الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَوَتْ الْقَضَاءَ وَإِلَّا نَوَتْ الْأَدَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[الْمَوْتُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]
(وَأَمَّا الْمَوْتُ) وَعَزَى إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَإِلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ وَأَنَّ الْخَلْقَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ وَلَا فَنَاءٍ صِرْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ انْقِطَاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَتُهُ وَتَبَدُّلُ حَالٍ وَانْتِقَالٌ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ (فَيَسْقُطُ بِهِ) عَنْ الْمَيِّتِ (الْأَحْكَامُ الْأُخْرَوِيَّةُ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الدُّنْيَوِيَّةِ (التَّكْلِيفِيَّةُ كَالزَّكَاةِ) وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (وَغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَلَا عَجْزَ فَوْقَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ (إلَّا الْإِثْمَ) بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ فِي فِعْلِهِ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالْمَيِّتُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْيَاءِ فِيهَا (وَمَا شُرِعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (لِحَاجَةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ (حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنٍ بَقِيَ) ذَلِكَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ (بِبَقَائِهَا) أَيْ تِلْكَ الْعَيْنِ (كَالْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ (لِصَاحِبِهِ لَا الْفِعْلِ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُصُولَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ حَقِّهِ (لَوْ ظَفَرَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ صَاحِبُهُ كَانَ (لَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِهَا فِعْلُهَا عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَدْ فَاتَ الِاخْتِيَارُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى التَّكْلِيفُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَاتِ هَذَا (لَوْ ظَفَرَ الْفَقِيرُ بِمَالِ الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا تَسْقُطُ) الزَّكَاةُ عَنْ مَالِكِهِ (بِهِ) أَيْ بِأَخْذِهِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ (وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ (دَيْنًا لَمْ يَبْقَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ لِضَعْفِهَا بِالْمَوْتِ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ ضَعْفِهَا (بِالرِّقِّ) فَإِنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْإِعْتَاقِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْمَوْتُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ عَادَةً (بَلْ) إنَّمَا يَبْقَى (إذَا قَوِيَتْ) ذِمَّتُهُ (بِمَالٍ) تَرَكَهُ (أَوْ كَفِيلٍ) بِهِ (قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الِاسْتِيفَاءِ) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ (وَذِمَّةُ الْكَفِيلِ تُقَوِّي ذِمَّةَ الْمَيِّتِ) .
؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ) بِأَنْ مَاتَ مُفْلِسًا وَلَا كَفِيلَ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ (لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ (لِانْتِقَالِهِ) أَيْ مَا عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْأُولَى لِسُقُوطِهِ عَنْ ذِمَّتِهِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ لِخُرُوجِهَا بِهِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ) بِمَا يُطَالِبُ بِهِ الْأَصِيلُ (لَا تَحْوِيلُ الدَّيْنِ) عَنْ الْأَصِيلِ إلَى الْكَفِيلِ (وَلَا مُطَالَبَةَ) لِلْأَصِيلِ (فَلَا الْتِزَامَ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا (بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ تَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ (لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَائِمَةٌ) لِكَوْنِهِ حَيًّا مُكَلَّفًا وَالْمُطَالَبَةُ ثَابِتَةٌ، إذْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيُطَالِبَ فِي الْحَالِ أَوْ يَعْتِقَهُ فَيُطَالِبَ بَعْدَهُ فَصَحَّ الْتِزَامُهَا بِالْكَفَالَةِ وَإِذَا صَحَّتْ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْ الْأَصِيلِ لِعُذْرِ عَدَمٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ كَمَنْ كَفَلَ دَيْنًا عَلَى مُفْلِسٍ حَيٍّ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قِيلَ ضَمُّ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ إلَى ذِمَّتِهِ لِاحْتِمَالِ الدَّيْنِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا غَيْرَ كَامِلَةٍ وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْحُرِّ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ (وَإِنَّمَا انْضَمَّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى ذِمَّتِهِ (مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ فِيمَا ظَهَرَ) وَالْأَوْلَى إذَا ظَهَرَ الدَّيْنُ (فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِيُبَاعَ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِيُمْكِنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ غَيْرُ كَامِلَةٍ.
(وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ الْمَذْكُورَةُ (عِنْدَهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بَلْ عَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِأَنَّ بِالْمَوْتِ لَا يَبْرَأُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ مُبَرِّئًا لِلْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَمُبْطِلًا لَهَا (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَرِّئٍ مِنْهَا (يُطَالَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ إجْمَاعًا وَفِي الدُّنْيَا إذَا ظَهَرَ مَالٌ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الْمَيِّتِ) بِأَدَاءِ الدَّيْنِ (حَلَّ أَخْذُهُ وَلَوْ بَرِئَتْ) ذِمَّتُهُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ (لَمْ يَحِلَّ) أَخْذُهُ (وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ) لِلْمَيِّتِ (لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا) أَيْ الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِهِ (كَكَوْنِهِ) أَيْ الْأَصِيلِ (مُفْلِسًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ) جَابِرٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَدِيثِ (بِاحْتِمَالِهِ)
أَيْ قَوْلِهِ هُمَا عَلَيَّ (الْعِدَّةُ) بِوَفَائِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ لِلْعِدَةِ (الظَّاهِرُ إذْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ) بِلَا خِلَافٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ كَانَ مَجْهُولًا وَإِلَّا لَذُكِرَ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِلْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هِيَ عَلَيْك وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهَا بَرِيءٌ فَقَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ عَلِمَ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ حِينَ كَفَلَهَا.
وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ هُمَا عَلَيَّ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْإِنْشَاءِ لِلْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارِ بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ قُلْت وَيُعَكِّرُهُ مَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ الدِّينَارَانِ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَوْفَى اللَّهُ الْغَرِيمَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ «ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ أَيْ بِجِنَازَةٍ ثَالِثَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ.
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يُقَوِّي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ (وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ رَاجِعَةٌ إلَى الْإِثْمِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى بَقَاءِ الذِّمَّةِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهَا وَبِظُهُورِ الْمَالِ تَقَوَّتْ بَلْ) كَانَتْ قَوِيَّةً حِين عُقِدَتْ الْكَفَالَةُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَالُ وَلَكِنْ كَانَتْ قُوَّتُهَا خَفِيَّةً فَلَمَّا ظَهَرَ الْمَالُ (ظَهَرَ قُوَّتُهَا وَهُوَ) أَيْ تَقَوِّيهَا (الشَّرْطُ) لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ عَنْهَا (حَتَّى لَوْ تَقَوَّتْ بِلُحُوقِ دَيْنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ (بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ بِهَا أَيْ بِالْبِئْرِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعِيَّةٌ (حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْحَافِرِ (فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ السَّبَبِ الْحَفْرِ الثَّابِتِ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ) الصَّالِحَةِ لِلْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْنِي الْحَيَاةَ (وَالْمُسْتَنِدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ) ثُمَّ يَسْتَنِدُ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ (اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ ثُبُوتِهَا (بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ (وَصِحَّةُ التَّبَرُّعِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ) الدَّيْنُ.
(وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ وَالسُّقُوطُ بِالْمَوْتِ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ) السُّقُوطُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ فَوْتِ الْمَحَلِّ (فَيَظْهَرُ) السُّقُوطُ (فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ لَا) فِي حَقِّ (مَنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ) الْمَشْرُوعُ عَلَيْهِ مَشْرُوعًا (بِطَرِيقِ الصِّلَةِ لِلْغَيْرِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ سَقَطَتْ) هَذِهِ الصِّلَاتُ بِالْمَوْتِ (لِأَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ الرِّقِّ) فِي تَأْثِيرِ ضَعْفِ الذِّمَّةِ (وَلَا صِلَةَ وَاجِبَةٌ مَعَهُ) أَيْ الرِّقِّ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ) أَيْ بِالْمَشْرُوعِ صِلَةً (فَيُعْتَبَرُ كَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ هَذَا الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ (مِنْ الثُّلُثِ) لِتَصْحِيحِ الشَّارِعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَظَرًا لَهُ (وَأَمَّا مَا شُرِعَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (فَيَبْقَى مِمَّا لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (إلَيْهِ حَاجَةٌ قَدْرَ مَا تَنْدَفِعُ) الْحَاجَةُ (بِهِ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى وَقَوْلُهُ (مِنْ التَّرِكَةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِمَّا لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا (دَيْنًا) أَيْ إيفَاءً لَهُ (وَوَصِيَّةً) أَيْ تَنْفِيذًا لَهَا مِنْ الثُّلُثِ (وَجِهَازًا) أَيْ وَتَجْهِيزًا لَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (وَيُقَدَّمُ) التَّجْهِيزُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَفِي هَذِهِ) الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا (صَاحِبُ الْحَقِّ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ) مِنْ تَجْهِيزِهِ لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَتَقَدَّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِبَقَاءِ مَالِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ (بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (إلَى ثَوَابِ الْعِتْقِ) فَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» (وَحُصُولُ الْوَلَاءِ) الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي هِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ حَاصِلَةٌ فِي عَوْدِ الْمُكَاتَبِ إلَى الرِّقِّ.
(وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ عَنْ وَفَاءٍ) لِلْكِتَابَةِ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (إلَى الْمَالِكِيَّةِ) لِلْأَمْوَالِ (الَّتِي عَقَدَ لَهَا) عَقْدَ الْكِتَابَةِ (وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي حَالِهَا) أَيْ
الْكِتَابَةِ وُلِدُوا فِيهَا أَوْ اشْتَرَاهُمْ فِيهَا بَلْ حَاجَتُهُ إلَى بَقَائِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ بِدَفْعِ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ عَنْهُ وَعَنْ أَوْلَادِهِ أَوْلَى مِنْ حَاجَةِ الْمَوْلَى (فَيَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْعِتْقِ الْمُقَرَّرِ لَهَا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ (دُونَ الْمَمْلُوكِيَّةِ إذْ لَا حَاجَةَ) لَهُ إلَيْهَا (إلَّا ضَرُورَةُ بَقَاءِ مِلْكِ الْيَدِ) وَمَحَلِّيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ (لِيُمْكِنَ الْأَدَاءُ فَبَقَاؤُهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ (كَوْنُ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ قَائِمَةً وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ عِنْدَ دَفْعِ وَرَثَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْلَى (وَثُبُوتُ عِتْقِهِ) أَيْ نُفُوذُ الْعِتْقِ فِي الْمُكَاتَبِ (شَرْطٌ ذَلِكَ) وَالْوَجْهُ لِذَلِكَ أَيْ لِعِتْقِهِ (ضِمْنِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْأَهْلِيَّةُ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ) لِمَا ثَبَتَ شَرْطًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ يَثْبُتُ (عِنْدَ) أَدَاءِ (الْبَدَلِ) مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَالَ أَدَاءِ الْبَدَلِ هَالِكًا (وَمَعَ بَقَائِهَا) أَيْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةٌ (يَثْبُتُ الْإِرْثُ) لِوَارِثِهِ مِنْهُ (نَظَرًا لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (إذْ هُوَ) أَيْ الْإِرْثُ (خِلَافُهُ لِقَرَابَتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ) فِيمَا يَتْرُكُهُ إقَامَةً مِنْ الشَّارِعِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُقَامَهُ لِيَكُونَ انْتِفَاعُهُمْ بِمِلْكِهِ كَانْتِفَاعِهِ بِنَفْسِهِ بِهِ.
(وَلِكَوْنِهِ) أَيْ الْمَوْتِ (سَبَبَ الْخِلَافَةِ خَالَفَ التَّعْلِيقَ) لِلْعِتْقِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (عَلَى) الْمَعْنَى (الْأَعَمِّ) لِلتَّعْلِيقِ (مِنْ الْإِضَافَةِ) وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُقُوعِ وَالْمَعْنَى الْأَعَمُّ لَهُ هُوَ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ عَنْ زَمَانِ الْإِيجَابِ لِمَانِعٍ مِنْهُ وَقْتَئِذٍ مُقْتَرِنٍ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ (فَصَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (وَهُوَ) أَيْ تَعْلِيقُهُ بِهِ (مَعْنَى الْوَصِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (وَهُوَ) أَيْ لُزُومُهُ (مَعْنَى التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا قَالَ فَصَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَبِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ لِلُزُومِهِ وَصَحَّ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفِ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَأَحْمَدَ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ الْمُطْلَقَ (وَصِيَّةٌ وَالْبَيْعُ رُجُوعٌ) عَنْهَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا جَائِزٌ (وَالْحَنَفِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُ) أَيْ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ (وَبَيْنَ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِالْمَوْتِ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ (لِلتَّمْلِيكِ) أَيْ تَمْلِيكِهِ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَالْإِضَافَةُ) لِلتَّمْلِيكِ (إلَى زَمَانِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ لَا تَصِحُّ وَصَحَّتْ) سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ بِالْمَوْتِ وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ.
(فَعُلِمَ اعْتِبَارُهُ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ (سَبَبًا لِلْحَالِ شَرْعًا وَإِذَا كَانَ أَنْتَ حُرٌّ سَبَبًا لِلْعِتْقِ لِلْحَالِ وَهُوَ) أَيْ الْعِتْقُ (تَصَرُّفٌ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ثَبَتَ بِهِ) أَيْ بِأَنْتَ حُرٌّ (حَقُّ الْعِتْقِ) لِلسَّبَبِيَّةِ الْقَائِمَةِ لِلْحَالِ (وَهُوَ) أَيْ حَقُّ الْعِتْقِ (كَحَقِيقَتِهِ) أَيْ الْعِتْقِ (كَأُمِّ الْوَلَدِ) فَإِنَّهَا اسْتَحَقَّتْ لِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ (إلَّا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهَا) أَيْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لَا تَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَا بِإِعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْهَا) بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ (لِمَا عُرِفَ) فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْفُرُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِإِحْرَازِ الْمَالِيَّةِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي الْأَمَةِ وَالتَّمَتُّعُ بِهَا تَبَعٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُدَبَّرِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَ هَذَا الْأَصْلِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَمَّا اسْتَفْرَشَتْ وَاسْتَوْلَدَتْ صَارَتْ مُحْرِزَةً لِلْمَالِيَّةِ وَصَارَتْ الْمَالِيَّةُ تَبَعًا فَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ كَالْمُدَبَّرِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأَمُّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى؛ لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِمْ وَالتَّدْبِيرُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا (وَلِذَا) أَيْ بَقَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَدْرِ مَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةُ الْمَيِّتِ (قُلْنَا الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ زَوْجَهَا لِمِلْكِهِ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حُكْمِ الْقَائِمِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى انْقِضَائِهَا (وَحَاجَتُهُ) إلَيْهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ لَوَازِمِهَا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