الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
دليل من قال: يعيد ما دام في الوقت:
لقد ذكر ابن عبد البر: أن هذا الحكم إنما هو في أرض أصابتها نجاسة، ولم يظهر لها أثر في الأرض، وأما الأرض التي تُرَى فيها النجاسة، فإنه يعيد أبدًا
(1)
، فإذا كان ذلك كذلك، فهل الأرض بذلك تكون نجسة، ولا بد من غسلها بالماء، أو يحكم بطهارتها ما دامت لم تظهر فيها النجاسة، الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة فلم يظهر لها لون أو طعم، أو رائحة، وفيه قولان لأهل العلم، فمنهم من يرى نجاسته، ومنهم من يرى أنه طاهر حتى يتأثر بالنجاسة، وقد حررت ذلك في كتاب المياه، وذكرت أدلة كل قول، ورجحت أن الماء لا يحكم له بالنجاسة حتى تكون النجاسة غالبة على الماء، وذلك بأن يظهر لها أثر في الماء من طعم أو لون أو رائحة، فإذا لم يظهر لها شيء من ذلك، واستهلكت في الماء، فإن الماء طهور، والحكم لا يختلف عنه في الأرض، فإن لم يكن للنجاسة وجود محسوس لم تكن الأرض نجسة، ولكن ما هو الدليل على استحباب الإعادة بالوقت، ذكروا وجوهًا للاستحباب منها:
أن التيمم لا يجب فيه إيصال التراب إلى البشرة، إذ لو تيمم على الحجر الصلد أجزأه، وإنما الواجب قصد الأرض وضربها باليد، والمرتفع من التراب النجس إلى الأعضاء لم يحصل به خلل في طهارة الحدث، وإنما هو حامل لنجاسة لم يتعمدها، فيعيد في الوقت، على قاعدة إزالة النجاسة.
أو لأن الغبار ينتقل مع الريح الجارية على هذا المكان، والتيمم إنما يقع على أعلى المنتقل الطاهر
(2)
.
أو لأن الأمام طلب الإعادة بالوقت مراعاة للقائل من الأئمة بطهارة الأرض
(1)
التمهيد (13/ 108) و (22/ 244) الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 29).
(2)
الذخيرة (1/ 349).
بالجفاف كمحمد بن الحنفية، والحسن البصري
(1)
.
قلت: هذه مسألة أخرى سوف أتعرض لها في المسألة التالية لهذه.
أو لأن الحكم عائد إلى حكم الصلاة بالثوب النجس، فإن في مذهب المالكية قولًا باستحباب التخلي عن النجاسة في الصلاة، وأن الطهارة من الخبث ليس شرطًا ولا واجبًا من واجبات الصلاة، وأن من صلى في الثوب النجس يعيد ما دام في الوقت، ولا يعيد إذا خرج الوقت، فهذا مثله. وقد ناقشت أدلة هذه المسألة ولله الحمد في كتاب أحكام النجاسات، فانظره مشكورًا في المجلد الذي يلي هذا.
• الراجح من الخلاف:
التيمم على النجاسة يختلف عن التيمم على التراب النجس، فالتيمم على النجاسة لا يجوز، وأما على التراب المتنجس، فإن كانت الأرض لم تظهر عليها النجاسة، فإن الأرض طيبة، يجوز التيمم والصلاة عليها، وإن كانت النجاسة ترى على الأرض فإنه لا يتيمم عليها، ولكن أن يجعل ذلك شرطًا في صحة التيمم نحتاج إلى نص شرعي ينفي صحة التيمم، ولا يكفي كون الشيء واجبًا أن يكون شرطًا، فإن الشرطية أخص من الوجوب، ولا بد في إثبات الشرطية أن نستند إلى نص ينفي صحة التيمم على الأرض النجسة، كما عبر عن الشرطية في الطهارة بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)
(2)
.
* * *
(1)
الشرح الكبير المطبوع بهامش حاشية الدسوقي (1/ 161).
(2)
البخاري (6954)، مسلم (225).