الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحق أنه يتيمم مطلقًا، سواء كان عاصيًا بسفره أو لا، وقد بحثت هذه المسألة فيما سبق في أحكام المسح على الحائل، وذكرت أدلة الأقوال مع بيان الراجح، مع أن التيمم ليس من الرخص الخاصة بالسفر على القول بأنه رخصة؛ لأن القائلين بمنع العاصي من الرخص في السفر خصوا ذلك بالرخص الخاصة بالسفر، كالقصر والفطر في رمضان، فإنها من رخص السفر خاصة، والله أعلم
(1)
.
•
دليل من قال: التيمم رخصة:
الدليل الأول:
(931 - 8) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
عن عمار بن ياسر أبي اليقظان، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليهم الرخصة في المسح بالصعدات، فدخل عليها أبو بكر، فقال: إنك لمباركة، لقد نزل علينا فيك رخصة، فضربنا بأيدينا لوجوهنا، وضربنا بأيدينا ضربة إلى المناكب والآباط.
[الحديث مضطرب الإسناد منكر المتن]
(2)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (فنزلت عليهم الرخصة في المسح) وقول أبي بكر: (لقد نزل علينا فيك رخصة).
(1)
قال في الشرح الكبير (1/ 143): «وضابط الراجح: أن كل رخصة جازت في الحضر كمسح خف، وتيمم، وأكل ميتة، فتفعل وإن من عاص بالسفر، وكل رخصة تختص بالسفر كقصر الصلاة وفطر رمضان فشرطه أن لا يكون عاصيًا به» .
(2)
المسند (4/ 320)، انظر تخريجه في الصفحة التالية.
• ويُجاب عن ذلك:
أولًا: الحديث قد اختلف فيه على الزهري سندًا ولفظًا
(1)
.
(1)
الحديث اختلف فيه على الزهري، فروي عنه من ثلاثة أوجه:
فقيل: عن الزهري، عن عبيد الله، عن عمار.
وقيل: عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار.
وقيل: عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمار.
الوجه الأول: الزهري، عن عبيد الله، عن عمار بن ياسر.
وعبيد الله بن عبد الله لم يدرك عمارًا رضي الله عنه، انظر تحفة التحصيل (218).
وقد رواه عن الزهري كل من: ابن أبي ذئب، ويونس، ومعمر، والليث بن سعد، وعقيل، وإليك تفصيل مروياتهم.
فرواه ابن أبي ذئب، واختلف عليه فيه:
فرواه الطيالسي في مسنده (637) ومن طريقه رواه البيهقي (1/ 208)، وأبو يعلى في مسنده (1633).
وحجاج بن محمد كما في مسند أحمد (4/ 320).
كلاهما رواه عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله، عن عمار بذكر ضربتين للتيمم، والمسح إلى المناكب والآباط.
وخالفهما يزيد بن هارون، فأخرجه الطحاوي (1/ 111)، والشاشي في مسنده (1040) من طريقه، عن ابن أبي ذئب به، ولم يذكر ضربتين، وفيه: فقام المسلمون فضربوا بأيديهم إلى الأرض، فمسحوا بها وجوههم، وظاهر أيديهم إلى المناكب، وباطنها إلى الآباط.
ورواه يونس بن يزيد، واختلف عليه فيه:
فرواه عثمان بن عمر كما في مسند أحمد (4/ 321) ومسند الروياني (1344)، وفي الشريعة للآجري (1902)، عن يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عمار بن ياسر كان يحدث أن الرخصة التي أنزل الله عز وجل في الصعيد، فذكر الحديث، إلا أنه قال: أنهم ضربوا أكفهم في الصعيد فمسحوا به وجوهم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا فمسحوا أيديهم إلى المناكب والآباط.
ورواه عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد، واختلف على عبد الله بن وهب:
فرواه ابن ماجه (571) حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري، قال: حدثنا عبد الله ابن وهب، قال: أنبأنا يونس بن يزيد به، ولفظه عن عمار بن ياسر حين تيمموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر المسلمين فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فمسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فهنا لم يذكر المناكب والآباط وذكر أن هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه أبو داود (318) عن أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس به، بلفظ: أنهم تمسحوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.
ورواه أبو داود (319) حدثنا سليمان بن داود المهري، وعبد الملك بن شعيب، عن ابن وهب به، ولم يذكر المناكب والآباط.
ورواه معمر، واختلف عليه في لفظه:
فرواه عبد الرزاق (827)، ومن طريقه أحمد (4/ 320)، وأبو يعلى (1632)، وابن المنذر في الأوسط (535) عن معمر عن الزهري به بذكر ضربتين للتيمم إلى الإبطين، كرواية يونس، ورواية ابن أبي ذئب، من طريق الطيالسي وحجاج بن محمد عنه.
