الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِمَا دُونِ الثَّلَاثِ لَا تَحْرُمُ إذْ يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا فِي الْحَالِ وَكَذَا إثْبَاتُ الزَّوْجِ الْحِلَّ الْجَدِيدَ إنَّمَا هُوَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ وَبِمَا دُونِهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فَلَوْ أَثْبَتَ حِلًّا كَانَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
وَمَا قِيلَ الْحِلُّ الثَّابِتُ قَبْلَ الثَّلَاثِ حِلٌّ يَزُولُ بِطَلْقَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَاَلَّذِي يُثْبِتُهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلْقَةِ أَوْ الطَّلْقَتَيْنِ حِلٌّ لَا يَزُولُ إلَّا بِالثَّلَاثِ فَهُوَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ جَوَابُهُ أَنَّ إثْبَاتَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَعْنِي الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ هُوَ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لَهُ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ حِلًّا جَدِيدًا فِي الْغَلِيظَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُثْبِتَهُ فِي الْأَخَفِّ مِنْهَا أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ أَنَّهُ نِكَاحُ زَوْجٍ بِإِلْغَاءِ كَوْنِهِ فِي حُرْمَةٍ غَلِيظَةٍ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ مَحَلٌّ وَالْمَحَلُّ لَا يَدْخُلُ فِي التَّعْلِيلِ وَإِلَّا انْسَدَّ بَابُ الْقِيَاسِ فَيَصِيرُ كَوْنُهُ نِكَاحَ زَوْجٍ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي نِكَاحِ زَوْجٍ بَعْدَ طَلْقَةٍ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ اعْتِبَارِ الزَّوْجِ كَذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَازِمًا بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنَّ اعْتِبَارَهُ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ثُبُوتِ حُرْمَةِ تَزَوُّجِهَا الْكَائِنَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَوْنُ الْحِلِّ جَدِيدًا ضَرُورِيًّا فَالزَّوْجُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْحِلَّ فَقَطْ ثُمَّ لَزِمَ كَوْنُهُ جَدِيدًا بِسَبَبِ أَنَّهُ وَرَدَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الطَّلَقَاتِ فَهُوَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا بِوَضْعِ الشَّرْعِ الزَّوْجَ لِذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الشَّارِعِ إيَّاهُ مُحَلِّلًا لَا يَقْتَضِي سِوَى هَذَا الْقَدْرِ دُونَ كَوْنِ الْحِلِّ يَمْلِكُ فِيهِ الثَّلَاثَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ لَا يُثْبِتُ الزَّوْجُ حِلَّ تَزَوُّجِهَا لِثُبُوتِهِ وَيَعُودُ لُزُومُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ شَرْحَ قَوْلِهِ (فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ (هَدْمُ الزَّوْجِ) الثَّانِي (مَا دُونَ الثَّلَاثِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَا يَخْفَى تَضَاؤُلُ أَنَّهُ) أَيْ مَا دُونَ الثَّلَاثِ (أَوْلَى بِهِ) أَيْ بِالْحِلِّ الْجَدِيدِ مِنْ الثَّلَاثِ (أَوْ) أَنَّهُ ثَابِتٌ (بِالْقِيَاسِ) عَلَيْهَا (فَالْحَقُّ هَدْمُ الْهَدْمِ)
[الْبَابُ الثَّالِثُ السُّنَّةُ]
(الْبَابُ الثَّالِثُ)(السُّنَّةُ) وَهِيَ لُغَةً (الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَادَةُ) مَحْمُودَةً كَانَتْ أَوْ لَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَفِي الْأُصُولِ قَوْلُهُ عليه السلام وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ) مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّقْرِيرَ لِدُخُولِهِ فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ كَفَّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ وَقِيلَ الْقَوْلُ فِعْلٌ أَيْضًا فَلَوْ تَرَكَهُ جَازَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُشْتُهِرَ إطْلَاقُ الْفِعْلِ مُقَابِلًا لَهُ فَيَجِبُ ذِكْرُهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ (وَفِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ مَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ) فَقَالُوا مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ (لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَفْعُولُ الْمُوَاظَبُ عَلَيْهِ (بِلَا وُجُوبٍ) لَهُ إذْ الْوَاجِبُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ شُمُولِهِ لِجَمِيعِ الْمَسْنُونَاتِ (وَمَا لَمْ يُوَاظِبْهُ) أَيْ فِعْلُهُ (مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغِبَ فِيهِ وَعَادَةُ غَيْرِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ مُقَدَّمَةً كَلَامِيَّةً لِتُوقِفَ حُجِّيَّةَ مَا قَامَ بِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا) أَيْ الْعِصْمَةِ إذْ بِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ حَقِّيَّةُ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (وَهِيَ) أَيْ الْعِصْمَةُ (عَدَمُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ خَلْقِ مَانِعٍ) مِنْ الْمَعْصِيَةِ (غَيْرِ مُلْجِئٍ) إلَى تَرْكِهَا
