الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1011 - 88) فقد روى البخاري من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق قال:
كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه
…
الحديث وفيه مناظرة بين عبد الله ابن مسعود وأبي موسى
(1)
.
وقد بينا أن هذه اللفظة قد بين الإمام أحمد أنها غلط، وإن كان أبو معاوية من أثبت أصحاب الأعمش، وهو مقدم على غيره في حديث الأعمش إلا أن الاختلاف على أبي معاوية نفسه دليل على أنه لم يضبط، والثقة قد يخطئ، ولو سلمت صحة رواية أبي معاوية على الأعمش، فإن الترتيب هذا في تقديم اليدين على الوجه مجرد فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب، وظاهر القرآن تقديم الوجه، وهو يدل على أنه إن قدم الوجه على اليدين عملًا بكتاب الله تعالى فحسن، وإن قدم اليدين على الوجه عمل بلفظ
أبي معاوية عن الأعمش فحسن أيضًا، ولا يدل على وجوب تقديم اليدين على الوجه، وهو ظاهر، والله أعلم.
•
دليل من قال: إن تيمم بضربتين كان الترتيب واجبًا وإلا فلا:
استدل لقوله بأن بطون الأصابع لا يجب مسحها بعد مسح الوجه، فإذا وقع مسح باطن الأصابع مع مسح وجهه أخل بالترتيب.
قال ابن عقيل: رأيت التيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيبًا مستحقًا في الوضوء،
(1)
صحيح البخاري (347)، والحديث في مسلم بغير هذا اللفظ، وانظر ح (1009).
وهو أنه يعتد بمسح باطن يديه قبل مسح وجهه
(1)
.
قلت: في هذا دليل على أن الترتيب ليس واجبًا، وليس معناه أن نقول بوجوب الترتيب إن كان التيمم بضربتين، والله أعلم.
• الراجح من الخلاف:
القول بعدم وجوب الترتيب أقوى من حيث النظر، كما أن الأثر لا يدل على وجوب الترتيب، والأصل عدم الوجوب، والله أعلم.
* * *
(1)
الإنصاف (1/ 287).
الفرض الثالث
الموالاة في التيمم
[م-452] اختلف العلماء في حكم الموالاة بين الوجه واليدين في طهارة التيمم،
فقيل: سنة مطلقًا في التيمم من الحدث الأصغر والأكبر، وهو مذهب الحنفية
(1)
، وأصح الأقوال في مذهب الشافعية
(2)
، وقول في مذهب الحنابلة
(3)
.
وقيل: فرض مطلقًا في الحدث الأصغر والأكبر، وهو مذهب المالكية
(4)
.
(1)
البحر الرائق (1/ 153)، حاشية ابن عابدين (1/ 231)، واعتبر الحنفية أن تفريق التيمم أو الوضوء أو الغسل مكروه بدون عذر، وأما إذا كان التفريق بعذر فلا بأس، انظر الفتاوى الهندية (1/ 8، 30).
(2)
قال النووي في المجموع (2/ 269): «وأما السنن كثيرة، إحداها: التسمية.
الثانية: تقديم اليد اليمنى على اليسرى.
الثالثة: الموالاة على المذهب .... ». وانظر حاشيتي قليوبي وعميرة (1/ 105).
(3)
الإنصاف (1/ 287).
(4)
وكما ذهب المالكية إلى وجوب الموالاة بين أجزاء التيمم، ذهبوا إلى أبعد من هذا، فأوجبوا الموالاة بين التيمم، وبين ما فعل له من صلاة ونحوها، فإن طال الفصل أعاد التيمم.
انظر الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 198)، منح الجليل (1/ 147)، الفواكه الدواني (1/ 152)، حاشية الدسوقي (1/ 157).
وجاء في المدونة (1/ 44): «قلت: أرأيت إن تيمم رجل، فيمم وجهه في موضع، ويمم يديه في موضع آخر؟
قال: إن تباعد ذلك فليبتدئ التيمم، وإن لم يتطاول ذلك، وإنما ضرب لوجهه في موضع، ثم قام إلى موضع آخر قريب من ذلك، فضرب ليديه أيضًا، وأتم تيممه، فإنه يجزئه».
وقيل: فرض في الحدث الأصغر دون الأكبر، وهو مذهب الحنابلة
(1)
.
والكلام في أدلة هذه المسألة مقيسة على مسألة حكم الموالاة في الوضوء والغسل، وما ذكر من أدلة هناك، هي نفس أدلة هذه المسألة، فارجع إليها إن شئت.
وقد رجحت هناك أن الموالاة واجبة، وتسقط بالعذر كغيرها من الواجبات؛ لأن التيمم عبادة واحدة، فلا يفرق بين أفعالها، والله أعلم.
* * *
(1)
الإنصاف (1/ 287)، الفروع (1/ 225)، كشاف القناع (1/ 175).