولكنه لما لم يتمكن من استعماله لضرر، صار معدمًا حكمًا؛ فالمعنى الذي يجمع نشر الكلام (فلم تقدروا على استعمال الماء) وهذا يعم المرض والصحة إذا خاف من أخذ الماء لصًا أو سبعًا، ويجمع الحضر والسفر، وهذا هو العلم الصريح، والفقه الصحيح، والأصوب بالتصحيح، ألا ترى أنه لو وجده زائدًا عن قيمته جعله معدمًا حكمًا، وقيل له: تيمم، فتبين أن المراد: هو الوجود الحكمي، وليس الوجود الحسي
(3)
.
وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن المريض يباح له التيمم،
قال السرخسي: «وأما إذا كان يخاف الهلاك باستعمال الماء، فالتيمم جائز له بالاتفاق»
(4)
.
وقال ابن عبد البر: «أجمع علماء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب
(1)
يقصد ابن عبد البر رحمه الله ما جاء في تيمم عمرو بن العاص عن الجنابة حين خشي التلف.
(2)
التمهيد (19/ 294).
(3)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 555).
(4)
المبسوط (1/ 112).
فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور كل مريض أو مسافر
…
»
(1)
.
وقال القاضي ابن رشد: «أمر الله سبحانه وتعالى المسافر والمريض بالتيمم للصلاة عند عدم الماء، وأجمع أهل العلم على وجوب التيمم عليهما»
(2)
.
وحكاية الإجماع مع خلاف الحسن وعطاء فيه نظر، إلا أن ذلك مشروط بصحة نسبة هذا القول عنهما، إلا أن يقال: قد انعقد الإجماع بعدهما، فيمن يجوز الإجماع اللاحق ويمحي به الخلاف السابق، والله أعلم.
وقد شكك في صحة هذا القول عنهما ابن رجب في شرحه للبخاري، فقال:«وهذا بعيد الصحة عنهما»
(3)
.
ولم أقف على إسناد عنهما لأنظر في صحته، وإنما حكاه عنهم جماعة من أهل العلم منهم ابن المنذر والنووي وابن عبد البر وابن قدامة وابن حزم وغيرهم، وسبق العزو إليهم
(4)
.
(1)
الاستذكار (2/ 3)، التمهيد (19/ 270).
(2)
مقدمات ابن رشد (1/ 111).
(3)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 204).
(4)
فإن كان أخذ هذا القول عن الحسن لما رواه ابن أبي شيبة (1/ 161) حدثنا حفص، عن أشعث بن عبد الملك، عن الحسن، سئل عن الرجل اغتسل بالثلج، فأصابه البرد، فمات، فقال: يا لها من شهادة. إسناده صحيح.
فالظاهر أنهم أخذوا مذهب الحسن من هذا النص؛ لأن ابن قدامة قال في المغني (1/ 161): ونحوه أي: نحو قول عطاء، عن الحسن في المجدور الجنب قال: لا بد من الغسل.
فإن كان ابن قدامة أخذ هذا من قول الحسن في الرجل يغتسل في الثلج فيموت، فاعتبر ذلك شهادة، ففيه ما فيه؛ لأن هذا إنما هو في اغتسال الصحيح، وليس في اغتسال المريض، وقد يغتسل الصحيح بالماء البارد فيمرض، وقد يغتسل ولا يحصل له شيء، فمن أين لنا أن هذا الرجل كان مريضًا، أو كان صحيحًا قد غلب على ظنه أنه لو استعمل الماء لخاف زيادة المرض، وأما ثناء الحسن على فعله، فكل ما يصيب الإنسان من نصب من جراء قيامه بالطاعات فهو له فيها أجر، على أن لا يتقصد العمل الشاق، إذا كان يمكنه أن يقوم بالعمل دون كلفة أو مشقة؛ لأن مقصود الشارع هو القيام بالعمل، وليس المقصود طلب المشقة، والله أعلم.
وقد روي عن الحسن مسندًا خلاف هذا القول
(1)
.
وقيل: يباح التيمم للمريض بالجملة، واختلفوا في المريض الذي يباح له التيمم:
فقيل: يباح لكل مريض يجد أن في استعمال الماء حرجًا ومشقة، حتى ولو كان استعمال الماء لا يزيد في علته، ولا يؤخر البرء. وهذا منسوب إلى أهل الظاهر
(2)
.
وقيل: يباح التيمم إذا كان استعمال الماء يزيد في المرض أو يتسبب في تأخير البرء، وهو مذهب الجمهور
(3)
، وأحد القولين في مذهب الشافعي
(4)
.
وقيل: لا يباح التيمم إلا إذا كان يخشى التلف لنفسه، أو عضوه من استعمال الماء، أو حدوث مرض يخاف منه تلف النفس، أو العضو، أو فوات منفعة العضو، حكي هذا القول عن مالك
(5)
، وهو أحد القولين في مذهب الشافعية
(6)
، ورواية عن أحمد
(7)
.
(1)
فقد روى ابن أبي شيبة (1/ 96) حدثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن الحسن والشعبي، أنهم قالوا: في الذي به الجرح والمحصوب والمجدور يتيمم.
وحفص يروي عن أربعة كل واحد منهم اسمه أشعث، أشعث بن سوار، وهو ضعيف، وأشعث بن أبي الشعثاء، وأشعث بن عبد الملك وأشعث بن عبد الله بن جابر، وهؤلاء ثقات، وكلهم يروون عن الحسن البصري، وإن كنت أميل إلى أنه أشعث بن سوار الضعيف؛ لأنه قد قرن معهما حماد بن أبي سليمان، وحماد لم أجد في تلاميذه عند المزي إلا أشعث بن سوار، والله أعلم.
(2)
المحلى (1/ 346) مسألة: 224، المجموع (2/ 329).
(3)
انظر في مذهب الحنفية: البحر الرائق (1/ 147)، المبسوط (1/ 112).
وانظر في مذهب المالكية: الذخيرة للقرافي (1/ 339)، مواهب الجليل (1/ 153)، الفواكه الدواني (1/ 153)، المنتقى للباجي (1/ 110).
وانظر في مذهب الحنابلة: المبدع (1/ 208)، الإنصاف (1/ 265)، الكافي (1/ 65).
(4)
المجموع (2/ 320).
(5)
المنتقى للباجي (1/ 110).
(6)
المجموع (2/ 320).
(7)
الإنصاف (1/ 265).