الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ جَاهِهِ وَقَدْرِهِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ سَمِعْت الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا» وَإِلَى الْحُمَيْدِيِّ سَمِعْت سُفْيَانَ يَقُولُ مَا أَحَدٌ تَطَلَّبَ الْحَدِيثَ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ (فَأَيْنَ مَنْعُ خِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى وَهُوَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (فَإِنْ قِيلَ هُوَ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» أَفَادَ أَنَّهُ) أَيْ الرَّاوِيَ (قَدْ يَقْصُرُ لَفْظُهُ) عَنْ اسْتِيعَابِ أَدَاءِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ النَّبَوِيُّ مِنْ الْأَحْكَامِ (فَتَنْتَفِي أَحْكَامٌ يَسْتَنْبِطُهَا الْفَقِيهُ) بِوَاسِطَةِ نَقْلِهِ بِالْمَعْنَى
(قُلْنَا غَايَتُهُ) أَيْ قُصُورِ لَفْظِهِ عَنْ اسْتِيعَابِ ذَلِكَ (نَقْلُ بَعْضِ الْخَبَرِ بَعْدَ كَوْنِهِ حُكْمًا تَامًّا) وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ يُفَرَّقُ) بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَذْفِ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَاقِي تَعَلُّقًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (بِأَنْ لَا بُدَّ) لِلْحَاذِفِ (مِنْ نَقْلِ الْبَاقِي فِي عُمُرِهِ كَيْ لَا تَنْتَفِي الْأَحْكَامُ) الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ (بِخِلَافِ مَنْ قَصَرَ) لَفْظُهُ عَنْهَا (فَإِنَّهَا) أَيْ الْأَحْكَامَ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْهُ (تَنْتَفِي) لِعَدَمِ مُفِيدِهَا حِينَئِذٍ (بَلْ) الْجَوَابُ (الْجَوَازُ لِمَنْ لَا يُخِلُّ) بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ (لِفِقْهِهِ قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ أَيْضًا النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ) بِمَقْصُودِ الْحَدِيثِ (بِتَكَرُّرِ النَّقْلِ كَذَلِكَ) أَيْ بِالْمَعْنَى فَانْقَطَعَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي تَنَبُّهِ بَعْضِهِمْ عَلَى مَا لَا يَتَنَبَّهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَإِذَا قُدِّرَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَوَقَعَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَدْنَى تَغْيِيرٍ حَصَلَ بِالتَّكْرَارِ تَغْيِيرٌ كَثِيرٌ وَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ) لِلنَّقْلِ بِالْمَعْنَى حَالَةَ كَوْنِهِ (بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (يَنْفِيه) أَيْ أَدَاءَ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ خِلَافُ الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَفَى بِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ لَا إنْ لَمْ يَنْسَهُ لِفَوَاتِ الْفَصَاحَةِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا قِيلَ يَجُوزُ إنْ كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا لَا إنْ كَانَ عَمَلًا وَمَا عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ وَمَوْقِعِ الْكَلَامِ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ تَعْرِيفُهُ]
(مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ) مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ أَيْ مَنْ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (الثِّقَةِ قَالَ عليه السلام) كَذَا (مَعَ حَذْفٍ مِنْ السَّنَدِ وَتَقْيِيدِهِ) أَيْ الْقَائِلِ (بِالتَّابِعِيِّ أَوْ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ) أَيْ التَّابِعِينَ كَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ (اصْطِلَاحٌ) لِلْمُحَدِّثِينَ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ بِالْمَشْهُورِ وَعُزِيَ الثَّانِي إلَى بَعْضِهِمْ (فَدَخَلَ) فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ (الْمُنْقَطِعُ) بِالِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ لِلْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ رُوَاتِهِ قَبْلَ الصَّحَابِيِّ رَاوٍ أَوْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَالْمُعْضَلُ) بِاصْطِلَاحِهِمْ الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ إسْنَادِهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَتَسْمِيَةُ قَوْلِ التَّابِعِيِّ مُنْقَطِعًا) كَمَا هُوَ صَنِيعُ الْحَافِظِ الْبَرْدِيجِيِّ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِحِكَايَةِ الْخَطِيبِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مَا