الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاقتضى ذلك وجوب أحد شيئين: إما الماء عند وجوده، أو التراب عند عدمه، فكوننا نوجب الماء والتراب معًا هذا خلاف نص الآية، فلما لم يكن هذا الماء كافيًا في طهارته علمنا أن فرضه هو التيمم، ولو كان هذا الماء هو الماء الذي تقوم به طهارته لم تكن صلاته موقوفة على التيمم، فلما لم يرفع هذا الماء حدثه كان وجوده كعدمه كالماء النجس.
الدليل الثاني:
أن التيمم بدل عن الماء، فلا يجمع بين الأصل والبدل، فإما أن يستعمل الماء، أو يتيمم، وما دام أن الماء لا يرفع حدثه ينتقل إلى بدله، وهو التيمم ويكون وجوده كعدمه، وهذا له أمثلة في الشريعة، فلو وجبت عليه كفارة يمين، ولم يجد الكسوة والرقبة، ووجد ما يطعم به تسعة مساكين انتقل إلى الصيام، ولم يؤمر بإطعام التسعة، وهكذا.
وكذلك من وجبت عليه رقبة، وكان عنده ثمن بعض الرقبة، انتقل إلى الإطعام كما لو عدم الرقبة أصلًا.
• واعترض على هذا الدليل:
أما قولكم: إنه لا يجمع بين البدل والأصل، فغير مسلم، فقد جمع بين الأصل والبدل في الوضوء، فهذا مسح الخفين بدل عن طهارة الماء، وقد جمع بينهما في الوضوء، فإنه يغسل أعضاء الوضوء، ويمسح قدميه.
كما أنه جمع بين الأصل والبدل في المسح على الجبيرة، فإن المسح بدل من الغسل، فلو كان في العضو جبيرة، فإنه يمسح عليها، ويغسل الباقي، وهو جمع بين الأصل والبدل.
وأما قولكم بأنه لا عبرة بالقدرة على البعض إذا لم يقدر على الكل قياسًا على القدرة على بعض الكفارة، فيقال: «ضابط الباب: أن ما لم يكن جزؤه عبادة مشروعة
لا يلزمه الإتيان به، كإمساك بعض اليوم، وما كان جزؤه عبادة مشروعة لزمه الإتيان به، كتطهير الجنب بعض أعضائه، فإنه يشرع عند النوم والأكل والمعاودة
…
تخفيفًا للجنابة .... وإذا ثبت تخفيف الحدث الأكبر في بعض البدن، فكذلك الحدث الأصغر»
(1)
.
• ورد هذا الجواب:
أما قولكم في المسح على الخفين بأنه جمع بين الأصل والبدل، فيقال: إن المسح على الخفين فيه خلاف هل هو أصل بنفسه أو بدل، وعلى القول بأنه بدل فهو بدل عن غسل الرجل، وليس بدلًا عن الوضوء، حتى يقال: جمع بين البدل والمبدل منه، فقد سقط غسل القدم إلى بدله، وهو المسح، ولم يجمع بين الغسل والمسح، وكذلك يقال في الجبيرة، فمسح الجبيرة بدل عن غسل الجرح، ولم يجمع بين مسح الجرح وغسله، فتأمل.
وأما قياسكم على تخفيف الحدث، في مشروعية غسل بعض الأعضاء، دون بعض، فكذلك غسلها في مسألتنا، فهذا الكلام ظاهره القوة، ولكن يعكر عليه ما يلي:
أولًا: نحن نوجب أمرًا قياسًا على أمر مستحب، فإن كان الفرع له حكم الأصل، فالأصل غير واجب، فكيف يكون الفرع واجبًا، فتخفيف الحدث في غسل الجنابة للأكل والوطء مستحب، وليس بواجب، فكذلك ما قيس عليه ينبغي أن يكون كذلك.
ثانيًا: لو سلم هذا الفعل في الحدث الأكبر، وأن الجنب إذا قدر على الوضوء، وعجز عن الغسل فله أن يتوضأ بالماء، ويتيمم عن الجنابة، وهي مسألة سوف نتعرض لها إن شاء الله تعالى، فأين الدليل من الشرع على جريانه بالحدث الأصغر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عمد إلى تخفيف الحدث الأصغر بغسل بعض أعضائه، فلم يقع
(1)
بدائع الفوائد (4/ 30).