ورواه الشافعي في المسند (160) ومن طريقه البيهقي في المعرفة السنن (1566)، والحازمي في الاعتبار (ص: 58) قال: أخبرنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار.
فزاد في إسناده (عبد الله بن عتبة). ومعمر مقدم في عبد الرزاق.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (879) ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (23/ 49) رقم 130 عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه أو غيره، قال: سقط عقد لعائشة
…
فذكر نحوه، فأرسله. ومعمر متكلم في روايته عن هشام.
فهذه ثلاث اختلافات على معمر.
ورواه الليث بن سعد، كما في مسند إسحاق (1041)، وسنن ابن ماجه (565)، ومسند الشاشي (1041)، وذكره البيهقي في السنن (1/ 208) عن الزهري به ولم يذكر الضربتين.
كما رواه عقيل عن الزهري به ذكره ابن أبي حاتم في العلل (61).
وعلى كل حال فهذا إسناد منقطع، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يسمع من عمار، كما ذكره المزي في تحفة الأشراف (7/ 481).
الوجه الثاني: الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار به، فزاد في الإسناد والد عبيد الله، رواه عن الزهري اثنان:
الأول: مالك، كما في سنن النسائي الكبرى (297)، وفي المجتبى (315)، ومسند الشاشي (1042)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 110)، وابن حبان (1310)، والبيهقي في السنن (1/ 208). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثاني: أبو أويس كما في مسند أبي يعلى الموصلي (1631)، كلاهما، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، فزادا في الإسناد عبد الله بن عتبة والد عبيد الله.
ولم يذكر الضربتين، وإنما فيه: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب، فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب.
ورواه سفيان بن عيينة، واختلف عليه فيه:
فرواه إبراهيم بن بشار كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 11)،
ومحمد بن أبي عمر العدني كما في سنن ابن ماجه (566)، روياه عن سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار به.
ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (278) عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري به، بإسقاط عمرو بن دينار، وهو الصواب.
وقد وافق ابن أبي عمر جماعة على إسقاط عمرو بن دينار، منهم:
أبو بكر بن خلاد كما في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (278).
والحميدي كما في مسنده (143)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (536).
والشافعي كما في المعرفة للبيهقي (1561).
ومحمد بن عمرو بن العباس الباهلي، كما في مسند البزار (1403).
والزبير بن بكار كما في مستخرج الطوسي على جامع الترمذي (129)، كل هؤلاء رووه عن سفيان بن عيينة، عن الزهري به، بلا واسطة.
فلا يمكن معارضة رواية إبراهيم بن بشار، وابن أبي عمر في إحدى روايتيه معارضة لرواية الحميدي ومن معه من أصحاب سفيان.
وقد ذكر الحميدي قصة رواها في مسنده (143)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 66)، ومن طريقه البيهقي (1/ 138) تبين أن ابن عيينة روى عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن عبيد الله أن عمر أمر رجلًا أن يتوضأ من مس الإبط.
وروى سفيان حديث التيمم عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، فدخل على بعض الرواة عن سفيان إسناد الوضوء من مس الإبط بإسناد حديث التيمم، مما يدل على أن الوهم ليس من ابن عيينة، خاصة أن رواية أصحاب سفيان وهم جماعة قد رووه عن سفيان موافقين لرواية مالك بن أنس، وأبي أويس عن الزهري، والله أعلم.
وإنما الذي اختلف فيه على سفيان كونه مرة يرويه عن عبيد الله عن عمار، ومرة عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار.
قال البيهقي: هذا حديث قد رواه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، ثم سمعه من الزهري، فرواه عنه، وكان يقول أحيانًا: عن عمار، وأحيانًا يقول: عن أبيه. قال علي بن المديني: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت لسفيان: عن أبيه، عن عمار؟ قال: أشك في أبيه. قال علي: كان إذا حدثنا لم يجعل عن أبيه.
ولعل هذا ما جعل أبا داود يذهب إلى أن ابن عيينة يضطرب في الحديث.
قال أبو داود على إثر حديث (320): «شك فيه ابن عيينة، قال مرة: عن عبيد الله، عن أبيه، أو عن عبيد الله عن ابن عباس. ومرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس، اضطرب فيه ابن عيينة، وفي سماعه من الزهري» .
وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 285): «واضطرب ابن عيينة، عن الزهري في هذا الحديث في إسناده ومتنه» .
الوجه الثالث: الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمار.
رواه محمد بن إسحاق، كما في مسند البزار (1383، 1384)، ومسند أبي يعلى (1630)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 110).