رُوِيَ عَنْ التَّابِعِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ (خِلَافَ الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ فِيهِ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قَوْمًا يُسَمُّونَ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الَّذِي لَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْقَطِعًا لَا مُرْسَلًا لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ التَّابِعِيِّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ (الْمَقْطُوعُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ قَالَ وَجَدْت التَّعْبِيرَ بِالْمَقْطُوعِ عَنْ الْمُنْقَطِعِ غَيْرِ الْمَوْصُولِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَوَجَدْته أَيْضًا فِي كَلَامِ الْحُمَيْدِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ (فَإِنْ كَانَ) الْمُرْسِلُ صَحَابِيًّا (فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِهِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِ) أَبِي إِسْحَاقَ (الْإسْفَرايِينِيّ) لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ نَفْيِهِ) أَيْ قَبُولِهِ (إنْ عَلِمَ إرْسَالَهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَيْ وَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا أَيْضًا
فَإِنْ قُلْت فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ مِنْ الْفِتْيَانِ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَكَانَ يَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِذَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مَقْبُولًا وَإِنْ احْتَمَلَ الْإِرْسَالَ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ لَمْ يُحْمَلْ
حَدِيثُهُ إلَّا عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ
قُلْت لَا فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِهِ عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُونَ فَالْمَعْنَى إرْسَالُ الصَّحَابِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُحْمَلُ عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ (أَوْ) كَانَ الْمُرْسِلُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرِ صَحَابِيٍّ (فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إطْلَاقُ الْقَبُولِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَأَكْثَرُ) أَهْلِ (الْحَدِيثِ مِنْ عَهْدِ الشَّافِعِيِّ إطْلَاقُ الْمَنْعِ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ (إنْ عَضَّدَ بِإِسْنَادٍ أَوْ إرْسَالٍ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّيُوخِ) مِنْ الْمُرْسِلِينَ لَا غَيْرُ (أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ عُرِفَ) الْمُرْسِلُ (أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ (لَا) يُقْبَلُ (قِيلَ وَقَيَّدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ قَبُولَهُ مَعَ كَوْنِهِ مُعَضَّدًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (بِكَوْنِهِ) أَيْ الْمُرْسِلِ (مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ) وَإِذَا أَشْرَكَ أَحَدًا مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثِهِ لَمْ يُخَالِفْهُ (وَلَوْ خَالَفَ الْحُفَّاظَ فَبِالنَّقْصِ) أَيْ بِكَوْنِ حَدِيثِهِ أَنْقَصَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَابْنُ أَبَانَ) يَقْبَلُ (فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَفِيمَا بَعْدَهَا إذَا كَانَ) الْمُرْسِلُ (مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَرَوَى الْحُفَّاظُ مُرْسَلَهُ كَمَا رَوَوْا مُسْنَدَهُ وَالْحَقُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مُطْلَقًا) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ بَيَانِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ حَيْثُ شُرِطَ الْعِلْمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ (لَنَا جَزْمُ الْعَدْلِ بِنِسْبَةِ الْمَتْنِ إلَيْهِ عليه السلام بِقَوْلِهِ قَالَ يَسْتَلْزِمُ اعْتِقَادَ ثِقَةِ الْمُسْقَطِ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ تَلْبِيسًا قَادِحًا فِيهِ وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَكَوْنُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ قَوِيُّ الظُّهُورِ فِي الْمُطَابَقَةِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ثِقَةَ الْمُسْقَطِ (لَمْ يَكُنْ) الْمُرْسِلُ (عَدْلًا) وَلَوْ لَمْ يُطَابَقْ لَمْ يَكُنْ (إمَامًا) فَالِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارَيْنِ (وَلِذَا) أَيْ اسْتِلْزَامُ جَزْمِ الْعَدْلِ بِذَلِكَ اعْتِقَادُ ثِقَةِ الْمُسْقَطِ (حِينَ سُئِلَ النَّخَعِيُّ الْإِسْنَادَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ لَمَّا قَالَ الْأَعْمَشُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا رَوَيْت لِي حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَسْنِدْهُ لِي (قَالَ إذَا قُلْت حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ فَإِذَا قُلْت قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ
