الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَارِجِ (وَالْحَقُّ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إمْكَانَ كَلَّفْتُكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ (وَهُوَ) أَيْ إمْكَانُ هَذَا (إمَّا فَرْعُ قَوْلِهِ النَّفْسِيِّ ذَلِكَ) أَيْ كَلَّفْتُك الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) فَرْعُ (الْعِلْمِ) بِمَعْنَى هَذَا (فَإِنْ اسْتَدْعَى) هَذَا (قَدْرًا مِنْ التَّعَقُّلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ) ذَلِكَ الْقَدْرُ ضَرُورَةَ إمْكَانِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ كَافٍ فِي إمْكَانِ التَّكْلِيفِ (وَلَا حَاجَةَ لَنَا إلَى تَحْقِيقِهِ وَأَيْضًا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الثُّبُوتِ بَيْنَ الْخِلَافَيْنِ فَيُكَلَّفُ بِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي يَمْنَعُ تَوَقُّفُ التَّكْلِيفِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ عَلَى تَصَوُّرِهِ وَاقِعًا بَلْ يَكْفِي فِيهِ تَصَوُّرُ الِاجْتِمَاعِ الْمُمْكِنِ ثُمَّ طَلَبُهُ لِلضِّدَّيْنِ فَيَسْتَدْعِي فِي الطَّلَبِ مِثْلَ مَا يَسْتَدْعِيهِ فِي الْحُكْمِ
(وَحَدِيثُ تَصَوُّرِ الْمُسْتَحِيلِ) أَيْ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَصَوُّرِهِ (بِمَا فِيهِ) مِنْ الْبَحْثِ (لَا وُقُوعَ لَهُ بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إمْكَانَ كَلَّفْتُك الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ نَفْسِهِ (كَمَا) أَيْ الَّذِي (عَلِمَ سُبْحَانَهُ عَدَمَ كَوْنِهِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِفْ بِالِاسْتِحَالَةِ لِذَلِكَ) أَيْ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِعَدَمِ كَوْنِهِ (لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِ) أَيْ الْمُحَالِ (مَعَ الْإِمْكَانِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ) غَيْرَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْمُحَالِيَةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ الْإِمْكَانَ هُوَ الْوَصْفُ بِالْمُحَالِيَةِ الذَّاتِيَّةِ وَلَيْسَتْ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي قَوْلِهِمْ مُحَالٌ لِغَيْرِهِ غَايَتُهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُحَالِ عَلَى الْمُمْكِنِ الَّذِي مَنَعَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ مَانِعٌ مَجَازًا وَجَعَلُوا التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِمْ لِغَيْرِهِ قَرِينَةُ ذَلِكَ (فَاسْتِدْلَالُ الْمُجِيزِ) لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ (بِهِ) أَيْ بِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ وَاقِعٌ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَيَقْتَضِي وُقُوعُ تَكْلِيفِ الْمُسْتَحِيلِ لِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَيْفَ لَا (وَالِاتِّفَاقُ) بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ وُقُوعِ تَكْلِيفِ الْمُسْتَحِيلِ لِنَفْسِهِ كَغَيْرِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمْ عَلَى نَفْيِهِ (نَاقَضُوا الْآيَةَ) أَيْ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] لِدَلَالَتِهَا عَلَى نَفْي الْوُقُوعِ (وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ) عَقْلًا لَا غَيْرُ (وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ) عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ (مَخْلُوقٌ لَهُ تَعَالَى) يَقْتَضِي اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ وَقَعَ بِهِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَاقِعٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَكُلُّ مَا كُلِّفَ بِهِ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا تَسْبِقُ فِعْلَهُ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (أُلْزَمْ الْأَشْعَرِيُّ الْقَوْلَ بِهِ) أَيْ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ (وَيَلْزَمُ) مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (كَوْنُ كُلِّ مَا كُلِّفَ بِهِ مُحَالًا لِذَاتِهِ) أَيْ فَهُوَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ مُحَالًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لِوُجُوبِ وُجُودِ الْفِعْلِ أَوْ عَدَمِهِ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِأَحَدِهِمَا وَأَيًّا مَا كَانَ تَعَيَّنَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ بِالْمُجِيزِينَ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ فَقَدْ (كُلِّفَ أَبُو لَهَبٍ) أَيْ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى (بِالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ) بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إجْمَاعًا (وَأَخْبَرَ) اللَّهُ تَعَالَى (أَنَّهُ) أَيْ أَبَا لَهَبٍ (لَا يُصَدِّقُهُ) الْتِزَامًا لِإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِقَوْلِهِ {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3]
