الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لنا في أن مسح الخفين ومسح الحجر الأسود لا يقتضي الاستيعاب، وكذلك من قال منهم بالمسح على العمامة والخمار، ثم نقضوا ذلك في التيمم، فأوجبوا فيه الاستيعاب تحكمًا بلا برهان .... واضطربوا في الرأس .... ثم ذكر اختلافهم
(1)
.
الدليل الثاني:
أن طهارة المسح مبنية على التخفيف، بخلاف طهارة الغسل، فإيجاب الاستيعاب في طهارة المسح فيه عسر ومشقة.
الدليل الثالث:
إذا كان المتيمم يمسح وجهه مرة واحدة بكلتا يديه، فلا تكفي يداه لاستيعاب كل جزء في وجهه مهما قل، فلو كان الاستيعاب فرضًا لشرع تكرار المسح للوجه؛ ليحصل الاستيعاب، فلما لم يشرع تكرار المسح للوجه علم أن الاستيعاب ليس فرضًا.
• الراجح من الخلاف:
المطلوب أن يمسح وجهه بكلتا يديه، ولا يكرر المسح، فما أتت يداه على وجهه بالمسح كاف في حصول المقصود، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح وجهه مرة واحدة بكلتا يديه، ويعلم أن مسح الوجه باليدين لا يمكن أن يمسح كل جزء من وجهه، فإنه إن جمع أصابعه ليعمم بالمسح كل جزء من وجهه بقي طرفا الوجه بدون مسح، وإن فرج أصابعه ليمسح أكبر قدر ممكن من وجهه فإن ما بين أصابعه لم يصبه المسح، فيكون بذلك قد فوت جزءًا، ولو يسيرًا، وهذا دليل على أن مسح الغالب يقوم مقام الكل، وأما تخليل الأصابع فلم يقم دليل صحيح بل ولا ضعيف فيما أعلم على مشروعية تخليل الأصابع في التيمم، فضلًا أن يكون التخليل واجبًا، والتعليل في أن التراب ليس له نفوذ الماء وسريانه، فيعتبر التخليل آكد منه في التيمم منه في الوضوء، فهذا القول ممكن أن يعكس، فيقال: طهارة المسح مبنية على التخفيف، بخلاف طهارة
(1)
المحلى (1/ 376).
الماء، فيستحب التخليل في الوضوء، ولا يشرع التخليل في التيمم، ثم إننا نقول: لسنا بحاجة إلى القياس بالعبادات، وخاصة إن التخليل إما أن يكون مشروعًا أو لا؟
فإن لم يكن مشروعًا فظاهر، وإن كان مشروعًا فلا بد أن يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يرشد إليه، خاصة أنه تيمم عليه الصلاة والسلام، وفعله الصحابة في عهده، وبعد وفاته، فهل قدمتم دليلًا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، فإذا لم يوجد دليل كان هذا دليلًا على أن السنة تركه، فما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم فالسنة تركه، والله أعلم.
قال سليمان بن داود الهاشمي: «يجزئه في التيمم إن لم يصب بعض وجهه، أو بعض كفيه؛ لأنه بمنزلة المسح على الرأس إذا ترك منه بعضًا أجزأه»
(1)
.
وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: «المسح في التيمم كما يمسح الرأس، لا يتعمد لترك شيء من ذلك، فإن بقي شيء منه لم يعد، وليس هو عندي بمنزلة الوضوء»
(2)
.
وقال الجوزجاني: «لم نسمع أحدًا يتبع ذلك من رأسه في المسح ولا بين أصابعه في التيمم، كما يتبعون في الوضوء بالتخليل»
(3)
.
ونقل حرب، عن إسحاق أنه قال: تضرب بكفيك على الأرض، ثم تمسح بهما وجهك، وتمر بيديك على جميع الوجه واللحية، أصاب ما أصاب، وأخطأ ما أخطأ، ثم تضرب مرة أخرى بكفيك
(4)
.
* * *
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 246).
(2)
انظر المرجع السابق
(3)
انظر المرجع السابق.
(4)
انظر المرجع السابق.