الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول إذ خاف خروج وقت الفريضة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• إذا ازدحم واجبان أو شرطان، ولم يمكن الجمع بينهما، كازدحام شرط الطهارة وشرط الوقت، فأيهما يقدم، فالصلاة لا تنفك عن الوقت إما أداء، وإما قضاء، والنوم والنسيان عذر معتبر لفوات الوقت، فليلحق بهما عذر تحصيل الطهارة.
• الصلاة لا تصح إلا بالوضوء مع القدرة عليه، وهذا قادر على استعمال الماء من غير عجز ولا ضرر.
• التيمم لم يشرع لإدراك الوقت فقط، بل ربما روعي فيه ألا تتراكم الصلوات على المكلف، فيشق عليه القضاء.
• الطهارة ألصق بالصلاة من الوقت، فالوقت ظرف، والطهارة شطر الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان
(1)
، والمقصود شطر الصلاة، والفائتة تصح خارج الوقت، وإذا أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت حتى ولو وقع أكثر الصلاة خارج الوقت، بينما لا صلاة بغير طهور، والطهارة بمنزلة الأهلية للأداء، فلو أحدث بأي جزء من الصلاة قبل التسليم عاد البطلان إلى جميع الصلاة.
(1)
قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي صلاتكم.
وقيل:
• التيمم شرع مراعاة للوقت وحتى لا تتراكم الصلوات، وإلا لأمكن أن يقال: ينتظر إلى حين وجود الماء.
[م-413] إذا خشي خروج الوقت لو توضأ، فهل يتيمم ليدرك الوقت، أو يتوضأ، ولو صلى خارج الوقت؟
وهذه المسألة فرع من مسائل كثيرة تدور على أيهما يقدم مراعاة الوقت، أو مراعاة الشرط، إذا كان تحصيل أحدهما سيكون سببًا في فوات الآخر؟
فالمسافر إذا عدم الماء، ولا يصل إليه إلا بعد خروج الوقت، فجمهور العلماء يرون أنه يتيمم ويصلي في الوقت
(1)
.
(2)
.
إلا أن الحنفية لم يجعلوا المعيار في التيمم إدراك الوقت، وإنما نظروا إلى قرب الماء وبعده، فإن كان الماء قريبًا فإنه لا يتيمم، وإن خرج الوقت، وإن كان بعيدًا تيمم
(3)
.
[م-414] ومثله العريان لو أمكنه تحصيل السترة بعد خروج الوقت لم يؤخر الصلاة حكاه ابن تيمية إجماعًا
(4)
، وفيه قول للشافعية إن كان يمكنه تحصيل السترة
(1)
بداية المجتهد (1/ 47).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 472)، (22/ 56).
(3)
انظر حاشية ابن عابدين (1/ 232)، بدائع الصنائع (1/ 55)، الجوهرة النيرة (1/ 21)، البحر الرائق (1/ 147، 167)، المبسوط (1/ 114، 115).
(4)
مجموع الفتاوى (22/ 57)، وانظر الفتاوى الهندية (1/ 59)، البحر الرائق (1/ 289)، حاشية ابن عابدين (1/ 411)، الشرح الكبير (1/ 222)، المغني (1/ 347).
قريبًا لزمه انتظار السترة، وإن فات الوقت
(1)
.
[م-415] وإذا أخر الصلاة عن وقتها للاشتغال بشرطها الذي يحصله قريبًا، كرجل وقف على بئر، وهو محدث، فإن اشتغل باستخراج الماء من البئر خرج الوقت، وإن تيمم صلى في الوقت، فأيهما أولى بالمراعاة؟
وقع نزاع بين أهل العلم،
فقيل: يقدم الوقت على الشرط، فيصلي بالتيمم لإدراك الوقت.
اختاره زفر من الحنفية، وهو المشهور في مذهب مالك، نص عليه في المدونة، وأحد القولين في مذهب الشافعية، واستظهره النووي
(2)
.
(1)
البيان للعمراني (2/ 132).
(2)
البحر الرائق (1/ 147)، بدائع الصنائع (1/ 55)، الفتاوى الهندية (1/ 28، 59)، واقتصر عليه صاحب الشرح الصغير (1/ 182).
جاء في المدونة (1/ 44): «سألنا مالكًا عن المسافر يأتي البئر في آخر الوقت، فهو يخاف إن نزل ينزع بالرشا، ويتوضأ، يذهب وقت تلك الصلاة؟ قال: فليتيمم، وليصل. فقلت لابن القاسم: أفيعيد الصلاة بعد ذلك إذا توضأ في قول مالك؟ قال: لا. قلت: فإن كان هذا الرجل في حضر، أتراه في قول مالك بهذه المنزلة في التيمم؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: وقد كان مرة من قوله في الحضري أنه يعيد إذا توضأ» . اهـ فهنا حسب نص المدونة أنه يتيمم، وفي الإعادة قولان: أنه لا يعيد مطلقًا، وقول آخر: بأن الحضري يعيد دون المسافر.
