الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ أَوْ كَوْنُهُ مُودَعًا فِي يَدِهِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَثْبُتُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ بِإِطْلَاقِ الْعِنْدِيَّةِ (وَإِنَّمَا تَثْبُتُ) الْوَدِيعَةُ (بِإِطْلَاقِهَا) أَيْ عِنْدَ (كَعِنْدِي أَلْفٌ) لِمَعْنًى آخَرَ أَعَنَى (لِأَصْلِيَّةِ الْبَرَاءَةِ فَتَوَقَّفَ الدَّيْنُ عَلَى ذِكْرِهِ مَعَهَا) أَيْ عِنْدَ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ كَوْنُهُ وَدِيعَةً عَلَى ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ أَدْنَى مُؤَدَّى اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَتْ حَيْثُ لَا مُعَيِّنَ قَطْعِيٌّ يُعَيِّنُ غَيْرَهَا
[مَسْأَلَةُ غَيْرُ اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ]
(مَسْأَلَةٌ غَيْرُ) اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ (صِفَةٌ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ (فَلَا يُفِيدُ حَالَ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَجَاءَ رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ وَاسْتِثْنَاءٌ) وَهُوَ عَارِضٌ عَلَيْهِ (فَيُفِيدُهُ) أَيْ حَالَ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ (وَيَلْزَمُهَا) أَيْ غَيْرَ إذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً (إعْرَابُ الْمُسْتَثْنَى كَجَاءُوا غَيْرَ زَيْدٍ أَفَادَتْ عَدَمَهُ) أَيْ الْمَجِيءِ (مِنْهُ) أَيْ زَيْدٍ وَتَعَيَّنَ نَصْبُهَا لِتَعَيُّنِهِ لِلْمُسْتَثْنَى لَوْ كَانَ بِإِلَّا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي فَنِّهِ (فَلَهُ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانَقٍ) بِرَفْعِ غَيْرِ (يَلْزَمُهُ) الدِّرْهَمُ (تَامًّا) لِأَنَّ غَيْرًا حِينَئِذٍ صِفَةٌ لِدِرْهَمٍ فَالْمَعْنَى دِرْهَمٌ مُغَايِرٌ لِلدَّانَقِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قِيرَاطَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَبِالنَّصْبِ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ (بِنَقْصِهِ) أَيْ الدَّانَقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءٌ فَالْمَعْنَى دِرْهَمٌ إلَّا دَانَقًا (وَفِي دِينَارٍ غَيْرَ عَشَرَةٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (بِالنَّصْبِ كَذَلِكَ) أَيْ بِنَقْصٍ مِنْ الدِّينَارِ قِيمَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَتَامٌّ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ دِينَارٌ كَامِلٌ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلِانْقِطَاعِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (لِشَرْطِهِ) أَيْ مُحَمَّدٍ (فِي الِاتِّصَالِ صُورَةً وَمَعْنًى) أَيْ التَّجَانُسُ الصُّورِيُّ وَالتَّجَانُسُ الْمَعْنَوِيُّ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى وَالدِّرْهَمُ لَيْسَ بِمُجَانِسٍ لِلدِّينَارِ صُورَةً
(وَاقْتَصَرَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّجَانُسِ الصُّورِيِّ بَيْنَهُمَا شَرْطًا فِي الِاتِّصَالِ (وَقَدْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ التَّجَانُسُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ (الثَّمَنِيَّةُ فَالْمَعْنَى مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ غَيْرُ عَشَرَةٍ) فَكَانَ مُتَّصِلًا فَلَزِمَهُ مِنْ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَا سِوَى الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَقَالَةُ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمَسْئُولُ فِي تَيْسِيرِ شَرْحِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ وَالْأَوْلَى وَأَنْ يُيَسِّرَنَا لِلْيُسْرَى وَيُجَنِّبَنَا الْعُسْرَى وَيَرْزُقَنَا الْعَافِيَةَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى آمِينَ
[الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْحُكْمِ]
(الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ وَعَلِمْت) إجْمَالًا فِي الْمُقَدِّمَةِ (إدْخَالَ بَعْضِهِمْ) كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْأَحْكَامَ) فِي الْمَوْضُوعِ وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ مَا ظَهَرَ لَنَا فِيهِ (فَانْكَسَرَتْ) أَيْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة بِسَبَبِ هَذَا الْإِدْخَالَ (عَلَى خَمْسَةِ أَبْوَابٍ) فِي الْأَحْكَامِ وَفِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ.
