الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّتُهَا لِلْعُلُومِ وَكَذَا الْبَوَاقِي اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ النُّورُ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا هُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ مُرَادًا بِهِ الْقُوَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَيْفَ لَا وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الشَّيْءُ فَاعِلًا أَوْ مُنْفَعِلًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ (وَكُلُّ هَذِهِ) الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ (فَضَلَاتُ الْفَلَاسِفَةِ لَا يَلِيقُ بِالشَّرْعِيِّ) أَيْ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (الْبِنَاءُ عَلَيْهَا إذْ لَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا ثُمَّ يَتَفَاوَتُ) الْعَقْلُ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَشَهَادَةٍ مِنْ الْآثَارِ فَرُبَّ صَبِيٍّ أَعْقَلَ مِنْ بَالِغٍ وَمِنْ الْأَخْبَارِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ» .
(وَلَا يُنَاطُ) التَّكْلِيفُ (بِكُلِّ قَدْرٍ فَأُنِيطَ بِالْبُلُوغِ) أَيْ بُلُوغِ الْآدَمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (عَاقِلًا وَيُعْرَفُ) كَوْنُهُ عَاقِلًا (بِالصَّادِرِ عَنْهُ) مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ كَانَ مُعْتَدِلَ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً كَانَ قَاصِرَ الْعَقْلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ اعْتِدَالَ الْحَالِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ بِلَا عَتَهٍ مَقَامَ كَمَالِ الْعَقْلِ فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ صَارَ صِفَةُ الْكَمَالِ الَّذِي يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ سَاقِطَ الِاعْتِبَارِ كَمَا سَقَطَ تَوَهُّمُ بَقَاءِ النُّقْصَانِ بَعْدَ هَذَا الْحَدِّ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ إذَا أُقِيمَ مُقَامَ الْبَاطِنِ يَدُورُ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا (وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الْبُلُوغِ هَلْ يُوجَدُ التَّكْلِيفُ (فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ فَعَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ (وَالْمُعْتَزِلَةِ إنَاطَةُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ) أَيْ بِعَقْلِهِ (وَعِقَابُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (بِتَرْكِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ لِمُسَاوَاتِهِ الْبَالِغَ فِي كَمَالِ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا عُذِرَ فِي عَمَلِ الْجَوَارِحِ لِضَعْفِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ عَمَلِ الْقَلْبِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ كَمَالَ الْعَقْلِ مُعَرِّفٌ لِلْوُجُوبِ كَالْخِطَابِ وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ (وَنَفَاهُ) أَيْ وُجُوبَ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (بَاقِيَ الْحَنَفِيَّةِ دِرَايَةً) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ إذْ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ لَا أَنَّهُ رَفْعٌ بَعْدَ وَضْعِهِ اهـ لَكِنْ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَقَبْلَهَا إلَى عَامِ الْخَنْدَقِ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالتَّمْيِيزِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمَعْرِفَةِ لَهُ أَيْضًا فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُمَيِّزِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَمْلُهُ عَلَى الشَّرَائِعِ بِدُونِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا مُوجِبَ لَهُ (وَرِوَايَةً لِعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمُرَاهِقَةِ بِعَدَمِ وَصْفِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ كَمَا سَلَفَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا.
(وَاتَّفَقَ غَيْرُ الطَّائِفَةِ مِنْ الْبُخَارِيَّيْنِ) الْحَنَفِيَّةُ (عَلَى وُجُوبِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (عَلَى بَالِغٍ) عَاقِلٍ (لَمْ يَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ) السَّابِقِ فِي الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ
[فَصْلٌ اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ]
[الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ وُجُوبٌ وَأَدَاءٌ]
(وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ) أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ لِلشَّيْءِ صَلَاحِيَّتُهُ لِصُدُورِهِ وَطَلَبِهِ مِنْهُ وَقَبُولِهِ إيَّاهُ (، وَهِيَ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ) لِلْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ (وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ كَوْنُهُ مُعْتَبَرًا فِعْلُهُ شَرْعًا وَالْأَوَّلُ بِالذِّمَّةِ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ لِوُجُوبِ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ) مِنْ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ إذْ الْوُجُوبُ شَغْلُ الذِّمَّةِ وَأَوْرَدَ بِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ عَلَى الْعَقْلِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مُغَايِرٍ لِلْعَقْلِ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ فَهْمِ الْخِطَابِ وَالْوُجُوبُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُسَمَّى بِالذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ ثُبُوتُ الْعَقْلِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ بِأَنْ رُكِّبَ فِي حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْعَقْلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ وَتُعَقِّبَ بِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَانِعُ كَوْنِ الْوَصْفِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْوُجُوبُ أَمْرًا آخَرَ غَيْرَ الْعَقْلِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ لَيْسَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثُمَّ ظَاهِرُ التَّقْوِيمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّمَّةِ الْعَقْلُ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَمُتَابِعُوهُ الذِّمَّةُ نَفْسٌ وَرَقَبَةٌ لَهَا
ذِمَّةٌ وَ (عَهْدٌ) فَالرَّقَبَةُ تَفْسِيرٌ لِلنَّفْسِ وَالْعَهْدُ تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ (وَالْمُرَادُ أَنَّهَا) أَيْ الذِّمَّةَ (الْعَهْدُ) الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] الْآيَةَ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَضِّحَةً ذَلِكَ.
فَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ قَالَ جَمَعَهُمْ لَهُ يَوْمَئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَهُمْ أَزْوَاجًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدَنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا فَإِنِّي أُرْسِلُ إلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّك رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُك وَرُفِعَ لَهُمْ أَبُوهُمْ آدَم فَرَأَى فِيهِمْ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَبِّ لَوْ سَوَّيْت بَيْنَ عِبَادِك فَقَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ وَرَأَى فِيهِمْ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} [الأحزاب: 7] وَهُوَ قَوْلُهُ {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] وَهُوَ قَوْلُهُ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى} [النجم: 56] وَقَوْلُهُ {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وَكَانَ رُوحُ عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْمِيثَاقُ فَأُرْسِلَ ذَلِكَ الرُّوحُ إلَى مَرْيَمَ حِينَ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَدَخَلَ مِنْ فِيهَا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ لِهَذَا الْمَوْقُوفِ حُكْمَ الرَّفْعِ فَإِنْ قِيلَ مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ النَّاسَ لَا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْوَاحًا مُجَرَّدَةً وَالذِّكْرُ إنَّمَا هُوَ بِحَاسَّةٍ بَدَنِيَّةٍ أَوْ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْبَدَنِ وَالْبَدَنُ وَقُوَاهُ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا السُّؤَالُ كَمَنْ يَقُولُ لَوْ كَانَ زَيْدٌ حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَكَانَ ثَوْبُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ حُضُورِهِ مُجَرَّدًا عَنْ لِبَاسٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَجَرُّدُ النَّفْسِ شَرْطًا فِي ذَلِكَ أَوْ تَعَلُّقُهَا بِالْبَدَنِ مَانِعًا مِنْهُ فَإِذَا تَجَرَّدَتْ بِالْمَوْتِ كُشِفَ عَنْهَا غِطَاؤُهَا فَأَبْصَرَتْ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَوَرَاءَهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ الْآنَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهُ فَالْجَوَابُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ الْآنَ بَلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ إمَّا بِخَلْقِ الذِّكْرِ فِيهِمْ أَوْ بِإِزَالَةِ الْمُوجِبِ لِلنِّسْيَانِ ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَذْكُرُوا كَمَا لَزِمَهُمْ الْإِيمَانُ بِمَا لَمْ يُدْرِكُوا وَلِأَنَّ الصَّادِقَ أَخْبَرَهُمْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْمَقَامِ فَلَزِمَهُمْ تَصْدِيقُهُ ثُمَّ تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَقَوْلُ الْقَائِلِ (فَفِي ذِمَّتِهِ) كَذَا مُرَادٌ بِهِ (فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَهْدِهَا مِنْ) إطْلَاقِ (الْحَالِ) وَهُوَ الذِّمَّةُ (فِي الْمَحَلِّ) وَهُوَ النَّفْسُ أَيْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ (جُعِلَتْ) النَّفْسُ (كَظَرْفٍ) يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْوُجُوبُ (لِقُوَّةِ التَّعَلُّقِ فَقَبْلَ الْوِلَادَةِ) الْجَنِينُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ مِنْ وَجْهٍ حِسًّا لِقَرَارِهِ وَانْتِقَالِهِ بِقَرَارِهَا وَانْتِقَالِهَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا وَحُكْمًا لِعِتْقِهِ وَرَقِّهِ وَدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ بِعِتْقِهَا وَرَقِّهَا وَبَيْعِهَا (ثُمَّ نَفْسٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ إنْسَانٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ التَّفَرُّدِ بِالْحَيَاةِ (فَهِيَ) أَيْ الذِّمَّةُ ثَابِتَةٌ (مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوبِ لَهُ مِنْ وَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَنَسَبٍ وَعِتْقٍ عَلَى الِانْفِرَادِ) أَيْ دُونَ الْأُمِّ إذَا كَانَ مُحَقَّقُ الْوُجُودِ وَقْتَ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا لَهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ (لَا عَلَيْهِ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ (فَلَا يَجِبُ فِي مَالِهِ ثَمَنُ مَا اشْتَرَى الْوَلِيُّ لَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ تَمَّتْ لَهُ) الذِّمَّةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَاسْتَعْقَبَتْ) الذِّمَّةُ الْوُجُوبَ (لَهُ وَعَلَيْهِ إلَّا مَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ الْعَاجِزُ عَنْهُ (مِمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَالِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ كَمَا تَعْتَمِدُ قِيَامَ الذِّمَّةِ وَوُجُودَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَهِيَ مَحَلُّهُ تَعْتَمِدُ صَلَاحِيَّةُ الْوُجُوبِ لِلْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالْوُجُوبِ وَمَا لَيْسَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَالِ مُنْتَفٍ عَنْهُ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّ فَائِدَةَ وُجُوبِهَا الْأَدَاءُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَصْدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يَنُوبُ وَلِيُّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ جَبْرِيٌّ
لَا اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ طَاعَةٌ (وَذَلِكَ) أَيْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِمَّا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ فَلَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهُ (كَمَالُ الْغُرْمِ) أَيْ الْغَرَامَاتُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ حَتَّى لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ (وَالْعِوَضُ) فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْمَالُ لَا الْأَدَاءُ إذَا الْغَرَضُ فِي الْأَوَّلِ جَبْرُ الْفَائِتِ وَفِي الثَّانِي حُصُولُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَأَدَاءِ وَلِيِّهِ فِي حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ كَأَدَائِهِ.
(وَالْمُؤْنَةُ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ) ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْمُؤَنِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فِيهِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِمَا الْمَالُ وَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ (وَصِلَةٌ كَالْمُؤْنَةِ) أَيْ وَمِثْلُ صِلَةٍ تُشْبِهُ الْمُؤْنَةَ (كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ) فَإِنَّهَا صِلَةٌ تُشْبِهُ الْمُؤْنَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ كِفَايَةً لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَقَارِبُهُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَسَارَ لَهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بِوُصُولِ كِفَايَتِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ فَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ (وَكَالْعِوَضِ) أَيْ وَمِثْلِ صِلَةٍ تُشْبِهُ الْعِوَضَ (كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْعِوَضَ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِهَا جَزَاءً لِلِاحْتِبَاسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ الرَّجُلِ وَجُعِلَتْ صِلَةً لَا عِوَضًا مَحْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَعْوَاضِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ الِاحْتِبَاسِ لِلرَّجُلِ لَسَقَطَتْ بِفَوْتِهِ كَيْفَمَا فَاتَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ مَتَى لَمْ يُسَلِّمْ الْمُؤَاجِرُ مَا آجَرَ بِأَيِّ مَنْعٍ كَانَ سَقَطَ الْأَجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَوْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ الْحَالِّ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ فَلِكَوْنِهَا صِلَةً تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْتِزَامٌ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَلِشَبَهِهَا بِالْأَعْوَاضِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالِالْتِزَامِ (لَا) مَا يَكُونُ مِنْ الصِّلَةِ (كَالْأَجْزِيَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالِهِ (كَالْعَقْلِ) أَيْ كَتَحَمُّلِ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صِلَةٌ لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ عَلَى تَرْكِ حِفْظِ السَّفِيهِ وَالْأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَلِذَا اخْتَصَّ بِهِ رِجَالُ الْعَشِيرَةِ دُونَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ مَعَ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَالْقَصْدِ، وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِيهِ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (لِلْحَرَجِ) وَهَذَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مِنْ وُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ جَمِيعًا عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْأَسْبَابِ وَقِيَامِ الذِّمَّةِ وَقَدْ تَحَقَّقَا فِي حَقِّهِ.
كَمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِ لَا عَلَى الْقُدْرَةِ إذْ هِيَ وَالتَّمْيِيزُ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ حُكْمٌ وَرَاءَ أَصْلِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ تَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إخْلَاءٌ لِإِيجَابِ الشَّرْعِ عَنْ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ الْجَزَاءُ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَدَّى أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُؤَدَّى عَنْ الْوَاجِبِ بِالِاتِّفَاقِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ أَصْلًا وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مَاشٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُنْتَفٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْأَدَاءِ إذْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ فِي حَالِ الصِّبَا وَالْقَضَاءُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ الْبَيِّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِلُزُومِ الْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا لِلْوُجُوبِ لَوْ قُلْنَا بِهِ قُلْنَا (وَلَا يَقْضِي) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ (مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ) أَيْ شَهْرِ رَمَضَانَ (إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبَاهُ) أَيْ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ الشَّهْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ مَا فَاتَهُمَا مِنْهُ لِثُبُوتِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ شَهْرٍ مِنْ سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ (بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ الْجُنُونِ) لِلشَّهْرِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَعَهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْجُنُونِ كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لَزِمَ الْحَرَجُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَعَهُ إذَا امْتَدَّ تَمَامَ الشَّهْرِ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّادِرِ.
(وَالْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا) أَيْ وَبِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ (يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي حَقِّ الصَّلَاةِ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَحْثِ الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنَّ الْمُمْتَدَّ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً
فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ بِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْكَثْرَةِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ أَكْثَرَ مِنْهُمَا عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْمُرَادِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لِثُبُوتِ الْحَرَجِ بِثُبُوتِ الْكَثْرَةِ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ فَلَا يَقْضِي شَيْئًا (بِخِلَافِ النَّوْمِ فِيهِمَا) أَيْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اسْتِيعَابًا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ (إذْ لَا حَرَجَ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ عَادَةً) بَلْ هُوَ نَادِرٌ فَإِنْ قِيلَ النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَتَوْكِيلِ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ بِأَدَاءِ زَكَاةِ مَالِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَارِيَ فِيهَا النِّيَابَةُ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ اخْتِيَارِيَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَصِحُّ عِبَادَةً وَهَذَا لَا يَتِمُّ فِي الْجَبْرِيَّةِ كَنِيَابَةِ الْوَلِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالزَّكَاةُ وَإِنْ تَأَدَّتْ بِالنَّائِبِ لَكِنَّ إيجَابَهَا لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ) الصَّبِيُّ (مِنْ أَهْلِهِمَا) أَيْ الْأَدَاءِ وَالِاخْتِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَةِ لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ (أَسْقَطَ مُحَمَّدٌ الْفِطْرَةَ) أَيْ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ) فِيهَا وَانْتِفَائِهَا فِيهِ.
(وَاكْتَفَيَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (بِالْقَاصِرَةِ) أَيْ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ فِيهَا فَأَوْجَبَاهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحًا لِلْمُؤْنَةِ) فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْضَحُ (وَبِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَجْزِيَةِ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ بِقَتْلِهِ) لِمُوَرِّثِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ التَّقْصِيرِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ وَاسْتَثْنَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْحَلْوَانِيُّ وَمُوَافِقُوهُمْ (مِنْ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (الْإِيمَانَ فَأَثْبَتَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا مُوَافِقُوهُ (وُجُوبَهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِسَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ) بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الْبَارِي تَعَالَى لِنَفْسِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ جَبْرًا وَقِيَامُ الذِّمَّةِ لَهُ (لَا الْأَدَاءِ) أَيْ، وَلَمْ يُثْبِتْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ لَهُ مَنُوطَةٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ وَاعْتِدَالِهِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبُلُوغِ.
(فَإِذَا أَسْلَمَ عَاقِلًا وَقْع) إسْلَامُهُ (فَرْضًا) ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَلَ أَصْلًا فَوَقَعَ فَرْضًا (فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ) أَيْ إسْلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ (بَالِغًا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ السَّبَبِ) لِوُجُوبِهَا فَصَارَ أَدَاءُ الْإِيمَانِ فِي حَقِّهِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ سَبَبِ وُجُوبِهَا قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ مِثْلُهُ) أَيْ جَوَازُ تَعْجِيلِ الْحُكْمِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمْعِ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا سَيَجِبُ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (قُلْنَا) نَعَمْ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ (إسْلَامُ عَلِيٍّ رضي الله عنه) إذْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرِ سِنِينَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «دَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ الذَّهَبِيُّ هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرِ سِنِينَ بَلْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمُرُهُ حِينَ أَسْلَمَ خَمْسَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَمِنْ الْمَبْعَثِ إلَى بَدْرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ فَلَعَلَّ فِيهِ تَجَوُّزًا بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ الَّذِي فَوْقَ الْعِشْرِينَ حَتَّى يُوَافِقَ قَوْلَ عُرْوَةَ قَالُوا وَصَحَّحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إسْلَامَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إقْرَارِهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ لَمْ يُوَافِقْ مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ إلَّا امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ وَهَذَا الْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ عَفِيفٌ فَرَأَيْتهمْ يُصَلُّونَ فَوَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت حِينَئِذٍ فَأَكُونُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ.
قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ يُقَالُ تَصْحِيحُهُ عليه الصلاة والسلام إسْلَامَهُ إنْ أُرِيدَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَمُسْلِمٌ وَكَلَامُنَا فِي تَصْحِيحِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى لَا يَرِثَ أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَحَّحَهُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بَلْ
فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ نُقِلَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم صَحَّحْت إسْلَامَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ وَقَدْ أُورِدَ هَذَا السُّؤَالَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْوَجْهُ اهـ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَصْحِيحُ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ تَصْحِيحٌ ظَاهِرٌ لَهُ دَلَالَةٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْإِسْلَامِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَمِنْ ثَمَّةَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ كَافِرٍ صَلَّى إلَى قِبْلَتِنَا فِي جَمَاعَتِنَا حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ تَصْحِيحِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْإِسْلَامِيَّةِ نَقْلَ تَصْحِيحِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ مِنْهَا فَانْتَفَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَكَلَامُنَا فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ يُنَاظِرُ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةِ رِسَالَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَيُلْزِمُ الْخَصْمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِي مَعْرِفَتِهِ شُبْهَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ.
(وَعَلَى مَا قَدَّمْنَا) مِنْ الْبَحْثِ الَّذِي يَنْتَفِي بِهِ تَحَقُّقُ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ (يَكْفِي السَّمْعُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَنَفَاهُ) أَيْ أَصْلَ الْوُجُوبِ لِلْإِيمَانِ عَنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ (لِعَدَمِ حُكْمِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَالْمَحَلُّ قَائِمًا (وَلَوْ أَدَّى وَقَعَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ كَانَ لِعَدَمِ حُكْمِهِ فَإِذَا وُجِدَ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْأَدَاءُ (وُجِدَ) الْوُجُوبُ بِمُقْتَضَى الْأَدَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَوْمِ الْمُسَافِرِ وَكَأَدَاءِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهَا ثَابِتًا فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ.
(وَالْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ (أَوْجَهُ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْوُجُوبِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إنَّمَا ذَلِكَ حُكْمُ الْخِطَابِ بَلْ حُكْمُهُ صِحَّةُ الْأَدَاءِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا فَثَبَتَ الْوُجُوبُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ قُلْت وَلَكِنْ هَذَا عَلَى تَحَقُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا عَلَى بَحْثِ الْمُصَنِّفِ الْمُقْتَضِي لِانْتِفَائِهِ ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ الْقَصْدُ إلَى تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ بِهِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بَلْ لَا يَكْفِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْهَا إلَّا مَا قَرَنَهُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ امْتِثَالًا لِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ فَرْضِ الْإِيمَانِ لِلْبَالِغِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ إذَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَمْ يَفْعَلْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَنْ آخِرِهِمْ (وَلِعَدَمِ حُكْمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ لِانْتِفَاءِ الْأَدَاءِ شَرْعًا) فِي حَالَةِ الْحَيْضِ (وَالْقَضَاءُ) بَعْدَ الطَّهَارَةِ مِنْهُ (لِلْحَرَجِ وَالتَّكْلِيفُ لِلرَّحْمَةِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مَا هُوَ فِي قُدْرَتِهِمْ مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ لِرَحْمَتِهِ تَعَالَى لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِامْتِثَالِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحَالِ طَرِيقُ الثَّوَابِ فِي السُّنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ (وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ) الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِقَابِ (فَلَمْ يَتَعَلَّقْ) التَّكْلِيفُ (ابْتِدَاءً بِمَا فِيهِ) الْحَرَجُ (فَضْلًا) مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ) فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَضَائِهَا إيَّاهُ (فَثَبَتَ) أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا (لِفَائِدَةِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ) وَسَنُوَضِّحُ وَجْهَهُ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) أَوْ الْعَقْلِ لَا غَيْرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْمَعْتُوهُ الْبَالِغُ) وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ (وَالثَّابِتُ مَعَهَا) أَيْ الْقَاصِرَةِ (صِحَّةُ الْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّتِهِ نَفْعَهُ بِلَا شَائِبَةِ ضَرَرٍ (وَكَامِلَةٌ بِكَمَالِهِمَا) أَيْ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ (وَيَلْزَمُهَا) أَيْ الْكَامِلَةَ (وُجُوبُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهِ وَقَدْ يَكُونُ كَامِلَ الْعَقْلِ ضَعِيفَ الْبَدَنِ كَالْمَفْلُوجِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ أَدَاءُ مَا يَتَعَلَّقُ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ وَسَلَامَتِهِ (فَمَا) يَكُونُ (مَعَ الْقَاصِرَةِ) سِتَّةً؛ لِأَنَّهُ (إمَّا حَقٌّ لِلَّهِ لَا يَحْتَمِلُ حُسْنُهُ الْقُبْحَ أَوْ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْحُسْنَ أَوْ مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ (فَإِمَّا فِيهِ نَفْعٌ أَوْ
ضَرَرٌ مَحْضَانِ أَوْ مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ حُسْنُهُ الْقُبْحَ (الْإِيمَانُ لَا يَسْقُطُ حُسْنُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ) فَيَصِحُّ مِنْهُ لِذَلِكَ وَلِأَهْلِيَّتِهِ لِلثَّوَابِ وَكَيْفَ لَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ حَقِيقَةً فَكَذَا حُكْمًا (وَتَخَلُّفُ الْوُجُودِ الْحُكْمِيِّ عَنْ) الْوُجُودِ (الْحَقِيقِيِّ) إنَّمَا يَكُونُ (لِحَجْرِ الشَّرْعِ) عَنْهُ (وَلَمْ يُوجَدْ) حَجْرُ الشَّرْعِ عَنْهُ وَكَيْفَ يُوجَدُ (وَلَا يَلِيقُ) الْحَجْرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ لِحُسْنِهِ حُسْنًا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا بِحَالٍ وَلَوْ صَارَ مَحْجُورًا عَنْهُ لَكَانَ قَبِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلِنَفْعِهِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَإِنْ قِيلَ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَنْ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ (وَضَرَرُ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَفُرْقَةُ النِّكَاحِ مُضَافَانِ إلَى كُفْرِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شُرِعَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ لَا قَاطِعًا (وَلَوْ سَلِمَ) لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ (فَحُكْمُ الشَّيْءِ الْمُوجِبِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ الشَّيْءِ وَفَاعِلُهُ (ثُبُوتُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (صِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ حُكْمِ الشَّيْءِ وَهُوَ مَفْعُولُهُ ثُمَّ حُكْمُ الشَّيْءِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مَا) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي (وُضِعَ) الشَّيْءُ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ.
(وَوَضْعُهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (لَيْسَ لِذَلِكَ) أَيْ لِحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبَيْنَهُ (وَإِنْ لَزِمَ) ذَلِكَ (عِنْدَهُ) أَيْ الْإِيمَانُ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَلَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ التَّابِعَةِ لِوُجُودِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ ثَبَتَا فِي ثُبُوتِ إسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُعَدَّا ضَرَرًا يَمْنَعُ صِحَّةَ ثُبُوتِهِ (بَلْ) وَضَعَهُ (لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (مُوجِبٌ إرْثَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَكُنْ) لَازِمُهُ (مَحْصُورًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَيَعُودُ مِلْكُ نِكَاحِهِ إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَيَتَعَارَضُ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ وَيَتَسَاقَطَانِ فَيَبْقَى الْإِسْلَامُ فِي نَفْسِهِ نَفْعًا مَحْضًا لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الضَّرَرِ وَصَارَ هَذَا (كَقَبُولِ هِبَةِ الْقَرِيبِ مِنْ الصَّبِيِّ يَصِحُّ مَعَ تَرَتُّبِ عِتْقِهِ) عَلَى الْقَبُولِ (وَهُوَ) أَيْ عِتْقُهُ (ضَرَرٌ) مَحْضٌ (لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ) لِلْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ (الْمِلْكُ بِلَا عِوَضٍ) لَا الْعِتْقُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (مِنْهُ) وَنَفْعِهِ بِأَدَائِهِ (لَا وُجُوبِهِ) عَلَيْهِ (وَضَرْبُهُ لِعَشْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشَرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (تَأْدِيبًا) لِيَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَادَ الصَّلَاةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ مِنْ أَنْفَعِ الْمَنَافِعِ.
