الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ بِعَيْنِهِ وَبِاسْتِلْزَامِ عَكْسِ وَضْعِ الْعَلَامَةِ وَالسَّبَبُ صَارَ أَبْعَدَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبَبِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ عَيْنًا بِقَوْلِنَا فِيهِ مَا سَنَذْكُرُ (وَالْوَجْهُ أَنَّ مَا أَمْكَنَ فِيهِ اعْتِبَارُ وُجُودِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبِ مُوَسَّعًا اُعْتُبِرَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَثْبُتُ بِالشُّغْلِ) لِلذِّمَّةِ (وُجُوبُ الْأَدَاءِ مُوَسَّعًا أَيْ مُخَيَّرًا إلَى الْحُلُولِ أَوْ الطَّلَبِ بَعْدَهُ) أَيْ الْحُلُولِ (فَيَتَضَيَّقُ) وُجُوبُ الْأَدَاءِ حِينَئِذٍ (وَكَالثَّوْبِ الْمُطَارِ) أَيْ الَّذِي أَطَارَتْهُ الرِّيحُ (إلَى إنْسَانٍ يَجِبُ) أَدَاؤُهُ مُوَسَّعًا (إلَى طَلَبِ مَالِكِهِ) فَيَتَضَيَّقُ حِينَئِذٍ (وَمَا لَا) يُمْكِنُ فِيهِ اعْتِبَارُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبِ مُوَسَّعًا (كَالزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْأَدَاءُ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا فَإِمَّا إلَى الْحَوْلِ فَيَتَضَيَّقُ وَإِمَّا إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَالْأَوَّلُ) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى الْحَوْلِ (فَيَتَضَيَّقُ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ (بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا اخْتَارُوهُ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ (وَكَذَا الثَّانِي) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى آخِرِ الْعُمُرِ مُنْتَفٍ (لِأَنَّ حَاصِلَهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ فَيَضِيعُ مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ نَعَمْ يَتِمُّ) كَوْنُ الزَّكَاةِ وَاجِبَةَ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى الْحَوْلِ (عَلَى) الْقَوْلِ (الْمُضَيِّقِ) لِلْوُجُوبِ (بِالْحَوْلِ وَالْمُصَرِّفِ) ثُمَّ قَوْلُهُ وَمَا لَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا (إقَامَةُ السَّبَبِ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ) قَبْلَ حَقِيقَةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ (فَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الِاعْتِبَارُ) وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ أُقِيمَ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ (أَوْ) يُعْتَبَرُ فِيهِ (أَنَّهُ بِالْمُبَادَرَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا شَرْعًا إلَى سَدِّ خَلَّةِ أَخِيهِ) الْفَقِيرِ (دَفَعَ عَنْهُ) أَيْ الْمُعَجِّلُ (الطَّلَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ) الطَّلَبُ (بِهِ شَرْعًا) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ (أَلْزَمَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ وَكَذَا فِي مُسْتَغْرِقِ الْوَقْتِ يَوْمًا) أُقِيمَ السَّبَبُ مُقَامَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي ثُبُوتِ مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ ثُمَّ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَلَوْ أَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا) أَيْ أَنَّهُ أُقِيمَ السَّبَبُ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (لَمْ يَفْتَقِرُوا إلَى اعْتِبَارِ شَيْءٍ يُسَمَّى بِالْوُجُوبِ وَلَا طَلَبَ فِيهِ وَلَا تَكَلُّفَ كَلَامٍ زَائِدٍ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرُوا إلَّا عَلَى ذَلِكَ) .
[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ شَرْعًا]
(مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ شَرْعًا) ثُمَّ أَوْضَحَ الْوَقْتَ الْمُقَيَّدَ بِهِ شَرْعًا بِاتِّبَاعِهِ بِقَوْلِهِ (الْعُمُرَ وَغَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْعُمُرِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ الْمُطْلَقَ وَالْمُؤَقَّتَ (وَهُوَ) أَيْ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ (تَسَاهُلٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُؤَقَّتِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ أَدَاءً وُجُودُ جَمِيعِهِ فِي الْوَقْتِ بَلْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بَلْ) الشَّرْطُ (ابْتِدَاؤُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (فِي غَيْرِ الْعُمُرِ كَالتَّحْرِيمَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ بِإِدْرَاكِهَا فِي الْوَقْتِ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَدَاءً وَإِنْ كَانَ مَا سِوَاهَا مَفْعُولًا خَارِجَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُطْلَقًا وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ (وَرَكْعَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ) فَإِنَّ بِإِدْرَاكِهَا فِي الْوَقْتِ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَدَاءً وَإِنْ كَانَ مَا سِوَاهَا مَفْعُولًا خَارِجَهُ عَلَى مَا هُوَ أَصَحُّ الْأَوْجَهُ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَفِي الْمُحِيطِ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَدَاءً وَبَعْضُهَا قَضَاءً كَمُصَلِّي الْعَصْرِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ يُتِمُّ الْبَاقِيَ قَضَاءً لَا أَدَاءً وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا النَّاطِفِيُّ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ قِيلَ وَهُوَ التَّحْقِيقُ اعْتِبَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ بِوَفَائِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ.
(وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ مَرَّةً أُخْرَى (لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَ) غَيْرِ (عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ) فِي نَفْسِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُ مِثْلِهِ شَامِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَفِيهِ مُخْرِجٌ لِفِعْلِ مِثْلِهِ بَعْدَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمِيزَانِ الْإِعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إتْيَانُ مِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهِيَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ اهـ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالْبَاقِي مُخْرِجٌ لِمَا يَفْعَلُ ثَانِيًا لِمُفْسِدٍ فِي الْأَوَّلِ كَتَرْكِ
رُكْنٍ أَوْ لِعَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ مَقْدُورٍ مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ لَمَّا فَسَدَ أَوْ لَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِيهِ شَرْعًا حُكِمَ الْعَدَمُ شَرْعًا فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ لِلثَّانِي الْجَامِعُ لِمُوجِبِ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا وَهُوَ أَدَاءٌ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءٌ إنْ وَقَعَ خَارِجَهُ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالْخَلَلِ مَا يُؤَثِّرُ نَقْصًا فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا يُعْطِيهِ قُوَّةَ كَلَامِ الْمِيزَانِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ فَلَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ إلَى أَدَاءٍ وَقَضَاءٍ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ زَادَ أَبُو الْيُسْرِ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمِيزَانِ أَوْ عَنْ الْأَدَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ.
وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ مُصْطَلَحُ الْأَكْثَرِينَ أَوْ أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاصِلِ وَالْمِنْهَاجِ، ثُمَّ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمٌ تَرْكَ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ اهـ.
وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ قُلْنَا الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فَهِيَ غَيْرُهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِي فَهِيَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا مِنْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا الْإِخْفَاءِ فِي أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا أَدَاءٌ وَقِيلَ لِعُذْرٍ أَيْ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا أَوْ حُصُولِ فَضِيلَةٍ لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ أَعَمُّ مِنْ الْخَلَلِ وَهُوَ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ اللَّوْمُ وَعَلَى هَذَا قِيلَ
لَعَلَّ بِهِ عُذْرًا وَأَنْتَ تَلُومُ
فَالصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ جَمَاعَةً بَعْدَ فِعْلِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ إعَادَةً عَلَى هَذَا لِحُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الْخَلَلِ وَعَلَى هَذَا فَالْإِعَادَةُ أَعَمُّ مِنْ الْأَدَاءِ.
(وَالْقَضَاءُ) تَعْرِيفُهُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) وَاجِبٌ (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْأَدَاءِ (فِعْلُهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى اعْتِرَاضٍ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَضَاءُ يَجِبُ بِسَبَبِ الْأَدَاءِ نَفْسِهِ فَالْمُقْتَضَى هُوَ نَفْسُ الْوَاجِبِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ إذَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ مَعَ تَعْرِيفِهِمْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ أَدَاءٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ فَقَالَ (فَفِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْوَقْتِ (خَارِجٌ) عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ ثُمَّ قَالَ اسْتِطْرَادًا (كَفِعْلِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ مِنْ السُّنَنِ) بِوَقْتٍ (وَالْمُقَيَّدِ) مِنْهَا بِوَقْتٍ (كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ) فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ حَقِيقَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ. عَلَى أَنَّ الْأَدَاءَ نَوْعَانِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ وَتَعْرِيفُهُ عَلَى هَذَا فِعْلُ مَا طَلَبَ مِنْ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ أَوْ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا طَلَبَ شَرْعًا كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ (وَمَنْ يُحَقِّقُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ) مِثْلُ سُنَّةِ الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ (يُبَدِّلُ الْوَاجِبَ بِالْعِبَادَةِ) فَيَقُولُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا أَوْ فِعْلُ مِثْلِ عَيْنِ مَا طَلَبَ شَرْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ (فَتَسْمِيَةُ الْحَجِّ) الصَّحِيحِ (بَعْدَ) الْحَجِّ (الْفَاسِدِ قَضَاءً) كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ (مَجَازٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا وَإِعَادَةٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا الْمَذْكُورِ لِلشَّافِعِيَّةِ (وَتَضْيِيقُهُ) أَيْ وَقْتِ الْحَجِّ (بِالشُّرُوعِ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَتَأْخِيرُهُ إلَى عَامٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ كَوْنُهُ قَضَاءً بَعْدَ الْإِفْسَادِ لِفَوَاتِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِهِ كَمَا زَعَمُوا (كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ) ثَانِيًا
