الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْعِبَادَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عُزُوبِهَا (لَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَلْزَمُ فِيهِ الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِاسْتِصْحَابِ الْعَزْمِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ) لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ بِأَنَّ الْعَزْمَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَافٍ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا أَسَلَفنَا مِنْ أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ أَمَّا فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَيَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ قَطْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ تَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ]
(مَسْأَلَةٌ تَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ) فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ (بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوسِعًا كَمَا ذَكَرْنَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ فَيَثْبُتُ بِالنِّصَابِ) الْمَمْلُوكِ لَهُ (وَالرَّأْسِ) الَّذِي يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (أَوْ الْفِطْرِ) أَيْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَالدَّيْنِ) الْمُؤَجَّلِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ (أَصْلُ الْوُجُوبِ) لِلزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ (وَتَأَخُّرُ وُجُوبِ الدَّيْنِ) إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَطُلُوعِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَحُلُولِ الْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ (بِدَلِيلِ السُّقُوطِ) لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ الْمُكَلَّفِ (بِالتَّعْجِيلِ) لَهَا (وَهُوَ) أَيْ سُقُوطُهَا (فَرْعٌ سَبَقَ الْوُجُوبُ) لَهَا (وَ) فَرْعٌ (تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ جُمْهُورِهِمْ (كَذَلِكَ) أَيْ قَائِلُونَ بِانْفِصَالِ الْوُجُوبِ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ (فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا) كَمَا فِي الْمَالِيِّ (فَثَبَتَ بِالْأَوَّلِ) مِنْ إجْزَاءِ الْوَقْتِ (أَصْلُ الْوُجُوبِ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُكَلَّفِ فِي) الْجُزْءِ (الْأَخِيرِ) مِنْ الْوَقْتِ (مِنْ الْحَيْضِ وَالْبُلُوغِ وَالسَّفَرِ وَأَضْدَادِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ وَالصِّبَا وَالْإِقَامَةِ (فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى حَاضَتْ آخِرَهُ لَا قَضَاءَ) عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ أَوْ تَحْرِيمَتَهَا فَقَطْ وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مَا يَسَعُهَا لَا قَضَاءَ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَدْرَكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ إحْدَى هَذِهِ الْعَوَارِضِ قَبْلَ عُرُوضِهَا قَدْرَ الْفَرْضِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِلَّا، فَلَا (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ حَائِضًا أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ طَهُرَتْ آخِرَهُ (قَلْبُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَالْبَاقِي قَدْرُ الْغُسْلِ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ كَالِاسْتِقَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ أَوْ الْفَرْضُ وَالظَّاهِرُ الْفَرْضُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ رُجْحَانُ جَانِبِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَا يَسَعُ جَمِيعَ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَالَ الْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ يَجِبُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَ زُفَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ إذَا زَالَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْعِشَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ زَمَنِ الطَّهَارَةِ، وَيُشْتَرَطُ امْتِدَادُ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ زَمَنَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ (وَلَا يُنْكِرُونَ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (إمْكَانَ ادِّعَاءِ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ ادَّعَوْهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ إمْكَانَهُ (غَيْرَ وَاقِعٍ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى نَائِمٍ كُلَّ الْوَقْتِ وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (فَرْعُ وُجُودِ الْوُجُوبِ) عَلَيْهِ حَالَةَ النَّوْمِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، كَمَا لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ حَدَثَتْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ بِإِسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ وَأَوْرَدَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً عِبَادَةً تَلْزَمُهُ بَعْدَ حُدُوثِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ بِخِطَابٍ مُبْتَدَأٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ وَهُوَ مَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْقَضَاءِ فِيهِ كَالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءَ فَرْضٍ لَمَا رُوعِيَتْ وَدُفِعَ بِأَنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ النِّيَّةِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الصَّوْمِ بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ مَا عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَلَوْلَا الْعُذْرُ لَوَجَبَ فِي الْوَقْتِ وَبِهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا وَجَبَا عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي حَالَةِ سُقُوطِ أَدَائِهِمَا عَنْهُ وَسَتَقِفُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ دَفْعُهُ وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْقَضَاءَ الْمَذْكُورَ (أَدَاءً مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فَخْرَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ أَيْ انْفِكَاكُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَتَرَاخِيهِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا مَرَّ عَلَيْهِمَا وَقْتُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَجَنْبُ الْأَصْلِ
وَتَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالْخِطَابِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَقِظَةِ وَالِانْتِبَاهِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَقَالَ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْقَوَاعِدِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْأَدَاءَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالْأَمْرِ هُوَ مَا يَأْتِيَانِ بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْمِثْلُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ مُخَاطَبًا بِالْأَصْلِيِّ وَقَدْ فَاتَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِفَهْمِ الْخِطَابِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ أَبِي الْمُعِينِ فَيَنْدَفِعُ بِمَا يَنْدَفِعُ بِهِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ قِوَامِ الدِّينِ الْأَتْقَانِيِّ اسْتِعَارَةُ مَعْنَى الْأَدَاءِ لِلْقَضَاءِ لِوُجُودِ مَعْنَى التَّسْلِيمِ فِيهِمَا لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْأَدَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ إذْ هِيَ تَسْلِيمُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُخَالِفُ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهُ قَضَاءً كَمَا أَطْلَقَهُ الْقَوْمُ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ النَّائِمِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا الْأَدَاءَ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَنَوْعٌ لَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا بَلْ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ ثُبُوتُ خَلْفِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَيَكْفِي فِيهِ تَصَوُّرُ ثُبُوتِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِفَوَاتِ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي مَوْجُودٌ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِهَا بِالِانْتِبَاهِ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى هَذَا وَعَدَمُ الْإِثْمِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاءِ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ مَا يُوَافِقُ هَذَا وَلَكِنْ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ انْفِصَالَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَقِيلَ الْقَضَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْسِ الْوُجُوبِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوُجُوبَ إذْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَدَاءِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ ثَابِتًا أَوَّلًا ثُمَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَصْلُحَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِإِفْضَائِهِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِمَانِعٍ ظَهَرَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَلْفِيَّةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْوَقْتُ يَصْلُحُ لِلْإِفْضَاءِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ وَالْمُفِيقِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْقَضَاءِ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ قَالَ الْكَاكِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُرَدُّ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ يُرَدُّ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ اهـ هَذَا وَقَدْ عَلَّلُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْوَقْتَ كُلَّهُ بِعَدَمِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ مَنْ لَا يَفْهَمُ لَغْوٌ وَفِي التَّلْوِيحِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ عَدَمَ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ اللَّغْوُ أَنْ لَوْ كَانَ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ فِي حَالَةِ النَّوْمِ مَثَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ وَالْمَرِيضُ مُخَاطَبٌ بِأَنْ يَفْعَلَ فِي الْوَقْتِ أَوْ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا خِطَابَ الْمَعْدُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ صُدُورُ الْفِعْلِ حَالَةَ الْوُجُودِ حَتَّى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْأَمْرِ بَلْ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَبْعُوثًا إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَصَحَّ أَمْرُهُ فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَ بَعْدَهُ وَيَلْزَمُهُمْ الْأَدَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ الْأَدَاءِ وَقَدْ يُصَرَّحُ بِذَلِكَ، كَالْمَرِيضِ يُؤْمَرُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا بَرَأَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] أَيْ إذَا أَمِنْتُمْ مِنْ الْخَوْفِ فَصَلُّوا بِلَا إيمَاءٍ اهـ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّائِمُ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ، وَالْمَرِيضُ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ فِي الْوَقْتِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، وَإِلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ أَيْضًا مُكَلَّفًا، وَمُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِأَدَائِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ بِوُجُوبِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ النَّائِمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُكَلَّفًا
بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا انْتَبَهَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ النَّائِمُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا - فَانْتَبِهْ - بَالِغًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ فَهْمِ الْخِطَابِ ثُمَّ إنَّ الْخِطَابَ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ إنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ بِتَنْجِيزِ التَّكْلِيفِ وَالْخِطَابُ بِالْمَعْدُومِ بِمَعْنَى التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ كَوْنُ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا وَمُكَلَّفًا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْخِطَابِ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ وَالنَّائِمِ وَالْمُسْتَيْقِظِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَجُّبُ اهـ لَكِنَّ كَوْنَ الصَّبِيِّ إذَا اسْتَيْقَظَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بَالِغًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. (وَكَذَا صِحَّةُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْفَرْضِ فَرْعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْوُجُوبِ (وَعَدَمُ إثْمِهِ) أَيْ الْمُسَافِرِ (لَوْ مَاتَ بِلَا أَدَاءً فِي سَفَرِهِ) دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ لِإِرْشَادِ مَا قَبْلَهُ إلَيْهِ (وَصَرَّحُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (بِأَنْ لَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ بَلْ هُوَ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ (مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ مِنْ الشَّارِعِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (جَبْرًا لِفِعْلٍ كَالشُّغْلِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (فِعْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَوْ تَسْلِيمُهُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ صِفَةُ الْأَفْعَالِ لَا الْأَعْيَانِ وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَوْفَى فُلَانٌ الدَّيْنَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِعْلًا لَكَانَ الْمَعْنَى أَوْفَى الْإِيفَاءَ وَإِنَّ الْمَالَ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَاجِبَةٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِيفَاءَ هُوَ الْأَدَاءُ، وَالْفِعْلُ يُوصَفُ بِهِ وَبِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيَّنَ الْفِعْلَ فَيُقَالُ أَدَّى الصَّلَاةَ وَقَضَاهَا أَيْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ وَأَتَى بِهِ فَكَذَا هُنَا مَعْنَى أَوْفَى الدَّيْنَ أَتَى بِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَوْ تَسْلِيمُهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَالَ يُوصَفُ بِهِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ كَالْمَوْهُوبِ يُسَمَّى هِبَةً، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَالَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ فَلَا يُقَالُ جِدَارٌ وَاجِبٍ كَمَا يَصِحُّ وَصْفُ الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمَالِ كَالصَّلَاةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ حَقِيقَةٌ مِنْ خَصَائِصِ الْفِعْلِ. (وَقَدْ يَشْكُلُ الْمَذْهَبَانِ) أَيْ مَذْهَبَا الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (بِأَنَّ الْفِعْلَ بِلَا طَلَبٍ كَيْفَ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ وَهُوَ) أَيْ الْوَاجِبُ إنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا (بِالطَّلَبِ، وَالسُّقُوطُ) إنَّمَا يَكُونُ (بِتَقَدُّمِهِ) أَيْ الطَّلَبِ أَيْضًا. (وَقَصْدُ الِامْتِثَالِ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِالطَّلَبِ وَهُوَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْوُجُوبِ (وَالشَّافِعِيَّةُ إنْ أَرَادُوهُ) أَيْ أَرَادُوا بِنَفْسِ الْوُجُوبِ مَا أَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ (فَكَذَلِكَ) أَيْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا وَرَدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ قَبْلَ الطَّلَبِ (وَإِنْ دَخَلَهُ طَلَبٌ قُلْنَا لَا يَعْقِلُ طَلَبُ فِعْلٍ بِلَا أَدَائِهِ وَقَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ (إمَّا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ وَهُوَ) أَيْ الْمُطْلَقُ عَنْهُ (مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْعُمُرِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (فَهُوَ مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِهِ (مُخَيَّرًا فِي الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الْمُوسِعُ ثُمَّ) مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ (مُضِيفًا) عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (وَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ يَتَضَيَّقُ) الْوُجُوبُ (عِنْدَ الشُّرُوعِ وَتَتَقَرَّرُ السَّبَبِيَّةُ لِلَّذِي يَلِيهِ) الشُّرُوعُ (يَلْزَمُهُ كَوْنُ الْمُسَبَّبِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمُسَبَّبِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ (عَكْسُ وَضْعِهِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ (وَ) عَكْسُ (وَضْعِ الْعَلَامَةِ) فَإِنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلْمُسَبَّبِ وَالْعَلَامَةُ هِيَ الْمَعْرِفَةُ لِمَا هِيَ عَلَامَةٌ لَهُ (وَمُفَوِّتًا) وَالظَّاهِرُ وَمُفَوِّتٍ (لِمَقْصُودِهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ وَهِيَ التَّعْرِيفُ بِمَا هِيَ عَلَامَةٌ لَهُ عَطْفٌ عَلَى عَكْسٍ (وَبِهِ) أَيْ بِكَوْنِ الْمُسَبَّبِ هُنَا هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ (يَصِيرُ) هَذَا الْقَوْلُ (أَبْعَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَرْذُولِ أَنَّ التَّكْلِيفَ مَعَ الْفِعْلِ لِقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إنَّ الطَّلَبَ لَمْ يَسْبِقْهُ) أَيْ الْفِعْلَ (إذْ لَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ (السَّابِقِ) عَلَى الْفِعْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْ يَلْزَمُ الْحَنَفِيَّةَ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ مَعَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي تَقَدَّمَ تَزْيِيفُهُ وَبُطْلَانُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا الثَّابِتُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا طَلَبَ عَنْهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَضَيَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ لَيْسَ ذَاكَ بَلْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ طَلَبٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَضَيِّقِ عِنْدَ الشُّرُوعِ