الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَك مِنْ الْأَمْرِ فِي عَذَابِهِمْ أَوْ اسْتِصْلَاحِهِمْ شَيْءٌ حَتَّى تَقَعَ تَوْبَتُهُمْ أَوْ تَعْذِيبُهُمْ (بَلْ عَطَفَ عَلَى يَكْبِتَهُمْ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ وَالنَّسَفِيُّ أَوْ يَقْطَعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ: أَوْ يَتُوبَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَطْفٌ عَلَى لِيَقْطَعَ أَوْ لِيَكْبِتَ ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُ سَبَبِيَّةِ النَّصْرِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ اللَّامِ بِقَوْلِهِ {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126] ظَاهِرٌ
وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهَا بِقَوْلِهِ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] فَلِأَنَّ النَّصْرَ الْوَاقِعَ بِبَدْرٍ كَانَ مِنْ أَظْهَرِ الْآيَاتِ وَأَبْهَرِ الْبَيِّنَاتِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلتَّوْبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ أَوْ لِتَعْذِيبِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ لِجُحُودِهِمْ بِالْآيَاتِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّعْذِيبُ فِي الدُّنْيَا بِالْأَسْرِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِتَوْبَتِهِمْ وَالْكَلَامُ فِي التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ قُلْنَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ سَبَبًا لَهَا بِالْوَاسِطَةِ وَاسْتَشْكَلَ الْفَاضِلُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَهْلَوَانُ سَبَبِيَّةَ النَّصْرِ لِلتَّعْذِيبِ بِأَنَّ مَوْتَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ سَبَبٌ لِتَعْذِيبِهِمْ لَا النَّصْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّصْرَ سَبَبٌ لِكَوْنِهِمْ مَقْتُولِينَ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِلتَّعْذِيبِ قَالُوا: وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ أَمْرِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَوْ يَهْزِمَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنْ أَسْلَمُوا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ إنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مَبْعُوثٌ لِإِنْذَارِهِمْ وَمُجَاهِدَتِهِمْ (وَلَيْسَ وَمَعْمُولَاهَا) وَهُمَا لَك شَيْءٌ مَعَ الْحَالِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْبَقَاءِ (اعْتِرَاضٌ) بَيْنَ الْمَعْطُوفِ الَّذِي هُوَ التَّوْبَةُ وَالتَّعْذِيبُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْآجِلِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْكَبْتُ وَهُوَ شِدَّةُ الْغَيْظِ أَوْ وَهْنٌ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَاجِلِ فَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ مَا أَحْسَنُهُ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَمْثِلَةٍ أَوْ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَى (لِمَا فِي ذَلِكَ) أَيْ جَعْلِهَا لِلْغَايَةِ (مِنْ التَّكَلُّفِ مَعَ إمْكَانِ الْعَطْفِ) إمَّا عَلَى يَقْطَعُ أَوْ يَكْبِتُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِمَّا عَلَى الْأَمْرِ أَوْ شَيْءٍ بِإِضْمَارِ أَنْ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الْخَاصِّ أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيُّ وَلَمْ يَتَعَقَّبَاهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَطْفَ يَتُوبَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الِاسْمِ نَعَمْ تَعَقَّبَهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِلَكِنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَطْفِ بِكَلِمَةٍ أَوْ نَظَرٍ اهـ وَبَيَّنَهُ الْبَهْلَوَانُ بِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ عَزِيزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135] وَأَنَّ كَوْنَ الضَّمِيرِ فِي يَتُوبَ اللَّهُ لَا يُسَاعِدُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ
وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ يَقُولُ: وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْجُمْلَةَ رَأَيْت أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَخْلُو مِنْ شَائِبَةٍ وَأَنَّ التَّكَلُّفَ فِيهِ لَا فِي كَوْنِهَا بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا أَنَّ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَتَفْرَحُ بِحَالِهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَتَتَشَفَّى مِنْهُمْ وَأَنَّ ارْتِكَابَ مَجَازِيَّتِهِ عَنْ حَتَّى وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ إنَّ حَتَّى هِيَ النَّاصِبَةُ أَوْلَى مِنْ الْعَطْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ مَسْأَلَةٌ حَتَّى جَارَّةٌ وَعَاطِفَةٌ]
(مَسْأَلَةٌ حَتَّى جَارَّةٌ) كَإِلَى إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فُرُوقًا تُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ (وَعَاطِفَةٌ) يَتْبَعُ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْإِعْرَابِ (وَابْتِدَائِيَّةٌ) أَيْ مَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ بِمَا قَبْلَهَا لَا أَنَّهَا يَجِبُ أَنْ يَلِيَهَا الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ بَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لَهُمَا فَتَقَعُ (بَعْدَهَا جُمْلَةٌ بِقِسْمَيْهَا) فِعْلِيَّةٌ بِقِسْمَيْهَا: مِنْ الْمُضَارِعِ وَالْمَاضِي نَحْوُ {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214] بِالرَّفْعِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] وَقَالُوا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْمِيَّةٌ مَذْكُورٌ خَبَرُهَا نَحْوُ
فَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا
…
بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءِ دِجْلَةَ أَشْكَلَ
وَمَحْذُوفٌ بِقَرِينَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي (وَصَحَّتْ) الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ (فِي أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا) فَتُجَرُّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ وَتُنْصَبُ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى السَّمَكَةِ وَتُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ مَأْكُولٌ لِقَرِينَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَإِلَّا فَالْبَصْرِيُّونَ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ رَفْعُ مَا بَعْدَهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لَهُ قَالُوا: وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى
رَأْسُهَا بِالرَّفْعِ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا أَكَلْته قِيلَ وَقَدْ رُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
عَمَّمْتُهُمْ بِالنَّدَى حَتَّى غُوَاتِهِمْ
…
فَكُنْت مَالِكَ ذِي غَيٍّ وَذِي رَشَدٍ
فَإِنْ صَحَّ الرَّفْعُ فِي غُوَاتِهِمْ تَرَجَّحَ وَجْهُ جَوَازِ الرَّفْعِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ
وَأَمَّا دُخُولُ الرَّأْسِ فِي الْأَكْلِ فِيهِ وَعَدَمِهِ فَسَتَعْلَمُ مَا فِيهِ عَلَى الْأَثَرِ مِنْ هَذَا (وَهِيَ) أَيْ حَتَّى (لِلْغَايَةِ) وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مَعْنَاهَا (وَفِي دُخُولِهَا) أَيْ الْغَايَةِ فِيمَا قَبْلَهَا حَالَ كَوْنِهَا (جَارَّةً) أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لِابْنِ السَّرَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ تَدْخُلُ مُطْلَقًا ثَانِيهَا لِجُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ لَا تَدْخُلُ مُطْلَقًا (ثَالِثُهَا) لِلْمُبَرِّدِ وَالْفَرَّاءِ وَالسِّيرَافِيِّ وَالرُّمَّانِيِّ وَعَبْدِ الْقَاهِرِ (إنْ كَانَ) مَا جُعِلَ غَايَةً (جُزْءًا) مِمَّا قَبْلَهُ (دَخَلَ) وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ (رَابِعُهَا لَا دَلَالَةَ) عَلَى الدُّخُولِ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ (إلَّا لِلْقَرِينَةِ) وَهُوَ ظَاهِرُ مَا عَنْ ثَعْلَبٍ حَتَّى لِلْغَايَةِ وَالْغَايَةُ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ يُقَالُ: ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٍ فَيَكُونُ مَرَّةً مَضْرُوبًا وَمَرَّةً غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَيَظْهَرُ مِنْ ابْنِ مَالِكٍ مُوَافَقَتُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (أَحَدُ) الْقَوْلَيْنِ (الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنْ يُرَادَ) بِهَذَا (أَنَّهَا) دَالَّةٌ (عَلَى الْخُرُوجِ) لِمَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا (كَمَا) هِيَ دَالَّةٌ (عَلَى الدُّخُولِ) لِمَا بَعْدَهَا (فِيمَا قَبْلَهَا وَفِيهِ) أَيْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مُرَادًا مِنْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (بَعْدَ) ظَاهِرٍ وَكَيْفَ لَا وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَوْلٌ بِكَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَائِلٌ ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ مَدْلُولَ حَتَّى دُخُولُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ فَيُحْكَمُ بِالدُّخُولِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى خِلَافِهِ وَمَعْنَى الثَّانِي هُوَ أَنَّ مَدْلُولَ حَتَّى عَدَمُ دُخُولِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُطْلَقًا إلَّا بِقَرِينَةٍ تُفِيدُ الدُّخُولَ فَيُحْكَمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الدُّخُولِ وَأَنَّ مَعْنَى الرَّابِعِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِحَتَّى عَلَى دُخُولٍ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ بَلْ الدَّالُّ عَلَى أَحَدِهِمَا الْقَرِينَةُ فَحَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ يُحْكَمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ بِالْأَصْلِ لَا بِاللَّفْظِ إذَا احْتَجْنَا إلَى الْحُكْمِ وَإِلَّا لَا يُحْكَمُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا تَجْوِيزًا (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى دُخُولِهَا) أَيْ الْغَايَةِ فِيمَا قَبْلَهَا (فِي الْعَطْفِ) بِحَتَّى لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ فَتُفِيدُ الْجَمْعَ فِي الْحُكْمِ (وَفِي الِابْتِدَائِيَّةِ بِمَعْنَى وُجُودِ الْمَضْمُونَيْنِ فِي وَقْتِ وَشَرْطِ الْعَطْفِ الْبَعْضِيَّةِ) أَيْ كَوْنُ مَا بَعْدَهَا بَعْضًا مِمَّا قَبْلَهَا كَقَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ وَأَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا (أَوْ نَحْوُهُ) نَحْوُ قُتِلَ الْجُنْدُ حَتَّى دَوَابُّهُمْ وَخَرَجَ الصَّيَّادُونَ حَتَّى كِلَابُهُمْ وَأَعْجَبَتْنِي الْجَارِيَةُ حَتَّى حَدِيثُهَا وَيَمْتَنِعُ حَتَّى وَلَدُهَا وَضَبْطُ مَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِمَّا قَبْلَهَا بِمَا يُلَازِمُهُ فَالْوَلَدُ لَا يُلَازِمُ الْجَارِيَةَ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ جَارِيَةٍ وَلَدٌ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُلَازِمُهَا وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهَا تُلَازِمُ الْجُنْدَ وَالْكِلَابِ فَإِنَّهَا تُلَازِمُ الصَّيَّادِينَ
وَخَالَفَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَأَجَازَ إنَّ كَلْبِي لَيَصِيدُ الْأَرَانِبَ حَتَّى الظِّبَاءَ وَالظِّبَاءُ لَيْسَتْ بَعْضُ الْأَرَانِبِ وَلَا كَبَعْضِهَا قَالَ الصَّفَّارُ: وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ (فَامْتَنَعَ جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى بَكْرٌ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يَعِيشَ (وَفِي كَوْنِهَا) أَيْ الْعَاطِفَةِ (لِلْغَايَةِ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (نَظَرٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَطْفِ غَايَةٌ إذْ هِيَ لَيْسَتْ إلَّا مُنْتَهَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَمِنْ ثَمَّةَ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إلَى مَنْعِ الْعَطْفِ بِهَا وَتَأَوَّلُوا مَا ظَاهِرُهُ ذَلِكَ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَعْطُوفِ (أَعْلَى مُتَعَلِّقٍ لِلْحُكْمِ) كَمَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءِ (أَوْ أَحَطَّ) مُتَعَلِّقٍ لَهُ كَاسْتَنَّتِ الْفِصَالُ حَتَّى الْقَرْعَى مَثَلًا يُضْرَبُ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَا يَنْبَغِي التَّكَلُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ أَيْ عَدَتْ مَرَحًا حَتَّى الْفُصْلَانُ الَّتِي بِهَا قَرَعٌ وَهُوَ بَثْرٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ بِهَا وَهِيَ الطَّرَفُ الْأَدْنَى مِنْهَا وَالطَّرَفُ الْأَعْلَى الْفِصَالُ السَّلِيمَةُ النَّشِيطَةُ (لَيْسَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ إذْ لَيْسَ) مَفْهُومُهَا (إلَّا مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) كَوْنُ الْمَعْطُوفِ أَعْلَى أَوْ أَحَطَّ (كَوْنُهُ مُنْتَهًى وَفِي) أَكَلْت السَّمَكَةَ (حَتَّى رَأْسَهَا بِالنَّصْبِ) كَوْنُ الرَّأْسِ (مُنْتَهَى الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ أَمْرٌ (اتِّفَاقِيٌّ) وُقُوعُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لَا مَدْلُولِهَا) أَيْ لَا أَنَّ حَتَّى تَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَطَّرِدُ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْعَطْفِ لَا غَايَةَ مَعَهُ (ظَاهِرُ الْقَائِلِ)
وَهُوَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ حَتَّى (لِلْغَايَةِ وَلِلْعَطْفِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ (الْحَقُّ) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَتْ عَاطِفَةً بِأَنْ يَنْقَضِيَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَعْطُوفِ (فِي اعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ) لَا بِحَسَبِ الْوُجُودِ نَفْسِهِ إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمَعْطُوفِ أَوَّلًا كَمَا فِي قَوْلِك مَاتَ كُلُّ أَبٍ لِي حَتَّى آدَم أَوْ فِي الْوَسَطِ كَمَا فِي مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (تَكَلُّفٌ يَنْفِيهِ الْوِجْدَانُ إذْ لَا يَجِدُ الْمُتَكَلِّمُ اعْتِبَارَهُ كَوْنَ الْمَوْتِ تَعَلَّقَ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ انْتَهَى إلَى آدَمَ عليه السلام فِي مَاتَ الْآبَاءُ حَتَّى آدَم وَكَثِيرٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ) أَيْ الْقَائِلِ حَتَّى لِلْعَطْفِ وَالْغَايَةِ مَا مَعْنَاهُ (وَقَدْ تَعْطِفُ تَامًّا أَيْ جُمْلَةً) وَإِلَّا فَلَفْظُهُ وَقَدْ يَعْطِفُ بِهَا تَامَّةً أَيْ جُمْلَةً مُصَرَّحٌ بِجُزْأَيْهَا (مُمَثَّلًا بِضَرَبْتُ الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٌ غَضْبَانُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ) بَلْ الْمَعْرُوفُ عَطْفُهَا الْمُفْرَدَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَرْطِ عَطْفِهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُفْرَدِ وَلِأَنَّ الْعَاطِفَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَارَّةِ وَالْجَارَّةُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْأَسْمَاءِ فَكَذَا الْعَاطِفَةُ ثُمَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَعْنَى الْغَايَةِ فِيهِ أَنَّهُ ضَرَبَ الْقَوْمَ إلَى أَنْ غَضَبَ زَيْدٌ
وَخَالَفَ الْأَخْفَشُ فَجَعَلَهَا تَعْطِفُ الْفِعْلَ عَلَى الْفِعْلِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا إذَا كَانَ فِيهَا مَعْنَى السَّبَبِ نَحْوُ ضَرَبْت زَيْدًا حَتَّى بَكَى أَيْ فَبَكَى وَلَأَضْرِبَنَّهُ حَتَّى يَبْكِيَ أَيْ فَيَبْكِيَ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ يَرْفَعُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى لَأَضْرِبَنَّهُ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ فِيهِ إلَّا النَّصْبَ (وَادِّعَاؤُهُ) أَيْ عَطْفِهَا الْجُمْلَةَ (فِي حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ) عَلَى سَرَيْت بِهِمْ مِنْ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ
سَرَيْت بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ
…
وَحَتَّى الْجِيَادِ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ
كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي رِوَايَةِ رَفْعِ تَكِلُّ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ جَوَازُهُ مُطْلَقًا قِيَاسًا مُطَّرِدًا لِأَنَّهُ فَرْدٌ شَاذٌّ هَذَا (لَوْ لَزِمَ) الْعَطْفُ فِيهِ فَكَيْفَ (وَهُوَ) أَيْ اللُّزُومُ فِيهِ (مُنْتَفٍ بَلْ) حَتَّى فِيهِ (ابْتِدَائِيَّةٌ وَصَرَّحَ فِي الِابْتِدَائِيَّةِ بِكَوْنِ الْخَبَرِ مِنْ جِنْسِ) الْفِعْلِ (الْمُتَقَدِّمِ) وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِهِ الْإِسْتِرَابَاذِي (فَامْتَنَعَ رَكْبُ الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ ضَاحِكٌ بَلْ) إنَّمَا يُقَالُ حَتَّى زَيْدٌ (رَاكِبٌ) وَمَعْنَى الْبَيْتِ سَرَيْت بِهِمْ لَيْلًا وَامْتَدَّ بِهِمْ السَّيْرُ حَتَّى أَعْيَتْ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ أَيْضًا فَطَرَحَتْ أَرْسَانَهَا أَيْ حِبَالَهَا عَلَى أَعْنَاقِهَا وَتُرِكَتْ تَمْشِي مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى قَوْدِهَا لِذَهَابِ نَشَاطِهَا فَهِيَ إذَا