الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(الْفَصْلُ الْخَامِسُ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ (هُوَ) أَيْ الْمُفْرَدُ (بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ يَنْقَسِمُ إلَى: حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ) وَوَجْهُ حَصْرِهِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا (فَالْحَقِيقَةُ) فَعِيلَةٌ إمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ حَقَّ الشَّيْءُ يَحِقُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ إذَا ثَبَتَ وَالتَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ وَإِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ حَقَقْت الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَحُقُّهُ بِالضَّمِّ إذَا أَثْبَتُّهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْكَلِمَةَ الثَّابِتَةَ أَوْ الْمُثْبَتَةَ فِي مَكَانِهَا الْأَصْلِيِّ وَالتَّاءُ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ الصِّرْفَةِ كَالْأَكِيلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلِلتَّأْنِيثِ عِنْدَ السَّكَّاكِيِّ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ صِفَةُ مُؤَنَّثٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ أَيْ الْكَلِمَةُ وَنُوقِشَ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ اصْطِلَاحًا (اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ فِي فَرْدٍ مِنْ مَاصَدَقَاتِ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ (فِي عُرْفٍ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْعُرْفِ (ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ) فَخَرَجَ بِالْمُسْتَعْمَلِ الْمُهْمَلُ وَالْمَوْضُوعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَبِقَوْلِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ الْمَجَازُ وَالْغَلَطُ وَسَيَنُصُّ عَلَيْهِ وَتَأْتِي فَائِدَةٌ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ فِي عُرْفٍ بِهِ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ اللَّفْظُ الَّذِي لَهُ وَضْعَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي عُرْفَيْنِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ الْوَضْعِيِّ فِي الْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَإِنَّهُ فِيهِ مَجَازٌ (وَتَنْقَسِمُ) الْحَقِيقَةُ (بِحَسَبِ ذَلِكَ) الْوَضْعِ (إلَى لُغَوِيَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لِوَاضِعِ اللُّغَةِ (وَشَرْعِيَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لِلشَّارِعِ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ وَضَعَهَا لَهُ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَهَا لَهَا (وَعُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ (كَالدَّابَّةِ) فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الْحَوَافِرِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَضَعُوهَا لَهَا (وَخَاصَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ (كَالرَّفْعِ) لِلْحَرَكَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَضَعُوهُ لَهَا
(وَالْقَلْبِ) كَجَعْلِ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَقَلْبِهِ فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ وَضَعُوهُ لَهُ (وَيَدْخُلُ) فِي الْحَقِيقَةِ اللَّفْظُ (الْمَنْقُولُ مَا وُضِعَ لِمَعْنًى بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَةٍ لِمَا كَانَ لَهُ أَوَّلًا) عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ آتٍ قَرِيبًا (وَالْمُرْتَجَلُ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعِيٍّ لَمْ يُسْبَقْ بِآخَر (وَالْأَعَمُّ) الْمُسْتَعْمَلُ (فِي الْأَخَصِّ كَرَجُلٍ فِي زَيْدٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ لَا يَعْرِفُ الْقُدَمَاءُ غَيْرَ هَذَا إلَى أَنْ حَدَثَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الشَّخْصِ يَعْنِي بِجَعْلِ خُصُوصِ عَوَارِضِهِ الْمُشَخِّصَةِ مُرَادًا مَعَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِلَفْظِ الْأَعَمِّ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةً وَكَأَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ قَلَّمَا تَخْطُرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى تَرَكَ الْأَقْدَمُونَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بَلْ الْمُتَبَادَرَ مِنْ مُرَادِ مَنْ يَقُولُ لِزَيْدٍ يَا إنْسَانُ يَا مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ لَا يُلَاحَظُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا فَائِدَةٌ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ (وَزِيَادَةُ أَوَّلًا) بَعْدَ قَوْلِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ (تُخِلُّ بِعَكْسِهِ لِصِدْقِ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ فِي الْمُتَأَخِّرِ وَضْعُهُ لَهُ) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَمْنَعُ صِدْقَ الْحَدِّ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ أَنَّهُ) أَيْ أَوَّلًا (بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْمَجَازِ) لِيَخْرُجَ بِهِ الْمَجَازُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ (عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ) وَضْعُ الْمَجَازِ (جَازَ أَوَّلِيَّةُ وَضْعِ الْمَجَازِ كَاسْتِعْمَالِهِ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ أَوَّلِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَاقَةٌ قَبْلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَذَلِكَ يَجُوزُ أَوَّلِيَّةُ وَضْعِ الْمَجَازِ فِيهِ قَبْلَ وَضْعِهِ لِمَعْنَاهُ بِأَنْ يَقُولَ: وَضَعْت هَذَا اللَّفْظَ لِأَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَأَضَعُهُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ اعْتَبَرْتهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَبِلَا تَأْوِيلٍ) أَيْ وَزِيَادَةُ السَّكَّاكِيِّ بِلَا تَأْوِيلٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَضْعِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الِاسْتِعَارَةِ لِعَدِّ الْكَلِمَةِ فِيهَا مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ فِي الْوَضْعِ وَهُوَ أَنْ يُسْتَعَارَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الِادِّعَاءِ مُبَالَغَةً ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ ادِّعَاءً لَا تَحْقِيقًا وَهِيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْحَدِّ (إذْ حَقِيقَةُ الْوَضْعِ لَا تَشْمَلُ الِادِّعَائِيَّ) كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَأَحْسَنُ مَا اُعْتُذِرَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ دَفْعَ الْوَهْمِ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الِاسْتِعَارَةِ هَلْ هِيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَنَظِيرُهُ فِي