الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الثَّوَابَ الْوَاجِبَ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا حَتَّى إنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، ثُمَّ تَزِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وَرَدَ بِالْمَنْعِ حَتَّى إنَّهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ طَاعَةِ الْجَمِيعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] لَمْ تُحْمَلْ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ.
(فَتَفْرِيعُ تَحْرِيمِ الْكُلِّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ جَوَازُ تَحْرِيمِ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ (مُنَاقَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ) فَإِنَّ مِنْ حُكْمِهِ أَنَّ لَهُ فِعْلَهَا إلَّا وَاحِدًا فَتَحْرِيمُ الْكُلِّ مُنَافٍ لَهُ (بِخِلَافِ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ فِي (الِاشْتِبَاهِ) بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهَا إنَّمَا (حُرِّمَتْ الزَّوْجَةُ لِاحْتِمَالِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْمُحَرَّمَةَ احْتِيَاطًا وَلَا احْتِمَالَ فِي الْوَاحِدَةِ الْمَوْطُوءَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ) أَيْ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ (تَرْكُ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَ) إذَا وَطِئَهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ) إحْدَاهُنَّ لِلطَّلَاقِ (وَيَنْسَى) الْمُعَيَّنَةَ (فَكَالِاشْتِبَاهِ) أَيْ فَيَحْرُمْنَ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ الْمُحَرَّمَةَ وَبَعْدَ أَنْ عَبَّرَ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ بِإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِبَقَاءِ حِلِّ وَطْئِهِمَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بَلْ الْوَاقِعُ أَمْرٌ لَهُ صَلَاحِيَّةُ التَّأْثِيرِ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْيِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُرِّمَتَا جَمِيعًا إلَى وَقْتِ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ بِالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ.
[مَسْأَلَةٌ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ]
(مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْجِهَةِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِإِطْبَاقِ مَانِعِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَبَعْضِ الْمُجِيزِينَ) لَهُ (لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ فِيهِ (الْحُكْمَ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَعَدَمِهِ) أَيْ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الْحَرَامِ، وَالنَّوْعُ مُتَضَمِّنٌ لِجِنْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ كَوْنُ الشَّارِعِ آذِنًا فِيهِ وَمِنْ حُرْمَتِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ آذِنٍ فِيهِ كَمَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ طَالِبًا لِتَرْكِهِ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَهُوَ تَكْلِيفُ مُحَالٍ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَإِنَّ جَوَازَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ جِنْسًا وَقَدْ يُقَالُ نَوْعًا أَنْ يَكُونَ فَرْدٌ مِنْهَا وَاجِبًا وَفَرْدٌ مِنْهَا حَرَامًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ لِذَاتِهِ هَذَا بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحُسْنِ مُنَافِيَةٌ لِحَقِيقَةِ الْقُبْحِ فَلَوْ اجْتَمَعَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً وَهِيَ ذَاتُ الْفِعْلِ مُقْتَضِيَةٌ لِمُتَنَافِيَيْنِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ الْفِعْلِ مَقُولَةً عَلَى آحَادِهَا بِالتَّشْكِيكِ وَلَا تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَيَكُونُ بَعْضُ آحَادِهَا مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ وَبَعْضُهَا لِلْقُبْحِ وَقَوْلُهُمْ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقَانِ فِي السُّجُودِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ لَا بِالسُّجُودِ فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِ فَهُوَ حَرَامٌ فَبَعْدَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ لَا يُجْدِيهِمْ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَهُوَ قَصْدُ التَّعْظِيمِ وَاحِدٌ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ لِانْعِقَادِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ عَلَى أَنَّ السَّاجِدَ لِلشَّمْسِ عَاصٍ بِنَفْسِ السُّجُودِ وَالْقَصْدِ جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ.
وَمَنَعَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ بِالْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ وَهَذَا بِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ يُوجِبُ التَّغَايُرَ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مُغَايِرًا لِمُتَعَلِّقِ الْحُرْمَةِ فَلَا مُحَالَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ ذِي الْجِهَتَيْنِ الْمُتَلَازِمَتَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِاعْتِبَارِهِمَا وَإِلَّا لَزِمَ وُقُوعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَاتٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ (وَيَجُوزُ فِي) الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ (ذِي الْجِهَتَيْنِ) الْغَيْرِ الْمُتَلَازِمَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ فَيَجِبُ بِإِحْدَاهُمَا وَيَحْرُمُ بِالْأُخْرَى (كَالصَّلَاةِ فِي) الْأَرْضِ (الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) فَتَجِبُ لِكَوْنِهَا صَلَاةً وَتَحْرُمُ لِكَوْنِهَا غَصْبًا (خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْجُبَّائِيِّ) فَقَالُوا (فَلَا يَصِحُّ) الصَّلَاةُ (فَلَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) فَقَالَ
(لَا يَصِحُّ) الصَّلَاةُ (وَيَسْقُطُ) الطَّلَبُ (لَنَا الْقَطْعُ فِيمَنْ أَمَرَ بِخِيَاطَةٍ لَا فِي مَكَانِ كَذَا فَخَاطَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (إنَّهُ مُطِيعٌ عَاصٍ لِلْجِهَتَيْنِ) أَيْ مُطِيعٌ لِجِهَةِ الْأَمْرِ بِالْخِيَاطَةِ عَاصٍ لِجِهَةِ النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَكُونُ مُطِيعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَاةٌ عَاصِيًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَصْبٌ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ اجْتِمَاعَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ (لَوْ امْتَنَعَ فَلِاتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِمَا (وَالْقَطْعِ بِالتَّعَدُّدِ) هُنَا (فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الصَّلَاةُ وَ) مُتَعَلِّقَ (النَّهْيِ الْغَصْبُ جَمَعَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ (مَعَ إمْكَانِ الِانْفِكَاكِ) بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ.