(كَالْبَهِيمَةِ) أَيْ كَضَرْبِهَا عَلَى بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم «تُضْرَبُ الدَّابَّةُ عَلَى النِّفَارِ وَلَا تُضْرَبُ عَلَى الْعِثَارِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ مَنَاكِيرِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ (لَا لِلتَّكْلِيفِ وَالثَّانِي) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ قُبْحُهُ الْحُسْنَ (الْكُفْرُ) فَإِنَّهُ قَبِيحٌ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ فِي كُلِّ حَالٍ وَهُوَ (يَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ اتِّفَاقًا) وَإِلَّا صَارَ الْجَهْلُ بِهِ تَعَالَى عِلْمًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ جَهْلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْعَلُ عِلْمًا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَكَيْفَ فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَالْعَفْوُ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الْكُفْرِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ أَدَاؤُهُ لِعَقْلِهِ وَصِحَّةِ دَرْكِهِ لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ عَقْلٌ (وَكَذَا) يَصِحُّ (فِي) أَحْكَامِ (الدُّنْيَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) آخِرًا وَالشَّافِعِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَمَا يَكُونُ ضَرَرًا مَحْضًا أَوْلَى وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْكُفْرَ مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَلَا يَسْقُطُ بِعُذْرٍ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ (فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ) مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ بِالرِّدَّةِ تَبَعًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مِنْ تَوَابِعِهَا لَا قَصْدًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّهِ إذْ هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بِوَجْهٍ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الِارْتِدَادُ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِأَنْ ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَزِمَهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ حَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِوَاسِطَةِ لُزُومِهِ (وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ) وَقْتَئِذٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَتْلَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ (بَلْ) قَتْلُ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ (بِالْحِرَابَةِ) لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ.
(وَلَيْسَ) الصَّبِيُّ
(مِنْ أَهْلِهَا وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا خِلَافًا) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (أَوْرَثَ شُبْهَةً فِيهِ) أَيْ الْقَتْلِ (وَالثَّالِثُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (كَالصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا) مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا وَحُسْنَهَا قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَحُكْمُ هَذِهِ أَنَّهَا (تَصِحُّ) مِنْهُ (لِمَصْلَحَةِ ثَوَابِهَا) فِي الْآخِرَةِ وَاعْتِيَادِ أَدَائِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِحَيْثُ لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ (بِلَا عُهْدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ) الْمُضِيُّ فِيهَا (وَلَا بِالْإِفْسَادِ) قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِتْمَامُ مَعَ فَوَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا الصَّبِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَتْ نَفْعًا مَحْضًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ مَالِيًّا مِنْهَا كَالزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِهِ فِي الْعَاجِلِ بِنُقْصَانِ مَالِهِ (وَالرَّابِعُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ (كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِذَا) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ (وَجَبَتْ أُجْرَتُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ مَعَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (وَلَحِقَهُ) أَيْ الصَّبِيَّ وَهُوَ (أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ.
(فَإِذَا عَمِلَ بَقِيَ الْأَجْرُ نَفْعًا مَحْضًا) وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فِيهِ (فَيَجِبُ بِلَا اشْتِرَاطِ سَلَامَتِهِ) مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) الْمَحْجُورِ (آجَرَ نَفْسَهُ) بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ (تَجِبُ) الْأُجْرَةُ (بِشَرْطِهَا) أَيْ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَمَلِ (فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قِيمَتَهُ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ فَيَمْلِكُهُ فَلَا تَجِبُ أُجْرَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ (وَصَحَّتْ وَكَالَتُهُمَا) أَيْ قَبُولُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ تَوْكِيلَ غَيْرِهِمَا لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا (بِلَا عُهْدَةٍ) تَرْجِعُ إلَيْهِمَا مِنْ لُزُومِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَبُولَهُمَا الْوَكَالَةَ بِلَا عُهْدَةٍ (نَفْعٌ) مَحْضٌ لَهُمَا (إذْ يَكْتَسِبُ بِذَلِكَ إحْسَانَ التَّصَرُّفِ، وَجِهَةُ الضَّرَرِ وَهِيَ لُزُومُ الْعُهْدَةِ مُنْتَفِيَةٌ فَتَمَحَّضَ نَفْعًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيْ اخْتَبِرُوا عُقُولَهُمْ وَتَعَرَّفُوا أَحْوَالَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنْتُمْ مِنْهُمْ هِدَايَةً دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِلَا تَأْخِيرٍ عَنْ حَدِّ الْبُلُوغِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِمَا مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ (اسْتَحَقَّا الرَّضْخَ) أَيْ مَا دُونَ السَّهْمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (إذَا قَاتَلَا بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْقِيَاسُ لَا شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِهِ بِالْإِذْنِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَحْجُورَيْنِ عَنْ مَحْضِ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ بَعْدَ الْقِتَالِ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ كَالْمَأْذُونَيْنِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى.