دَفْعِ الْوَهْمِ الِاحْتِرَازُ فِي حَدِّ الْفَاعِلِ بِقَيْدِ تَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ عَنْ الْمُبْتَدَأِ فِي زَيْدٌ قَائِمٌ (وَالْمَجَازُ) فِي الْأَصْلِ مَفْعَلٌ إمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْعُبُورِ وَالتَّعَدِّي كَمَا اخْتَارَهُ السَّكَّاكِيُّ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ لِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ الْمُشْتَقِّ أَوْ اسْمُ مَكَان مِنْهُ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ الْجَائِزَةُ أَيْ الْمُتَعَدِّيَةُ مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ أَوْ الْكَلِمَةُ الْمُجَوَّزُ بِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ جَازُوا بِهَا مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فَالتَّسْمِيَةُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ أَوْ مِنْ جَعَلْت كَذَا مَجَازًا إلَى حَاجَتِي أَيْ طَرِيقًا لَهَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى جَازَ الْمَكَانَ سَلَكَهُ فَإِنَّ الْمَجَازَ طَرِيقٌ إلَى تَصَوُّرِ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَاصْطِلَاحًا (مَا اُسْتُعْمِلَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ لِغَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَا وُضِعَ لَهُ (لِمُنَاسِبَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْغَيْرِ (اُعْتُبِرَ نَوْعُهَا وَيَنْقَسِمُ) الْمَجَازُ إلَى لُغَوِيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ عَامٍّ وَخَاصٍّ (كَالْحَقِيقَةِ) لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ إنْ كَانَ لِمُنَاسِبَةٍ لِمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَقْسَامِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَجَازٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَعْنًى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ كَانَ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمَجَازُ تَابِعًا لِلْحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (وَتَدْخُلُ الْأَعْلَامُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالْمُرْتَجَلُ فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَمَجَازٌ فِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْأَوَّلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الثَّانِي فَحَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ يَدْخُلُ فِي الْأَعْلَامِ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ ابْنُ لُقْمَانِ الْحَنَفِيُّ: ذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إلَى أَنَّ الْأَلْقَابَ يَدْخُلُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ (وَعَلَى
مَنْ أَخْرَجَهَا) أَيْ الْأَعْلَامَ مِنْهُمَا كَالْآمِدِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ (تَقْيِيدُ الْجِنْسِ) الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِمَا بِغَيْرِ الْعَلَمِ وَاقْتَصَرَ الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالْمَجَازِ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْقَلْ لِعَلَاقَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَخَرَجَ عَنْهُمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (الْغَلَطُ) كَخُذْ هَذَا الْفَرَسَ مُشِيرًا إلَى كِتَابٍ بِيَدِك أَمَّا عَنْ الْحَقِيقَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْوَضْعِيِّ وَأَمَّا عَنْ الْمَجَازِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ الْوَضْعِيِّ لِعَلَاقَةٍ اُعْتُبِرَ نَوْعُهَا وَقَدْ يُقَالُ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يُؤْذِنُ بِالْقَصْدِ إذْ كَانَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا وَلَا قَصْدَ فِي الْغَلَطِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْشِيَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ غَلَطٌ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَلَطِ الْمُخْرِجِ عَنْهُمَا مَا يَكُونُ سَهْوًا مِنْ اللِّسَانِ بَلْ يَكُونُ خَطَأً فِي اللُّغَةِ صَادِرًا عَنْ قَصْدٍ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الْمَجَازِ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الْمَجَازِ بِالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] عَنْهُ أُجِيبُ بِأَنَّ لَفْظَ الْمَجَازِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِمَّا هُوَ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى وَعَلَى الْمَجَازِ الْمُورِدِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْإِعْرَابِ أَوْ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ حُكْمِ إعْرَابِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ نَقُولُ (: وَمَجَازُ الْحَذْفِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ) كَالْقَرْيَةِ (بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ إعْرَابِهِ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ كَالْقَرْيَةِ اللَّفْظُ (الْمَحْذُوفُ) كَالْأَهْلِ حَتَّى كَانَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي أَهْلِ الْقَرْيَةِ (كَانَ) الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَجَازُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ (الْمَحْدُودِ وَمَجَازُ الزِّيَادَةِ قِيلَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِمَعْنًى وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ (لَا حَقِيقَةَ وَلَا مَجَازَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ لِمَعْنَى (وَلَمَّا لَمْ يَنْقُصْ) مَجَازُ الزِّيَادَةِ (عَنْ التَّأْكِيدِ قِيلَ لَا زَائِدَ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ مَجَازَ الزِّيَادَةِ (حَقِيقَةٌ لِوَضْعِهِ لِمَعْنَى التَّأْكِيدِ) فِي التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ وَإِنْ عُرِفَ لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ مَثَلًا مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلِلِابْتِدَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ قَبْلَ نَكِرَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِتَأْكِيدِ عُمُومِهِ وَضْعًا وَقِسْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (لَا مَجَازَ لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ) الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْمَجَازِ (فَكُلُّ مَا اُسْتُعْمِلَ زَائِدًا مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَعْنًى أَصْلًا وَهُوَ الْمَنْفِيُّ عَنْ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَبَيْنَ مَا لَا يُخِلُّ سُقُوطُهُ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَهُوَ لَا يُعَرَّى عَنْ التَّأْكِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُدَّعَى وُجُودُهُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ
