الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر
أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجنب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء، فاستتر واغتسل، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك هو خير
(1)
.
فإذا كان التيمم يقوم مقام الوضوء، فإنه يأخذ حكمه، فإذا كان للمتوضئ أن يصلي بوضوئه ما شاء من الفرائض والنوافل، فكذلك الحكم في التيمم، له أن يصلي به ما شاء من الفرائض والنوافل.
•
دليل من قال: إذا تيمم للنافلة لا يصلي بها الفريضة:
هذه المسألة وأمثالها بنوها على مسألة سابقة، وهي هل التيمم يرفع الحدث، أو يعتبر يبيح للمتيمم فعل المأمور؟ فحين ذهبوا إلى الاعتقاد بأن التيمم لا يرفع الحدث، لم يجعلوا حكمه حكم الوضوء، وبنوا على هذه المسألة من الشروط والأحكام ما كنا في غنية عنه لو تبنوا القول الراجح، وهو أن التيمم يرفع الحدث إلى وجود الماء، فمن ذلك اشترطوا في التيمم نية ما يتيمم له من صلاة أو طواف، ونية ما يتيمم عنه من حدث أصغر أو أكبر، فلو تيمم، ونوى نفلًا لم يدخل الفرض؛ لأن الفرض أعلى من النفل، ولو نوى استباحة الصلاة وأطلق، فلم يعين فرضًا ولا نفلًا لم يصل به فرضًا
(2)
، وبعضهم ذهب إلى أنه لا يصلي فرضين بتيمم واحد كما سيأتي بيانه، وهكذا كل هذه الفروع بنيت على أصل ضعيف، وهو أن التيمم لا يرفع الحدث، وقد بينت فيما سبق من السنة أن التيمم يرفع الحدث إلى حين وجود الماء، وهو يقوم مقام الماء في كل شيء، فأغنى عن إعادته هنا.
•
دليل من قال: لا يتيمم لنافلة:
قال: إن التيمم لا يرفع الحدث، فلا يتيمم إلا للمكتوبة؛ لأنه محدث أجيزت له
(1)
المصنف (913)، وسبق تخريجه، انظر ح (31) من المجلد الأول.
(2)
الروض المربع بتحقيق الدكتور خالد المشيقح وجماعة من طلبة العلم (1/ 377 - 378).
الفريضة للضرورة، فلا نتعداها.
وهذا يعكر عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام، والطهارة لرد السلام مستحب، وليس بواجب.
(978 - 55) فقد روى البخاري من طريق الأعرج، قال: سمعت عميرًا مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري،
فقال أبو الجهيم الأنصاري: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام. وأخرجه مسلم
(1)
.
• الراجح:
الراجح من الخلاف مذهب الحنفية، وأن التيمم يقوم مقام الماء فيرفع الحدث بشرطه، وهو عدم الماء، أو الخوف أو العجز عن استعماله، والله أعلم.
* * *
(1)
البخاري (337)، ومسلم (369).
المسألة الثالثة
لو تيمم للفريضة فصلى به نافلة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• كل طهارة يجوز أن يصلي بها نافلة، فإنه فيجوز له أن يصلي بها فريضة كالوضوء، والعكس.
• الصلاة جنس واحد، فما يصح في النفل يصح في الفرض إلا بدليل.
• التيمم طهور المسلم عند عدم الماء.
• كل ما يباح بالماء يباح بالتيمم بشرطه.
وقيل:
• الأعلى يتضمن الأدنى، والأقوى يتضمن الأضعف، فإذا نوى الفرض صلى به نافلة، وإذا نوى النافلة أبيح له مس المصحف، والطواف، وقراءة القرآن؛ لأن النافلة آكد من ذلك كله.
• القوي ينوب عن الضعيف.
[م-426] اختلف أهل العلم فيما لو تيمم للفريضة، فهل له أن يصلي به نافلة،
فقيل: له أن يصلي به نافلة مطلقًا، سواء تقدمت النافلة على الفريضة، أو العكس، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، ومذهب الشافعية
(2)
، والمشهور من مذهب الحنابلة
(3)
.
وقيل: له أن يصلي به نافلة بشرط ألا تتقدم النافلة على الفريضة، وأن تكون النافلة موصولة بالفريضة، وهذا مذهب المالكية
(4)
، وقول في مذهب الشافعية
(5)
.
• وجه قول الجمهور:
أما الحنفية فتعليلهم هو ما سبق أن التيمم يرفع الحدث، فإذا ارتفع الحدث فله أن يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، وهذا هو التعليل الصحيح لهذه المسألة.
وأما تعليل الشافعية، فقالوا: كل طهارة يجوز له أن يتنفل بها بعد الفريضة، فإنه يجوز له قبلها كالوضوء
(6)
.
وهذا التعليل جيد، لكن لا يطردونه، فلا يجيزون له فعل الفريضة لو تيمم بنية النافلة، فيقال لهم: لما لا تقولون: كل طهارة جاز أن يصلي بها نافلة، فيجوز أن يصلي بها فريضة كالوضوء، ولا فرق.
وأما تعليل الحنابلة، قالوا: إذا نوى استباحة الأعلى الذي هو الفرض جاز له استباحة الأدنى: الذي هو النفل، فنية الفريضة أعلى من نية النافلة، دون العكس.
فيقال لهم القاعدة المشهورة: الصلاة جنس واحد، ما صح في النفل صح في الفرض، وكذلك العكس، فكل ما يبطل النافلة يبطل الفريضة، وكل شيء يبطل
(1)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 29)، بدائع الصنائع (1/ 55)، تبيين الحقائق (1/ 40).