خُلِّيَتْ لَمْ تَذْهَبْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلْ سَارَتْ مَعَهُمْ فَوُضِعَ مَا يَقُدْنَ مَوْضِعَ الْكَلَالِ (وَمِنْهُ) أَيْ قِسْمِ الِابْتِدَائِيَّةِ (سِرْت حَتَّى كَلَّتْ الْمَطِيُّ وَيَتَجَوَّزُ بِالْجَارَّةِ دَاخِلَةً عَلَى الْفِعْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْغَايَةِ بِأَنْ لَا يَصْلُحَ الصَّدْرُ) مِمَّا قَبْلَهَا (لِلِامْتِدَادِ) إلَى مَا بَعْدَهَا أَيْ لِضَرْبِ الْمُدَّةِ فِيهِ (وَمَا بَعْدَهَا لِلِانْتِهَاءِ) أَيْ دَلِيلًا عَلَى انْتِهَاءِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُمْتَدِّ إلَيْهِ وَانْقِطَاعِهِ عِنْدَهُ (فِي سَبَبِيَّةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا إنْ صَلُحَ) مَا قَبْلَهَا لِسَبَبِيَّةِ مَا بَعْدَهَا فَمَدْخُولٌ فِي هُوَ الْمُتَجَوَّزُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْوَجْهُ) أَنْ يُقَالَ يَتَجَوَّزُ بِهَا (فِي سَبَبِيَّةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا وَبِالْقَلْبِ (ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا لِمُسَاعِدَةِ الْمِثْلِ) الَّتِي هِيَ فِيهَا لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا عِلَّةً غَائِبَةً لِمَا قَبْلَهَا وَمِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ كَوْنُهَا عِلَّةً ذِهْنًا لِمَا هِيَ لَهُ مَعْلُولَةٌ لَهُ خَارِجًا وَمَا هِيَ لَهُ مَعْلُولٌ لَهَا ذِهْنًا عِلَّةٌ لَهَا خَارِجًا (كَأَسْلَمْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ)
فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى إحْدَاثِهِ لَا يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ وَأَيْضًا (لَيْسَ) دُخُولُ الْجَنَّةِ (مُنْتَهَاهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى إحْدَاثِهِ لِانْقِطَاعِهِ دُونَهُ وَكَيْفَ لَا وَمَا لَا يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ بِآخِرِهِ مَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ (إلَّا إنْ أُرِيدَ) بِالْإِسْلَامِ (بَقَاؤُهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ بَقَاءَهُ (لَا يَصْلُحُ الْآخَرُ) أَيْ دُخُولُ الْجَنَّةِ (مُنْتَهًى) لَهُ أَيْضًا وَكَيْفَ وَالْإِسْلَامُ أَكْثَرُ وَأَقْوَى وَبِهِ نِيلَ وَتَحَصَّلَ فَكَيْفَ يَنْتَهِي عِنْدَهُ فَحَتَّى فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهَا ثُمَّ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ فِي الْخَارِجِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَيُعْقَلُ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَهُ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَيْهِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَا يَصْلُحُ مُنْتَهَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ عَلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ (رَدُّ تَعْيِينِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَ الْغَايَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي (انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِمَا بَعْدَهَا) لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْجَزَاءِ وَالْمُسَبَّبِ كَمَا يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْغَايَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ حَتَّى لِلْغَايَةِ
حَقِيقَةً حَيْثُ احْتَمَلَ الصَّدْرُ أَعْنِي السَّبَبَ الِامْتِدَادَ وَالْآخَرُ أَعْنِي الْمُسَبَّبَ الِانْتِهَاءُ إلَيْهِ وَالرَّادُّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْمَرْدُودُ لِصَاحِبَيْ الْكَشْفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَاخْتِيرَ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِهِ (أَنَّهَا) أَيْ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا (مَقْصُودِيَّتُهُ) أَيْ كَوْنُ مَا بَعْدَ حَتَّى مَقْصُودًا (مِمَّا قَبْلَهُ) بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ مِنْ الْمُغَيَّا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارُ (أَبْعَدُ) مِنْ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْغَايَةَ (لَا تَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُهَا الْمَقْصُودُ مِمَّا قَبْلَهَا (كَرَأْسِهَا) فِي أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَكْلِهَا (وَغَيْرِهِ) أَيْ وَغَيْرِ رَأْسِهَا مِمَّا جُعِلَ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّتَبُّعِ لِمَوَارِدِهَا (وَالْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكَهُمَا فِي انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِمَا بَعْدَهَا (أَوْجَهُ) فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى إحْدَاثِ إسْلَامِ الدُّنْيَا غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَهُوَ صَالِحٌ لِسَبَبِيَّةِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي صَلَّيْت حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى
(وَالدُّخُولُ مُنْتَهَى إسْلَامِ الدُّنْيَا) أَيْ الْقِيَامُ بِالتَّكَالِيفِ الْإِلَهِيَّةِ فِيهَا (وَالصَّلَاةُ) أَيْ وَمُنْتَهَى فِعْلِهَا (فِي صَلَّيْت حَتَّى أَدْخُلَ) الْجَنَّةَ لِأَنَّ انْتِفَاءَ كَوْنِهَا لِلْغَايَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِانْتِفَاءِ الِامْتِدَادِ وَالِانْتِهَاءُ يَحْصُلُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْ إحْدَاثِ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ مُمْتَدًّا فَلَيْسَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُنْتَهَاهُمَا لِانْقِطَاعِهِمَا قَبْلَهُ إذْ الصَّدْرُ مَتَى لَمْ يَقْبَلْ الِامْتِدَادَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ بِآخِرِهِ مَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ إسْلَامُ الدُّنْيَا بِمَعْنَى الثَّبَاتِ عَلَيْهِ فَكَوْنُ الدُّخُولِ مُنْتَهَاهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يَكُونُ فِيهِ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلسَّبَبِيَّةِ قَوْلُك (لَآتِيَنَّكَ حَتَّى تُغَدِّيَنِي) لِأَنَّ الْإِتْيَانَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَحَتَّى تُغَدِّيَنِي لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِهَاءِ بَلْ هُوَ دَاعٍ إلَى زِيَادَةِ الْإِتْيَانِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَلَى حَقِيقَةِ الْغَايَةِ ثُمَّ الْإِتْيَانُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْغَدَاءِ وَالْغَدَاءُ يَصْلُحُ جَزَاءً لَهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِكَيْ تُغَدِّيَنِي (فَيَبَرُّ) إذَا أَتَاهُ (بِلَا تَغَدٍّ) أَيْ وَلَمْ يَتَغَدَّ عِنْدَهُ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ عَلَى وَجْهٍ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بِالْغَدَاءِ وَقَدْ وُجِدَ (بِخِلَافِ مَا إذَا صَلُحَ) الصَّدْرُ لِلِامْتِدَادِ (فَبِمَعْنَى إلَى) نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ إقَامَتِهِمْ عَلَى الْعُكُوفِ صَالِحٌ لِلِامْتِدَادِ وَرُجُوعَ مُوسَى إلَيْهِمْ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِهَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ) الصَّدْرُ (لَهُمَا) أَيْ لِلْغَايَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ (فَلِعَطْفِ مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ) الْأَعَمِّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُهْلَةٍ وَبِلَا مُهْلَةٍ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ إذْ جَعَلَهَا كَثُمَّ وَلِمَنْ قَالَ: لَا تَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ أَصْلًا بَلْ قَدْ يَتَعَلَّقُ الْعَامِلُ بِمَا بَعْدَهَا قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي النَّحْوِ غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى آدَمَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ لَا مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (لِعَلَاقَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ) الْغَايَةُ (بِالتَّعْقِيبِ أَنْسَبَ) مِنْهَا بِالتَّرَاخِي لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَتَرَاخَى عَنْ الْمُغَيَّا (كَجِئْتُ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك مِنْ مَالِي لَا عَقْلِيَّةَ لِسَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْمَجِيءِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِلْغَدَاءِ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ (فَشَرْطُ الْفِعْلَانِ) الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ (لِلتَّشْرِيكِ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ (كَكَوْنِهِ غَايَةً) أَيْ كَمَا شَرَطَ الْأَمْرَانِ مِمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْبَرِّ إذَا كَانَتْ لِلْغَايَةِ لِأَنَّ الْغَايَةَ فَرْعُ الْمُغَيَّا (كَإِنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى تَصِيحَ) أَوْ حَتَّى يَشْفَعَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ فَكَذَا
