الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَشْتَمِلَ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ تَكْلِيفٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ فَلَهَا مَعَانٍ
[مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ هَلْ يَجِبُ تَوَاتُرُهَا]
(مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ مَا) كَانَ مِنْهَا (مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ) بِأَنْ كَانَ هَيْئَةً لِلَفْظٍ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا وَلَا يَخْتَلِفُ خُطُوطُ الْمَصَاحِفِ بِهِ (كَالْحَرَكَاتِ وَالْإِدْغَامِ) فِي الْمِثْلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ وَهُوَ إدْرَاجُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا سَاكِنًا فِي الثَّانِي (وَالْإِشْمَامِ) وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِالشَّفَتَيْنِ إلَى الْحَرَكَةِ بَعِيدُ الْإِسْكَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ فَيُدْرِكُهُ الْبَصِيرُ لَا غَيْرُ (وَالرَّوْمِ) وَهُوَ إخْفَاءُ الصَّوْتِ بِالْحَرَكَةِ (وَالتَّفْخِيمِ وَالْإِمَالَةِ) وَهِيَ الذَّهَابُ بِالْفَتْحَةِ إلَى جِهَةِ الْكَسْرَةِ (وَالْقَصْرِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَأَضْدَادِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَات مِنْ الْفَكِّ وَعَدَمِ الْإِشْمَامِ وَالرَّوْمِ وَالتَّرْقِيقِ وَعَدَمِ الْإِمَالَةِ وَالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ (لَا يَجِبُ تَوَاتُرُهَا وَخِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ (مِمَّا اخْتَلَفَ بِالْحُرُوفِ كَ: مَلِكِ) الْمَنْسُوبِ قِرَاءَتَهُ إلَى مَنْ عَدَا الْكِسَائِيَّ وَعَاصِمًا (وَمَالِكِ) الْمَنْسُوبِ قِرَاءَتَهُ إلَيْهِمَا وَيُسَمَّى بِقَبِيلِ جَوْهَرِ اللَّفْظِ (مُتَوَاتِرٌ وَقِيلَ مَشْهُورٌ) أَيْ آحَادُ الْأَصْلِ مُتَوَاتِرُ الْفُرُوعِ (وَالتَّقْيِيدُ) لِمَا هُوَ خِلَافُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ مِنْهَا (بِاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ) كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ (غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ) بِاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ (الْجَادَّةَ) الظَّاهِرَةَ فِي التَّرْكِيبِ (لَزِمَ عَدَمُ الْقُرْآنِيَّةِ فِي {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] بِرَفْعِ قَتْلِ وَنَصْبِ أَوْلَادِهِمْ وَجَرِّ شُرَكَائِهِمْ عَلَى أَنَّ (قَتْلَ) مُضَافٌ إلَى شُرَكَائِهِمْ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ أَوْلَادُهُمْ (لِابْنِ عَامِرٍ) لِأَنَّ الْجَادَّةَ فِي سِعَةِ الْكَلَامِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ بِغَيْرِ الظَّرْفِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (أَوْ) أُرِيدَ بِهَا الِاسْتِقَامَةُ وَلَوْ (بِتَكَلُّفِ شُذُوذٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْأُصُولِ فَمُمْكِنٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ) فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ (وَقَدْ نَظَرَ فِي التَّفْصِيلِ) أَيْ نَظَرَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي كَوْنِ مَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ كَالْحَرَكَاتِ لَا يَجِبُ تَوَاتُرُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْهُ (لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ وَمَا مَعَهَا أَيْضًا قُرْآنٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي) أَيْ خِلَافَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ (فَفِي عَدِّهِمَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي) أَيْ مِمَّا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ (نَظَرٌ) وَالْأَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي (مَالِكِ) وَ (مَلِكِ) إذْ (مَالِكِ) لَا يَزِيدُ عَلَى مِلْكٍ إلَّا بِالْمَدَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَلِفُ (لَنَا) فِي أَنَّ مَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ أَنَّهُ (قُرْآنٌ فَوَجَبَ تَوَاتُرُهُ) ضَرُورَةً أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ إجْمَاعًا لِكَوْنِ الْعَادَةِ قَاضِيَةً بِهِ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِهَارِ (الْمَنْسُوبِ إلَيْهِمْ) هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ (آحَادٌ) لِأَنَّهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ وَالتَّوَاتُرُ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْعَدَدِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَضْلًا عَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