(وَمُدْرَكُهَا) أَيْ الْعِصْمَةِ وَمُسْتَنَدُهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (السَّمْعُ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ) السَّمْعُ وَ (الْعَقْلُ أَيْضًا) ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنْ الذُّنُوبِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ (الْحَقُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ كَبِيرَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (كُفْرًا عَقْلًا) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ (خِلَافًا لَهُمْ) أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ (وَمَنَعَتْ الشِّيعَةُ الصَّغِيرَةَ أَيْضًا وَأَمَّا الْوَاقِعُ فَالْمُتَوَارَثُ أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا مَنْ نَشَأَ فَحَّاشًا، سَفِيهًا لَنَا لَا مَانِعَ فِي الْعَقْلِ مِنْ الْكَمَالِ بَعْدَ النَّقْصِ وَرَفَعَ الْمَانِعَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (بَلْ فِيهِ) أَيْ الْعَقْلِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ (إفْضَاؤُهُ) أَيْ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ (إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَاحْتِقَارِهِمْ) بَعْدَ الْبِعْثَةِ (فَنَافَى) صُدُورُهَا عَنْهُمْ (حِكْمَةَ الْإِرْسَالِ) وَهِيَ
اهْتِدَاءُ الْخَلْقِ بِهِمْ (مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ فَإِنْ بَطَلَ) الْقَوْلُ بِهِمَا (كَدَعْوَى الْأَشْعَرِيَّةِ بَطَلَ) قَوْلُهُمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَبْطُلْ الْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا (مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ) وَهُوَ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ مُفْضٍ إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ بَعْدَ الْبِعْثَةِ وَاحْتِقَارِهِمْ (كَالْحَنَفِيَّةِ بَلْ بَعْدَ صَفَاءِ السَّرِيرَةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ يَنْعَكِسُ حَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ) مِنْ تِلْكَ الْحَالِ إلَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ.
(وَيُؤَكِّدُهُ) أَيْ انْعِكَاسَ حَالِهِمْ حِينَئِذٍ (دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ) عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِّيَّةِ مَا أَتَى بِهِ (وَالْمُشَاهَدَةُ وَاقِعَةٌ بِهِ) أَيْ بِانْعِكَاسِ الْحَالِ فِي الْقُلُوبِ حِينَئِذٍ (فِي آحَادٍ انْقَادَ الْخَلْقُ إلَى إجْلَالِهِمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ) مِنْ أَحْوَالٍ تُنَافِي ذَلِكَ (فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ وَبَعْدَ الْبِعْثَةِ الِاتِّفَاقُ) مِنْ أَهْلِ الشَّرَائِعِ كَافَّةً (عَلَى عِصْمَتِهِ) أَيْ النَّبِيِّ (عَنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ) مِنْ اللَّهِ إلَى الْخَلَائِقِ كَالْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ إذْ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ التَّقَوُّلُ وَالِافْتِرَاءُ فِي ذَلِكَ عَقْلًا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ مُحَالٌ (وَكَذَا) الِاتِّفَاقُ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ الْكَذِبِ (غَلَطًا) وَنِسْيَانًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِمَا ذَكَرْنَا (خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ) عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ (عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ) فِي ذَلِكَ (قَصْدًا) أَيْ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا هُوَ مُتَذَكِّرٌ لَهُ عَامِدٌ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ النِّسْيَانِ وَفَلَتَاتِ اللِّسَانِ فَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الصِّدْقِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ نَقْصٌ لِدَلَالَتِهَا (وَ) عَلَى (عَدَمِ تَقْرِيرِهِ عَلَى السَّهْوِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَرِدْ الْبَيَانُ مِنْهُ أَوْ مِنْ اللَّهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَادِرٌ قَصْدًا (فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَمَانُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ عَنْهُ تَعَالَى) فَانْتَفَى مَا قِيلَ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِتَبْلِيغِهِ لِاحْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَانْتِفَاءِ دَلِيلٍ لِلسَّامِعِ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ سَهْوًا وَغَلَطًا وَبَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ قَصْدًا فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ بِالْمُعْجِزَةِ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِهِ.
(وَأَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ (مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ) وَهِيَ مَا يُلْحَقُ فَاعِلُهَا بِالْأَرْذَالِ وَالسُّفَّلِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ كَسَرِقَةِ كِسْرَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ عَنْ تَعَمُّدِهَا سِوَى الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ الْأَزَارِقَةُ حَتَّى جَوَّزُوا عَلَيْهِمْ الْكُفْرَ فَقَالُوا يَجُوزُ بِعْثَةُ نَبِيٍّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وَالْفُضَيْلِيَّةُ مِنْهُمْ أَيْضًا فَجَوَّزُوا صُدُورَ الذَّنْبِ مِنْهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الذَّنْبَ كُفْرٌ ثُمَّ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ السَّمْعِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِينَ فِيهِ إذْ الْعِصْمَةُ فِيمَا وَرَاءَ التَّبْلِيغِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَقْلًا وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ.
(وَ) عَلَى (تَجْوِيزِهَا) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ (غَلَطًا وَبِتَأْوِيلِ خَطَأٍ إلَّا الشِّيعَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي فِعْلِهِمَا غَلَطًا وَفِعْلِهِمَا بِتَأْوِيلٍ خَطَأٍ هَذَا عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمَوَاقِفِ وَأَمَّا سَهْوًا فَجَوَّزُوهُ الْأَكْثَرُونَ.
قَالَ الشَّرِيفُ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ (وَجَازَ تَعَمُّدُ غَيْرِهَا) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ كَنَظْرَةٍ وَكَلِمَةِ سَفَهٍ نَادِرَةٍ فِي غَضَبٍ (بِلَا إصْرَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنَعَهُ) أَيْ تَعَمُّدَ غَيْرِهَا (الْحَنَفِيَّةُ وَجَوَّزُوا الزَّلَّةَ فِيهِمَا) أَيْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ (بِأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إلَى مُبَاحٍ فَيَلْزَمُ مَعْصِيَةً) لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ قَصَدَ عَيْنَهَا (كَوَكْزِ مُوسَى عليه السلام) أَيْ كَدَفْعِهِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَقِيلَ بِجَمْعِ الْكَفِّ الْقِبْطِيِّ وَاسْمُهُ فَانُونَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ بَلْ أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إلَيْهِ (وَيَقْتَرِنُ بِالتَّنْبِيهِ) عَلَى أَنَّهَا زَلَّةٌ إمَّا مِنْ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15] أَيْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبَتْهُ فَوَقَعَ قَتِيلًا فَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَسَبُّبًا أَوْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] أَيْ أَخْطَأَ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْلِهَا، وَطَلَبَ الْمُلْكَ وَالْخُلْدَ بِذَلِكَ (وَكَأَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ الَّذِي أَفْضَى فِعْلُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُ (شِبْهَ عَمْدٍ) مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِقَصْدِهِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ (فَلَمْ يُسَمُّوهُ خَطَأً) مُلَاحَظَةً لِلْقَصْدِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ (وَلَوْ أَطْلَقُوهُ) أَيْ الْخَطَأَ عَلَيْهِ كَمَا أَطْلَقَهُ غَيْرُهُمْ (لَمْ يَمْتَنِعْ وَكَانَ أَنْسَبَ مِنْ الِاسْمِ الْمُسْتَكْرَهِ) أَيْ الزَّلَّةِ وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ وَقَدْ قَالُوا لَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا كَانَ خَطَأً مَعَ قَصْدِهِ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَأَمَّا أَنَّهُ أَنْسَبُ مُطْلَقًا فَفِيهِ تَأَمُّلٌ بَلْ رُبَّمَا مَنَعَ الْأَنْسَبِيَّةَ فِي قِصَّةِ