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ) فِي الْحُكْمِ وَالْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ فِيهِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي الْحُكْمِ (لَفْظُ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ (يُقَالُ لِلْوَضْعِيِّ) أَيْ لِلْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ (قَوْلُهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (النَّفْسِيُّ جَعَلْتُهُ) أَيْ كَذَا كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي حَالَةِ السَّعَةِ (مَانِعًا) مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ (أَوْ) جَعَلْت كَذَا (عَلَامَةً عَلَى تَعَلُّقِ الطَّلَبِ) لِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَقْتَئِذٍ (كَالدُّلُوكِ وَالتَّغَيُّرِ) فَإِنَّ دُلُوكَ الشَّمْسِ وَهُوَ زَوَالُهَا وَقِيلَ غُرُوبُهَا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا نَطَقَ بِهِ غَيْرُ مَا حَدِيثٍ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَتَغَيُّرُهَا لِلْغُرُوبِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ غَيْرِ الْوَقْتِيَّةِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (أَوْ) عَلَامَةٌ عَلَى (الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِهِ) كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعِ الثَّمَنَ وَعَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا الْقَسَمِ بِالْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ بِجَعْلِهِ (فَفِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ) أَيْ الَّذِي وُضِعَ لِحُكْمٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (مَعَ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ) بَيْنَ مَا وُضِعَ وَحُكْمُهُ (الْبَاعِثَةِ) لِشَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْمَوْضُوعِ (وَضْعِ الْعِلِّيَّةِ) كَالْقِصَاصِ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعَدُوَّانِ وَسَتَعْلَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي بَحْثِ الْعِلَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَمَعَ الْإِفْضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ) إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ (وَضْعُ السَّبَبِ) كَمِلْكِ النِّصَابِ لِلزَّكَاةِ (وَمَعَهُ) أَيْ وَمَا كَانَ مَعَ الْحُكْمِ
(جَعْلُهُ) أَيْ الْكَائِنِ مَعَهُ (دَلَالَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (الْعَلَامَةَ) كَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ (وَفِي اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (دَاخِلًا فِي الْمَفْعُولِ وَضْعُ الرُّكْنِ فَإِنْ لَمْ يَنْتِفْ حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بِانْتِفَائِهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّاخِلِ فِيهِ (شَرْعًا فَالزَّائِدُ) أَيْ فَهُوَ الرُّكْنُ الزَّائِدُ (كَالْإِقْرَارِ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى رَأْيٍ) لِطَائِفَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا (وَإِلَّا) فَإِنْ انْتَفَى حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بِانْتِفَائِهِ شَرْعًا (فَالْأَصْلِيُّ) أَيْ فَالرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ كَالْقِيَامِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ
(وَغَيْرُ الدَّاخِلِ) أَيْ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِ فِي الْمَفْعُولِ (الشَّرْطُ وَقَدْ يُجَامِعُ) الشَّرْطُ (السَّبَبَ مَعَ اخْتِلَافِ النِّسْبَةِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّهُ شَرْطٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَدَاءِ سَبَبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ (عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا سَيُذْكَرُ) فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ (وَعَلَى أَثَرِ الْعِلَّةِ) أَيْ وَالْحُكْمُ يُقَالُ أَيْضًا عَلَى أَثَرِ الْعِلَّةِ (كَنَفْسِ الْمِلْكِ) فَإِنَّهُ أَثَرٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْبَيْعُ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَثَرِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ (وَمَعْلُولِهِ) أَيْ وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى مَعْلُولِ أَثَرِ الْعِلَّةِ مِثْلُ (إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ) بِالْمَمْلُوكِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهَا مَعْلُولَةٌ لِمِلْكِهِ (وَعَلَى وَصْفِ الْفِعْلِ) أَيْ وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى وَصْفِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ حَالَ كَوْنِهِ (أَثَرًا لِلْخِطَابِ) الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ (كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ) فَإِنَّهُمَا أَثَرُ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ (أَوْ لَا) عَطْفٌ عَلَى أَثَرٍ لَلْخِطَابِ أَيْ أَوْ غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ (كَالنَّافِذِ وَاللَّازِم وَغَيْرِ اللَّازِمِ كَالْوَقْفِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِلُزُومِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ التَّحْقِيقُ أَنَّ إطْلَاقَ الْحُكْمِ عَلَى خِطَابِ الشَّارِعِ وَعَلَى أَثَرِهِ وَعَلَى الْأَثَرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى كُلٍّ حَقِيقَةٌ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخِطَابِ مَجَازٌ فِيمَا عَدَاهُ وَكَيْفَ وَالِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ إذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَجَازُ عَلَيْهِ (وَيُقَالُ) الْحُكْمُ أَيْضًا (عَلَى التَّكْلِيفِيِّ خِطَابُهُ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ طَلَبًا أَوْ تَخْيِيرًا) فَالْخِطَابُ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ
وَخَرَجَ بِالْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجَارِحِيَّةِ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَذَوَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادَاتِ كَمَدْلُولِ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] الْآيَةُ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف: 47] وَبِمَا بَعْدَهُ نَحْوَ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] عَلَى مَا قِيلَ كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالطَّلَبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ حَتْمًا أَوْ لَا وَبِالتَّخْيِيرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا لِتَسَاوِيهِمَا وَهُوَ الْإِبَاحَةُ (فَالتَّكْلِيفِيُّ) أَيْ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَا هَذَا شَأْنُهُ (تَغْلِيبٌ) إذْ لَا تَكْلِيفَ فِي الْإِبَاحَةِ بَلْ وَلَا فِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي
(وَلَوْ أُرِيدَ) بِالتَّكْلِيفِيِّ التَّكْلِيفِيُّ (بِاعْتِبَارِ الِاعْتِقَادِ) حَتَّى يَنْتَفِيَ التَّغْلِيبُ لِلتَّكْلِيفِ بِاعْتِقَادِ هَذِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ (فَلَا تَخْيِيرَ) حِينَئِذٍ فَيَجِبُ إسْقَاطُهُ مِنْ التَّعْرِيفِ لِئَلَّا يُحْتَمَلَ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ ذِكْرُ الطَّلَبِ (أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِالِاقْتِضَاءِ إذْ كَانَ) الْخِطَابُ (نَفْسُهُ) أَيْ الِاقْتِضَاءُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى خِطَابَهُ الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالْخِطَابِ أَوْ التَّخْيِيرِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالِاقْتِضَاءِ الطَّلَبُ فَلَا بَأْسَ (وَالْأَوْجَهُ دُخُولُ) الْحُكْمِ (الْوَضْعِيِّ فِي الْجِنْسِ) لِلتَّكْلِيفِيِّ وَهُوَ الْخِطَابُ (إذَا أُرِيدَ) التَّعْرِيفُ (لِلْأَعَمِّ) أَيْ لِلْحُكْمِ الْأَعَمِّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَيُزَادُ) فِي تَعْرِيفِهِ بِمَا سَبَقَ (أَوْ وَضْعًا لَا مَا قِيلَ لَا) يُزَادُ أَوْ وَضْعًا لِإِدْخَالِهِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ بِدُونِهِ (لِأَنَّ وَضْعَ السَّبَبِ الِاقْتِضَاءُ) لِلْفِعْلِ (عِنْدَهُ) أَيْ السَّبَبِ فَمَعْنَى كَوْنِ الدُّلُوكِ سَبَبًا أَوْ دَلِيلًا لِلصَّلَاةِ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِهَا عِنْدَهُ فَرَجَعَ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَمَعْنَى جَعْلِ النَّجَاسَةِ مَانِعَةً مِنْ الصَّلَاةِ حُرْمَتُهَا مَعَهَا وَجَوَازُهَا دُونَهَا فَرَجَعَ إلَى التَّخْيِيرِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ
