الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَشَرْنَا إلَيْهِ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَ الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأُصُولُ وَمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَمَّا قَبْلَهَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْفُرُوعُ فَالصَّوَابُ كَسْرُ الْبَاءِ وَيُعْرَفُ تَوْجِيهُهُ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لَهُ وَدَفْعِهِ مِمَّا سَلَفَ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ ذَاكَ وَيُتَأَمَّلْ مَا هُنَا
[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ]
(مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ كَالْكِتَابِ) أَيْ كَتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي الْجَوَازِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَشُذُوذٍ ثُمَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَوْصُولًا بِالْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ يَشْتَرِطُ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (قَالُوا) أَيْ الْجُمْهُورُ (خَصَّ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (بِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي (تَامٌّ عَلَى) قَوْلِ (الشَّافِعِيَّةِ) وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطُوا الْمُقَارَنَةَ وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ تَقْدِيمَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا (لَا) عَلَى قَوْلِ (أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذْ لَمْ تَثْبُتْ مُقَارَنَتُهُ) أَيْ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (وَلَا تَأْخِيرُهُ لِيُخَصَّ) عَلَى تَقْدِيرِ مُقَارَنَتِهِ (وَيُنْسَخَ) عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ (فَتَعَارَضَا) أَيْ الْحَدِيثَانِ فِي الْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثَّانِيَ بِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ فَإِنَّ وَجْهَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَصْلِ الْمَذْهَبِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ (وَقَدَّمَ) أَبُو حَنِيفَةَ (الْعَامَّ) أَيْ الْأَوَّلَ (احْتِيَاطًا) لِتَقَدُّمِ الْمُوجِبِ عَلَى الْمُبِيحِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَرْوِيَّهُمَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا بَلْ نَقَلَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي مَبْسُوطِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيِّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْأَصْلَ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَعُمَرُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَاهُمْ»
[مَسْأَلَةٌ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ]
(مَسْأَلَةٌ أَلْحَقَ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَرْدَعِيُّ وفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ) وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ (قَوْلَ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ (فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ بِالسُّنَّةِ) لِغَيْرِ الصَّحَابِيِّ (لَا لِمِثْلِهِ) أَيْ صَحَابِيٍّ آخَرَ (فَيَجِبُ) عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ (تَقْلِيدُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (وَنَفَاهُ) أَيْ إلْحَاقَ قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ (الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ (كَالشَّافِعِيِّ) فِي الْجَدِيدِ (وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ) أَيْ قَوْلِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْفُوعِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ بِالرَّأْيِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْجَدِيدِ عَلَى مَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ (وَتَحْرِيرُهُ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (فِيمَا) يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لَكِنْ (لَا يَلْزَمُهُ الشُّهْرَةُ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ (مِمَّا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ) فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ ظَهَرَ نَقْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّابِعِينَ (وَمَا يَلْزَمُهُ) الشُّهْرَةُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَاشْتُهِرَ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافٌ مِنْ غَيْرِهِ (فَهُوَ إجْمَاعٌ كَالسُّكُوتِيِّ حُكْمًا لِشُهْرَتِهِ) أَيْ بِسَبَبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَفِي اخْتِلَافِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ (التَّرْجِيحِ) بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقَاوِيلِ إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) التَّرْجِيحُ (عُمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ) بَعْدَ أَنْ يَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ بِلَا دَلِيلٍ (لَا يُطْلَبُ تَارِيخٌ) بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ لِيَجْعَلَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ كَمَا يَفْعَلُ فِي النَّصَّيْنِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَتَحَاجُّوا بِالسَّمَاعِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا سَمَاعٍ فَكَانَا (كَالْقِيَاسَيْنِ) تَعَارَضَا (بِلَا تَرْجِيحٍ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَيْثُ يَكُونُ هَذَا حُكْمَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُو أَقْوَالَهُمْ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِالرَّأْيِ قَوْلًا خَارِجًا عَنْهَا
(وَاخْتَلَفَ عَمَلُ أَئِمَّتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَنْهُمْ مَذْهَبٌ فِيهَا وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا عَنْهُمْ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَلَمْ يَشْرِطَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْمُشَاهَدِ) أَيْ
تَسْمِيَةَ مِقْدَارِهِ إذَا كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ (قِيَاسًا) عَلَى الْإِعْلَامِ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْإِعْلَامُ بِالتَّسْمِيَةِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا بِالْإِشَارَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ بِهِ (وَشَرَطَهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الْمُشَاهَدِ فِي صِحَّتِهِ (وَقَالَ بَلَغَنَا) ذَلِكَ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ) كَذَا فِي الْكَشْفِ وَفِي غَيْرِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ (وَضَمَّنَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ) وَهُوَ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى عَمَلِهِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ الْعَمَلُ إذَا هَلَكَتْ (فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ بِخِلَافِ) مَا إذَا هَلَكَتْ بِالسَّبَبِ (الْغَالِبِ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبَيْنِ وَالْغَارَةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ضَمَّنَّاهُ فِي الْأَوَّلِ (بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّائِغَ وَيَقُولُ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ (وَنَفَاهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (بِقِيَاسِ أَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ) وَالْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى مَنَافِعِهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ نَوْعَانِ ضَمَانُ جَبْرٍ وَهُوَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَضَمَانُ الشَّرْطِ وَهُوَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ الْمَالِكِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ قُلْت وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ خِلَافُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَلَا الصَّائِغَ وَلَا الْحَائِكَ وَرَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا ضَمَانَ عَلَى قَصَّارٍ وَلَا صَبَّاغٍ وَلَا وَشَّاءٍ» فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الضَّمَانُ كَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ قِيلَ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (وَاتُّفِقَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ رَأْيًا كَتَقْدِيرِ أَقَلِّ الْحَيْضِ) بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (بِمَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَنَسٍ) رضي الله عنهم كَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ عَنْهُ
وَأَمَّا عَنْ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهَا الْكَرْخِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ بِالْمَرْفُوعِ فِي ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمُعَاذٍ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ فِي طُرُقِهَا ضَعْفٌ فَإِنَّ تَعَدُّدَهَا يَرْفَعُهَا إلَى دَرَجَةِ الْحُسْنِ وَهُوَ صَنِيعُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ ثُمَّ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَاللَّيْلَتَانِ اللَّتَانِ تَتَخَلَّلَانِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ (وَفَسَادُ بَيْعِ مَا اشْتَرَى قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ) لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لَمَّا قَالَتْ لَهَا إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ تَتُوبَ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَ مَا شَرَيْت رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي إسْنَادُهُ جَيِّدٌ (لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ رَأْيًا (لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ) عَلَى الْأَعْمَالِ إنَّمَا تُعْلَمُ (بِالسَّمْعِ) فَيَكُونُ لِهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ (لِلنَّافِي) إلْحَاقُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ بِالسُّنَّةِ
(يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ) الصَّحَابِيِّ (الْمُجْتَهِدِ) غَيْرَهُ (وَهُوَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ (كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي احْتِمَالِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأَ لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ فَيَمْتَنِعُ تَقْلِيدُهُ (الْمُوجِبُ) لِتَقْلِيدِهِ (مَنْعُ) الْمُقَدِّمَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ كَوْنُ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي احْتِمَالِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأَ (بَلْ يَقْوَى فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ (احْتِمَالُ السَّمَاعِ) وَالظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ إفْتَاؤُهُ بِالْخَبَرِ لَا بِالرَّأْيِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْقُرَنَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ عَادَتِهِمْ سُكُوتُهُمْ عَنْ الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْفَتْوَى إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ يُوَافِقُ فَتْوَاهُمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ السُّؤَالِ بَيَانُ الْحُكْمِ لَا غَيْرُ (وَلَوْ انْتَفَى) السَّمَاعُ (فَإِصَابَتُهُ) الْحَقَّ (أَقْرَبُ) مِنْ غَيْرِهِ (لِبَرَكَةِ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ الْأَحْوَالَ الْمُسْتَنْزِلَةَ لِلنُّصُوصِ وَالْمَحَالَّ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ) الْأَحْكَامُ (بِاعْتِبَارِهَا) وَلَهُمْ زِيَادَةُ