(وَأَيْضًا لَوْ امْتَنَعَ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (امْتَنَعَ صِحَّةُ صَوْمٍ مَكْرُوهٍ وَصَلَاةٍ) مَكْرُوهَةٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا يُضَادُّ التَّحْرِيمَ يُضَادُّ الْكَرَاهَةَ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ التَّحْرِيمِ لَمَا ثَبَتَ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا مَانِعَ إلَّا التَّضَادُّ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ كَرَاهَةِ كَثِيرٍ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ شَرْعًا (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (بِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (وَهُوَ) أَيْ مُتَعَلِّقُهُمَا (الْكَوْنُ فِي الْحَيِّزِ) وَهُوَ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي حَيِّزِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَنَفْسُ الْغَصْبِ الْمَنْهِيِّ (بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ) مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (فَإِنْ فُرِضَ) الْمَكْرُوهُ (كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ مُتَّحِدٌ (مَنَعَ صِحَّتَهُ) أَيْ الْمَكْرُوهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ اتِّحَادُهُ (لَمْ يُفِدْ) ثُبُوتُ الْمَكْرُوهِ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ أَيْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى وَصْفٍ مُنْفَكٍّ عَنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ مُوجِبٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ وَالنَّهْيَ إلَى عَرَضٍ مُفَارِقِ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى مَا هُوَ ذَاتِيٌّ فِيهَا مُوجِبًا لِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهُمَا رَاجِعَانِ إلَى الْكَوْنِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَدَفْعُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يُنَاقِضُ جَوَابَهُمْ الْآتِيَ) وَسَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ.
(بَلْ لَيْسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَكْرُوهِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ (تَحَتُّمُ مَنْعٍ) قَطْعِيٍّ (فَلَا يُنَافِي) الْمَنْعُ مِنْهُمَا (الصِّحَّةَ) لَهُمَا (فَالْمَانِعُ) مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَاحِدٍ شَخْصِيٍّ ذِي جِهَتَيْنِ (خُصُوصُ تَضَادٍّ) وَهُوَ الْمَنْعُ الْحَتْمُ الْقَطْعِيُّ عَنْ الشَّيْءِ وَالْأَمْرِ بِهِ (لَا مُطْلَقُهُ) أَيْ التَّضَادِّ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْمُخْتَارِ.
(لَوْ لَمْ تَصِحَّ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (لَمْ يَسْقُطْ) التَّكْلِيفُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ سُقُوطِهِ (مُنْتَفٍ) قَالَ الْقَاضِي (لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ) عَلَى وُجُودِ أَحْمَدَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى سُقُوطِهِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ الِاسْتِدْلَال مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (دُفِعَ بِمَنْعِ صِحَّةِ نَقْلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِمُخَالَفَةِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَعَرَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ زَمَانًا مِنْ السَّلَفِ وَلَوْ عَرَفَهُ لَمَا خَالَفَهُ فَكَانَ خِلَافُهُ مُظْهِرًا لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ لَا مُوجِبًا لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِالْقَضَاءِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَالْمُتَكَلِّمُونَ (لَوْ صَحَّتْ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (كَانَ) كَوْنُهَا صَحِيحَةً (مَعَ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَهُمَا) أَيْ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ (شَغْلُ حَيِّزٍ) فَهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا (وَشَغْلُهُ) أَيْ الْحَيِّزِ ظُلْمًا (الْغَصْبَ) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ مُتَعَلِّقَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنْ (بِجِهَتَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَلَاةٌ وَيُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ) فَهُوَ إذًا مُتَعَدِّدٌ بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنْ اتَّحَدَ بِالذَّاتِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّفْعِ يُنَاقِضُهُ.