وَمِمَّنْ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهِهِ بِهَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ (لِتَقَدُّمِ وَضْعِهِ) أَيْ السَّبَبِ (عَلَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ وَلِمُخَالَفَةِ نَحْوِ نَفْسِ الْمِلْكِ وَوَصْفِ الْفِعْلِ) فَإِنَّهُمَا مِنْ الْوَضْعِيِّ وَلَا اقْتِضَاءَ فِيهِمَا فَلَا يَعُمُّ الِاقْتِضَاءُ جَمِيعَ أَقْسَامِ الْوَضْعِيِّ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا إنَّمَا يَضُرُّ أَنْ لَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْوَضْعِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ حَقِيقَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَفِي الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْوَضْعِيُّ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ هُوَ عَلَامَةٌ لَهُ فَلَا يَحْتَاجُ تَعْرِيفُ مُطْلَقِ الْحُكْمِ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ تَأْوِيلٍ يَدْخُلُهُ فِيهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَدَمُ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ الْوَضْعِيِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ النَّفْسِيِّ جَعَلْت كَذَا سَبَبًا أَوْ شَرْطًا
أَوْ مَانِعًا بِكَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ مُصْطَلَحٌ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ (وَإِخْرَاجُهُ) أَيْ الْوَضْعِيِّ مِنْهُ (اصْطِلَاحًا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشَاحَّةَ يَقْبَلُ قُصُورَ مَلْحَظِ وَضْعِهِ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ وَفِيهِ مَا فِيهِ (وَالْخِطَابُ) جَارٍ (عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى تَفْسِيرِهِ) اصْطِلَاحًا (بِالْكَلَامِ الَّذِي بِحَيْثُ يُوَجَّهُ إلَى الْمُتَهَيِّئِ لِفَهْمِهِ) فَخَرَجَ نَحْوُ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (لِأَنَّ النَّفْسِيَّ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فِي الْأَزَلِ وَكَوْنِهِ) أَيْ الْخِطَابُ (تَوْجِيهُ الْكَلَامِ) نَحْوَ الْغَيْرِ لِلْإِفْهَامِ مَعْنًى (لُغَوِيٌّ) لَهُ وَهُوَ هُنَا مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَا اللُّغَوِيِّ (وَالْخِلَافُ فِي خِطَابِ الْمَعْدُومِ) فِي الْأَزَلِ (مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ) أَيْ تَفْسِيرِ الْخِطَابِ (فَالْمَانِعُ) كَوْنَهُ مُخَاطَبًا (يُرِيدُ الشَّفَاهِيَّ التَّنْجِيزِيَّ إذْ كَانَ مَعْنَاهُ تَوْجِيهَ) الْكَلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ لَيْسَ مُوَجَّهًا إلَيْهِ فِي الْأَزَلِ (وَالْمُثْبِتُ) كَوْنَهُ مُخَاطَبًا (يُرِيدُ الْكَلَامَ بِالْحَيْثِيَّةِ وَمَعْنَاهُ قِيَامُ طَلَبٍ) لِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (مِمَّنْ سَيُوجَدُ وَيَتَهَيَّأُ) لَهُ فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ وَسَيُعَادُ صَدْرُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ (وَاعْتِرَاضُ الْمُعْتَزِلَةِ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِمُطْلَقِ الْحُكْمِ (بِأَنَّ الْخِطَابَ قَدِيمٌ عِنْدَكُمْ) لِقَوْلِكُمْ بِأَنَّهُ كَلَامُهُ تَعَالَى وَقَدِمَ كَلَامُهُ (وَالْحُكْمُ حَادِثٌ) لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَا تَنَجَّسَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الطَّاهِرَةِ (حَرُمَ شُرْبُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا) إذْ التَّحْرِيمُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ ذُكِرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ فَهُوَ حَادِثٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِهِ (تَعَلُّقُ تَحْرِيمِهِ) فَالْمَوْصُوفُ بِالْحُدُوثِ التَّعَلُّقُ