(وَقَالَ الْحَسَنُ مَتَى قُلْت لَكُمْ حَدَّثَنِي فُلَانٌ فَهُوَ حَدِيثُهُ) لَا غَيْرَ (وَمَتَى قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ سَبْعِينَ) سَمِعْته أَوْ أَكْثَرَ (فَأَفَادُوا أَنَّ إرْسَالَهُمْ عِنْدَ الْيَقِينِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ) أَيْ الْيَقِينِ بِالْمَرْوِيِّ (فَكَانَ) الْمُرْسَلُ (أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ) لِظُهُورِ أَنَّ الْعَدْلَ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا مَنْ جَزَمَ بِعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرَهُ لِظُهُورِ إحَالَةِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ غَالِبًا (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْهُ (مُقْتَضَى الدَّلِيلِ) كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (فَإِنْ قِيلَ تَحَقَّقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَسُفْيَانَ) الثَّوْرِيِّ (وَبَقِيَّةَ تَدْلِيسُ التَّسْوِيَةِ) كَمَا سَلَف (وَهُوَ) أَيْ إرْسَالُ مَنْ تَحَقَّقَ فِيهِ هَذَا التَّدْلِيسُ (مَشْمُولٌ بِدَلِيلِكُمْ) الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْبَلُوهُ
(قُلْنَا نَلْتَزِمُهُ) أَيْ شُمُولَ الدَّلِيلِ لَهُ وَنَقُولُ بِحُجِّيَّتِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ (وَوَقْفُ مَا أَوْهَمَهُ) أَيْ التَّدْلِيسَ (إلَى الْبَيَانِ) لِإِرْسَالِهِ عَنْ ثِقَةٍ أَوَّلًا (قَوْلُ النَّافِينَ) لِحُجِّيَّةِ الْمُرْسِلِ (أَوْ مَحَلِّهِ) أَيْ الْوَقْفِ (الِاخْتِلَافُ) أَيْ اخْتِلَافُ حَالِ الْمُدَلِّسِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَارَةً يَحْذِفُ الْمُضَعَّفَ عِنْدَ الْكُلِّ وَتَارَةً يَحْذِفُ الْمُضَعَّفَ عِنْدَ غَيْرِهِ (بِخِلَافِ الْمُرْسِلِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ فِيهِ بِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى ضَعْفِهِ بَلْ ثِقَةٌ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ الْإِمَامُ الْحَاذِفُ ثِقَتَهُ (وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ (اُشْتُهِرَ إرْسَالُ الْأَئِمَّةِ كَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ و) اُشْتُهِرَ (قَبُولُهُ) أَيْ إرْسَالُهُمْ (بِلَا نَكِيرٍ فَكَانَ) قَبُولُهُ (إجْمَاعًا لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ) قَبُولُهُ إجْمَاعًا (لَمْ يَجُزْ خِلَافُهُ) لِكَوْنِهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ خِلَافِهِ إنَّمَا هُوَ (فِي) الْإِجْمَاعِ (الْقَطْعِيِّ) وَالْإِجْمَاعُ هُنَا ظَنِّيٌّ (لَكِنْ يُنْقَضُ) الْإِجْمَاعُ (بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ لَا نَأْخُذُ بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ مُبَالَاتِهِمَا عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) إرْسَالُهُمَا عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ (إذْ اللَّازِمُ) لِدَلِيلِ الْقَابِلِ لِلْمُرْسِلِ (أَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ (أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا عَنْهُ) أَيْ عَنْ ثِقَةٍ (نَافٍ لِلْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ
مَعَ مُخَالَفَةِ ابْنِ سِيرِينَ (فَهُوَ) أَيْ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِهِ (خَطَأٌ) عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ مَنْعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ مَرَاسِيلِهِمَا خَطَأً أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا لَا يَصِحُّ مَانِعًا وَكَيْفَ وَالْعَدْلُ الثِّقَةُ
وَإِنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَهُوَ ثِقَةٌ يُبَيِّنُهُ إذَا رَوَى عَنْهُ وَلَا يُرْسِلُ فَيُسْقِطُهُ لِأَنَّهُ غِشٌّ فِي الدِّينِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاحْتَجَّ (الْأَكْثَرُ) لِقَبُولِهِ (بِهَذَا) الْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ الْمَذْكُورِ (وَبِتَقْدِيرِ تَمَامِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (لَا يُفِيدُهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ (تَعْمِيمًا) فِي أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فَلَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهِمْ (وَبِأَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ) أَيْ الْعَدْلِ عَمَّنْ أَسْقَطَهُ (تَوْثِيقٌ لِمَنْ أَسْقَطَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ ذَلِكَ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْدِيلِ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّ ظُهُورَ مُطَابَقَةِ ظَنِّ الْجَاهِلِ ثِقَةَ السَّاقِطِ مُنْتَفٍ) يَعْنِي كَوْنَ رِوَايَةِ الْعَدْلِ تَوْثِيقًا لِمَنْ رَوَى عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُطَابَقَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ إمَامٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ظَنِّ الْجَاهِلِ ثِقَةَ السَّاقِطِ لَا يُوجِبُ ظُهُورَ ثِقَتِهِ فَلَا يُثْبِتُ بِتَوْثِيقِهِ ثِقَتَهُ (وَلَعَلَّ التَّفْصِيلَ) فِي الْمُرْسِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَدْلًا إمَامًا فَيُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا. (مُرَادُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ) لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ بِأَنْ يُرِيدُوا قَبُولَهُ بِقَيْدِ إمَامَةِ الْمُرْسِلِ وَعَدَالَتِهِ (بِشَهَادَةِ اقْتِصَارِ دَلِيلِهِمْ) لِلْقَبُولِ (عَلَى الْأَئِمَّةِ) أَيْ عَلَى ذِكْرِ إرْسَالِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا (فَبَعِيدٌ قَوْلُهُمْ بِتَوْثِيقِ مَنْ لَا يُعَوَّلُ عَلَى عِلْمِهِ وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعِ مِنْ إرَادَةِ الْمُفِيدِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمْ (مِنْ أَوَائِلِ الْأَئِمَّةِ كَثِيرٌ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَذْهَبَ غَيْرِ الْمُفَصِّلِ (النَّافُونَ) لِقَبُولِهِ قَالُوا أَوَّلًا الْإِرْسَالُ (يَسْتَلْزِمُ جَهَالَةَ الرَّاوِي) لِلْأَصْلِ عَيْنًا وَصِفَةً (فَيَلْزَمُ) مِنْ قَبُولِ الْمُرْسَلِ (الْقَبُولُ مَعَ الشَّكِّ) فِي عَدَالَةِ الرَّاوِي إذْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ هَلْ هُوَ عَدْلٌ لَجَازَ أَنْ يَقُولَ لَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ (قُلْنَا ذَلِكَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِلْزَامُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ)
وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَّا عَمَّنْ لَوْ سُئِلُوا عَنْهُ لَعَدَّلُوهُ وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا بِقَبُولِ مَرَاسِيلِهِمْ لَا غَيْرُ (قَالُوا) ثَانِيًا فَحَيْثُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ (فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِسْنَادِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ذِكْرِهِ إجْمَاعًا عَلَى الْعَبَثِ وَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً (قُلْنَا) الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ (بَلْ يَلْزَمُ الْإِسْنَادُ فِي غَيْرِ الْأَئِمَّةِ لِيُقْبَلَ) الْمَرْوِيُّ فَإِنَّ مُرْسَلَ غَيْرِهِمْ لَا يُقْبَلُ فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ قَبُولَهُ (وَفِي الْأَئِمَّةِ إفَادَةُ مَرْتَبَتِهِ) أَيْ الرَّاوِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِيمَا عَسَاهُ يَتَرَجَّحُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ (لِلتَّرْجِيحِ) عِنْدَ التَّعَارُضِ (وَرَفْعِ الْخِلَافِ) فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَرَدِّهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي قَبُولِ الْمُسْنَدِ (وَفَحْصِ الْمُجْتَهِدِ بِنَفْسِهِ) عَنْ حَالِ الرَّاوِي (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُرْسِلُ (مَشْهُورًا) بِالْإِمَامَةِ وَالْعَدَالَةِ (لِيَنَالَ) الْمُجْتَهِدُ (ثَوَابَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (وَيَقْوَى ظَنُّهُ) بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ فَإِنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِفَحْصِهِ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ بِفَحْصِ غَيْرِهِ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ تَمَّ) الْقَوْلُ بِالْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ مِنْ السَّلَفِ (قُبِلَ) الْمُرْسَلُ (فِي عَصْرِنَا) أَيْضًا لِتَحَقُّقِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَبُولِ مِنْ السَّلَفِ فِي عَدْلِ كُلِّ عَصْرٍ (قُلْنَا نَلْتَزِمُهُ) أَيْ قَبُولَ الْمُرْسِلِ فِي كُلِّ عَصْرٍ (إذَا كَانَ) الْمُرْسِلُ (مِنْ الْعُدُولِ وَأَئِمَّةِ الشَّأْنِ) وَنَمْنَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الرِّيبَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ قَالَ (الشَّافِعِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ ذَلِكَ (الْعَاضِدُ) لِلْمُرْسِلِ مَعَهُ (لَمْ يَحْصُلْ الظَّنُّ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ حُصُولِ الظَّنِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَاضِدُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ (مَمْنُوعٌ بَلْ) الظَّنُّ حَاصِلٌ بِالْمُرْسَلِ (دُونَهُ) أَيْ الْعَاضِدِ الْمَذْكُورِ (بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الدَّلِيلِ لِقَبُولِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ (وَقَدْ شُوحِحَ) الشَّافِعِيُّ فِي جَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِ قَبُولِهِ أَنْ يَأْتِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ مُسْنَدًا (فَقِيلَ ضَمُّ غَيْرِ الْمُسْنَدِ) إلَى غَيْرِ الْمُسْنِدِ (ضَمُّ غَيْرِ مَقْبُولٍ إلَى مِثْلِهِ) أَيْ غَيْرِ مَقْبُولٍ (فَلَا يُفِيدُ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ إنَّمَا هُوَ الْجَهَالَةُ بِعَدَالَةِ رَاوِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا (وَفِي الْمُسْنِدِ) أَيْ وَفِي ضَمِّ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ (الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْنَدِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ ضُمَّ إلَى الْمُرْسِلِ فَلَا يَكُونُ قَبُولُهُ قَبُولًا لِلْمُرْسَلِ
(وَدُفِعَ الْأَوَّلُ) أَيْ عَدَمُ إفَادَةِ ضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ (بِأَنَّ الظَّنَّ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ) أَيْ ضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ (كَمَا يَقْوَى) الظَّنُّ (بِهِ) أَيْ بِضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ (لَوْ كَانَ) الظَّنُّ (حَاصِلًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ضَمِّهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ عَنْ
الْمَجْمُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ (وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي تَعَدُّدِ طُرُقِ الضَّعِيفِ) بِغَيْرِ الْفِسْقِ مَعَ الْعَدَالَةِ (قِيلَ وَالثَّانِي) أَيْ كَوْنُ الْعَمَلِ بِالْمُسْنَدِ إذَا ضُمَّ إلَى الْمُرْسَلِ (وَارِدٌ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنَعَ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ (وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُسْنَدَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ إسْنَادِ الْأَوَّلِ فَيُحْكَمُ لَهُ) أَيْ لِلْمُرْسَلِ (مَعَ إرْسَالِهِ بِالصِّحَّةِ) ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَدُفِعَ) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافِعُهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ (بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ) تَبَيُّنُ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَالُ بِالْمُسْنَدِ (لَوْ كَانَ) الْإِسْنَادُ فِي كِلَيْهِمَا (وَاحِدًا لِيَكُونَ الْمَذْكُورُ إظْهَارًا لِلسَّاقِطِ وَلَمْ يُقْصِرْهُ) أَيْ كَوْنَ اعْتِضَادِ الْمُرْسَلِ بِالْمُسْنَدِ مُوجِبًا لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ (عَلَيْهِ) أَيْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ فِي كِلَيْهِمَا وَاحِدًا بَلْ أَطْلَقَ فَكَمَا يَتَنَاوَلُ هَذَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا تَعَدَّدَ إسْنَادُهُمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ صِحَّتُهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ (وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَةُ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ أَوْ بِلَا الْتِفَاتٍ إلَى تَعْدِيلِهِمْ) أَيْ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْنَدِ (ابْتِدَاءً) فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رُوَاتِهِ (وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِمْ) أَيْ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ (وَهِيَ) أَيْ عِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ) وَالْمُنْقَطِعُ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ التَّابِعِينَ فَحَدَّثَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا أَرْسَلَ مِنْ الْحَدِيثِ
