الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَعَ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فِيهَا) أَمَّا فِي الْعَقَائِدِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّصِّ السَّمْعِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَأَمَّا فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ فَحَكَمَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِ إثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا وَأَمَّا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ صِدْقَ مُدَّعِيهَا بِغَيْرِ مُعْجِزَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ فِي نِهَايَةِ الْعَظَمَةِ وَغَايَةِ النُّدْرَةِ وَالطِّبَاعُ مُسْتَبْعَدَةٌ لِوُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ اُكْتُفِيَ فِيهَا بِالظَّنِّ.
[مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ]
(مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ، وَمَنَعَهُ الرَّوَافِضُ وَشُذُوذٌ) مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد (لَنَا تَوَاتُرُ) الْعَمَلِ بِهِ (عَنْ الصَّحَابَةِ فِي) آحَادِ (وَقَائِعَ خَرَجَتْ عَنْ الْإِحْصَاءِ لِلْمُسْتَقِرِّينَ يُفِيدُ مَجْمُوعَهَا) أَيْ آحَادِ الْوَقَائِعِ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (قَوْلًا أَوْ كَالْقَوْلِ عَلَى إيجَابِ الْعَمَلِ عَنْهَا) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (فَبَطَلَ إلْزَامُ الدَّوْرِ و) إلْزَامُ (مُخَالَفَةٍ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِتَوَاتُرِ الْعَمَلِ بِهَا لَا بِخَبَرِ وَاحِدٍ بِالْعَمَلِ بِهَا وَالْمُتَوَاتِرِ وَلَوْ مَعْنًى يُفِيدُ الْعِلْمَ (وَ) إلْزَامُ (كَوْنِ الْمُسْتَفَادِ) مِنْ هَذِهِ الْوَقَائِعِ (الْجَوَازَ) أَيْ جَوَازَ الِاسْتِدْلَالِ وَالْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّ إيجَابَهُمْ الْأَحْكَامَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا (عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ) أَيْ بِالْجَوَازِ (دُونَ وُجُوبٍ وَمِنْ مَشْهُورِهَا) أَيْ أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ( «عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ بِخَبَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(وَعُمَرَ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَجُوسِ) وَهُوَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (وَبِخَبَرِ حَمَلِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ (ابْنِ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ) حَيْثُ قَالَ «كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَبِخَبَرِ الضَّحَّاكِ) بْنِ سُفْيَانَ (فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ الزَّوْجِ) حَيْثُ قَالَ «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيَّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ) كَمَا أَفَادَهُ مَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَضَى عُمَرُ رضي الله عنه فِي الْإِبْهَامِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ حَتَّى وَجَدَ كِتَابًا عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ «وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى قُلْت فَعَلَى هَذَا قَوْلُ السُّبْكِيّ وَأَمَّا رُجُوعُهُ إلَى كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَلَغَ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ بَلَغَهُ لَصَارَ إلَيْهِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ انْتَهَى مُتَعَقَّبٌ بِهَذَا فَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ مِمَّنْ رَوَى كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ (وَ) عَمِلَ (عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ) بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ (وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً مِنْ الْآحَادِ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى عَمَلِهِمْ بِهَا لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِخُصُوصِيَّاتٍ فِيهَا سِوَى حُصُولِ الظَّنِّ فَعَلِمْنَاهُ) أَيْ حُصُولَ الظَّنِّ (الْمَنَاطُ عِنْدَهُمْ مَعَ ثُبُوتِ إجْمَاعِهِمْ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) وَقَدَّمْنَا فِي الْبَحْثِ الْأَوَّلِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ أَنَّ شَيْخَنَا الْحَافِظَ قَالَ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بَلْ مَعْنَاهُ «وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ أَيْضًا أَنَّ الْمَحْفُوظَ؛ إنَّا؛ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
«وَالْأَنْبِيَاءُ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ» ) رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
الْوَفَاءِ (وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُونَ عِنْدَ رِيبَةٍ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الظَّنِّ كَإِنْكَارِ عُمَرَ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي نَفْيِ نَفَقَةِ الْمُبَانَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَال (وَعَائِشَةَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ الْحَيِّ)