قُلْت: وَمَا قِيلَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَلِيَهَا لِلْفِسْقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مُفِيدَةً لِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ كُفْرًا ثُمَّ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ فَذَاكَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ ابْتِدَاءً مُنْتَفٍ انْتِهَاءً فَلَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ إنْ قَدَحَ فِي الْقَطْعِ وَبِالظُّهُورِ كِفَايَةٌ (وَهُوَ) أَيْ تَكْلِيفُهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ حِينَئِذٍ (تَكْلِيفٌ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ وَهُوَ) أَيْ وَتَكْلِيفُهُ بِهَذَا (مُحَالٌ لِنَفْسِهِ لِاسْتِلْزَامِ تَصْدِيقِهِ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ) أَيْ إيمَانُ أَبِي لَهَبٍ (مِمَّا عُلِمَ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَهُوَ) مُحَالٌ (لِغَيْرِهِ) سَوَاءٌ (كُلِّفَ) أَبُو لَهَبٍ (بِتَصْدِيقِهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَبْلَ عِلْمِهِ) أَيْ أَبِي لَهَبٍ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ (أَوْ) كُلِّفَ (بَعْدَهُ) أَيْ عِلْمِهِ بِذَلِكَ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ لَهُمْ (تَشْكِيكٌ بَعْدَ الْقَاطِعِ) فِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: 286] الْآيَةُ فَهُوَ) أَيْ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ) عَقْلًا غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ]
(مَسْأَلَةٌ نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ (حَالَ) مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ (الْفِعْلِ) الْمُكَلَّفِ بِهِ (وَاسْتُبْعِدَ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيَّ (إنْ أَرَادَ أَنَّ تَعَلُّقَهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ (لِنَفْسِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ
(فَحَقٌّ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ تَسْتَلْزِمُ مَطْلُوبًا عَقْلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ عَنْهُ (لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ (انْقِطَاعُهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (اتِّفَاقًا) لِأَنَّ مَا بِالذَّاتِ لَا يَزُولُ بِالْغَيْرِ بَلْ يَبْقَى مَا دَامَتْ الذَّاتُ فَيَبْقَى التَّكْلِيفُ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ لِتَحَقُّقِ نَفْسِ التَّكْلِيفِ بَعْدَهُ أَيْضًا وَهُوَ بَاطِلٌ لِانْقِطَاعِهِ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ إجْمَاعًا (أَوْ) أَرَادَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ حَالَ حُدُوثِهِ (تَنْجِيزُ التَّكْلِيفِ) بِمَعْنَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بَاقٍ عَلَيْهِ مُنَجَّزًا (فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا تَكْلِيفٌ (بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ) وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ) هَذَا كَذَلِكَ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّكْلِيفَ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ
(وَكَلَامُنَا حَالَ هَذَا الْإِيجَادِ وَمَا يُقَالُ إحَالَةٌ لِلصُّورَةِ) أَيْ صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْفِعْلُ إنْ كَانَ آنِيًّا) أَيْ دَفْعِي الْوُجُودِ (لَمْ يُتَصَوَّرْ لَهُ بَقَاءٌ يَكُونُ مَعَهُ التَّكْلِيفُ وَإِنْ) كَانَ (طَوِيلًا أَوْ ذَا أَفْعَالٍ فَحَالَ فِعْلِهِ انْقَضَى شَيْئًا فَشَيْئًا فَالْمُنْقَضِي سَقَطَ تَكْلِيفُهُ وَمَا لَمْ يُوجَدْ بَقِيَ) تَكْلِيفُهُ (لَا يُفِيدُ ذَلِكَ) أَيْ إحَالَةَ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الْمُمْكِنَ آنِيًّا) كَانَ (أَوْ زَمَانِيًّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَالِ عَدَمٍ وَحَالِ بُرُوزٍ) مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ (وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ) مِقْدَارَ زَمَانِ بُرُوزِهِ (لِسُرْعَتِهِ وَحَالُ تَقَرُّرِ وُجُودِهِ وَالْبَقَاءِ إنَّمَا هُوَ مَحْكُومٌ بِهِ لِلتَّكْلِيفِ لَا