(وَزَائِدًا بِاصْطِلَاحٍ) لِلنَّحْوِيَّيْنِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَقِيقَةٍ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَضْعَ يَكُونُ لِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ جُزْئِيَّاتُ مَوْضُوعِهَا أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ وَ) يَكُونُ (لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ) أَيْ الْوَضْعُ لِمَعْنًى خَاصٍّ (الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْوَضْعُ لِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ إلَخْ الْوَضْعُ (النَّوْعِيُّ وَيَنْقَسِمُ) النَّوْعِيُّ: (إلَى مَا يَدُلُّ جُزْئِيُّ مَوْضُوعَ مُتَعَلِّقِهِ) عَلَى الْمَعْنَى (بِنَفْسِهِ) فَالضَّمِيرُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَبِنَفْسِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا ثَمَّ بِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلٍ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (وَضْعُ قَوَاعِدِ التَّرْكِيبِ وَالتَّصَارِيفِ وَبِالْقَرِينَةِ) أَيْ وَإِلَى مَا يَدُلُّ جُزْئِيُّ مَوْضُوعِ مُتَعَلِّقِهِ بِالْقَرِينَةِ (وَهُوَ وَضْعُ الْمَجَازِ كَقَوْلِ الْوَاضِعِ: كُلُّ مُفْرَدٍ بَيَّنَ مُسَمَّاهُ وَغَيْرَهُ مُشْتَرَكٌ اعْتَبَرْتَهُ) أَيْ الْمُفْرَدَ (أَيْ اسْتَعْمَلْتَهُ فِي الْغَيْرِ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فَلِكُلٍّ) مِنْ النَّاسِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ (ذَلِكَ) الْمُفْرَدَ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (مَعَ قَرِينَةٍ) تُفِيدُ ذَلِكَ (وَلَفْظُ الْوَضْعِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ) الشَّخْصِيِّ وَالنَّوْعِيِّ الدَّالِ جُزْئِيُّ مَوْضُوعِ مُتَعَلِّقِهِ بِنَفْسِهِ لِتَبَادُرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَضْعِ (مَجَازٌ فِي الثَّالِثِ) أَيْ النَّوْعِيِّ الدَّالِ جُزْئِيِّ مَوْضِعِ مُتَعَلِّقِهِ بِالْقَرِينَةِ (إذْ لَا يُفْهَمُ بِلَا تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْوَضْعِ بِالْمَجَازِ كَأَنْ يُقَالَ وَضْعُ الْمَجَازِ (فَانْدَفَعَ) بِهَذَا التَّحْقِيقِ (مَا قِيلَ) عَلَى حَدِّ الْحَقِيقَةِ (إنْ أُرِيدَ بِالْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ خَرَجَ مِنْ الْحَقِيقَةِ) كَثِيرٌ مِنْ الْحَقَائِقِ (كَالْمُثَنَّى وَالْمُصَغَّرِ) وَالْمَنْسُوبِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ بِحَسَبِ الْهَيْئَةِ دُونَ الْمَادَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِالنَّوْعِ لَا بِالشَّخْصِ (أَوْ) أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَضْعِ (الْأَعَمِّ) مِنْ الشَّخْصِيِّ وَالنَّوْعِيِّ (دَخَلَ الْمَجَازُ) فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِالنَّوْعِ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِهِ وَهُوَ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ أَيْ لَا بِضَمِيمَةِ قَرِينَةٍ إلَيْهِ فَتَدْخُلُ الْحَقَائِقُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا يَدْخُلُ الْمَجَازُ (وَظَهَرَ اقْتِضَاءُ الْمَجَازِ وَضْعَيْنِ) وُضِعَا (لِلَّفْظِ) لِمَعْنًى بِحَيْثُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ (وَ) وُضِعَا (لِمَعْنَى نَوْعِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ
وَالْمَجَازِيِّ وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَا يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهِ عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَا يُعَلِّقُ الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ نَحْوَ عِلَاقَةُ السَّوْطِ وَعِلَاقَةُ الْمَجَازِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُعَلِّقُهُ بِمَحَلِّ الْحَقِيقَةِ بِأَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهَا عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا أَمَّا بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهِيَ عَلَاقَةُ الْخُصُومَةِ وَالْحُبِّ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْخَصْمِ بِخَصْمِهِ وَالْمُحِبِّ بِمَحْبُوبِهِ ذَكَرَهُ الطُّوفِيُّ هَذَا وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَضْعُ اللَّفْظِ بِإِزَائِهِ أَوْ لَا لَفْظِيٌّ مَنْشَؤُهُ أَنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى فُسِّرَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ لِلْمَعْنَى فَعَلَى هَذَا لَا وَضْعَ فِي الْمَجَازِ أَصْلًا لَا شَخْصِيًّا وَلَا نَوْعِيًّا لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يُعَيِّنْ اللَّفْظَ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بَلْ بِالْقَرِينَةِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ النَّوْعِيَّةِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بِالْمُنَاسَبَةِ لَا بِالْوَضْعِ وَالثَّانِي تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا فَفِي الْمَجَازِ وَضْعٌ نَوْعِيٌّ قَطْعًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُهَا عِنْدَ الْوَاضِعِ وَأَمَّا الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ فَرُبَّمَا يَثْبُتُ فِي بَعْضٍ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبَيْ وُجُوبِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ فَعَلَى الثَّانِي اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ الْمُعْتَبَرَةِ نَوْعًا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ وُضِعَ أَوَّلًا وَعَلَى الْأَوَّلِ اسْتِعْمَالُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُهَا مَعَ الِاسْتِعْمَالِ الشَّخْصِيِّ وَالنِّزَاعُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ الِاسْتِعْمَالُ مَعَ الْقَرِينَةِ مُسْتَلْزِمًا لِلْوَضْعِ بِالْمَعْنَيَيْنِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ تَفَرُّعُ الْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّعَقُّلِ قَالَ بِالْوَضْعِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ قَالَ بِعَدَمِ الْوَضْعِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَضْعَ هَلْ هُوَ تَخْصِيصُ عَيْنِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَيَكُونُ تَخْصِيصًا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ اللَّفْظِ بِالْقِيَاسِ إلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَيَنْقَسِمُ إلَى شَخْصِيٍّ وَنَوْعِيٍّ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَجَازُ مَوْضُوعٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِطِينَ النَّقْلَ فِي الْآحَادِ إذْ قَدْ عُلِمَ بِالِاسْتِعْمَالِ تَخْصِيصُ عَيْنِهِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَالِاخْتِلَافُ مَعْنَوِيٌّ رَاجِعٌ إلَى وُجُوبِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ نَقْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ وَأَيْضًا الْمُشْتَقَّاتُ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَضْعَهَا نَوْعِيٌّ.