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيْضًا تَوَاتَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم إرْسَالُ الْآحَادِ إلَى النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ) مِنْهُمْ مُعَاذٌ فَرَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ إنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» الْحَدِيثَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ قَبُولُ خَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِإِرْسَالِهِمْ مَعْنًى (وَالِاعْتِرَاضُ) عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ (بِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ (سَاقِطٌ) لِأَنَّ إرْسَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ (إذْ أَفَادَ وُجُوبَ عَمَلِ الْمُبَلَّغِ بِمَا بَلَّغَهُ الْوَاحِدُ) لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رُسُلُهُ (كَانَ) إرْسَالُهُ (دَلِيلًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ وُجُوبُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُبَلَّغ الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ لِأَنَّ الْمُبَلَّغَ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَعَلَى كُلٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَفَادَ اللَّفْظُ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا مُفِيدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ
(وَاسْتَدَلَّ) مَنْ قَبْلَنَا لِلْمُخْتَارِ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: 122] الْآيَةَ) أَيْ {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] لِأَنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَدْ جُعِلَ مُنْذِرًا وَوَجَبَ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِهِ وَلَوْلَا قَبُولُ خَبَرِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ (وَاسْتُبْعِدَ) الِاسْتِدْلَال بِهَا (بِأَنَّهُ) أَيْ النَّفَرَ لِإِفْتَائِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْذَارِ الْفَتْوَى بِقَرِينَةِ تَوَقُّفِهِ عَلَى التَّفَقُّهِ إذَا الْأَمْرُ بِالتَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِهِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى التَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ الْفَتْوَى لَا الْخَبَرُ الْمَخُوفُ مُطْلَقًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِبْعَادُ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْإِنْذَارَ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ الْإِفْتَاءِ (وَمِنْ أَخْبَارِهِمْ) وَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّفَقُّهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْقَوْمِ بِالْمُقَلِّدِينَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِي فَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَمْلِ الْإِنْذَارِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَإِنَّهُ كَمَا يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْإِنْذَارِ يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْقَوْمِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُقَلِّدُ فِي الِانْزِجَارِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ فِي مِثْلِهَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ} [البقرة: 159 - 174] الْآيَةُ (فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَمَا كَانَ لِلْإِيعَادِ عَلَى الْكِتْمَانِ لِقَصْدِ الْإِظْهَارِ فَائِدَةٌ (لِجَوَازِ نَهْيِهِمْ عَنْ الْكِتْمَانِ لِيَحْصُلَ التَّوَاتُرُ بِإِخْبَارِهِمْ و {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ) الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْفَاسِقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بِخِلَافِهِ اسْتِدْلَالٌ (بِمَفْهُومٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
(وَلَوْ صَحَّ كَانَ ظَاهِرًا وَلَا يُثْبِتُونَ بِهِ) أَيْ بِالظَّاهِرِ (أَصْلًا دِينِيًّا وَإِنْ كَانَ) الْأَصْلُ الدِّينِيُّ (وَسِيلَةَ عَمَلٍ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ أَنَّ بِهِ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ (قَالُوا تَوَقَّفَ عليه السلام) لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ (فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ) أَيْ الْخِرْبَاقِ حَيْثُ قَالَ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ قَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قُلْنَا) تَوَقُّفُهُ (لِلرِّيبَةِ) فِي خَبَرِهِ (إذْ لَمْ يُشَارِكُوهُ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا (ثُمَّ لَيْسَ) خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ (دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْوَاحِدِ) أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ بِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ دَلِيلٌ (لِمُوجِبِ الِاثْنَيْنِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فِي رِوَايَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ رَوَاهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَاذَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَا صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» (وَإِلَّا فَمَعَهُمَا) أَيْ خَبَرَيْ الِاثْنَيْنِ (لَا يَخْرُجُ) الْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَاحِدُ (عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَوْنُهُ) أَيْ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ (لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) لِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَبُّدِ الْأُمَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَنْقُولًا عَنْ الرَّسُولِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لَا يَضُرُّ إذْ يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ خَبَرَهُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُقِلَ إلَى سَيِّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ النَّبِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْأَعْظَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ كَوْنِ تَوَقُّفِهِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ الْجَوَابُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا
(قَالُوا قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36] فَنَهَى عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَأَنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ بِالظَّنِّ بَلْ (بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَنَّهُ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (بِمُقْتَضَى الْقَاطِعِ) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (بِالْعَقْلِ أَيْضًا كَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْقَفَّالِ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ) كَابْنِ سُرَيْجٍ فِي جَمَاعَةٍ (قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَعْلُومِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَإِخْبَارِ وَاحِدٍ بِمَضَرَّةِ طَعَامٍ وَسُقُوطِ حَائِطٍ يُوجِبُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لِلْأَصْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ) عَنْ الْمَضَارِّ (فَكَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْبَعْثَةَ لِلْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ) وَمَضْمُونُ الْخَبَرِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (بِنَاءً عَلَى التَّحْسِينِ) الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أُبْطِلَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِيجَابِ (سَلَّمْنَاهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالتَّحْسِينِ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَقْطُوعِ الْأَصْلِ (أَوْلَى عَقْلًا) لِلِاحْتِيَاطِ (لَا وَاجِبٌ سَلَّمْنَاهُ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ (لَكِنْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ دُونَ الشَّرْعِيَّاتِ) وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ وَهُوَ شَرْطُهُ (سَلَّمْنَاهُ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَصَحَّ قِيَاسُ الشَّرْعِيَّاتِ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسَ (قِيَاسٌ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ بِظَنِّيٍّ (قَالُوا) أَيْ الْبَاقُونَ مِنْ مُثْبِتِيهِ بِالْعَقْلِ أَيْضًا أَوَّلًا خَبَرٌ (يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا دَفْعًا لِمَضَرَّةٍ قُلْنَا لَمْ يَذْكُرُوا أَصْلَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فَإِنْ كَانَ) أَصْلُهُ الْخَبَرَ (الْمُتَوَاتِرَ فَلَا جَامِعَ) بَيْنَهُمَا (لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ) أَيْ الْمُتَوَاتِرِ (لِلْعِلْمِ) أَيْ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ لَا لِلِاحْتِيَاطِ (وَإِنْ كَانَ) أَصْلُهُ (الْفَتْوَى) مِنْ الْمُفْتِي (فَخَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ) أَيْ فَحُكْمُ الْمُفْتِي خَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ فِيهَا (وَمَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ حُكْمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَامٌّ) فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ (أَوْ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِهَا) أَيْ الْفَتْوَى فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْمُقَلِّدُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ خَاصٌّ بِالْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِ الْفَتْوَى (فَالْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَلَوْ سُلِّمَ) عَدَمُ الْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى الْفَتْوَى (فَقِيَاسٌ كَالْأَوَّلِ) أَيْ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ عَقْلِيًّا بَلْ شَرْعِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَطْلُوبِكُمْ
(قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ لَمْ يَجِبْ) الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ) وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَا يَفِيَانِ بِالْأَحْكَامِ بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى خِلَافِ مَقْصُودِ الْبَعْثَةِ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وُجُوبُ التَّوَقُّفِ فَلَمْ يَخْلُ) أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ وُجُوبِ التَّوَقُّفِ (مَنَعْنَا بُطْلَانَ التَّالِي) أَيْ امْتِنَاعَ خُلُوِّ وَقَائِعَ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الدَّلِيلِ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَا لَا دَلِيلَ فِيهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ (وَإِذَا لَزِمَ التَّوَقُّف ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِيهَا كَمَا عُرِفَ (وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ) أَيْ بُعْدُ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (مِنْ حَضِّ الشَّارِعِ) أَيْ حَثِّهِ كُلّ مَنْ سَمِعَ شَرْعِيَّةَ حُكْمٍ قَالَهُ (عَلَى نَقْلِ مَقَالَتِهِ) بِنَحْوِ مَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم -
«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمَنْقُولِ الْوَقْفَ أَدَّى إلَى أَنَّ حَضَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ سَمِعَ الْإِيجَابَ لِفَائِدَةِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ وَهَكَذَا النَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ بَلْ يُتَوَقَّفُ وَفِي هَذَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ كَانَ عَدَمُ النَّقْلِ كَالنَّقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعَمَل بِحُكْمٍ خَاصٍّ وَالْوَقْفَ عَنْهُ وَثُبُوتَ الْإِبَاحَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ حَضِّهِ صلى الله عليه وسلم لِكُلِّ سَامِعٍ لِيَحْصُلَ تَوَاتُرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ (مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ سُنَّتِهِ لَا يَصِلُ مِنْهَا إلَى التَّوَاتُرِ شَيْءٌ) مُوَافِقَةٌ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ التَّوَاتُرِ أَصْلًا أَوْ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدِيثَانِ وَإِلَّا كَانَ أَمْرُهُ وَحَضُّهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ظَنِّ حُصُولِهِ إلَى وَفَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ إلَى وَفَاتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِاقْتِصَارِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حَدِيثٍ إلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ حَدِيثُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مِثَالٌ لِذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَعَهُ بَلْ صَرَّحَ بِعِزَّةِ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْهُ وَبِقَوْلِهِ أَوْ حَدِيثَانِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَهُ مُتَوَاتِرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمُتَوَاتِرِ مَعْدُومًا أَوْ مَقْصُورًا عَلَى حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ تَأَمُّلٌ وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الْعِزَّةِ مَمْنُوعٌ وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعَدَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ وَصِفَاتِهِمْ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْعَادِ الْعَادَةِ أَنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ اتِّفَاقًا وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ الْمُتَوَاتِرِ مَوْجُودًا وُجُودَ كَثْرَةٍ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ شَرْقًا وَغَرْبًا الْمَقْطُوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثٍ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ الْعَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ أَفَادَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى قَائِلِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَثِيرٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (أَوْ) لَا يَخْفَى (الْأَخِيرَانِ) أَيْ لُزُومِ التَّوَقُّفِ وَالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ مَا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فَإِنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ) عَنْ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ خَاصٍّ (وَ) فِي (ثُبُوتِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ هَذَا لِيَتَحَقَّقَا (بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (مِنْ قَبِيلِ) الدَّلِيلِ (النَّقْلِيِّ الصَّحِيحِ لَا عَقْلِيٍّ) عَلَى وِزَانِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
(وَلِمَنْ شَرَطَ الْمُثَنَّى) فِي قَبُولِ الْخَبَرِ (أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (بِهِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ (أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ لِاقْتِضَائِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (شَرْعًا عَامًّا بِخِلَافِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَمْرًا خَاصًّا (قُلْنَا الْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (وُجُودُ مَا لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحَوَامِلِ) عَلَيْهَا مِنْ عَدَاوَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ (أَوْ) اشْتِرَاطِ الْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِذَا) أَيْ وُجُودُ حَوَامِلَ فِي الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ فِي الرِّوَايَةِ (اُشْتُرِطَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعَ ظُهُورِ انْحِطَاطِهَا) أَيْ الرِّوَايَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ (اتِّفَاقًا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْوَلَاءِ) فِي الرِّوَايَةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (رَدَّ عُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى رَوَاهُ الْخُدْرِيُّ) أَيْ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ فَانْطَلَقَ إلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يَشْهَدُ لَك عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَصْغَرُنَا فَانْطَلَقَ أَبُو سَعِيدٍ فَشَهِدَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ» (قُلْنَا لِرِيبَةٍ فِي خُصُوصِهِ) أَيْ خَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ شَرَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَمْ يَتَّهِمْ عُمَرُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْحَدِيثِ حِفْظًا لِلرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لَا) فِي (عُمُومِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ تَوَقُّفِ الصَّحَابَةِ عَنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِرِيبَةٍ لَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ (عَمِلُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ) كَمَا يُشِيرُ