الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (وَلَا يَمْنَعُ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ) مِنْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ (الرُّخْصَةَ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَمْنَعُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَعْصِيَةِ فَيُجْعَلُ السَّفَرُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهَا كَالسُّكْرِ يُجْعَلُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الرُّخَصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً ثَانِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فَإِنَّهُ جَعَلَ رُخْصَةَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَنُوطَةً بِالِاضْطِرَارِ حَالَ كَوْنِ الْمُضْطَرِّ غَيْرَ بَاغٍ أَيْ خَارِجٍ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَادٍ أَيْ ظَالِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ فَيَبْقَى فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْفَصْلِ وَلِأَصْحَابِنَا إطْلَاقُ نُصُوصِ الرُّخَصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» وَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً» وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَعْصِيَةَ (لَيْسَتْ إيَّاهُ) أَيْ السَّفَرَ بَلْ هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تُوجَدُ بِدُونِهِ وَيُوجَدُ بِدُونِهَا وَالسَّبَبُ هُوَ السَّفَرُ نَعَمْ هِيَ مُجَاوِرَةٌ لَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِهِ وَالْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ (بِخِلَافِ السَّبَبِ الْمَعْصِيَةُ كَالسُّكْرِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ) حَيْثُ لَا مُبِيحَ لَهُ شَرْعًا فَإِنَّهُ حَدَثَ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَلَا تُنَاطُ بِهِ الرُّخْصَةُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَالْفَرْضُ انْتِفَاءُ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (وقَوْله تَعَالَى {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] أَيْ فِي الْأَكْلِ) ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ وَعَدَمَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الِاضْطِرَارِ بَلْ بِالْأَكْلِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ فِي الْآيَةِ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلِهِ عَامِلًا فِي الْحَالِ أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ فَأَكَلَ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَيَكُونُ الْبَغْيُ وَالْعِدَاءُ فِي الْأَكْلِ الَّذِي سِيقَتْ الْآيَةُ لِبَيَانِ حُرْمَتِهِ وَحِلِّهِ أَيْ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ فِي الْأَكْلِ قَدْرَ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّ عَادٍ مُكَرَّرٌ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ غَيْرَ طَالِبٍ لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ وَلَا مُجَاوِزٍ قَدْرَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَدْفَعُ الْهَلَاكَ أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَلَا مُتَرَدِّدٍ أَوْ غَيْرَ بَاغٍ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ بِالِاسْتِئْثَارِ عَلَيْهِ وَلَا مُجَاوِزٍ سَدَّ الْجَوْعَةِ.
(وَقِيَاسُ السَّفَرِ) فِي كَوْنِهِ مُرَخِّصًا (عَلَيْهِ) أَيْ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ الْمَنُوطِ بِالِاضْطِرَارِ فِي اشْتِرَاطِ نَفْيِ عِصْيَانِ الْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْأَكْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ (يُعَارِضُ إطْلَاقَ نَصِّ إنَاطَتِهِ) أَيْ ثُبُوتِ الرُّخَصِ (بِهِ) أَيْ بِالسَّفَرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِذَلِكَ كَمَا أَسْلَفْنَا بَعْضَهُ (وَيَمْنَعُ تَخْصِيصُهُ) أَيْ نَصَّهُ (ابْتِدَاءً بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّخْصِيصِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ التَّرَخُّصَ لِلْمُضْطَرِّ (لَمْ يُنَطْ بِالسَّفَرِ) إجْمَاعًا بَلْ يُبَاحُ لِلْمُقِيمِ الْمُضْطَرِّ الْعَاصِي (فَيَأْكُلُ مُقِيمًا عَاصِيًا) فَانْتَفَى الْوَجْهُ الثَّانِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[الْخَطَأُ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ]
(وَمِنْهَا) أَيْ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ (الْخَطَأُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إلَى الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا) فَإِنَّ الْقَصْدَ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَمَ لَيْسَ إلَى وُلُوجِهِ الْحَلْقَ وَبِالرَّمْيِ لَيْسَ إلَى الْآدَمِيِّ (وَالْمُؤَاخَذَةُ بِهِ) أَيْ بِالْخَطَأِ (جَائِزَةٌ) عَقْلًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُؤَاخَذَةَ (بِالْجِنَايَةِ)، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَصْدِ (قُلْنَا هِيَ) أَيْ الْجِنَايَةُ (عَدَمُ التَّثَبُّتِ) وَالِاحْتِيَاطِ وَالذُّنُوبُ كَالسَّمُومِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ يُفْضِي إلَى الْعِقَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً (وَلِذَا) أَيْ جَوَازُهَا بِهِ عَقْلًا (سُئِلَ) الْبَارِّي تَعَالَى (عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ) فَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلدُّعَاءِ فَائِدَةٌ بَلْ كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ جَوْرًا وَصَارَ الدُّعَاءُ فِي التَّقْدِيرِ رَبَّنَا لَا تَجُرْ عَلَيْنَا بِالْمُؤَاخَذَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
لَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] قَالَ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا قَالَ فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ قَدْ فَعَلْت» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ (وَعَنْهُ) أَيْ
كَوْنُ الْخَطَأِ جِنَايَةً (كَانَ مِنْ) الْعَوَارِضِ (الْمُكْتَسَبَةِ) مِنْ نَفْسِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ) أَيْ الْخَطَأَ (عُذْرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ) تَعَالَى (إذَا اجْتَهَدَ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» (وَ) جَعَلَهُ (شُبْهَةً) دَارِئَةً (فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِحَدٍّ) فِيمَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ (وَلَا قِصَاصَ) فِيمَا لَوْ رَمَى إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ (دُونَ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ خَطَأً) كَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَاةِ إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا صَيْدٌ أَوْ أَكَلَ مَالَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ فَيَعْتَمِدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَكَوْنُهُ خَاطِئًا لَا يُنَافِيهَا (وَصَلَحَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِي الْقَتْلِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (وَلِكَوْنِهِ) أَيْ الْخَطَأِ لَا يَنْفَكُّ (عَنْ تَقْصِيرٍ) فِي التَّثْبِيتِ (وَجَبَ بِهِ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ) فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ قَاصِرٌ وَهُوَ صَالِحٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذْ أَصْلُ الْفِعْلِ وَهُوَ الرَّمْيُ إلَى الصَّيْدِ مُبَاحٌ وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِيهِ مَحْظُورٌ فَكَانَ قَاصِرًا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا كَانَتْ قَاصِرَةً فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ (وَيَقَعُ طَلَاقُهُ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا اسْقِينِي فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُخْطِئِ كَالنَّائِمِ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَقَعُ (لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ خَفِيٌّ) وَفِي الْوُقُوفِ عَلَى قَصْدِهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ (فَأُقِيمَ تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ) عَنْ عَقْلٍ (مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ قَصْدِهِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ (بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْقَصْدِ فِيهِ (ظَاهِرٌ) لِلْعِلْمِ يَقِينًا بِأَنَّ النَّوْمَ يُنَافِي أَصْلَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ نُورِهِ فَكَانَتْ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ مَعْدُومَةً بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فِي دَرْكِهِ (فَأُقِيمَ) تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ (مَقَامَهُ) أَيْ الْقَصْدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (فَفَارَقَ عِبَارَةُ النَّائِمِ عِبَارَةَ الْمُخْطِئِ وَذَكَرْنَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْوُقُوعَ) لِطَلَاقِ الْمُخْطِئِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْحُكْمِ وَقَدْ يَكُونُ) التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَهُمْ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا هُوَ (مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ) وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحُكْمِ (أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَتُهُ) وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إسْعَافًا فَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَطَلَاقُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَاقِعٌ وَفِي النَّسَفِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِيهِمَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَقَعَ بِلَا قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ.
ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالِمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ وَكَيْفَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ وَهُوَ الْقَاضِي وَفِي الْحَاوِي مَعْزُوًّا لِلْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنْ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.
فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِالنِّيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ.
(وَكَذَا قَالُوا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُخْطِئِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِعْت هَذَا مِنْك بِأَلْفٍ وَقِبَلَ الْآخَرُ وَصَدَّقَهُ فِي أَنَّ