(وَهُوَ) أَيْ التَّعَلُّقُ (حَادِثٌ وَالتَّعَلُّقُ يُقَالُ) مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ التَّعَلُّقُ الْحَادِثُ (وَيَكُونُ الْكَلَامُ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (أَزَلِيٌّ وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (أُورِدَ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] عَلَى تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ كَمَا فَعَلَ الْغَزَالِيُّ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا (فَاحْتَرَسَ عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اقْتِضَاءٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا تَخْيِيرٌ لَهُمْ فِيهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْهُمْ وَعَنْ أَفْعَالِهِمْ بِخَلْقِهَا لَهُ تَعَالَى (وَأُجِيبَ أَيْضًا) عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ (بِمُرَاعَاةِ الْحَيْثِيَّةِ) فِي الْمُكَلَّفِينَ (أَيْ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ) وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالُ مُكَلَّفِينَ لِشُمُولِهِ جَمِيعَ أَوْلَادِ آدَمَ وَأَعْمَالِهِمْ بَلْ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَفْعَالِهَا إنْ جُعِلَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ (وَعَلَى هَذَا) الْجَوَابِ (فَبِالِاقْتِضَاءِ إلَى آخِرِهِ لِبَيَانِ وَاقِعِ الْأَقْسَامِ) لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ شَيْءٍ (فَيَسْلِمُ حَدُّ الْغَزَالِيِّ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ ذَلِكَ) إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّرِيفُ وَقَدْ يُقَالُ يَرِدُ عَلَى الْحَدِّ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ وَعِيدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُكَلَّفٌ وَلَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ اتِّفَاقًا (وَأُورِدَ) عَلَى التَّعْرِيفِ أَيْضًا الْحُكْمَ (الْمُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ مِنْ مَنْدُوبِيَّةِ صَلَاتِهِ وَصِحَّةِ بَيْعِهِ وَوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فِي ذِمَّتِهِ) كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا
(وَقَوْلُهُمْ) فِي جَوَابِ هَذَا الْإِيرَادُ (التَّعَلُّقُ) لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَهِّمِ كَوْنُهُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ (بِفِعْلِ وَلِيِّهِ) فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَدَاءُ الْحُقُوقِ مِنْ مَالِهِ (دُفِعَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ وَلِيِّهِ (حُكْمٌ آخَرُ) مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ لَا عَيْنُهُ وَبِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَصِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ وَكَوْنِهَا مَنْدُوبَةً (فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ) مَكَانَ الْمُكَلَّفِينَ (الْعِبَادُ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ تَعَلُّقٍ بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا التَّعَلُّقُ بِمَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ (وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ) حُكْمَانِ (عَقْلِيَّانِ لِلِاسْتِقْلَالِ) لِلْعَقْلِ (بِفَهْمِ مُطَابِقَةِ الْأَمْرِ) أَيْ مُوَافَقَةِ الْفِعْلِ أَمْرَ الشَّارِعِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الصِّحَّةِ (وَعَدَمِهَا) أَيْ مُوَافَقَةِ الْفِعْلِ أَمْرَ الشَّارِعِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْبُطْلَانِ كَمَا هُمَا تَفْسِيرَاهُمَا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوْ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَا يَنْدَفِعُ كَمَا هُمَا تَفْسِيرَاهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (وَإِنْ اسْتَعْقَبَا) أَيْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ (حُكْمًا) هُوَ الْإِجْزَاءُ أَوْ تَرَتُّبُ الْأَثَرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمُهُمَا فِي الْفَسَادِ إذْ الْعَقْلُ مُسْتَبِدٌّ مَثَلًا بِمَعْرِفَةِ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى شَرَائِطِهَا أَوْ لَا عَلَى كِلَا الرَّأْيَيْنِ حَكَمَ الشَّارِعُ بِكَوْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ لَا (أَوْ) هُمَا حُكْمَانِ (وَضْعِيَّانِ) وَضَعَ الشَّارِعُ الصِّحَّةَ لِلْإِجْزَاءِ أَوْ انْدِفَاعِ الْقَضَاءِ فِي الْعِبَادَةِ وَلِتَرَتُّبِ الْأَثَرِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْفَسَادِ لِعَدَمِ ذَلِكَ (وَكَوْنُ صَلَاتِهِ) أَيْ الصَّبِيِّ (مَنْدُوبَةً أَمْرُ وَلِيِّهِ بِأَمْرِهِ) بِهَا لِمَا صَحَّحَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» وَمَا ذَاكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا خِطَابَ الصَّبِيِّ بِهَا نَدْبًا) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَرَتُّبُ الثَّوَابِ لَهُ) أَيْ لِلصَّبِيِّ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا (ظَاهِرٌ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِأَنَّ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُضِيعَ أَجْرَ مِنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ حُكْمَ رَسُولِهِ أَوْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ دَلِيلُ حُكْمِهِ تَعَالَى وَكَاشِفٌ عَنْهُ وَكَذَا الْبَاقِي فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِمَا سِوَى الْكِتَابِ دَاخِلٌ) فِي حُكْمِهِ تَعَالَى (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِأَحَدِ هَذِهِ (خِطَابُهُ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ كَاشِفَةٌ) ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِهِمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُمَا أَيْضًا مُظْهِرَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَهِيَ كُلُّهَا مُظْهِرَةٌ وَلَا فَرْقَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُظْهِرُ بِوَاسِطَةِ إظْهَارِهِ تَنَاوَلَ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ فَالْكُلُّ مُظْهِرٌ بِالذَّاتِ وَبِوَاسِطَةٍ وَحِينَئِذٍ صَحَّ أَنَّ الْكُلَّ مُثْبِتَةٌ وَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ مُثْبِتَةٌ فَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَاشِفَةٌ وَمُظْهِرَةُ بَيَانِ أَنَّهَا بِاعْتِبَارِ كَشْفَهَا سُمِّيَتْ مُثْبِتَةً فَلِذَا قَالَ (وَبِهَذَا الْقَدْرِ قِيلَ مُثْبِتَةٌ) وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقَالَ فِي نَظْمِ الْكِتَابِ إنَّهُ كَاشِفٌ أَيْضًا فَقَالَ: هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكُوا عَدَّهُ مِنْهُ سَدٌّ لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَالنَّفْيِ إذْ يُقَالُ لَيْسَ كَلَامَهُ بَلْ هُوَ كَاشِفٌ عَنْهُ فَيَتَطَرَّقُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَرْكُهُمْ عَدَّ نَظْمِ الْقُرْآنِ مِنْهُ سَدًّا لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَإِلَّا فَهُوَ الْكَاشِفُ عَنْ النَّفْسِيِّ بِالذَّاتِ ثُمَّ قِيلَ الصَّحِيحُ) وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ الْأَحْسَنُ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ الْأَوْضَحُ (بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِيَدْخُلَ خُصُوصِيَّتُهُ صلى الله عليه وسلم) وَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ التَّنَاوُلُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ (وَلَا يُفِيدُ) الْعُدُولَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَى الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (كَالْمُكَلَّفِينَ عُمُومًا وَيُدْفَعُ) أَصْلُ الِاعْتِرَاضِ (بِأَنَّ صِدْقَ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ بَلْ لَوْ انْقَسَمَتْ الْآحَادُ) مِنْ الْأَفْعَالِ (عَلَى الْآحَادِ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فَيَتَنَاوَلُ الْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ بِمُكَلَّفٍ وَاحِدٍ (صَدَقَ) الْعُمُومُ (أَيْضًا) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُرَادِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ: زَيْدٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَازٌ بِإِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ رُكُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِجِنْسِ هَذَا الْجَمْعِ لَا بِجِنْسِ الْحِمَارِ مَثَلًا، فَالْمُرَادُ تَعَلُّقُهُ بِجِنْسِ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ لَا تَعَلُّقُهُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ الِاقْتِضَاءُ إنْ كَانَ حَتْمًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفَّ فَالْإِيجَابُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا (هُوَ نَفْسُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَيُسَمَّى وُجُوبًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ) فَالْإِيجَابُ وَالْوُجُوبُ مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى افْعَلْ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفِعْلِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ إيجَابٌ وَبِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وُجُوبٌ (وَهُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ هُنَا مُرَادٌ بِهِ (غَيْرُ) الْمُرَادِ بِهِ فِي (الْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ) فَإِنَّ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ أَنَّ الْوُجُوبَ يُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يُقَالُ لِنَفْسِ الْإِيجَابِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الْإِيجَابِ يُقَالُ: أَوْجَبَ الْفِعْلَ فَوَجَبَ وَذَلِكَ يُنَافِي الِاتِّحَادَ وَأُجِيبَ بِجَوَازِ تَرَتُّبِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارٍ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إذْ مَرْجِعُهُ إلَى تَرَتُّبِ أَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى الْآخَرِ
قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ: إنَّ الْإِيجَابَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبَ مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَدَعْوَى امْتِنَاعِ صِدْقِ الْمَقُولَاتِ عَلَى شَيْءٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مَحَلُّ مُنَاقَشَةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ
الْقَوْلُ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ تُسَمَّى وُجُوبًا لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْوُجُوبِ أَعْنِي كَوْنَهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الْإِيجَابُ بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُوجَبِ وَالْوَاجِبِ مُتَّصِفًا بِمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِمَ بِالْفِعْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا نَفْسُ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْبَةُ قِيَامٍ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَتَمَّ الْمُرَادُ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ سِوَى مَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَازَعَةَ لَفْظِيَّةٌ إذْ لَا شَكَّ فِي خِطَابٍ نَفْسِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ يُسَمَّى إيجَابًا مَثَلًا وَفِي أَنَّ الْفِعْلَ بِحَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ الْإِيجَابِيُّ فَلَفْظُ الْوُجُوبِ إنْ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا سَلَف وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي وَصْفِ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ لَمْ يَتَّحِدَا بِالذَّاتِ وَيَلْزَمُ الْمُسَامَحَةُ فِي عِبَارَتِهِمْ حَيْثُ أَطْلَقُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (أَوْ) كَانَ (تَرْجِيحًا) لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (فَالنَّدْبُ أَوْ) حَتْمًا (لِكَفٍّ) وَلَا حَاجَةَ إلَى (حَتْمًا) لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الطَّلَبُ الْحَتْمُ لِكَفٍّ فَالْكَفُّ لَا يَكُونُ إلَّا حَتْمًا (فَالتَّحْرِيمُ وَالْحُرْمَةُ بِالِاعْتِبَارِ) أَيْ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى قَوْلِهِ النَّفْسِيَّ لَا تَفْعَلُ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى بِفِعْلٍ هُوَ كَفٌّ، مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ فَبِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ تَحْرِيمٌ وَبِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ حُرْمَةٌ وَهِيَ هُنَا مُرَادٌ مِنْ إطْلَاقِهَا (غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ) مُرَادًا مِنْ إطْلَاقِهَا فَإِنَّهَا ثَمَّةَ تُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ كَفٌّ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَهُنَا تُقَالُ لِنَفْسِ التَّحْرِيمِ بِاعْتِبَارِ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذَا (مَا قَدَّمْنَا مِنْ فَسَادِ تَعْرِيفِهِمْ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ النَّفْسِيِّينَ بِتَرْكِهِمْ حَتْمًا) فِي تَعْرِيفَيْهِمَا (وَكَذَا) ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفَيْهِمَا الْفَسَادَ (بِتَرْكِ الِاسْتِعْلَاءِ فِي التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّقْسِيمَ (يُخْرِجُ التَّعْرِيفَ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ لِكُلٍّ مِنْ أَقْسَامِهِ وَالِاسْتِعْلَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ
(هَذَا) الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَةِ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ (بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِمَا أَمَّا) الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَتِهِمَا (بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ) أَيْ طَرِيقِ وُصُولِهِمَا إلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهِمَا بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِمَا الْمَنْقُولَةِ إلَيْهِمْ (فَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ يُقَالُ الْإِيجَابُ الطَّلَبُ الْحَتْمُ لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ وَالتَّحْرِيمُ الطَّلَبُ لِفِعْلٍ كَفٍّ وَلَا يُلَاحَظُ حَالُ الدَّالِ (وَأَمَّا هُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فَلَاحَظُوا ذَلِكَ فَقَالُوا: (فَإِنْ ثَبَتَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ بِقَطْعِيٍّ) دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ وَثُبُوتًا أَيْضًا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ (فَالِافْتِرَاضُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ (وَالتَّحْرِيمُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا هُوَ كَفٌّ (أَوْ) ثَبَتَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ (بِظَنِّيٍّ) دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ دَلَالَةً أَوْ ثُبُوتًا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ (فَالْإِيجَابُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ (وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا هُوَ كَفٌّ (وَيُشَارِكَانِهِمَا) أَيْ الْإِيجَابُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ الِافْتِرَاضَ وَالتَّحْرِيمَ (فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ) لِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلٍّ (وَعَنْهُ) أَيْ التَّشَارُكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ كُلٍّ (قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ نَوْعًا مِنْ التَّجَوُّزِ) فِي لَفْظِ حَرَامٍ (وَقَالَا عَلَى الْحَقِيقَةِ) الْمَكْرُوهُ (إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) مِنْهُ إلَى الْحِلِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا: مُرَادُ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْمَكْرُوهِ وَالْوُجُوبِ) كَمَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْفَرْضِ وَالْحَرَامِ (فَلَا اخْتِلَافَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى (كَمَا يُظَنُّ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ: التَّحْرِيمُ وَيَأْتِي فِي هَذَا أَيْضًا مَا فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ لِلْقَطْعِ أَيْضًا بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُكَفِّرُ جَاحِدًا لِمَكْرُوهِ هَذَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ الِاقْتِضَاءِ الْكَرَاهَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَالتَّحْرِيمُ وَالْحُرْمَةُ بِالِاعْتِبَارِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مَا نَصَّهُ أَوْ تَرْجِيحًا فَالْكَرَاهَةُ وَمُتَعَلِّقُهَا الْمَكْرُوهُ ثُمَّ يَشْتَرِك الْأَرْبَعَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِالِامْتِثَالِ وَيَنْفَرِدُ الْوَاجِبُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ وَالْحَرَامُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالْفِعْلِ
وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَهِيَ مَعْنَى التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا اسْتِحْقَاقَ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ فِيهَا وَكَانَ أَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَكْمِيلِ أَقْسَامِ الِاقْتِضَاءِ بِاعْتِبَارِ الْوُصُولِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ عَلَى قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ بِظَنِّيٍّ فَإِيجَابٌ إنْ كَانَ لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ وَفِي تَرْكِهِ اسْتِحْقَاقُ عِقَابٍ وَنَدْبٌ إنْ كَانَ كَذَلِكَ