الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف، أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملًا
(1)
، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين، وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط، فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيها مقال
…
»
(2)
.
قلت: وكذلك رواية الآباط لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، وقد سبق تخريجها والتيمم إلى الآباط، قول لا يعرف إلا لابن شهاب رحمه الله تعالى
(3)
.
فلم يبق من روايات حديث عمار إلا ما ورد في الصحيحين، وأن التيمم للكفين فقط، والله أعلم.
•
دليل من قال: التيمم إلى الآباط:
(1006 - 83) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
عن عمار بن ياسر أبي اليقظان، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليهم الرخصة في المسح بالصعدات، فدخل عليها أبو بكر، فقال: إنك لمباركة، لقد نزل علينا فيك رخصة، فضربنا بأيدينا لوجوهنا، وضربنا بأيدينا ضربة إلى المناكب والآباط
(4)
.
[الحديث فيه اضطراب كثير]
(5)
.
(1)
حديث أبي جهم في البخاري (337)، هذا لفظه: «أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام. وأخرجه مسلم (369).
(2)
فتح الباري تحت حديث (339).
(3)
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 165): «وقال ابن شهاب: يبلغ بالتيمم الآباط، ولم يقل ذلك غيره فيما علمت» . اهـ
(4)
المسند (4/ 320).
(5)
سبق تخريجه، انظر ح (931) من هذا المجلد.
وقد حاول بعض العلماء الإجابة عنه، على احتمال ثبوته بأجوبة منها:
الأول: أن يكون ذلك في أول الأمر، ثم نسخ.
ذكر الشافعي رحمه الله تعالى وأبو بكر الأثرم وغيرهما من العلماء: أن التيمم إلى الآباط إن كان وقع ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده، فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به. اهـ
ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد
(1)
.
الثاني: أن يكون ذلك وقع من الصحابة على وجه الاجتهاد قبل معرفتهم للصفة المشروعة من النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
.
(3)
.
وقال ابن رجب: «وعلى تقدير صحته، ففي الجواب عنه وجهان:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم أصحابه التيمم على هذه الصفة، وإنما فعلوه
(1)
الفتح تحت حديث رقم (339)، شرح ابن رجب للبخاري (2/ 253).
(2)
الاستذكار (3/ 166).
(3)
تنقيح التحقيق (1/ 565).
عند نزول الآية لظنهم أن اليد عند الإطلاق تشمل الكفين والذارعين والمنكبين والعضدين، ففعلوا ذلك احتياطًا كما تمعك عمار بالأرض للجنابة، وظن أن تيمم الجنب يعم البدن كله كالغسل، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم التيمم بفعله، وقوله (التيمم للوجه والكفين) فرجع الصحابة كلهم إلى بيانه صلى الله عليه وسلم، ومنهم عمار راوي الحديث، فإنه أفتى أن التيمم ضربة للوجه والكفين»
(1)
.
وهذا الجواب لا حاجة إليه مع تضعيف حديث عمار من طريق الزهري، لأنه يبعد كل البعد أن يكون التيمم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم في السفر، ثم يتيمم أصحابه رضي الله عنهم دون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة التيمم، مع حرصهم على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدقيق والجليل، وإمكان الرجوع إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم في معرفة تلك الصفة، وعلى فرض أن يكون بعضهم فعل ذلك اجتهادًا مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سيعلم ذلك إما من الوحي لمخالفته الصفة المشروعة، وإما من الناس خاصة إذا شاهدوا تيمم الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفًا لما فعلوه، وهذا إنما نقوله في المناظرة، وإلا فهو بعيد جدًا، ولم يكن الصحابة يجتهدون إلا حيث لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وأما إذا كان معهم فإنه يرجعون إليه، ويصدرون عنه، فالصواب أن حديث عمار من طريق الزهري حديث مضطرب، وقد بينت اختلاف أصحاب الزهري عليه في إسناده في أول كتاب التيمم، وهذا الذي دفع ابن عبد البر أن يقول:«أحاديث عمار في التيمم كثيرة الاضطراب، وإن كان رواتها ثقات»
(2)
.
قال ابن رجب: «هذا حديث منكر جدًا، لم يزل العلماء ينكرونه، وقد أنكره الزهري راويه، وقال: هو لا يعتبر به الناس، ذكره الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وروي عن الزهري أنه امتنع أن يحدث به، وقال: لم أسمعه إلا من عبيد الله، وروي
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 252).
(2)
الاستذكار (3/ 165). قلت: ينبغي أن يستثني من حديث عمار ما كان منه في الصحيحين، وقد نص على أن التيمم في الوجه والكفين، وما خالف ذلك فإنه حديث ضعيف أو موقوف.