(وَهِيَ) أَيْ الْعَلَاقَةُ (بِالِاسْتِقْرَاءِ) عَلَى تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ خَمْسَةٌ (مُشَابَهَةٌ صُورِيَّةٌ) بَيْنَ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (كَإِنْسَانٍ لِلْمَنْقُوشِ) أَيْ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ إنْسَانٍ عَلَى شَكْلِهِ الْمَنْقُوشِ بِجِدَارٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ) مُشَابَهَةٌ بَيْنَهُمَا (فِي مَعْنًى مَشْهُورٍ) أَيْ صِفَةٍ غَيْرِ الشَّكْلِ ظَاهِرَةِ الثُّبُوتِ لِمَحَلِّ الْحَقِيقَةِ لَهَا بِهِ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ وَشُهْرَةٍ لِيَنْتَقِلَ الذِّهْنُ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَعْنِي الْمَوْصُوفَ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَيُفْهَمُ الْمَعْنَى الْآخَرُ أَعْنِي الْمَجَازِيَّ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الصِّفَةِ لَهُ (كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ) فَإِنَّهَا صِفَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ فَإِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ وَانْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى الشُّجَاعِ وَإِذَا نُصِّبَتْ قَرِينَةٌ مُنَافِيَةٌ لِإِرَادَةِ الْمُفْتَرِسِ كَفِي الْحَمَّامِ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شُجَاعٌ غَيْرُ الْأَسَدِ فَصَحَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الشَّجَاعَةِ (بِخِلَافِ الْبَخَرِ) فَإِنَّهُ صِفَةٌ خَفِيَّةٌ لَهُ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْبَخَرِ.
فَهَذَا النَّوْعُ بِقِسْمَيْهِ إحْدَى الْعِلَاقَاتِ وَقَدْ يُعَدَّانِ نَوْعَيْنِ (وَيُخَصُّ) هَذَا النَّوْعُ (بِالِاسْتِعَارَةِ فِي عُرْفٍ) أَيْ لِأَهْلِ عِلْمِ الْبَيَانِ فَهِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا شُبِّهَ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ لِعِلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ وَكَثِيرًا مَا تُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ وَالْمُشَبَّهُ مُسْتَعَارٌ لَهُ وَلَفْظُ الْمُشَبَّهِ بِهِ مُسْتَعَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ الْمُسْتَعَارِ مِنْ وَاحِدٍ فَأُلْبِسَ غَيْرَهُ وَمَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ يُسَمَّى مَجَازًا مُرْسَلًا وَحَكَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَجَازٍ مُسْتَعَارٍ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَالْكَوْنُ) عَلَيْهِ أَيْ (كَوْنُ الْمَجَازِيِّ سَابِقًا بِالْحَقِيقِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحُكْمِ كَآتُوا الْيَتَامَى) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَهُوَ الْيُتْمُ سَبَقَ اعْتِبَارَ حَقِيقَتِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْإِيتَاءُ وَإِنْ كَانَ الْحَقِيقِيُّ ثَابِتًا حَالَ التَّكَلُّمِ فَهُوَ مَجَازٌ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَنْهُ حَالَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيتَاءُ فَآتُوا الْيَتَامَى فِي زَمَانِ ثُبُوتِ الْيُتْمِ مَجَازٌ وَإِنْ وَقَعَ التَّكَلُّمُ بِهِ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِيقِيِّ لِلْيَتَامَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِهِ حَالَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ إيتَاءُ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي مَعْنَاهُ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُرِدْ إثْبَاتُهُ فِيهِ حَالَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ حَالُ
التَّكَلُّمِ بَلْ إذَا صَارَ إلَى خِلَافِهِ فَكَانَ النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمِنْ هَذَا رَأَيْت عَبْدًا تُرِيدُ مَعْتُوقًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ وُقُوعِ نِسْبَةِ الرُّؤْيَةِ إلَيْهِ وَقَبْلَ التَّكَلُّمِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَا النَّوْعُ عَلَاقَةٌ ثَانِيَةٌ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ (آيِلًا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَجَازِيِّ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ (وَإِنْ كَانَ) الْحَاصِلُ هُوَ (الْحَقِيقِيُّ حَالَ التَّكَلُّمِ) أَيْ زَمَانَ إيقَاعِ النِّسْبَةِ وَالتَّكَلُّمِ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ آيِلًا إلَى الْمَجَازِيِّ أَيْ يَصِيرُ إيَّاهُ بَعْدَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ (كَقَتَلْت قَتِيلًا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ) هَذَا (حَقِيقَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ) قَتَلْت (حَيًّا) وَإِنَّهُ يَصِيرُ قَتِيلًا بَعْدَ الْقَتْلِ فَكَانَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَوْلِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ فَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدٍ تَوَهُّمِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ كَثِيرٌ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِتَوَهُّمِهَا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَفَى) فِي كَوْنِهِ مَجَازَ الْأَوَّلِ (تَوَهُّمُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَعَصَرْت خَمْرًا فَهُرِيقَتْ فِي الْحَالِ) وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ (بِالْقُوَّةِ الِاسْتِعْدَادُ فَيُسَاوِي) الِاسْتِعْدَادَ (الْأَوَّلَ عَلَى التَّوَهُّمِ) أَيْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِعْدَادِ لِلشَّيْءِ حُصُولُهُ.
(وَعَلَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْحُصُولِ لَا) يُسَاوِي الِاسْتِعْدَادَ الْأَوْلَ بَلْ يَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ أَعَمَّ مِنْ الْأَوْلِ (فَهُوَ) أَيْ الِاعْتِبَارُ لِتَحَقُّقِ الصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ فِي الْأَوْلِ (أَوْلَى) وَيُجْعَلُ الْمُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّوَهُّمِ مَجَازَ الِاسْتِعْدَادِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَلَاقَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الِاتِّحَادِ (وَيُصْرَفُ الْمِثَالُ) أَيْ عَصَرْت خَمْرًا فَهُرِيقَتْ فِي الْحَالِ (لِلِاسْتِعْدَادِ) لَا لِلْأَوْلِ لِوُجُودِ التَّوَهُّمِ فِيهِ دُونَ تَحَقُّقِ الْحُصُولِ فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْعِلَاقَاتِ ثَالِثَةٌ وَرَابِعَةٌ (وَالْمُجَاوَرَةُ) وَهَذِهِ هِيَ الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةُ (وَمِنْهَا) أَيْ الْمُجَاوَرَةِ (الْجُزْئِيَّةُ لِلْمُنْتَفِي عُرْفًا بِانْتِفَائِهِ) أَيْ كَوْنُ الْمُسَمَّى الْحَقِيقِيِّ لِلِاسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى غَيْرِهِ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِي ذَلِكَ الْغَيْرُ بِانْتِفَائِهِ إمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ عُرْفًا عَامًّا إنْ كَانَ التَّخَاطُبُ بِهِ أَوْ خَاصًّا إنْ كَانَ التَّخَاطُبُ بِهِ فَأَبْهَمَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَتَنَاوَلَ كِلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى صَلَاحِيَّةُ الْجُزْئِيَّةِ لِلْمُنْتَفِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِانْتِفَائِهِ لِلْعَلَامَةِ (كَالرَّقَبَةِ) أَيْ كَإِطْلَاقِهَا عَلَى الذَّاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] .
فَإِنَّ الذَّاتَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الرَّقَبَةِ (لَا الظُّفْرِ) فَإِنَّ الذَّاتَ لَا تَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهَا (بِخِلَافِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتِمُّ كَوْنُ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ (وَمِنْهُ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ (الْعَامُّ لِفَرْدِهِ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ قُلْت وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْكُلِّ وَالْفَرْدُ مِنْهُ مِنْ بَابِ الْجُزْئِيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْجُزْءِ اهـ.
فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ مَبَاحِثِ الْعَامِّ (وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ عَلَى الْعَامِّ نَحْوُ {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14] فَإِنَّ الْمُرَادَ كُلُّ نَفْسٍ {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] أَيْ رُفَقَاءَ (وَالذِّهْنِيَّةُ) أَيْ وَمِنْ الْمُجَاوَرَةِ الْمُجَاوَرَةُ الْجُزْئِيَّةُ الذِّهْنِيَّةُ (كَالْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ كَالْمِشْفَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ شَفَةُ الْبَعِيرِ (عَلَى الشَّفَةِ مُطْلَقًا وَلِاجْتِمَاعِ الِاعْتِبَارَيْنِ) وَهُمَا التَّشْبِيهُ وَعَدَمُهُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ (صَحَّ) أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْمِشْفَرِ عَلَى شَفَةِ الْإِنْسَانِ (اسْتِعَارَةً) إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَهَا بِمِشْفَرِ الْإِبِلِ فِي الْغِلَظِ كَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى التَّشْبِيهِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
(وَالْمُرَادُ أَنْ
يُرَادَ خُصُوصُ الشَّخْصِ) كَزَيْدٍ (بِاسْمِ الْمُطْلَقِ) كَرَجُلٍ (وَهُوَ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (مُسْتَحْدَثٌ وَالْغَلَطُ) فِيهِ جَاءَ (مِنْ ظَنِّ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِوُقُوعِ (الِاسْتِعْمَالِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ) وُقُوعَهُ (فِي نَفْسِ الْمُسَمَّى) الْكُلِّيِّ (لَا أَفْرَادِهِ) فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي فَرْدٍ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ خُصُوصُ عَوَارِضِ الْفَرْدِ الْمُشَخِّصَةِ مَعَ مَعْنَاهُ الْأَعَمِّ اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا وَلَيْسَ هَذَا الظَّنُّ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ قَلَّمَا تَخْطُرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ أَنَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ خَاصٍّ وَهَذَا لِمُعَيَّنِ مَجَازٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ شَامِلٍ لِأَفْرَادِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ (وَكَثِيرٌ) أَيْ وَمَجَازِيَّةٌ كَثِيرٌ مِمَّا عَدَا هَذَيْنِ مِمَّا هُوَ كُلِّيٌّ وَضْعًا جُزْئِيٌّ اسْتِعْمَالًا (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ كَوْنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ فِي أَفْرَادٍ خَاصَّةٍ مِنْهَا مَجَازًا (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمُطْلَقِ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْبَحْثِ وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (عَرْضَيْنِ فِي مَحَلٍّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ) فَيُسَمَّى الْعِلْمُ حَيَاةً لِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ.