(أُجِيبَ: بِأَنَّ نِسْبَتَهَا) أَيْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ إلَيْهِمْ (لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالتَّصَدِّي) لِلِاشْتِغَالِ وَالْإِشْغَالِ بِهَا وَاشْتِهَارِهِمْ بِذَلِكَ (لَا لِأَنَّهُمْ النَّقَلَةُ) خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِمْ (بَلْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ) مَوْجُودٌ (مَعَهُمْ) فِي كُلِّ طَبَقَةٍ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَلِأَنَّ الْمَدَارَ) لِحُصُولِ التَّوَاتُرِ (الْعِلْمُ) أَيْ حُصُولُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعَدَدِ (لَا الْعَدَدُ) الْخَاصُّ (وَهُوَ) أَيْ الْعِلْمُ (ثَابِتٌ) بِقِرَاءَاتِهِمْ
[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]
(مَسْأَلَةٌ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ) الْأَوَّلِ لِلْعَامِّ الْمُخَصَّصِ (لَا يَجُوزُ) عِنْدَهُمْ (تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَوْ فُرِضَ نَقْلُ الرَّاوِي قُرْآنَ الشَّارِعِ الْمُخْرِجِ) لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْمَتْلُوِّ (بِالتِّلَاوَةِ) فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقُرْآنِ حَالَ كَوْنِهِ (تَقْيِيدًا) لِإِطْلَاقِ عُمُومِ الْمَتْلُوِّ وَحَالَ كَوْنِ الْمُخْرَجِ (مُفَادًا لِغَيْرِيَّةٍ) أَيْ مَا هُوَ غَيْرُ قُرْآنٍ هَذَا وَتَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي التَّخْصِيصِ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ يُعْلَمُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالتَّمْهِيدُ الْمَذْكُورُ لِبَيَانِ مَنْعِهِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مَعَ إمْكَانِ تَصَوُّرِ شَرْطِهِ فِيهِ لَا غَيْرُ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ امْتِنَاعَهُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ شَرْطِهِ لَا لِلْإِشَارَةِ إلَى جَوَازِهِ عِنْدَ غَيْرِ شَارِطِيهَا مِنْهُمْ (وَكَذَا) لَا يَجُوزُ (تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ) أَيْ الْكِتَابِ (وَهُوَ) أَيْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ هُوَ (الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَحَمْلُهُ)
أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا حَمْلُ الْكِتَابِ (عَلَى الْمَجَازِ لِمُعَارَضَتِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَهُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ كَالْعِرَاقِيِّينَ ظَاهِرٌ (وَكَذَا الْقَائِلُ بِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَأَبِي مَنْصُورٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَيْضًا (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخَبَرِ ثَابِتٌ (فِي ثُبُوتِ الْخَبَرِ وَالدَّلَالَةِ) أَيْ وَدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ (فَرْعُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الْخَبَرِ (فَاحْتِمَالُهُ) أَيْ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ (عَدَمَهَا) أَيْ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ (فَزَادَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ احْتِمَالًا عَلَى احْتِمَالِ الْكِتَابِ (بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ الدَّلَالَةِ أَصْلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ تَخْصِيصَ عَامٍّ إلَّا بِعَامٍّ كَالنِّسَاءِ فِي لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ فَفِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ مِثْلُ مَا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى احْتَمَلَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ التَّخْصِيصَ وَوَقَعَ فَإِنَّهُ خَصَّ مِنْ تَخْصِيصِ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُنَّ أَوْ كَانَتْ مَلِكَةً فَسَاوَى فِي احْتِمَالِ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ الْقَطْعِيِّ الْعَامِّ وَزَادَ هُوَ عَلَيْهِ بِاحْتِمَالِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ رَأْسًا وَلَوْ انْفَرَدَ الْقَطْعِيُّ بِاحْتِمَالِ مَتْنِهِ دُونَ الْخَبَرِ كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّابِتُ فِيهِ أَقْوَى مِنْ احْتِمَالِهِ لِأَنَّ تِلْكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَادِ أَيُّهَا هُوَ وَهَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ فَهُوَ فِي أَصْلِهَا وَذَاكَ فِي وَصْفِهَا بَعْدَ الْقَطْعِ بِثُبُوتِهَا كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(لَنَا) فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ (لَمْ يَثْبُتْ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْكِتَابَ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ قَطْعِيٌّ وَثُبُوتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ (فَلَا يُسْقِطُ) خَبَرُ الْوَاحِدِ (حُكْمَهُ) أَيْ الْكِتَابِ (عَنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ) الَّتِي بِحَيْثُ يُخْرِجُهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ مِنْ عَامِّ الْكِتَابِ (وَإِلَّا) لَوْ أَسْقَطَ حُكْمَهُ عَنْهَا (قُدِّمَ الظَّنِّيُّ عَلَى الْقَاطِعِ) وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الظَّنَّ مُضْمَحِلٌّ بِالْقَطْعِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ) الْخَبَرُ (تَوَاتُرًا أَوْ شُهْرَةً) فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ (لِلْمُقَاوَمَةِ) بَيْنَ الْكِتَابِ وَبَيْنَهُمَا أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُورِ عَلَى رَأْيِ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ أَبَانَ وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ فَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ بِالْيَقِينِ وَالْعَامُّ لَيْسَ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الظَّنِّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَاتِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَثَبَتَ) كُلٌّ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ (تَخْصِيصًا) لِعُمُومِ الْكِتَابِ (وَزِيَادَةً) عَلَى مُطْلَقِهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُقَارِنًا) لَهُ إذَا كَانَ هُوَ الْمُخَصَّصَ الْأَوَّلَ (وَنَسْخًا) أَيْ وَنَاسِخًا لَهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُتَرَاخِيًا) وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّخْصِيصِ، وَالنَّسْخَ عَلَى تَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ (وَعَنْهُ) أَيْ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ (حَكَمُوا بِأَنَّ تَقْيِيدَ الْبَقَرَةِ) فِي قَوْله تَعَالَى اذْبَحُوا بَقَرَةً بِالْمُقَيِّدَاتِ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ (نَسْخٌ) لِإِطْلَاقِهَا لِكَوْنِ الْمُقَيِّدَاتِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ طَلَبِ ذَبْحِ مُطْلَقِهَا (كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ) كَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] بِالنِّسْبَةِ إلَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] الْآيَةَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] بِالنِّسْبَةِ إلَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَعَنْ لُزُومِ الزِّيَادَةِ بِالْآحَادِ مَنَعُوا إلْحَاقَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ) لِلْأَرْكَانِ (وَالطَّهَارَةِ) مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ (بِنُصُوصِ الْقِرَاءَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20](وَالْأَرْكَانُ) أَيْ {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77](وَالطَّوَافُ) أَيْ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29](فَرَائِضُ) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» وَبِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ
قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ» (بَلْ) أَلْحَقُوهَا (وَاجِبَاتٍ) لِلْمَذْكُورَاتِ (إذْ لَمْ يَرِدْ بِمَا تَيَسَّرَ الْعُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِيُّ) وَهُوَ جَمِيعُ مَا تَيَسَّرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (بَلْ) أَرَادَ بِهِ مَا تَيَسَّرَ (مِنْ أَيِّ مَكَان فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) فَلَوْ قَالُوا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ وَالطَّوَافِ بِلَا طَهَارَةٍ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْآحَادِ لَكَانَ نَسْخًا لِهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ بِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَرَتَّبُوا عَلَيْهَا مُوجِبَهَا مِنْ وُجُوبِهَا فَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَيَلْزَمُ الْجَابِرُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ وَلَا تَفْسُدُ ثُمَّ كَوْنُ التَّعْدِيلِ وَاجِبًا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ (وَتَرْكُهُ عليه السلام الْمُسِيءَ) صَلَاتَهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ (يُرَجِّحُ تَرْجِيحَ الْجُرْجَانِيِّ الِاسْتِنَانُ) لِأَنَّ مِنْ الْبَعِيدِ تَقْرِيرَهُ عَلَى مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّلَاةِ شَرْعًا لِعَدَمِ الصِّحَّةِ حَقِيقَةٌ، وَلِعَدَمِ كُلٍّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ مَجَازٌ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ نَفْيَهَا لِعَدَمِ الْوَاجِبِ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ نَفْيِهَا لِعَدَمِ السُّنَّةِ وَلِلْمُوَاظَبَةِ وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ (كَقَوْلِهِمْ فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَوِلَائِهِ وَنِيَّتِهِ) إنَّهَا سُنَّةٌ (لِضَعْفِ دَلَالَةِ مُقَيِّدِهَا) كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (بِخِلَافِ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ نَفْيَ الْكَمَالِ فِي خَبَرِهَا بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ) لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامُّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فَالتَّقْدِيرُ لَا صَلَاةَ كَائِنَةً لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وَعَدَمُ الْوُجُودِ شَرْعًا هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ (وَبِظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا ظَنِّيَّةٌ يَثْبُتُ (النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْوُجُوبُ) يَثْبُتُ (بِقَطْعِيِّهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ (مَعَ ظَنِّيَّةِ الثُّبُوتِ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ (وَقَلْبِهِ) أَيْ وَبِظَنِّيِّهَا مَعَ قَطْعِيَّةِ الثُّبُوتِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ (وَالْفَرْضُ) يَثْبُتُ (بِقَطْعِيِّهِمَا) أَيْ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَالنُّصُوصِ الْمُفَسَّرَةِ وَالْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ (وَيَشْكُلُ) عَلَى أَنَّ بِظَنَّيْهِمَا يَثْبُتُ النَّدْبُ وَالسُّنَّةُ (اسْتِدْلَالُهُمْ) لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ (بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةً لِصِدْقِ التَّشْبِيهِ) أَيْ تَشْبِيهِ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ (بِالثَّوَابِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مُوجِبًا مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَنْطِقَ (مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فِي الطَّوَافِ) حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ (لِجَوَازِ نَحْوِ الشُّرْبِ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هِيَ سُنَّةٌ.
(فَالْوَجْهُ) الِاسْتِدْلَال لَهُ (بِحَدِيثِ «عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ مُحْرِمَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَرَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ (وَادَّعُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ لَفْظَ جَزَاءٍ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38](انْتِفَاءَ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِاسْتِخْلَاصِهَا) أَيْ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (عِنْدَ الْقَطْعِ) لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا.
(فَإِنْ قُطِعَ) السَّارِقُ (تَقَرَّرَ) خُلُوصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا يَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ وَكَانَ الْقَطْعُ مُبَيِّنًا لَنَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ (فَلَا يَضْمَنُ) الْمَسْرُوقَ (بِاسْتِهْلَاكِهِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءُ الْمُطْلَقُ (فِي الْعُقُوبَاتِ) يَكُونُ (عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى خَالِصًا بِالِاسْتِقْرَاءِ) لِأَنَّهُ الْمُجَازِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَتْ الدَّارُ الْآخِرَةُ دَارَ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ الْمُجَازِي وَحْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ وَلِذَا لَمْ تُرَاعَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا رُوعِيَتْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً وَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا حَاكِمُ الشَّرْعِ وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَالِكِ وَإِذَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ جَزَاءً مِنْ اللَّهِ بِمُقَابَلَتِهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ تُحَوَّلُ الْعِصْمَةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ عِنْدَ فِعْلِ السَّرِقَةِ حَتَّى تَقَعَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِيَسْتَحِقَّ الْجَزَاءَ مِنْهُ تَعَالَى وَمَتَى تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ لَمْ
يَبْقَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ بَلْ صَارَ الْمَالُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُلْحَقًا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَعَصِيرِ الْمُسْلِمِ إذَا تَخَمَّرَ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ بِسَرِقَةِ عَصِيرِهِ حَقٌّ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ رِعَايَةً لِحَقِّهِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ تَعَالَى وَقَدْ اسْتَوْفَى بِالْقَطْعِ مَا وَجَبَ بِالْهَتْكِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ فَهُوَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ سَاقِطُ الْعِصْمَةِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ السَّارِقِ غَيْرُ سَاقِطِ الْعِصْمَةِ وَلَا حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا دِيَانَةً فَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ يُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ لَفْظُ جَزَاءٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُوبَاتِ خَاصًّا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إنَّمَا هُوَ (بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْخَاصِّ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْوَضْعِ) لَا بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ (أَوْ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءُ (الْكَافِي فَلَوْ وَجَبَ) الضَّمَانُ مَعَ الْقَطْعِ (لَمْ يَكْفِ) الْقَطْعُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَافٍ (وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ الْكَافِي جَزَاءَ الْمَصْدَرِ الْمَمْدُودِ بَلْ) الْكَافِي (الْمُجْزِئُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَوْ الْجَازِئِ مِنْ الْجُزْءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ) كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ (فَهُوَ) أَيْ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْ السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِهِ (بِالْمَرْوِيِّ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ (لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا فِيهِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» ثُمَّ إنَّ رَاوِيَهُ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ سَهْلٌ جِدًّا وَالثَّانِي غَيْرُ ضَائِرٍ لِأَنَّ الْمِسْوَرَ مَقْبُولٌ فَإِرْسَالُهُ غَيْرُ قَادِحٍ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ فَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ
أَيْضًا (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ الْقَطْعِ (لَيْسَ مِنْ الزِّيَادَةِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى النَّصِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ (لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتِهِ فَيَكُونَا) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتُهُ (مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ (حُكْمٌ آخَرُ أَثْبَتُ بِتِلْكَ الدَّلَالَةِ) الِاسْتِقْرَائِيَّة لِجَزَاءٍ (أَوْ بِالْحَدِيثِ) الْمَذْكُورِ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ (مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا بِإِذْنِهَا بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا وَهِيَ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِلَا مَهْرٍ بِلَا إذْنِهَا (فَيُؤْخَذُ) مَهْرُ الْمِثْلِ (بَعْدَ الْمَوْتِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِالْبَاءِ) الَّذِي هُوَ لَفْظٌ خَاصٌّ فِي الْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24](لِإِلْصَاقِهَا الِابْتِغَاءَ وَهُوَ الْعَقْدُ) الصَّحِيحُ (بِالْمَالِ) فَإِنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْمُصَنِّفِ (وَحَدِيثُ بِرْوَعَ) وَهُوَ مَا «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد وَالْمُرَادُ صَدَاقُ مِثْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ سَتَأْتِي فِي الْكَلَامِ فِي جَهَالَةِ الرَّاوِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ بِرْوَعَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا وَفِي الْغَايَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ خَطَأٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ وَهُوَ خَطَأٌ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فِعْوَلُ إلَّا حَرْفَانِ خِرْوَعَ وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ لَانَ وَعِتْوَدَ وَادٍ أَوْ مَوْضِعٌ (مُؤَيَّدٌ فَإِنَّهُ مُقَرَّرٌ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ تَقْدِيرِ أَقَلِّهِ) أَيْ الْمَهْرِ (شَرْعًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] لِأَنَّ الْفَرْضَ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ التَّقْدِيرُ وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ ذَاتُ الْمُتَكَلِّمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ مُجْمَلٌ.