جِدٍّ وَحِرْصٍ فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِمَا هُوَ سَبَبُ قِوَامِ الدِّينِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَضَبْطِهَا وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ قُلْت وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَرْكُ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى اجْتِهَادَ نَفْسِهِ اهـ وَالْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصَارَ) قَوْلُ الصَّحَابِيِّ (كَالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَقَدْ يُفِيدُهُ عُمُومُ) قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] مَدَحَ الصَّحَابَةَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّابِعُونَ الْمَدْحَ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِهِمْ لَا إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا بِاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قَوْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافٌ فَلَا يَكُونُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ بِاتِّبَاعِ الْبَعْضِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الْبَعْضِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَكَانَ النَّصُّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ
(وَالظَّاهِرُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (فِي) التَّابِعِيِّ (الْمُجْتَهِدِ فِي عَصْرِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (كَابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ (الْمَنْعُ) مِنْ تَقْلِيدِهِ (لِفَوْتِ الْمَنَاطِ الْمُسَاوِي) لِلْمَنَاطِ فِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ لِلصَّحَابِيِّ وَهُوَ بَرَكَةُ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْأُمُورِ الْمُثِيرَةِ لِلنُّصُوصِ وَالْمُفِيدَةِ لِإِطْلَاقِهَا حَتَّى ذَكَرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ سَلَّمْنَا لَهُمْ وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَا أُقَلِّدُهُمْ هُمْ رِجَالٌ اجْتَهَدُوا وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ (وَفِي النَّوَادِرِ نَعَمْ كَالصَّحَابِيِّ) وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِذَلِكَ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةَ (لَمَّا سَوَّغُوا لَهُ) أَيْ لِلتَّابِعِيِّ الِاجْتِهَادَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى (صَارَ مِثْلَهُمْ) فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ كَمَا فِي الصَّحَابِيِّ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ التَّسْوِيغَ) لِاجْتِهَادِهِ (لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ لِحُصُولِهَا لَهُ (لَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْمَنَاطَ) لِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ (فَبِرَدِّ شُرَيْحٍ الْحَسَنَ عَلَى عَلِيٍّ) أَيْ فَالِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه تَحَاكَمَ إلَى شُرَيْحٍ فَخَالَفَ عَلِيًّا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْحَسَنِ لَهُ لِلْقَرَابَةِ (وَهُوَ) أَيْ عَلِيٌّ (يَقْبَلُ الِابْنَ) أَيْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ (وَمُخَالَفَةِ مَسْرُوقٍ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي إيجَابِ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ إلَى شَاةٍ) قَالُوا وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ مَسْرُوقٍ بَعْدَ ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُفِيدُ) الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ خِلَافَهُمَا وَتَقْرِيرَهُمَا لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الِارْتِفَاعَ إلَى رُتْبَةِ الصَّحَابِيِّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَخُصُّهُ (وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْخِلَافَ) فِي قَوْلِ التَّابِعِيِّ (لَيْسَ إلَّا فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ) إجْمَاعُهُمْ (دُونَهُ أَوْ لَا) يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِهِمْ (فَعِنْدَنَا نَعَمْ) يُعْتَدُّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقَالَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى وَجْهٍ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
وُجِدَ فِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ شَارِحُ هَذَا الْكِتَابِ مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِطُولِ حَيَاتِهِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ خَتْمَ تَبْيِيضِ هَذَا السِّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ شَرْحَ كِتَابِ التَّحْرِيرِ عَلَى يَدَيْ مُؤَلِّفِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ ذِي الْفَضْلِ الْعَمِيمِ وَالْوَعْدِ الْوَفِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَهِرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَاوِيَّةِ النُّورِيَّةِ بِحَلَبِ الْمَحْرُوسَةِ لَا زَالَتْ رِبَاعُهَا بِالْبَرَكَاتِ وَالْفَضَائِلِ مَأْنُوسَهْ وَرَايَاتُ الْأَعْدَاءِ عَنْهَا مَنْكُوسَهْ أَصِيلَ يَوْمِ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ هِجْرَةً نَبَوِيَّةً عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَتَسْهِيلُ السَّبِيلِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ فِي خَيْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَافِيَةٍ وَنِعَمٍ مِنْهُ ضَافِيَةٍ وَافِيَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْضَاهُ رَبُّنَا جل جلاله وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا إنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرَمِ الْعَمِيمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