(2)
المجموع (2/ 346)، التنبيه (ص: 21)، البيان في مذهب الشافعي (1/ 278).
(3)
الكافي في فقه أحمد (1/ 67)، دليل الطالب (ص: 20)، منار السبيل (1/ 56).
(4)
مواهب الجليل (1/ 339).
(5)
البيان في مذهب الشافعي (1/ 278) المهذب (1/ 36) إلا أن الشافعية لم يشترطوا كالمالكية أن تكون موصولة بالفريضة.
(6)
المهذب (1/ 36).
الفريضة يبطل النافلة إلا بدليل صحيح من السنة كاستقبال القبلة ونحوها، فما لم يأت دليل على أن هذا خاص بالنفل دون الفرض فالأصل فيه استواء الحكم، ولذلك لما ذكر الصحابي رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، قال: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة
(1)
، فلولا هذا الاستثناء لانسحب الحكم حتى على الفريضة، فنحتاج إلى دليل من السنة على أن من تيمم للنفل لا يصلي به الفرض، ولا يوجد دليل، فلذلك فالقول الراجح أن الحدث إذا ارتفع يصلي به ما شاء من الفرائض والنوافل، سواء نوى ارتفاع الحدث، أو نوى صلاة مطلقة أو نوى نفلًا أو فرضًا.
• تعليل المالكية:
التعليل الأول:
(2)
.
• ويُجاب:
الظاهر من هذا التعليل أنهم بنوه على أصل ضعيف، وهو أنه لا يصلي صلاتين بتيمم واحد، وهذا لا دليل عليه، وأنه اغتفر ذلك في النافلة بشرط أن تكون بعد الفريضة، وبشرط أن تكون متصلة بها بدون فاصل، وحملهم على ذلك أن النافلة يتسامح فيها ما لا يتسامح في الفرض، ومراعاة للخلاف، وأنها إذا اتصلت كان
(1)
الحديث في الصحيحين من حديث ابن عمر، وهذا لفظ مسلم (700)، وانظر البخاري (999).
(2)
مواهب الجليل (1/ 339).
حكمها حكم الصلاة الواحدة، وكل ذلك لا دليل عليه من السنة، وإنما هو قائم على نظر غير صحيح، وأن التيمم لا يرفع الحدث، ولو كانت النافلة إذا اتصلت بالفريضة كان حكمهما حكم الصلاة الواحدة، فلماذا لا تقولون هذا في الفريضة، وأنه يجوز أن يصلي فرضين بتيمم واحد بشرط اتصالها حتى يكونا كالصلاة الواحدة، ولو كان الحامل على ذلك مراعاة الخلاف، فإن الخلاف قائم حتى في صلاة فريضتين بتيمم واحد، فلماذا لم تقولوا بجواز ذلك مراعاة للخلاف، مع أن مراعاة الخلاف ليس من أدلة الشرع مطلقًا، لا المتفق عليها، ولا المختلف فيها، ولكن دائمًا تجد القول الضعيف لا يَطَّرد، ويحمل تناقضه معه، بخلاف القول الصحيح، والله أعلم.
• التعليل الثاني للمالكية:
ذكر بعضهم تعليلًا آخر، وهو أن مالكًا إنما قال: تصلى النافلة بتيمم الفريضة، ولا تصلى الفريضة بتيمم النافلة، مع أن الكل صلاة؛ لأن الأصول مبنية على أن النوافل تبع للفرائض؛ لأن الفرائض أصول، فلما كان الأصل كذلك جاز أن تصلى النافلة بتيمم الفريضة؛ لأنها تبع لها، ولم يجز أن تصلى الفريضة بتيمم النافلة؛ لأن ذلك خلاف الأصول؛ إذ تصير الفريضة حينئذ تبعًا للنافلة.
• ويُجاب:
لو كان هذا الأصل صحيحًا لاطرد هذا الأصل في طهارة الماء، وكنا نمنع من صلاة الفريضة بعد النافلة حتى في الوضوء من أجل أن لا تكون الفريضة تبعًا للنافلة، فلما لم يراع مثل هذا في طهارة الماء لم يراع مثل ذلك في طهارة التيمم، والتيمم إنما هو بدل عن الوضوء، والبدل له حكم المبدل.
* * *
المسألة الرابعة
في أداء الفرائض بتيمم واحد
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• كل ما يباح بالماء يباح بالتيمم.
• يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفروض والنوافل بناء على أن التيمم رافع للحدث، وقيل: لا يستباح بالتيمم الواحد أكثر من فريضة بناء على أن التيمم مبيح لا رافع، والصواب الأول.
[م-427] اختلف الفقهاء في الرجل الواحد يصلي أكثر من فريضة بتيمم واحد:
فقيل: إذا تيمم للفريضة فله أن يصلي به ما شاء من الفروض والنوافل، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، والحنابلة
(2)
.
(1)
الهداية شرح البداية (1/ 27)، بدائع الصنائع (1/ 55)، تحفة الفقهاء (1/ 46)، نور الإيضاح (ص: 27)، تبيين الحقائق (1/ 40)، المبسوط (1/ 113).
(2)
قال أحمد في رواية الميموني كما في جامع المسائل (2/ 173): «أستحسن أن يتيمم لكل صلاة، ولكن القياس أنه بمنزلة الماء حتى يحدث، أو يجد الماء» . وانظر شرح العمدة (1/ 445)، عمدة الفقه (ص: 11)، مطالب أولي النهى (1/ 191)، الإنصاف (1/ 292).