والذي تجمع لي أن في مذهب المالكية أقوالًا كثيرة، وقد ذكرها صاحب النوادر والزيادات (1/ 110) وذكرها غيره، منها:
الأول: أنه يتيمم، ولا يعيد، وهذا نص المدونة كما سبق، واقتصر عليه صاحب الشرح الصغير، وقال الصاوي: المعول عليه، فلذا اقتصر عليه المصنف.
الثاني: أنه يتيمم، ويعيد مطلقًا.
الثالث: أنه يتيمم، ويعيد إن كان في الحضر، ولا يعيد إن كان مسافرًا.
الرابع: أنه يتوضأ، ولو خرج الوقت، وهذا القول حكى عبد الحق عن بعض الشيوخ الاتفاق عليه ..
الخامس: التفريق بين أن يكون الماء في البئر يحتاج إلى نزح، فيتيمم، وبين أن يكون الماء بين يديه، لكن يخشى إن استعمله أن يخرج الوقت، فإنه يتوضأ، ولو خرج الوقت.
…
قال ابن شاس: يستعمله عند المغاربة؛ لأنه واجد.
وقال أبو محمد القاضي: أنه يتيمم، وحكاه الأبهري رواية.
قال عبد الحق في النكت: والفرق بين النزع من البئر والاستعمال، أن المستعمل واجد، والنازح فاقد، وإنما هو يتسبب ليجد.
قال ابن يونس: ولا فرق عندي بين تشاغله باستعماله أو باستخراجه من البئر، فإن المقصود الصلاة في الوقت، وكذلك قال ابن القصار والقاضي عبد الوهاب». انظر الذخيرة للقرافي (1/ 337)، ومواهب الجليل (1/ 329).
وانظر الخلاف في مذهب الشافعية في روضة الطالبين (1/ 96)، المجموع (2/ 246).
وقيل: يقدم الشرط على الوقت، فيصلي بالماء ولو خرج الوقت.
وهذا مذهب الحنفية، وأحد الأقوال في مذهب المالكية، وأحد القولين في مذهب الشافعية، ورجحه الرافعي، والمشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 51)، البحر الرائق (1/ 147، 167)، الدر المختار (1/ 246)، المحيط البرهاني (1/ 137)، فالحنفية يقسمون العبادات إلى ثلاثة أقسام:
الأول: نوع لا يخشى فواتها أصلًا لعدم توقيتها، كالنفل المطلق فهذا لا يصليها إلا مع وجود الماء.
الثاني: نوع يخشى فواتها، وليس لها بدل عندهم، كصلاة الجنازة وصلاة العيد، فهذه يتيمم لها إذا خشي فواتها.
الثالث: نوع يخشى فواتها، وتقضى بعد وقتها كالفرائض، أو يصلى بدلها كالجمعة إذا فاتت صلاها ظهرًا، فهذه لا يتيمم لها، وإن خرج الوقت، بل ينتقل إلى بدلها، أو يقضيها.
وانظر قول المالكية: الذخيرة للقرافي (1/ 337)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 182).
والحقيقة أن المالكية ليس لهم منهج مطرد في هذا، وقد ذهبوا إلى أن من عليه قضاء صلوات يسيرة كالخمس فما دونها، وخشي خروج الوقت، أنه يقدم الترتيب، ولو خرج وقت الحاضرة، فلو كان عليه صلاة الفجر والظهر والعصر وقرب الغروب فإنه يبدأ بالفجر، ولو خرج وقت العصر، فقدموا الترتيب على شرط الوقت مع أن الترتيب أقل شأنا من الطهارة. انظر المقدمات الممهدات (1/ 202)، القوانين الفقهية (ص: 51)، شرح الخرشي (1/ 301).
وانظر القولين في مذهب الشافعية: روضة الطالبين (1/ 96)، المجموع شرح المهذب (2/ 246)، أسنى المطالب (1/ 75)، حاشيتي قليوبي وعميرة، وقال في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (1/ 332):«هذا في المسافر، أما المقيم فلا يتيمم، وعليه أن يسعى إلى الماء، وإن فات به الوقت» .
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله (1/ 135): «سألت أبي عن رجل في مصر من الأمصار، فخاف إن هو ذهب يجئ بالماء ليتوضأ، أن تطلع عليه الشمس، يتيمم؟ قال: لا يكون هذا في مصر من الأمصار، إنما يتيمم في السفر، أو غير واجد للماء» . اهـ وانظر الفروع (1/ 293)، المبدع (1/ 304)، الإنصاف (1/ 303)، المستوعب (1/ 281 - 882)، المحرر (1/ 23)، كشاف القناع (2/ 226).