(فَالْتَحَقَ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ» ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَسَنَدُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ حَسَنٌ (بَيَانًا بِهِ) فَصَارَتْ عَشَرَةُ الدَّرَاهِمِ مِنْ
الْفِضَّةِ تَقْدِيرًا لَازِمًا لِأَنَّهَا الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهَا عَادَةً فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُقَدَّرًا شَرْعًا كَانَ مُبْطِلًا لِلْخَاصِّ لَا عَامِلًا بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ نَظَرٍ (إذْ يَدْفَعُ) كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْآيَةِ هَذَا (بِجَوَازِ كَوْنِهِ) أَيْ مَا فَرَضْنَا (النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْمَهْرَ بِلَا كَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَهْرِ (لَا يَنْقُصُ شَرْعًا كَمَا فِيهِمَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَتَعَلُّقُ الْعِلْمِ) بِالْمَفْرُوضِ فِي قَوْلِهِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50](لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ التَّعْيِينُ فِي الْمَفْرُوضِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (بِضِدِّهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا (وَأَمَّا قَصْرُ الْمُرَادِ عَلَيْهِمَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (لِعَطْفِ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) عَلَى قَوْلِهِ أَزْوَاجِهِمْ (وَلَا مَهْرَ لَهُنَّ) أَيْ لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَى سَادَاتِهِنَّ (فَغَيْرُ لَازِمٍ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَفْرُوضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَزْوَاجِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ تَقْدِيرُ الْمَهْرِ شَرْعًا (بِالْخَبَرِ) الْمَذْكُورِ (مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْمَالِ فِي أَنْ تَبْتَغُوا) بِأَمْوَالِكُمْ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ يُوجِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدكُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (وَكَذَا ادِّعَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ لِلْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْخَاصِّ (وَهُوَ الْفَاءُ لِإِفَادَتِهَا تَعْقِيبٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا الِافْتِدَاءَ) الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ (بَلْ) هِيَ (لِتَعْقِيبِ الطَّلَاقِ مَرَّتَانِ لِأَنَّهَا) أَيْ فَإِنْ طَلَّقَهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ (بَيَانُ الثَّالِثَةِ أَيْ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْكِحَ وَاعْتَرَضَ) بَيْنَهُمَا (جَوَازُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِمَالٍ أُولَى كَانَتْ) الطَّلْقَةُ (أَوْ ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً) دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مَجَّانًا تَارَةً وَبِعِوَضٍ أُخْرَى (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ جَوَازِهِ بِمَالٍ اعْتِرَاضًا بَيْنَهُمَا لَا أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229](لَمْ يَلْزَمْ فِي شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ تَقَدُّمُ خُلْعٍ وَأَمَّا إيرَادُ أَثْبَتُّمْ التَّحْلِيلَ) لِلزَّوْجِ الثَّانِي (بِلَعْنِ الْمُحَلِّلِ) فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ
لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ مَنْ يُثْبِتُ الْحِلَّ كَالْمُحَرِّمِ مَنْ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ «وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِزَوْجَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ لَمَّا أَتَتْهُ فَقَالَتْ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد (زِيَادَةً عَلَى الْخَاصِّ لَفْظُ حَتَّى فِي {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] لِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ الْغَايَةُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الشَّيْءُ فَيَكُونُ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي غَايَةً لِلْمُحَرَّمَةِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ الْجَدِيدُ بِهِ فَإِثْبَاتُهُ بِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لَهُ عَلَى الْخَاصِّ مُبْطِلَةٌ لَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالُوا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ عَمَلًا بِكُلٍّ مِنْ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَيْسَ عَدَمُ تَحْلِيلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ الثَّانِي الزَّوْجَةَ لِلْأَوَّلِ (وَ) عَدَمُ (الْعَوْدِ) أَيْ عَوْدِهَا (إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ (مِمَّا صَدَقَاتِ مَدْلُولِهَا) أَيْ حَتَّى فِي الْآيَةِ (لِيَلْزَمَ إبْطَالُهُ) أَيْ مَدْلُولِهَا (بِالْخَبَرِ فَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ التَّحْلِيلِ بِالثَّانِي (إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ أَوْ بِمَفْهُومِ حَتَّى عَلَى أَنَّهُ) أَيْ مَفْهُومُهَا أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (اتِّفَاقٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَلِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِالْأَصْلِ) الْكَائِنِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَعَلَى تَقْدِيرِهِ) أَيْ كَوْنِهِ إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (يُرِدْ الْعَوْدَ وَالتَّحْلِيلَ إنَّمَا جُعِلَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي حُرْمَتِهَا بِالثَّلَاثِ وَلَا حُرْمَةَ قَبْلَهَا) أَيْ الثَّلَاثِ حُرْمَةُ الثَّلَاثِ (فَلَا يُتَصَوَّرُ) أَيْ الْعَوْدُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ حَالَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