وصالح بن كيسان، كما في مسند أحمد (4/ 263 - 264)، وسنن أبي داود (320)، والمجتبى من سنن النسائي (314)، وفي الكبرى (296)، والمنتقى لابن الجارود (121)، ومسند أبي يعلى (1629)، وشرح معاني الآثار (1/ 110، 111)، ومسند الشاشي (1024)، وتمهيد ابن عبد البر (19/ 270) كلاهما عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمار إلا أن ابن إسحاق ذكر للتيمم ضربتين، وذكر صالح ضربة واحدة.
ولفظ ابن إسحاق: فضربنا ضربة باليدين بالصعيد للوجه، فمسحناه مسحة واحدة، قال: ثم ضربنا ضربة أخرى لليدين، فمسحناهما بهما إلى المنكبين ظهرًا وبطنًا.
ولفظ صالح بن كيسان فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئًا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط.
وفي هذا الطريق أدخلوا ابن عباس واسطة بين عبيد الله وبين عمار.
ورواه أبو يعلى في مسنده (1609، 1652) من طريق يوسف بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري به، بذكر ضربة واحدة للتيمم، ولفظه: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا وجوهنا وأيدينا إلى المناكب بالتراب.
إلا أن يوسف بن خالد السمتي، متروك.
هذا ما وقفت عليه من طرق الحديث، وهذا الاختلاف على الزهري لم يكن من صغار أصحابه، بل وقع هذا بين الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، ولم يكن هذا الاختلاف قد انفرد به واحد دونهم فيحمل على الوهم، فهذا مالك وابن عيينة ومعمر وابن أبي ذئب ويونس وعقيل والليث قد اختلفوا فيما بينهم على الزهري، وهم من أخص أصحابه، ولم يقتصر الاختلاف على إسناد الحديث، بل اختلفوا حتى في متنه، فبعضهم يذكر ضربتين للتيمم، وبعضهم يذكر ضربة واحدة، كما أن ذكر المسح إلى الآباط مخالف لرواية الصحيحين من حديث عمار رضي الله عنه، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فصفة التيمم في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وفي غيرهما ليس فيها ذكر ضربتين للتيمم، وليس فيها المسح إلى الآباط والمناكب، مما يزيد الحديث ضعفًا فأميل إلى أن الحديث مضطرب الإسناد، منكر المتن، وقد نقل الحميدي أن هذا الحديث مما ينكره الناس على الزهري.
قال الحميدي في مسنده (143): حضرت سفيان، وسأله عنه يحيى بن سعيد القطان، فحدثه، وقال فيه: حدثنا الزهري، ثم قال: حضرت إسماعيل بن أمية أتى الزهري، فقال: يا أبا بكر إن الناس ينكرون عليك حديثين تحدث بهما، فقال: ما هما؟ قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب، فقال الزهري: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار. وذكر بقية الكلام.
فقوله: إن الناس ينكرون عليك حديثين وذكر هذا من أحدهما دليل على أن غالب العلماء ممن أنكر هذا الحديث على الزهري رحمه الله تعالى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 287): «أكثر الآثار المرفوعة في هذا الحديث إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين، وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار فمضطرب مختلف فيه» .
ومن الأئمة السابقين من سلك مسلك الترجيح، وقد اختلفوا في الترجيح:
فقيل: الراجح: الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار.
قال ابن أبي حاتم في العلل (61): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه صالح بن كيسان وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم.
فقالا: هذا خطأ، رواه مالك وابن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، وهو الصحيح، وهما أحفظ.
قلت: قد رواه يونس وعقيل وابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أصحاب الكتب.
فقالا: مالك صاحب كتاب، وصاحب حفظ». اهـ
وقيل: كلاهما محفوظ: يعني: رواية عبيد الله عن ابن عباس، عن عمار.
ورواية عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، ذهب إلى هذا الإمام النسائي رحمه الله.
قال النسائي في السنن الكبرى (1/ 191) بعد أن ذكر الطريقين: قال: «كلاهما محفوظ» . ولم يذكر الإمام النسائي رحمه الله الطريق المنقطع: أعني طريق عبيد الله، عن عمار مباشرة بلا واسطة، والله أعلم بالصواب.
فإن كان السبيل الترجيح بين اختيارات هؤلاء الأئمة، فينبغي أن يراعى في الترجيح المتن أيضًا، وليس الإسناد:
فإما أن يرجح في اللفظ الضربة الواحدة على الضربتين، لاتفاقهما مع حديث عمار في الصحيحين، وإما أن يقال: إن الضربتين كانت باجتهاد من الصحابة، ولم يأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون هذه =