(وَقِيلَ هُوَ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَمَانَهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقِتَالِ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ كَانَ لَهُمَا الرَّضْخُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَأَكْثَرُ تَفْرِيعَاتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ كَتَفْرِيعَاتِ الزِّيَادَاتِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ فَلَا يَرْضَخُ لَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا شُهُودُ الْقِتَالِ بِدُونِ الْإِذْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْقِتَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ انْقَلَبَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ) بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَا دُونَهُ (مَعَ حُصُولِ نَفْعِ الثَّوَابِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ حَيًّا) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (لِإِبْطَالِهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (نَفْعَ الْإِرْثِ عَنْهُ) لِأَقَارِبِهِ الْوَرَثَةِ (وَهُوَ) أَيْ نَفْعُ إرْثِهِمْ لَهُ (أَنْفَعُ) لَهُ مِنْ نَفْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجَانِبِ (لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ شَرْعًا لِلصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ) فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكَيْنِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ إنَّك إنْ تَدَعْ
وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّ هَا هُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ مُرُوهُ فَلْيُوصِ لَهَا فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِعْت ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا وَقَدْ أَجَابَ الْمَشَايِخُ عَنْهُ بِمَا لَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَالْخَامِسُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ) وَالْهِبَةِ وَحُكْمُ هَذَا أَنَّهُ (لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِ وَالصِّبَا مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ وَالْإِشْفَاقِ لَا مَظِنَّةُ الْإِضْرَارِ وَاَللَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَلَمْ يُشَرِّعْ فِي حَقِّهِ الْمَضَارَّ (كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَقَاضٍ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إثْبَاتُهَا فِيمَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّهِ عَدَمَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةُ السَّرَخْسِيُّ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَتَّى إنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهَذَا وَهْمٌ عِنْدِي فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَوْ أَثْبَتَنَا مِلْكَ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهِ كَانَ خَالِيًا عَنْ حُكْمِهِ وَهُوَ وِلَايَةُ الْإِيقَاعِ وَالسَّبَبُ الْخَالِي عَنْ حُكْمِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا كَبَيْعِ الْحُرِّ وَطَلَاقِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُلُوَّهُ عَنْ حُكْمِهِ إذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (إلَّا إقْرَاضَ الْقَاضِي فَقَطْ مِنْ الْمَلِيِّ) مَالَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ.
(لِأَنَّهُ) أَيْ إقْرَاضَهُ (حِفْظٌ) لَهُ (مَعَ قُدْرَةِ الِاقْتِضَاءِ بِعِلْمِهِ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى دَعْوَى وَبَيِّنَةٍ فَكَانَ بِهَذَا الشَّرْطِ نَظَرًا مِنْ الْقَاضِي لَهُ وَنَفْعًا (بِخِلَافِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فَلَا يَمْلِكُهُ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فَيَمْلِكُهُ (كَاقْتِرَاضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ مَلِيًّا قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى (وَالسَّادِسُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فِيهِ احْتِمَالُ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ) فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ رَابِحًا وَالْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ نَفْعٌ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا وَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ ضَرَرٌ (وَتَعْلِيلُ النَّفْعِ بِدُخُولِ الْبَدَلِ فِي مِلْكِهِ وَالضَّرَرِ بِخُرُوجِ الْآخَرِ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (يُوجِبُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ) كَانَ ضَرَرًا وَنَفْعًا وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ (لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ قَطُّ وَذَكَرَ) الْمُعَلِّلُ الْمَذْكُورُ (أَنَّهُ يَنْدَفِعُ احْتِمَالُ الضَّرَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بَيَانُ تَرَدُّدِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى دُخُولِ شَيْءٍ فِي الْمِلْكِ وَخُرُوجِ الْبَدَلِ عَنْ الْمِلْكِ فَبِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ انْدَفَعَ تَوَهُّمُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ إلَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ نَفْعٌ غَالِبًا فَالْتَحَقَ بِمَا يَتَمَحَّضُ نَفْعًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِنَوْعِ عِنَايَةٍ عَلَى مَا فِيهَا (فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الصَّبِيُّ هَذَا الْقِسْمَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَأْيِ الْوَلِيِّ لِانْدِفَاعِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ (أَهْلٌ لِحُكْمِهِ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفِ (إذْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ) أَيْ يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ أَوْ آجَرَهَا وَالْعَيْنُ إذَا اشْتَرَاهَا لَهُ.
(وَأَهْلٌ لَهُ) أَيْ لِهَذَا التَّصَرُّفِ (إذْ صَحَّتْ وَكَالَتُهُ بِهِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ (وَفِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ لَهُ (نَفْعُ تَوْسِعَةِ طَرِيقِ تَحْصِيلِ