قُلْت: إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ الْعِلْمِ حَيَاةً هَذِهِ لَجَازَ الْعَكْسُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ لَاحْتَاجَ إلَى جَوَابٍ (أَوْ) كَوْنُهُمَا عَرْضَيْنِ (فِي مَحَلَّيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ) أَيْ مُتَقَارِبَيْنِ (كَكَلَامِ السُّلْطَانِ لِكَلَامِ الْوَزِيرِ) وَبِالْعَكْسِ (أَوْ) كَوْنُهُمَا (جِسْمَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ فِي مَحَلَّيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ (كَالرَّاوِيَةِ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ الَّذِي يَحْمِلُ الْمَزَادَةَ (لِلْمَزَادَةِ) أَيْ الْمِزْوَدِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ أَيْ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ كَذَا فِي شَرْحَيْ التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِلتَّفْتَازَانِيِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِهِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَالْمَزَادَةُ ظَرْفُ الْمَاءِ يَسْتَقِي بِهِ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي تُسَمَّى رَاوِيَةً قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا تَكُونُ الْمَزَادَةُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ وَجَمْعُهَا الْمَزَادُ وَالْمَزَايِدُ وَأَمَّا الظَّرْفُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ أَيْ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ فَهُوَ الْمِزْوَدُ وَجَمْعُهُ الْمَزَاوِدُ انْتَهَى. وَالْجُمْلَةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ لَا بِالْتِزَامِ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ كَالرَّاوِيَةِ لِلْقِرْبَةِ إذْ هِيَ مَا يُسْتَقَى فِيهِ الْمَاءُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (مُتَلَازِمِينَ ذِهْنًا) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ (كَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ) نَحْوُ رَعَيْنَا الْغَيْثَ أَيْ النَّبَاتَ الَّذِي سَبَبُهُ الْغَيْثُ (وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ قَلْبِهِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الِاخْتِصَاصُ) أَيْ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ (كَإِطْلَاقِ الْمَوْتِ عَلَى الْمَرَضِ) الْمُهْلِكِ (وَالنَّبْتِ عَلَى الْغَيْثِ) قُلْت: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي هَذَيْنِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالْمَرَضِ لِوُقُوعِهِ بِدُونِهِ كَثِيرًا وَالنَّبْتُ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالْغَيْثِ لِوُجُودِهِ بِدُونِ خُصُوصِ الْغَيْثِ نَعَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَاءِ وَلَعَلَّهُ مُطْلَقًا هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَيْثِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ وَالنَّبْتُ عَلَى الْمَاءِ (وَالْمَلْزُومُ عَلَى اللَّازِمِ كَنَطَقَتِ الْحَالُ) مَكَانَ دَلَّتْ فَإِنَّ النُّطْقَ مَلْزُومٌ لِلدَّلَالَةِ وَقَلْبُهُ كَشَدِّ الْإِزَارِ لِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ
…
دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارٍ
(أَوْ) مُتَلَازِمَيْنِ (خَارِجًا كَالْغَائِطِ عَلَى الْفَضَلَاتِ) لِأَنَّ الْغَائِطَ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِمَّا يُقْصَدُ عَادَةً لِإِزَالَتِهَا (وَهُوَ) أَيْ إطْلَاقُ الْغَائِطِ عَلَيْهَا (الْمَحَلُّ عَلَى الْحَالِ وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] أَيْ الْجَنَّةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الرَّحْمَةُ (وَأُدْرِجَ فِي) التَّجَاوُرِ (الذِّهْنِيِّ أَحَدُ الْمُتَقَابِلَيْنِ فِي الْآخَرِ) فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مُجَاوَرَةً فِي الْخَيَالِ وَلَا سِيَّمَا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ حَتَّى إنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ مُلَاحَظَةِ السَّوَادِ مَثَلًا إلَى الْبَيَاضِ (وَمُنِعَ الْإِدْرَاجُ الْمَذْكُورُ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ) مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَقَابُلَ التَّضَايُفِ وَمُجَاوَرَةً مِنْ قَبِيلِ التَّلَازُمِ فِي الْوُجُودِ ذِهْنًا وَخَارِجًا (وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ إطْلَاقُ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَنْزِيلِ التَّضَادِّ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ لِتَمْلِيحٍ) أَيْ إتْيَانٍ بِمَا فِيهِ مَلَاحَةٌ وَظَرَافَةٌ (أَوْ تَهَكُّمٍ) أَيْ سُخْرِيَةٍ وَاسْتِهْزَاءٍ (أَوْ تَفَاؤُلٍ كَالشُّجَاعِ عَلَى الْجَبَانِ) فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَلَاحَةِ لَا السُّخْرِيَةِ فَتَمْلِيحٌ وَإِلَّا فَتَهَكُّمٌ فَهُوَ صَالِحٌ لَهُمَا (وَالْبَصِيرُ
عَلَى الْأَعْمَى) .
وَهَذَا صَالِحٌ لِلْكُلِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمُقَامِ (أَوْ) مُتَلَازِمَيْنِ (لَفْظًا) فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا بِخُصُوصِهِ عَلَى الْآخَرِ مُشَاكَلَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فَأَطْلَقَ السَّيِّئَةَ عَلَى الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَسَنٌ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا سُمِّيَ جَزَاؤُهَا سَيِّئَةً لِأَنَّهُ يَسُوءُ مَنْ يَنْزِلُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَيْسَ مِثَالًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ مِنْ مِثْلِهِ قَوْلُهُ
قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ
…
قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا
أَيْ خِيطُوا فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ الطَّبْخِ لِوُقُوعِهَا فِي صُحْبَةِ طَبْخِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ.