لِلْفِعْلِ أَيْ التَّكْلِيفِ السَّابِقِ عَلَى الْفِعْلِ يَبْقَى مَعَ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ حَالَةِ الْبُرُوزِ (وَإِنْ سَبَقَتْ) الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ (اللَّحْظَةَ) فِي السُّرْعَةِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (صَحِيحٌ وَيَكُونُ نَصًّا مِنْ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ التَّكْلِيفَ سَبَقَهُ) أَيْ الْفِعْلَ (لَا مَعَ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا نُسِبَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ (انْتَفَتْ الْمَعْصِيَةُ) لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا (وَتَسَبَّبَ هَذَا الْخَبْطُ عَنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) فِي الْبُرْهَانِ: وَالذَّهَابُ إلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ الْفِعْلِ (مَذْهَبٌ لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ) أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْقَاعِدَ فِي حَالِ قُعُودِهِ مُكَلَّفٌ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ طَلَبٌ وَالطَّلَبُ يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا وَعَدَمَ حُصُولِهِ وَقْتَ الطَّلَبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُطْلَبَ كَائِنٌ وَيَقْتَضِي حَاصِلٌ (وَيَنْفِي) هَذَا أَيْضًا (تَكْلِيفُ الْكَافِرِ بِإِيمَانٍ قَبْلَهُ) أَيْ الْإِيمَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ (وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ لَهَا صَلَاحِيَّةُ التَّأْثِيرِ) فِي الْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَةِ بِالْإِيجَادِ (وَ) الْقُدْرَةُ (الَّتِي يُقَامُ) الْفِعْلُ (بِهَا جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ مِنْهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَالْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ) عَلَى هَذَا الْجُزْئِيِّ مِنْهَا (الْأَمْثَالُ فَالشَّرْطُ) لِلتَّكْلِيفِ (مَثَلٌ سَابِقٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ) لِلتَّأْثِيرِ (لَازِمُ مَاهِيَّتِهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ (فَيَلْزَمُ) الصَّلَاحِيَّةَ (كُلُّ فَرْدٍ) مِنْ أَفْرَادِهَا (وَذَاكَ) أَيْ الْمَثَلُ السَّابِقُ (مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِسَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ فَلِذَا فَسَّرَهَا) أَيْ الْقُدْرَةَ (الْحَنَفِيَّةُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ
(وَأَمَّا دَفْعُهُ) أَيْ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (بِأَنَّ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ) لِلْفِعْلِ (مَعَ الدَّاعِيَةِ) إلَيْهِ (وَالْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (يَجِبُ) الْفِعْلُ (فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ) لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرْكِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ (وُجُوبٌ عَنْ اخْتِيَارٍ سَابِقٍ فِي الْفِعْلِ وَعَدَمٌ) لِلْفِعْلِ سَابِقٌ (مَعَ إمْكَانٍ) لِلْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (مُصَحَّحٌ لِلتَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْفِعْلِ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّفْعُ بِدَافِعٍ لِذَاكَ الدَّفْعِ (لِأَنَّ الْوُجُوبَ) لِلْفِعْلِ (لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْفِعْلِ) عَلَى التَّمَامِ (فِي التَّحْقِيقِ وَالْقُدْرَةِ) لِلْعَبْدِ (لَا يُقَامُ بِهَا الْفِعْلُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْأَشَاعِرَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ (بَلْ تُصَاحِبُهُ) أَيْ الْفِعْلَ (إذْ لَا يُقَامُ) الْفِعْلُ عِنْدَهُمْ (إلَّا بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْثِيرَ أَصْلًا لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِيهِ) أَيْ الْفِعْلِ (أَصْلًا فَلَيْسَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا) مِنْ سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ (وَلَا يَسْتَدْعِي) هَذَا الْمَعْنَى (الْمَعِيَّةَ) أَيْ كَوْنَ التَّكْلِيفِ مَعَ الْفِعْلِ (فَإِنَّ عِنْدَهُ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا (يَخْلُقُ) أَيْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الْفِعْلَ (عَادَةً عِنْدَ الْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ) عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ فَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: تَوْجِيهُ كَوْنِ الشَّرْطِ سَلَامَةَ آلَاتِ الْفِعْلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ إلَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا ذَكَرْنَا اصْطِلَاحًا فَإِنَّ
حَقِيقَةَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ لَا يُقَامُ بِهَا الْفِعْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَاشْتِرَاطُ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ أَجْنَبِيٌّ فَالْوَجْهُ كَوْنُ الشَّرْطِ كَوْنُ الْمُكَلَّفِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ (وَأَيْضًا سَبَقَ الِاخْتِيَارُ التَّكَلُّفَ بِسَبْقِ مَا قَارَنَهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ (لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْفِعْلِ امْتِثَالًا لِأَنَّهُ) أَيْ الِامْتِثَالَ (بِاخْتِيَارِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ الْفِعْلَ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّكْلِيفِ) وَهُوَ مُنْتَفٍ حَيْثُ كَانَ الْفِعْلُ مُقَارِنًا لِلتَّكْلِيفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْقُدْرَةَ) الَّتِي هِيَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ (إلَى مُمْكِنَةٍ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهِيَ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَأْمُورُ مِنْ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَدَنِيًّا كَانَ أَوْ مَالِيًّا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذَا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ قَبِيلِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ اهـ يَعْنِي وَقَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بِدُونِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ نَادِرًا وَبِدُونِ الرَّاحِلَةِ كَثِيرًا لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِهِمَا إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالْكَثِيرِ بِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِكَثِيرٍ نَادِرٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِغَالِبٍ نَادِرًا بَلْ قَدْ يَكُونُ كَثِيرًا وَاعْتُبِرَ بِالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْجُذَامِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ غَالِبٌ وَالثَّانِيَ كَثِيرٌ وَالثَّالِثَ نَادِرٌ (وَهِيَ السَّابِقَةُ) أَيْ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ (وَمُيَسِّرَةٌ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. (وَالْأُولَى) أَيْ الْمُمْكِنَةُ (إنْ كَانَ الْفِعْلُ مَعَهَا بِالْعَزْمِ غَالِبًا) عَلَى الظَّنِّ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ قَبْلَ التَّضْيِيقِ (فَالْوَاجِبُ الْأَدَاءُ عَيْنًا فَإِنْ لَمْ) يُؤَدِّ (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْهُ فِي تَرْكِ الْأَدَاءِ (حَتَّى انْقَضَى وَقْتُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ (لَمْ يَأْثَمْ وَانْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى قَضَائِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (إنْ كَانَ ثَمَّةَ خَلْفٌ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَلَفٌ (فَلَا قَضَاءَ وَلَا إثْمَ أَوْ) إنْ لَمْ يُؤَدِّ (بِتَقْصِيرٍ أَثِمَ عَلَى الْحَالَيْنِ) أَيْ فِيمَا لَهُ خَلُفَ وَمَا لَا خَلْفَ لَهُ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْفِعْلُ مَعَهَا (غَالِبًا) عَلَى الظَّنِّ (وَجَبَ الْأَدَاءُ لِخَلَفِهِ لَا لَعَيْنِهِ) أَيْ لِيَظْهَرَ الْوُجُوبُ فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ فَرْعُ وُجُودِ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (كَالْأَهْلِيَّةِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ) هَذَا مِثَالُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَاءُ وَلَا إثْمَ بِعَدَمِهِ بَلْ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ يَعْنِي لَوْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْوُجُوبِ لِلْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ إلَى أَنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا لَا يَتَجَزَّأُ لِلْأَدَاءِ فَيَثْبُتُ أَهْلِيَّتُهُ بِزَوَالِ الصِّغَرِ بِالْبُلُوغِ وَالْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَالْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ (خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِبَارِهِ إيَّاهَا) أَيْ الْأَهْلِيَّةَ (قَبْلَهُ) أَيْ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ (عِنْدَ مَا يَسَعُهُ) أَيْ الْأَدَاءَ وَالشَّافِعِيُّ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِلَا تَقَدُّمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ
وَعَلَّلَ الْمَذْهَبَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ بِالْأَخِيرِ لِإِمْكَانِ الِامْتِدَادِ) يَعْنِي لَا قَاطِعَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ آخِرُ الْأَجْزَاءِ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ آخِرًا فَأَيُّ جُزْءٍ كَانَ مَعَهُ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ يَجِبُ عِنْدَهُ التَّكْلِيفُ (وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ (لِلْقَضَاءِ) كَمَا لِلْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (لِأَنَّ اشْتِرَاطَهَا) لِلْأَدَاءِ (لِاتِّجَاهِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بَقَاءُ ذَلِكَ الْوُجُوبِ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا) أَيْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فَلَمْ يَتَكَرَّرْ) الْوُجُوبُ (لِتَتَكَرَّرَ) الْقُدْرَةُ (فَوُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْكَثِيرَةِ) قَضَاءً (فِي آخَرِ نَفَسٍ) مِنْ الْحَيَاةِ (عَيْنُ وُجُوبِهَا) أَدَاءً (الْمُسْتَكْمِلُ لِشَرْطِهِ) مِنْ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ (قَصَرَ) حَتَّى ضَاقَ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ وَقْتِ الْحَيَاةِ عَنْ فِعْلِهَا (وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَجِبْ) قَضَاءُ الصَّلَاةِ (إلَّا بِقُدْرَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكٍ) لِلْقَضَاءِ (بِلَا عُذْرٍ وَذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ (يُبْطِلُ نَفْيَ وُجُوبِهَا) قَضَاءً (فَيَخُصُّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: 286] الْآيَةُ الْأَدَاءَ) فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا انْتِفَاءُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ عَدَمِ الْوُسْعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْقَضَاءِ تَكْلِيفًا قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هُوَ التَّكْلِيفُ السَّابِقُ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ عَدَمِ الْوُسْعِ (كَمَا أَوْجَبَتْهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (نُصُوصُ قَضَاءِ الصَّوْمِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184](وَالصَّلَاةِ) كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلِيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْمُوجِبَةُ) هِيَ أَيْ نُصُوصُ الْقَضَاءِ (الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْقَضَاءَ بِلَا عُذْرٍ (الْمُسْتَلْزِمَ لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (فِي آخَرِ نَفَسٍ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ (انْتَفَى إيجَابُهَا) أَيْ نُصُوصِ الْقَضَاءِ (لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مُوجِبَ الْفِعْلِ مَعْنَاهُ الْمُثْبِتُ
لِلْوُجُوبِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ (وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ) بِالتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ (إجْمَاعٌ عَلَيْهِ) أَيْ تَخْصِيصِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمِنْ الْمُمْكِنَةِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) أَيْ مِلْكُهُمَا ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فِي الرَّاحِلَةِ بِحَيْثُ يَتَوَصَّلُ بِهِمَا إلَى الْحَجِّ (لِلْحَجِّ) لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَتِهِ إلَّا بِهِ فِي الْعَادَةِ فِي جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ وَكَوْنُ بَعْضِهِمْ يُقَدَّرُ بِالْمَشْيِ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْلِيفُ بِاعْتِبَارِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ تَوَقَّفَ التَّكْلِيفُ عَلَى مَرَاكِبَ وَخَدَمٍ وَأَعْوَانٍ وَأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يَشْرِطْ فِي وُجُوبِهِ ذَلِكَ بَلْ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَكْتَرِيَ رَأْسَ زَامِلَةٍ أَوْ شِقٍّ مُحْمَلٍ لَهُ مَعَ زَادِهِ فَإِنَّ بِدُونِ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ قُدْرَةُ السَّفَرِ فِي الْعَادَةِ (وَالْمَالِ) أَيْ وَمِلْكُ الْمَالِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ (لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلَا تَسْقُطُ) صَدَقَةُ الْفِطْرِ (بِهَلَاكِهَا) أَيْ هَذِهِ الْقُدْرَةِ بِوَاسِطَةِ هَلَاكِ الْمَالِ.
