الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الخامس:
الأصل أن الطهارة تجب لكل صلاة، بظاهر قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
…
) [المائدة: 6]، ولكن السنة خصت من ذلك الطهارة بالماء، حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلوات بوضوء واحد، فبقي التيمم على أصله، إذ لم يرد فيه من التخصيص ما ورد في الوضوء.
• وأجيب:
بأن قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)[المائدة: 6].
إن كان يدل على استحباب الوضوء لكل صلاة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يدل على استحباب التيمم لكل صلاة، فضلًا أن يجب التيمم لكل صلاة، وذلك أن تجديد الوضوء قد وردت به السنة، ولم يرد في التيمم استحباب تجديده لكل صلاة، فكان الأولى أن يقال: إن السنة خصت التيمم، فلا يشرع التيمم لكل صلاة، والقول بأنه لولا ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لكان الوضوء واجبًا لكل صلاة ليس بصواب، لما روى البخاري من حديث أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث
(1)
.
(1)
البخاري (214).
فهذا الحديث ظاهره أن الوضوء لكل صلاة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وأن الصحابة لم يكن يصنعون ما يصنع عليه الصلاة والسلام، وأن هذا لم يتلق بعد فتح مكة، وإنما كان هذا شأن الصحابة رضي الله عنهم.
وإن كان في الآية تقدير كما ذكر بعض أهل العلم، وأن معنى الآية، كما قال زيد بن أسلم رحمه الله: إذا قمتم إلى الصلاة: أي: من النوم .. فعلى هذا التقدير لا يكون فيه مستمسك لمن أوجب التيمم لكل صلاة، والله أعلم.
• الراجح من الخلاف:
بعد استعراض الأدلة نجد أن القول بأن المتيمم له أن يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل أقوى من حيث الاستدلال، وذلك لأن القول بأنه ليس له أن يصلي إلا فريضة واحدة، وله أن يصلي ما شاء من النوافل خلاف القياس، فإن كان له أن يجمع من النوافل ما شاء، فله أن يصلي من الفرائض ما شاء، إذ ليس بين طهارته للمكتوبة وطهارته للنافلة فرق في شيء من الأحكام، وغير جائز أن نقول: إذا صليت النافلة فأنت متطهر، وإذا صليت المكتوبة فأنت غير متطهر، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن من تطهر بموجب الكتاب والسنة فهو على طهارته، ولا ينقضها إلا كتاب أو سنة أو إجماع، أو قول صاحب لا مخالف له، ولا يوجد في هذه المسألة شيء من هذه الأمور، والعجب في مذهب المالكية رحمهم الله تعالى كيف يصلي الرجل مجموعة من الفرائض بتيمم واحد إذا كانت مقضية، ولا يصليها إذا كانت أداء، فهل هذا إلا دليل على أن هذا القول بني على الرأي المحض، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا، والله أعلم.
* * *
المسألة الخامسة
إذا تيمم للنافلة فصلى به نوافل أخرى
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• التيمم طهور المسلم عند عدم الماء.
• كل ما يباح بالماء يباح بالتيمم.
• إذا نوى المتيمم النافلة صلى به ما يشاء من الفروض والنوافل بناء على أن التيمم رافع للحدث، وقيل: لا يستباح بالتيمم الواحد أكثر من عبادة واحدة بناء على أن التيمم مبيح لا رافع، وأن طهارة الضرورة تقدر بقدرها.
[م-428] لو تيمم الرجل ينوي بتيممه فعل نافلة من النوافل، فهل له أن يصلي بهذا التيمم نوافل أخرى، اختلف الفقهاء في ذلك،
فقيل: له أن يصلي ما شاء من النوافل، وهو مذهب الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
،
(1)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 538)، المبسوط (1/ 113).
(2)
قال النووي في المجموع (2/ 257): «فإذا نوى استباحة نافلة جاز أن يصلي من جنس النوافل ما شاء إلى أن يحدث
…
».
والحنابلة
(1)
.
وقيل: له أن يصلي نوافل أخرى بشرط أن تكون متصلة، فإن كان بينها فاصل طويل عرفًا أعاد تيممه، وهذا مذهب المالكية
(2)
.
وهذه المسألة وإن كانت متفرعة عن المسائل السابقة، من كون التيمم يرفع الحدث، أو لا يرفعه، وإنما يبيح فعل الصلاة، ومع ذلك فقد خفف الجمهور في مسألة النوافل، فأجازوا فيها صلاة أكثر من نافلة بتيمم واحد، ولم يجيزوا ذلك في الفرض، وهذا راجع إلى أن النوافل مبنية على التيسير، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي حيث توجهت به راحلته.
* * *
(1)
المغني (1/ 158)، الفروع (1/ 227).
(2)
التاج والإكليل (1/ 496)، مواهب الجليل (1/ 339)، الشرح الكبير (1/ 152).