(وَمَا ذُكِرَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ الْعَلَاقَةِ) كَمَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ (مُنْتَفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ (وَالْمَجَازُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مُتَعَلَّقِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (مَجَازٌ) لِانْتِفَاءِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِيهِ وَالْعَلَاقَةُ الْمُشَابَهَةُ فِي التَّعَدِّي مِنْ أَمْرٍ أَصْلِيٍّ إلَى أَمْرٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ (وَيَجْمَعُهَا) أَيْ الْعَلَاقَاتِ (قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ اتِّصَالُ) بَيْنَهُمَا (صُورَةٍ أَوْ مَعْنًى) لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الصُّوَرِ لَهُ صُورَةٌ وَمَعْنَى لَا ثَالِثَ لَهُمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاتِّصَالُ بِوَجْهٍ ثَالِثٍ انْتَهَى (زَادَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ (فِي الصُّورِيِّ) أَيْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ اتِّصَالُ صُورَةٍ (لَا تَدْخُلُهُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فَانْدَفَعَ) بِهَذَا (لُزُومُ إطْلَاقِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ عَلَى بَعْضٍ) فَإِنَّ اتِّصَالَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ يَدْخُلُهُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لَهَا حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْمَجْمُوعِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَنَحْوُهُ (وَلَمْ يُحَقِّقُوا عَلَاقَةَ التَّغْلِيبِ) حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ: وَأَمَّا بَيَانُ مَجَازِيَّةِ التَّغْلِيبِ وَالْعَلَاقَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِهِ فَمَا لَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَعَلَّهَا فِي الْعُمَرَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما (الْمُشَابَهَةُ سِيرَةٌ وَخُصُوصُ الْمُغَلَّبِ لِلْخِفَّةِ) فَإِنَّ لَفْظَ عُمَرَ أَخَفُّ مِنْ لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ (وَهُوَ) أَيْ تَغْلِيبُ لَفْظِ عُمَرَ عَلَى لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ (عَكْسُ التَّشْبِيهِ) أَصَالَةً وَهُوَ إلْحَاقُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ فِي الْوَاقِعِ عُمَرُ وَالْمُشَبَّهَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ (وَفِي الْقَمَرَيْنِ الْإِضَاءَةُ وَالْخُصُوصُ) أَيْ وَتَغْلِيبُ خُصُوصِ لَفْظِ الْقَمَرِ عَلَى لَفْظِ الشَّمْسِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الشَّمْسِ أَخَفَّ (لِلتَّذْكِيرِ) أَيْ لِتَذْكِيرِ الْقَمَرِ وَتَأْنِيثِ الشَّمْسِ فَإِنَّ الْمُذَكَّرَ أَخَفُّ (مَعْكُوسًا) أَيْ عُكِسَ التَّشْبِيهُ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ فِي الْوَاقِعِ الْقَمَرُ وَالْمُشَبَّهَ بِهِ الشَّمْسُ (وَأَمَّا الْخَافِقَانِ فَلَا تَغْلِيبَ) فِيهِ (عَلَى أَنَّهُ لِلضِّدَّيْنِ وَقَدْ نُقِلَ) فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْخَافِقَانِ أُفُقَا الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَخْفِقَانِ فِيهِمَا أَيْ يَضْطَرِبَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قِيلَ هُمَا الْهَوَاءَانِ الْمُحِيطَانِ بِجَانِبَيْ الْأَرْضِ جَمِيعًا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُمَا طَرَفُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْخَافِقَ حَقِيقَةً فِي الْمَغْرِبِ مِنْ خَفَقَتْ النُّجُومُ إذَا غَابَتْ أَوْ فِي الْمَشْرِقِ لِأَنَّهُ تَخْفِقُ مِنْهُ الْكَوَاكِبُ أَيْ تَلْمَعُ فَقَدْ غَلَّبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَيَّامًا كَانَ فَيَحْتَاجُ إلَى عَلَاقَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهَا.
(تَنْبِيهٌ يُقَالُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ بِالِاشْتِرَاكِ الْعُرْفِيِّ فَعَلَى الْإِسْنَادِ عِنْدَ قَوْمٍ) كَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ (وَعَلَى الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيُّ (وَهُوَ) أَيْ وَصْفُ الْكَلَامِ بِهِمَا (أَقْرَبُ) مِنْ وَصْفِ الْإِسْنَادِ بِهِمَا وَيَأْتِي وَجْهُهُ قَرِيبًا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَالْحَقِيقَةُ الْجُمْلَةُ الَّتِي أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ) مِنْ الْمَصْدَرِ وَاسْمَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَاسْمِ التَّفْضِيلِ وَالظَّرْفِ (إلَى مَا) أَيْ شَيْءٍ (هُوَ) أَيْ الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْفَاعِلِ فِيمَا بُنِيَ لَهُ وَالْمَفْعُولُ فِيمَا بُنِيَ لَهُ نَحْوُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا أَوْ ضُرِبَ عَمْرٌو فَإِنَّ الضَّارِبِيَّةَ لِزَيْدٍ وَالْمَضْرُوبِيّةَ لِعَمْرٍو بِخِلَافِ نَهَارُهُ صَائِمٌ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ لِلنَّهَارِ فَمَعْنَى كَوْنِهِ لَهُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ بِهِ وَوَصْفٌ لَهُ وَحَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَرَبَ أَوْ لَا كَمَاتَ (عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ) .
وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِلَهُ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ بِأَنْ يُفْهَمَ مِنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا كَقَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إذَا قَصَدْت تَرْوِيجَهُ
بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِغَرَضٍ لَك فِيهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ فِي الْمِفْتَاحِ عَلَيْهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا حَاجَةَ إلَى فِي الظَّاهِرِ) كَمَا فِي التَّلْخِيصِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ لِدُخُولِهِ بِدُونِهِ (لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الْحَقِيقَةُ فِي نَفْسِهَا ثُمَّ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الْوُجُودِ (غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْسِهَا نَعَمْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ الْمُسْنَدُ فِعْلًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ نَحْوُ زَيْدٌ إنْسَانٌ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيِّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ وَلَا مَحِيصَ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُسَمَّى حَقِيقَةً كَمَا لَا يُسَمَّى مَجَازًا أَيْضًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.