فَإِذَا كَفَّ قَبْلَ هَذِهِ الْغَايَاتِ حَنِثَ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالتَّكْرَارِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ فِي حُكْمِ الْبِرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَالْكَفُّ عَنْ الضَّرْبِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ وَهَذِهِ الْغَايَاتُ دَلَالَاتٌ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْ الضَّرْبِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةٍ حَتَّى وَهِيَ الْغَايَةُ فَصَارَ شَرْطُ الْحِنْثِ الْكَفُّ عَنْ الضَّرْبِ قَبْلَ الْغَايَةِ إمَّا بِعَدَمِ الضَّرْبِ أَصْلًا أَوْ بِضَرْبٍ لَا يَتْبَعُهُ صِيَاحٌ أَوْ شَفَاعَةٌ أَوْ دُخُولُ اللَّيْلِ ثُمَّ الشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلَيْنِ حَالَ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ (مُعْقِبًا) لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (وَمُتَرَاخِيًا) عَنْهُ (فَيَبَرُّ بِالتَّغَدِّي فِي إتْيَانٍ وَلَوْ) كَانَ التَّغَدِّي (مُتَرَاخِيًا عَنْهُ) أَيْ الْإِتْيَانِ فِي إنْ لَمْ آتِك حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك فَكَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ (كَمَا فِي الزِّيَادَاتِ) وَشُرُوحِهَا وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَتَغَدَّ مُتَّصِلًا بِالْإِتْيَانِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْعُمْرَانِ أَطْلَقَ (إلَّا إنْ نَوَى الْفَوْرَ) وَالِاتِّصَالَ فَيَبَرُّ إذَا تَغَدَّى عَقِبَ الْإِتْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ أَوْ أَتَى وَتَغَدَّى
مُتَرَاخِيًا عَنْهُ حَنِثَ (وَفِي الْمُقَيَّدِ بِوَقْتٍ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتَ (التَّرَاخِي كَإِنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك فَكَذَا فَإِنْ قِيلَ: التَّرْتِيبُ الْأَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُهْلَةٍ أَوْ لَا لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُ لَفْظٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَدْلُولُ لَفْظِ التَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ كَمَا لِلْفَاءِ أَوْ بِمُهْلَةٍ كَمَا لِثُمَّ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ قُلْنَا لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَجَازِ وُجُودُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمَعْنَى لِلَّفْظِ وَمَعْنًى آخَرَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآخَرِ وُضِعَ لَهُ لَفْظٌ أَصْلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِذْ كَانَ التَّجَوُّزُ بِاللَّفْظِ) عَنْ مَعْنًى (لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ (فِي مُطَابِقِي لَفْظٍ بَلْ وَلَا مَعْنَى لَفْظٍ أَصْلًا وَإِذْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْمَجَازِ نَقْلٌ جَازَ هَذَا) الْمَجَازُ أَعْنِي كَوْنَ حَتَّى لِعَطْفِ مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ
(وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْمَجَازِ (جَوَّزُوا) أَيْ الْفُقَهَاءُ (جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٍو) إذَا جَاءَ عَمْرٌو وَبَعُدَ زَيْدٌ (وَإِنْ مَنَعَهُ النُّحَاةُ) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا بَعْضَ مَا قَبْلَهَا أَوْ كَبَعْضِهِ (غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ) عَلَاقَةٌ بَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ (التَّرْتِيبَ) فَإِنَّهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا ثَابِتٌ هُنَا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ هَذَا كَمَا بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا حَالَ كَوْنِهَا (عَاطِفَةً كَمَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ وَحَتَّى آدَم وَأَنَّهُ لَا غَايَةَ يَلْزَمُ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَطْفِ (بَلْ ذَلِكَ الْغَايَةُ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْكَائِنُ بَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَمَا قَبْلَهَا إنَّمَا هُوَ (فِي الرِّفْعَةِ وَالضَّعَةِ) بِأَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا أَقْوَى أَجْزَاءَ مَا قَبْلَهَا وَأَشْرَفَهَا أَوْ أَضْعَفَهَا وَأَدْنَاهَا (لَا) الْغَايَةَ (الِاصْطِلَاحِيَّةَ مُنْتَهَى الْحُكْمِ) وَهَذَا مَا قَالُوا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ حَتَّى آخِرَ أَجْزَاءِ مَا قَبْلَهَا حِسًّا وَلَا آخِرَهَا دُخُولًا فِي الْعَمَلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ لَكِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى الْأَجْزَاءِ إذَا ابْتَدَأْت مِنْ الْجَانِبِ الْأَضْعَفِ مُصَعِّدًا نَحْوَ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ لَيْسَ آخِرَهُمْ حِسًّا وَلَا مَوْتًا بَلْ آخِرُهُمْ قُوَّةً وَشَرَفًا وَأَضْعَفُهَا إذَا ابْتَدَأْت بِعِنَايَتِك مِنْ الْجَانِبِ الْأَقْوَى مُنْحَدِرًا نَحْوَ قَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَادِمِينَ قَبْلَ الرُّكْبَانِ أَوْ مَعَهُمْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْإِسْتِرَابَاذِي: وَأَمَّا الْجَارَّةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا كَذَلِكَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ كَوْنُهُ آخَرَ الْأَجْزَاءِ حِسًّا أَوْ مُلَاقِيًا لَهُ نَحْوُ قَرَأْت الْقُرْآنَ حَتَّى سُورَةِ النَّاسِ وَسِرْت النَّهَارَ حَتَّى اللَّيْلِ (وَلَمْ يَلْزَمْ الِاسْتِثْنَاءُ بِهَا) أَيْ بِحَتَّى أَيْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى إلَّا أَنَّ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} [البقرة: 102] بَلْ هِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْغَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو حَيَّانَ وَابْنُ هِشَامٍ الْمِصْرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: (وقَوْله تَعَالَى حَتَّى يَقُولَا صَحَّتْ غَايَةً لِلنَّفْيِ كَإِلَى وَكَذَا لَا أَفْعَلُ حَتَّى تَفْعَلَ) أَيْ إلَى أَنْ تَفْعَلَ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى إلَّا ظَاهِرٌ فِيمَا أَنْشَدَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ
لَيْسَ الْعَطَاءُ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً
…
حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلٌ
وَفِي قَوْلِهِ
وَاَللَّهِ لَا يَذْهَبُ شَيْخِي بَاطِلًا
…
حَتَّى أُبِيرَ مَالِكًا وَكَاهِلًا
لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا وَلَا مُسَبَّبًا عَنْهُ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ (وَقَوْلُهُ
حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلٌ
…
وَحَتَّى أُبِيرَ مَالِكًا وَكَاهِلًا
لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلْغَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ إعْطَاءُ الْإِنْسَاءِ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً حَتَّى يُعَدُّ بِهِ الْمُعْطِي سَمْحًا جَوَادًا إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْإِعْطَاءِ وَمَا لَدَيْهِ قَلِيلٌ فَإِنَّ الَّذِي يَجُودُ وَمَا لَدَيْهِ قَلِيلٌ هُوَ الَّذِي إعْطَاؤُهُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا كَانَتْ سَمَاحَةً وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ قَلِيلٍ لَيْسَ لَهُ سِوَاهُ إذَا أَعْطَى مِنْ كَثِيرٍ لَا يُقَالُ فِيهِ سَمْحٌ وَسَمَاحَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا فِيهِ لِلْغَايَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُرَادَى وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهَا فِيهِ بِمَعْنَى إلَى وَمَعْنَى الْبَيْتِ الثَّانِي لَا أَتْرُكُ أَخْذَ ثَأْرِ أَبِي إلَى أَنْ أُهْلِكَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنْ أَسَدٍ فَإِنَّهُمَا الْمُتَعَاضِدَانِ عَلَى قَتْلِهِ فَحِينَئِذٍ أَتَرْكُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا فِيهِ لِلْغَايَةِ أَيْضًا أَوْ أَنَّ سَبَبَ إبَارَتِهِمْ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَذْهَبُ بَاطِلًا فَإِبَارَتُهُمْ سَبَبُ عَدَمِ ذَهَابِهِ بَاطِلًا فِي الْخَارِجِ مُسَبِّبَةٌ لَهُ ذِهْنًا فَإِنْ تَعَقَّلَ عَدَمَ ذَهَابِهِ بَاطِلًا إذْ إبَارُهُمْ سَبَبٌ دَاعٍ لِإِبَارَتِهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التَّرْدِيدَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