(الثَّانِيَةُ الْمُيَسِّرَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأُولَى بِالْيُسْرِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى) عَلَى الْعِبَادِ لِحُصُولِ السُّهُولَةِ فِي الْأَدَاءِ بِاشْتِرَاطِهَا وَلِهَذَا شُرِطَتْ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا الْبَدَنِيَّةِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْبَدَنِيَّةِ إذْ الْمَالُ مَحْبُوبُ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَمُفَارِقَةُ الْمَحْبُوبِ بِالِاخْتِيَارِ أَمْرٌ شَاقٌّ (كَالزَّكَاةِ زَادَتْ) الْقُدْرَةُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا وُجُوبُهَا (عَلَى أَصْلِ الْإِمْكَانِ) لِلْفِعْلِ (كَوْنُ الْمُخْرَجِ قَلِيلًا جِدًّا مِنْ كَثِيرٍ وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمُخْرَجِ وَاقِعًا (مَرَّةً بَعْدَ الْحَوْلِ الْمُمْكِنِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَتَقَيَّدَ الْوُجُوبُ بِهِ) أَيْ بِالْيُسْرِ (فَسَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِالْهَلَاكِ) لِلْمَالِ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ الَّتِي هِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ إذْ بَقَاؤُهَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُسْتَحَقَّ مَتَى وَجَبَ بِوَصْفٍ لَا يَبْقَى إلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَيْنُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً كَالْمِلْكِ إذَا ثَبَتَ مَبِيعًا أَوْ هِبَةً أَوْ إرْثًا يَبْقَى كَذَلِكَ وَهَذَا الْوَاجِبُ وَجَبَ بَعْضُ نَمَاءِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَانْقَلَبَ غَرَامَةً فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مَا كَانَ وَاجِبًا ابْتِدَاءً (وَانْتَفَى) الْوُجُوبُ (بِالدَّيْنِ) الَّذِي لَهُ مَطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِمُنَافَاتِهِ الْيُسْرَ وَالْغِنَى لِكَوْنِ الْمَالِ مَشْغُولًا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْيُسْرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَا فَضُلَ عَنْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَجِبُ فِي دُورِ السُّكْنَى وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فَسَقَطَ بِالْهَلَاكِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ فَرْعُ الثُّبُوتِ وَبِالدَّيْنِ لَمْ تَجِبْ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَا أَنَّهَا وَجَبَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِمَا لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَلَمْ يَنْتِفْ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ (انْقَلَبَ) الْيُسْرُ (عُسْرًا) أَيْ يَصِيرُ الْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِالْيُسْرِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِهِ (بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ) لِلنِّصَابِ بَعْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِيهِ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ (لِتَعَدِّيهِ) أَيْ الْمَالِكِ (عَلَى حَقِّ الْفُقَرَاءِ) بِالْإِهْلَاكِ حَيْثُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ أَنْفَقَهُ فِي حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ إنَّمَا كَانَ نَظَرًا لَهُ وَقَدْ خَرَجَ بِالتَّعَدِّي عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ النَّظَرَ فَلَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ أَوْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةِ جُعِلَتْ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَرَدًّا لِقَصْدِهِ إسْقَاطَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَنَظَرًا لِلْفَقِيرِ
(وَهُوَ) أَيْ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْوَاجِبَ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ (جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ نَفْسِ الْمَخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: نَفْسَ الْإِيتَاءِ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الزَّكَاةِ جُزْءًا مِنْ الْعَيْنِ (سَقَطَتْ بِدَفْعِ النِّصَابِ) أَيْ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ (بِلَا نِيَّةٍ) أَصْلًا أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِوُصُولِ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ قُرْبَةً إلَّا عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ وَالْفَرْضُ وُقُوعُهُ قُرْبَةً وَانْتِفَاءُ الْمُزَاحِمَةِ لِأَدَاءِ الْكُلِّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَكَذَا الْكَفَّارَةُ) لِلْيَمِينِ وُجُوبُهَا بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ (بِدَلِيلِ تَخْيِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْأَعْلَى بَيْنَهُ) أَيْ الْأَعْلَى (وَبَيْنَ الْأَدْنَى) أَيْ بَيْنَ التَّحْرِيرِ وَالْكُسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْمَالِيَّةِ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا عَادَةً فَإِنَّ هَذَا إذْنٌ لِلْمُخَيَّرِ فِي التَّرَفُّقِ بِمَا هُوَ الْأَيْسَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهَا وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتٍ فِي الصُّورَةِ فَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