(وَأَلْزَمَ) عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْجِهَةِ كَافٍ (صِحَّةَ صَوْمِ) يَوْمِ (الْعِيدِ) لِكَوْنِ صَوْمِهِ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ (وَالْجَوَابُ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْفِكَاكُهُمَا) أَيْ إنَّمَا نَقُولُ بِجَوَازِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ جَوَازِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ يَعْنِي بِأَنْ لَا تَتَلَازَمَ جِهَتَا الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْخِلَافِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ جِهَةِ الصَّلَاتِيَّةِ وَالْغَصْبِيَّةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى فَتَتَحَقَّقُ صَلَاةٌ وَلَا غَصْبَ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا بِلُحُوقِ الْإِذْنِ وَغَصْبٌ وَلَا صَلَاةَ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْمُجَوِّزَ وَهُوَ جِهَةُ
كَوْنِهِ صَوْمًا لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ فِي الْعِيدِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ الْإِذْنِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعَذُّرُ ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ النَّسْخِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ (وَبِأَنَّ نَهْيَ التَّحْرِيمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ (إلَّا لِدَلِيلٍ) يُفِيدُ خِلَافَهُ.
(وَقَدْ وُجِدَتْ إطْلَاقَاتٌ فِي الصَّلَاةِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (أَوْجَبَتْهُ) أَيْ النَّهْيَ (لِخَارِجٍ) أَيْ لِوَصْفٍ خَارِجٍ عَنْ الذَّاتِ وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُطْلَقَةُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَانٍ (وَإِجْمَاعِ غَيْرِ أَحْمَدَ) عَلَى صِحَّتِهَا (لَا فِي الصَّوْمِ) أَيْ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْ ظَاهِرِ بُطْلَانِهِ بَلْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِي الصَّوْمِ إطْلَاقَاتٌ أَيْضًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِذَا ثَبَتَ طَلَبُهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ نَدْبًا لَزِمَ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ كَانَ النَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ يَجِبُ صِحَّتُهُ وَيَعُودُ الْإِلْزَامُ، ثُمَّ لَا إجْمَاعَ مَعَ خِلَافِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ ثَابِتٌ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ يُصَحِّحُونَ نَذْرَهُ وَإِنَّهُ لَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَضِهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النَّهْيِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ.
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتَعَقَّلُ انْفِكَاكُهَا عَنْ الْأُخْرَى كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَالْجِهَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ مُمْكِنَتَا الِانْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ وُجُودُ صَلَاةٍ بِلَا غَضَبٍ وَغَصْبٍ بِلَا صَلَاةٍ يُمْكِنُ وُجُودُ صَوْمٍ بِلَا يَوْمِ عِيدٍ وَيَوْمِ عِيدٍ بِلَا صَوْمٍ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِانْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ بِالْكَوْنِ وَشَغْلِ الْحَيِّزِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَنَهَى عَنْ شَغْلِ الْحَيِّزِ الْغَصْبِيِّ بِخُصُوصِهِ بِهَا أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ مَنْذُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَنَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ بِخُصُوصِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ هَذَا فَرْعُ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُنْعَقِدٌ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَهُمْ قَالُوا (وَلِأَنَّ مَنْشَأَ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ) فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبَةِ (مُتَعَدِّدٌ بِخِلَافِ صَوْمِ الْعِيدِ) كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا تَوْجِيهُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ يُمْنَعُ) هَذَا (بَلْ الشَّغْلُ مَنْشَؤُهُمَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فِيهِمَا كَمَا حَقَقْنَا فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ (هَذَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ) مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (بَعْدَ تَوَسُّطِهَا فَفِقْهِيٌّ) أَيْ فَالْبَحْثُ عَنْ حُكْمِهِ بَحْثٌ فَرْعِيٌّ (لَا أَصْلِيٌّ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْفَرْعِيُّ لَهُ (وُجُوبُهُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِمَا هُوَ شَرْطُهُ مِنْ السُّرْعَةِ وَسُلُوكِ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا ضَرَرًا عَلَى قَصْدِ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَصْدُ نَفْيِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِ الْغَيْرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ يَصِيرُ وَاجِبًا نَظَرًا إلَى دَفْعِ أَعْلَاهُمَا (فَقَطْ) أَيْ: لَا، وَحُرْمَتُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ عَنْ الْمُكْثِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ.
وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي حَرَكَاتِهِ فِي صَوْبِ الْخُرُوجِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِاسْتِمْرَارِهَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَالْإِمْكَانِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْهِيِّ وَلَا إمْكَانَ هُنَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْخَلَاصُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى مَا تَوَرَّطَ فِيهِ آخِرًا بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مَنْهِيًّا عَنْ الْكَوْنِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مَعَ بَذْلِهِ الْمَجْهُودَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ مُرْتَبِكٌ أَيْ مُشْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعَ انْقِطَاعِ نَهْيِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ (وَاسْتَبْعَدَ اسْتِصْحَابَ الْمَعْصِيَةِ لِلْإِمَامِ) أَيْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ وَغَيْرُهُمَا (إذْ لَا نَهْيَ عَنْهُ) أَيْ الْخُرُوجِ تَوْبَةً (وَثُبُوتُهَا) أَيْ الْمَعْصِيَةِ (بِلَا نَهْيٍ)