(وَالْمَجَازُ) الْجُمْلَةُ الَّتِي أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ (إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ (لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ) بَيْنَ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ وَعَلَى أَنَّهُمَا وَصْفُ الْإِسْنَادِ قَوْلُهُ (أَوْ الْإِسْنَادُ كَذَلِكَ) أَيْ إسْنَادُ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ (وَالْأَحْسَنُ فِيهِمَا مُرَكَّبٌ) نُسِبَ فِيهِ أَمْرٌ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا وَصْفًا لِلْكَلَامِ (وَنِسْبَةٌ) لِأَمْرٍ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا وَصْفًا لِلنِّسْبَةِ (لِيَدْخُلَ) الْمُرَكَّبُ (الْإِضَافِيُّ إنْبَاتَ الرَّبِيعِ) وَشِقَاقَ بَيْنِهِمَا وَمَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لِشُمُولِ النِّسْبَةِ النِّسْبَةَ التَّامَّةَ وَغَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ وَهَذِهِ الْمُرَكَّبَاتُ لَا إسْنَادَ فِيهَا بِهَذَا الْمَعْنَى.
ثُمَّ إنَّمَا قَالَ الْأَحْسَنُ لِإِمْكَانِ دَفْعِ إيرَادِ خُرُوجِ الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ أَوْ النِّسْبَةِ الْإِضَافِيَّةِ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُرَكَّبِ الْإِسْنَادِيِّ وَمَا سِوَاهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْنَادِ مُطْلَقُ النِّسْبَةِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كُلٌّ مِنْ هَذِهِ التَّعَارِيفِ لِلْمَجَازِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُ قَاصِدًا بِهِ صُدُورَ الْكَذِبِ عَنْهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِاعْتِقَادِهِ بَلْ مُخَالِفٌ لِمَا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ بِصَدَدِ تَرْوِيجِهِ بِمَا يُمْكِنُهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فِيهِ تَأْوِيلًا أَصْلًا فَالْوَجْهُ زِيَادَةٌ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَصْدُقَ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ (وَيُسَمَّيَانِ) أَيْ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا الْمَجَازُ (عَقْلِيَّيْنِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحَلِّهِ أَوْ مُجَاوِزٌ عَنْهُ هُوَ الْعَقْلُ لَا الْوَضْعُ.
(وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى الْكَلَامِ أَقْرَبَ مِنْ قَوْلِهِمَا عَلَى الْإِسْنَادِ (اسْتِقْرَارُ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ بِهِمَا (لِلَّفْظِ وَالْمُرَكَّبِ) الْكُلِّيِّ (مَوْضُوعٌ لِلتَّرْكِيبِيِّ) أَيْ لِلْمَعْنَى التَّرْكِيبِيِّ وَضْعًا (نَوْعِيًّا تَدُلُّ أَفْرَادُهُ) أَيْ الْمُرَكَّبِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى مَعَانِيهَا التَّرْكِيبِيَّةِ (بِلَا قَرِينَةٍ فَهِيَ) أَيْ أَفْرَادُهُ الَّتِي هِيَ الْمُرَكَّبَاتُ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الْمَذْكُورَةِ (حَقَائِقُ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهَا (فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ) الْمُرَكَّبُ (فِيمَا) أَيْ فِي الْمَعْنِيِّ (بِهَا) أَيْ بِالْقَرِينَةِ (فَمَجَازٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُرَكَّبُ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى غَيْرِ وَضْعِيٍّ لَهُ بِالْقَرِينَةِ فَلَا يَنْهَضُ تَوْجِيهُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ اخْتِيَارَ كَوْنِهِمَا وَصْفًا لِلْإِسْنَادِ بِأَنَّ الْإِسْنَادَ يُنْسَبُ إلَى الْعَقْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالْكَلَامُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَقْلِ عَلَى تَوْجِيهِ اخْتِيَارِ كَوْنِهِمَا وَصْفًا لِلْمُرَكَّبِ (وَالْأَوَّلَانِ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ (لُغَوِيَّيْنِ تَعْمِيمًا لِلُّغَةِ فِي الْعُرْفِ) فَيَشْمَلَانِ الْعُرْفِيَّيْنِ وَإِنَّمَا سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ صَاحِبَ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَاضِعُ اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الْغَيْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَوْعِ حَقِيقَتِهَا (وَتُوصَفُ النِّسْبَةُ بِهِمَا) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيُقَالُ نِسْبَةُ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ.
(وَتُنْسَبُ) النِّسْبَةُ إلَيْهِمَا (لِنِسْبَتِهَا) أَيْ نِسْبَةِ النِّسْبَةِ (إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ) فَيُقَالُ: نِسْبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَنِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ (وَاسْتِبْعَادُهُ) أَيْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ (بِاتِّحَادِ جِهَةِ الْإِسْنَادِ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ لَيْسَ لِلْإِسْنَادِ جِهَتَانِ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ وَجِهَةُ الْمَجَازِ كَالْأَسَدِ وَالْمَجَازُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ (بَعِيدٌ إذْ لَا يَمْنَعُ اتِّحَادُهُ) أَيْ الْإِسْنَادِ (بِحَسَبِ الْوَضْعِ) اللُّغَوِيِّ (انْقِسَامَهُ) أَيْ الْإِسْنَادِ (عَقْلًا إلَى مَا هُوَ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ) فَيَكُونُ إلَيْهِ حَقِيقَةً (وَمَا لَيْسَ لَهُ) فَيَكُونُ إلَيْهِ مَجَازًا وَإِنَّمَا يُنَافِيه اتِّحَادُ جِهَتِهِ بِحَسَبِ الْعَقْلِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ مَحَلًّا لَهُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَمُتَعَلِّقًا لَهُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَيَرْتَضِيهِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ (ثُمَّ) .