(فَإِنْ شَرِكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ فَأَسْنَدُوهُ) بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رَوَى (كَانَتْ) هَذِهِ (دَلَالَةً) عَلَى صِحَّةِ مَنْ قِيلَ عَنْهُ وَحِفْظِهِ (وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُوجِبُ عِبَارَتُهُ ثُبُوتَهَا فِي سَنَدِهِمْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ شَرِكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ صِفَةً لِأَهْلِ سَنَدِ الْمُتَّصِلِ الْعَاضِدِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي شَرِكَهُ لِلْمُرْسِلِ وَلَيْسَ جَمِيعَ رِجَالِ السَّنَدِ أَرْسَلُوا أَوْ وَصَلُوا بَلْ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْمُبْتَدِئِ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ وَإِسْنَادِهِ فَهُوَ الَّذِي إنْ ذَكَرَ جَمِيعَ الرِّجَالِ فَقَدْ وَصَلَهُ وَإِنْ حَذَفَ بَعْضَهُمْ أَرْسَلَهُ فَلَزِمَ كَوْنُ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ لِلْمُخْرِجِينَ كَمَا أَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُخْرِجُ لِلْحَدِيثِ فَبَقِيَ سَاكِتًا عَنْ رِجَالِ السَّنَدِ غَيْرَ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ بِتَوْثِيقٍ أَوْ ضَعْفٍ (وَكَانَ الْإِيرَادُ) عَلَى الْعَمَلِ بِهِ إذَا أَتَى مُسْنَدًا أَيْضًا (بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ السَّنَدِ فِي الْمُسْنَدِ (وَالْجَوَابُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يُشْتَرَطُ فِي سَنَدِ الْمُسْنَدِ الصِّحَّةُ (صَيْرُورَتُهُمَا) أَيْ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ (دَلِيلَيْنِ قَدْ يُفِيدُ فِي الْمُعَارَضَةِ) بِأَنْ يُرَجَّحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَإِرْسَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدِي حَسَنٌ فَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَرَاسِيلَهُ حُجَّةٌ لِأَنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً وَالثَّانِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ لَا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهَا وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا الثَّانِي لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ
وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَزِيَّةً كَمَا اسْتَحْسَنَ مُرْسَلَ سَعِيدٍ (وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ) وَهُوَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (مَنْ أَدْرَجَ عَنْ رَجُلٍ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمُرْسَلِ (مِنْ الْقَبُولِ عِنْدَ قَابِلِ الْمُرْسَلِ) وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ أَبِي دَاوُد فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ (وَلَيْسَ) هَذَا مَقْبُولًا مِثْلَ الْمُرْسَلِ (فَإِنَّ تَصْرِيحَهُ) أَيْ الرَّاوِي (بِهِ) أَيْ بِمَنْ رَوَى عَنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (مَجْهُولًا لَيْسَ كَتَرْكِهِ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ (يَسْتَلْزِمُ تَوْثِيقَهُ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْ فِي حُكْمِ الْمُنْقَطِعِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ رحمه الله أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ كَانَ تَابِعِيًّا كَبِيرًا حُمِلَ عَلَى الْإِرْسَالِ أَوْ صَغِيرًا حُمِلَ عَلَى الِانْقِطَاعِ نَظَرًا إلَى أَنَّ غَالِبَ حَالِهِمَا مُخْتَلِفٌ هَذَا إذَا قَالَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
أَمَّا نَحْوُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ فُلَانٍ فَلَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ انْتَهَى وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ (نَعَمْ يَلْزَمُ) حُكْمُ الْمُرْسَلِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (كَوْنُ) قَوْلِ الْقَائِلِ (عَنْ الثِّقَةِ تَعْدِيلًا) فَيَكُونُ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ تَعْدِيلًا فَوْقَ الْإِرْسَالِ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُهُ (بِخِلَافِهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَنْ الثِّقَةِ (عِنْدَ مَنْ يَرُدُّهُ) أَيْ الْمُرْسَلَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُهُ (إلَّا إنْ عُرِفَتْ عَادَتُهُ) أَيْ الْقَائِلِ عَنْ الثِّقَةِ (فِيهِ) أَيْ قَوْلِهِ هَذَا (الثِّقَةُ) أَيْ