(بَعْدَ إفْسَادِهَا وَالْتِزَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ) أَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ (أَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ (قَضَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَقْتُهَا بِدُخُولِهِ فَفَاتَ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِهَا (بَعِيدٌ إذْ لَا يَنْوِي) الْقَضَاءَ بِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَتْ قَضَاءً لَوَجَبَتْ نِيَّتُهُ. قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قَضَاءً وُجُوبُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّا لَا نَشْرِطُ نِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا نِيَّةَ الْأَدَاءِ فِي الْأَدَاءِ عَجَبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَدُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَمُرَادُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الصِّحَّةَ لِمَنْ نَوَى جَاهِلَ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ ظَانًّا خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ بَقَاءَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ، أَمَّا الْعَالِمُ بِالْحَالِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ قَطْعًا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ مُبْطِلَةٌ لِلْمُؤَدِّي بَعْدَ الْإِفْسَادِ فَلَا يُمْكِنُ نِيَّتُهُ، ثُمَّ التَّضْيِيقُ بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَالنَّظَرُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَى أَمْرِ الشَّرْعِ
(وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ هِيَ (إعَادَةٌ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَاسْتِبْعَادُ قَوْلِ الْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (فِيمَنْ) أَدْرَكَ وَقْتَ الْفِعْلِ، ثُمَّ (أَخَرَّ) الْفِعْلَ (عَنْ جُزْءٍ) مِنْهُ (مَعَ ظَنِّ مَوْتِهِ قَبْلَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (حَتَّى أَثِمَ) بِالتَّأْخِيرِ (اتِّفَاقًا) حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي (إنَّهُ) أَيْ فِعْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا (قَضَاءٌ) خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فِي كَوْنِهِ أَدَاءً (إنْ أَرَادَ) بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ (نِيَّةُ الْقَضَاءِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ كَمَا صَارَ سَبَبًا لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ الْوَقْتِ جُزْءًا صَارَ سَبَبًا أَيْضًا لِخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا أَوَّلًا بِالْكُلِّيَّةِ ثَابِتٌ وَهُوَ خَبَرُ اسْتِبْعَادٍ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا لَهُ أَوَّلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ ذَلِكَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعِصْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ فِي خُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ وَقْتًا عِنْدَ ظُهُورِ فَسَادِ الظَّنِّ الْمُقْتَضِي لِتَعَيُّنِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا (فَلَفْظِيٌّ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ فِعْلٌ وَاقِعٌ فِي وَقْتٍ كَانَ مُقَدَّرًا لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا وَهُمْ يُوَافِقُونَهُ فِي كَوْنِهِ وَاقِعًا خَارِجَ مَا صَارَ وَقْتًا لَهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا مُنَازَعَةَ فِي الْمَعْنَى (وَتَعْرِيفُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِفِعْلِ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ (إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (بِآخَرَ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأَدَاءِ.
(وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِمِثْلِ مَعْقُولٍ) أَيْ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ كَالصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِلصَّوْمِ هَلْ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ أَوْ بِأَمْرٍ آخَرَ (فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ) مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَامَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَجِبُ (بِأَمْرٍ آخَرَ وَالْمُخْتَارُ لِلْحَنَفِيَّةِ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعِيهِمْ يَجِبُ (بِهِ) أَيْ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمِثْلَ بِالْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمِثْلِ غَيْرِ مَعْقُولٍ أَيْ غَيْرِ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ لِعَجْزِهِ لَا أَنَّ الْعَقْلَ يَنْفِيهِ وَيْحُكُمْ بِعَدَمِ مُمَاثَلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَهِيَ لَا تَتَنَاقَضُ كَالْفِدْيَةِ لِلصَّوْمِ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ (لِلْأَكْثَرِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ اقْتِضَاءِ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ صُمْ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا) لَوْ اقْتَضَاهُ (كَانَا) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَصَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (سَوَاءً) فِي كَوْنِهِمَا أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ صُمْ إمَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِمَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ (وَالْجَوَابُ مُقْتَضَاهُ أَمْرَانِ الْتِزَامُ الصَّوْمِ وَكَوْنُهُ) أَيْ الصَّوْمِ (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ الْخَمِيسِ.
(فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُهُ فِيهِ الَّذِي بِهِ كَمَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ (لِفَوَاتِهِ بَقِيَ اقْتِضَاؤُهُ الصَّوْمَ لَا فِي) خُصُوصِ (الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْمُسَاوَاةِ (لَوْ اقْتَضَاهُ) أَيْ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ الصَّوْمَ (فِي مُعَيَّنٍ) غَيْرِهِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (نَعَمْ لَوْ اقْتَضَى فَوَاتُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ (ظُهُورَ بُطْلَانِ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَمَفْسَدَتَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى ظُهُورَ وَبِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بُطْلَانِ (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِالْكُلِّيَّةِ (لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ) وَهُوَ ظُهُورُ بُطْلَانِ مَصْلَحَتِهِ وَمَفْسَدَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ اقْتِضَاءُ فَوَاتِهِ ذَلِكَ (بَعِيدٌ إذْ عَقْلِيَّةُ حُسْنِ الصَّلَاةِ وَمَصْلَحَتُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ كَقَبْلِهِ) أَيْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ.
وَإِنَّمَا امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْوَقْتِ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ (وَغَايَةُ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (بِهِ) أَيْ
بِالْوَقْتِ (لِزِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ لِشَرَفِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْوَقْتُ (قَيْدًا فِيهِ) أَيْ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ (دَاخِلًا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ جَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ (مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ قَبْلَ التَّعَلُّقِ) بِالْوَقْتِ فَصَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا دَلِيلُ الْمُخْتَارِ (ثُمَّ قِيلَ ثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ (فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ) إذَا فَاتَ وَقْتُهُ (يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الثَّانِي) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ (وَلَا) يَجِبُ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِأَمْرٍ آخَرَ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ مَقْصُودٍ فِيهِ.
قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمُنْتَخَبِ (وَقِيلَ الْقَضَاءُ) فِيهِ (اتِّفَاقٌ) ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ (فَلَا ثَمَرَةَ) لِهَذَا الْخِلَافِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَاتَ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ آخَرَ مَقْصُودٍ غَيْرِ النَّذْرِ وَهُوَ التَّفْوِيتُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مَقْصُودٍ حَتَّى كَأَنَّهُ إذَا فَوَّتَ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَنْذُورَ ثَانِيًا أَوْ قَضَاءَ الْمَنْذُورِ قَصْدًا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِالنَّذْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَوَاتُ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ كَالتَّفْوِيتِ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْأَدَاءُ لِعُذْرٍ لِعَدَمِ النَّصِّ الْمَقْصُودِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَفِي التَّخْرِيجِ، وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ عِنْدَهُمْ كَالتَّفْوِيتِ كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ فَلَا يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ لَا غَيْرُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَيُطَالِبُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ (بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ مَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقَضَاءِ أَيَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ بِالنَّصِّ الْمَقْصُودِ (وَلَوْ قِيلَ) بَدَلَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (بِسَبَبٍ) آخَرَ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الْأَدَاءُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ وَهُوَ أَوْلَى (شَمِلَ الْقِيَاسَ فَيُمْكِنُ) أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْآخَرَ هُوَ الْقِيَاسُ (عَلَى الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَعَلَى الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] اعْتِبَارًا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً.
وَأَمَّا مَا قِيلَ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبَتٌ فَيَكُونُ بَقَاءُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَنُوقِضَ) الْمُخْتَارُ (بِنَذْرِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْهُ) أَيْ رَمَضَانَ حَيْثُ (يَجِبُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَضَاؤُهُ (بِصَوْمٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجِبْهُ) أَيْ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ صَوْمَهُ لِوُجُوبِهِ بِدُونِ النَّذْرِ (فَكَانَ) الْقَضَاءُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْأَدَاءِ (وَيَبْطُلُ) النَّذْرُ (كَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ) ابْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِلَا صَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَلَا إيجَابُهُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ نَذْرَ الِاعْتِكَافِ (مُوجِبٌ) لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَيَجِبُ لِوُجُوبِهِ إلَّا أَنَّهُ (امْتَنَعَ) إيجَابُهُ لَهُ (فِي خُصُوصِ ذَلِكَ) أَيْ إضَافَتِهِ إلَى رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ تَبَعًا لَا قَصْدًا (فَعِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ الْمَانِعِ وَهُوَ رَمَضَانُ (ظَهَرَ أَثَرُهُ) أَيْ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ كَمُتَطَهِّرٍ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَإِذَا انْتَقَضَتْ لَزِمَتْهُ لِأَدَائِهِمَا بِذَلِكَ النَّذْرِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ (وَلَزِمَ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَلَا وَاجِبٍ) آخَرَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَكِنَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهِ فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُ النَّذْرِ فِي إيجَابِهِ