الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى نَقْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْجَبْ حَادِثٍ فِي الْعَالَمِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ الدَّاعِيَةُ عَلَى إشَاعَتِهِ إذْ لَيْسَ يَظْهَرُ لِلْكِتْمَانِ سَبَبٌ سِوَى ذَلِكَ (وَنُقِلَ اشْتِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَسْبِيحُ الْحَصَى وَالطَّعَامِ وَحُنَيْنُ الْجِذْعِ وَسَعْيُ الشَّجَرَةِ وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ وَالْغَزَالَةِ) لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (آحَادًا) مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ (أُجِيبَ بِإِحَالَةِ الْعَادَةِ وَشُمُولِ حَامِلٍ) عَلَى الْكِتْمَانِ (لِلْكُلِّ) كَمَا تُحِيلُ اتِّفَاقُهُمْ فِي دَاعٍ لَا كْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ
(وَالظَّاهِرُ عَدَمُ حُضُورِ عِيسَى) وَقْتَ كَلَامِهِ فِي الْمَهْدِ (إلَّا الْآحَادَ) مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ أَتَتْ بِهِ تَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ حَضَرَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ (وَجَبَ الْقَطْعُ بِتَوَاتُرِهِ وَإِنْ انْقَطَعَ) التَّوَاتُرُ (لِحَامِلِ الْمُبَدِّلِينَ عَلَى إخْفَاءِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ) وَقْتَئِذٍ وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30] وَالْحَامِلُ عَلَى إخْفَائِهِمْ إيَّاهُ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُ إلَهٌ وَأَنَّهُ ابْنٌ فَإِنَّ كَلَامَهُ هَذَا الَّذِي بَدَأَ بِهِ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ اعْتِرَافُهُ بِالْعَبْدِيَّةِ لِلَّهِ وَهُوَ مُسَجَّلٌ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ حُضُورُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ إيَّاهُ مَعَ عَدَمِ نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا (إنْ جَازَ) عَقْلًا (فَخِلَافُ الظَّاهِرِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ عَادَةً فَلَا يَقْدَحُ فِي الْقَطْعِ الْعَادِيِّ (وَمَا ذُكِرَ) مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْمَذْكُورَةِ (حَضَرَهُ الْآحَادُ وَلَازِمُهُ) أَيْ حُضُورَهُمْ إيَّاهُ (الشُّهْرَةُ) فَإِنَّ التَّوَاتُرَ يَمْتَنِعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الطَّبَقَةَ الْأُولَى آحَادٌ فَبَقِيَ أَنْ يَتَوَاتَرَ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهُوَ الشُّهْرَةُ (وَقَدْ تَحَقَّقَتْ) فِي ذَلِكَ فَأُخِذَ كَوْنُهَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مُقْتَضَاهُ (عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ) فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَتَخَلَّفَ) تَوَاتُرُهُ (فَلِاكْتِفَاءِ الْبَعْضِ) مِنْ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ (بِأَعْظَمِهَا) أَيْ الْمُعْجِزَاتِ (الْقُرْآنِ) فَإِنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الْبَاقِيَةُ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَزْمِنَةِ الدَّائِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي غَالِبِ الْأَمْكِنَةِ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَحُنَيْنِ الْجِذْعِ مُتَوَاتِرٌ أَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ الِانْشِقَاقَ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُفَّارَ أَعْرَضُوا عَنْ آيَتِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهَا سِحْرٌ قَالَ وَأَجْمَع الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ السِّيَرِ عَلَى وُقُوعِهِ وَرَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَبَيَّنَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مُخْرِجِي أَحَادِيثِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ
قَالَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ رَوَاهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأَمَّا حُنَيْنُ الْجِذْعِ فَإِنَّ طُرُقَهُ كَثِيرَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ نَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ وَإِيرَادُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ كَالتَّكَلُّفِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ يَعْنِي لِشِدَّةِ شُهْرَتِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي وَأَبِي سَعِيدٍ وَبُرَيْدَةَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَبَيَّنَ مُخْرِجِي أَحَادِيثِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ الْتِزَامُ أَنَّ الِانْشِقَاقَ وَالْحَنِينَ مُتَوَاتِرَانِ اهـ ثُمَّ «تَسْبِيحُ الْحَصَى بِيَدِهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ «وَتَسْبِيحُ الطَّعَامِ وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ وَسَعْيُ الشَّجَرَةِ إلَيْهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَرَرْنَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ نَمُرَّ بِجَبَلٍ وَلَا شَجَرٍ إلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْغَزَالَةِ فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَمُشْتَهِرٌ فِي الْأَلْسِنَةِ وَفِي الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَلَمْ أَقِفْ لِخُصُوصِ السَّلَامِ عَلَى سَنَدٍ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْكَلَامُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ بِسَنَدِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ]
(مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ بِحَيْثُ لَا جَمْعَ) بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ (قُدِّمَ الْخَبَرُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
(وَقِيلَ) قُدِّمَ (الْقِيَاسُ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى أَرْبَعَ أَحَادِيثَ فَقَدَّمَهَا عَلَى الْقِيَاسِ حَدِيثَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثَ الْعَرَايَا وَحَدِيثَ الْقُرْعَةِ (وَأَبُو الْحُسَيْنِ) قَالَ قُدِّمَ الْقِيَاسُ (إنْ كَانَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ بِقَاطِعٍ) لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ كَالنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا فَحِينَئِذٍ الْقِيَاسُ قَطْعِيٌّ وَالْخَبَرُ ظَنِّيٌّ وَالْقَطْعِيُّ مُقَدَّمٌ قَطْعًا (فَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ) بِشَيْءٍ (سِوَى بِالْأَصْلِ) أَيْ بِحُكْمِهِ (وَجَبَ الِاجْتِهَادُ
فِي التَّرْجِيحِ) فَيُقَدَّمُ مَا يَتَرَجَّحُ إذْ فِيهِ تَعَارُضُ ظَنَّيْنِ: النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى الْعِلَّةِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا بِظَنِّيٍّ وَمَا إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً (وَإِلَّا) إنْ انْتَفَى كِلَا هَذَيْنِ (فَالْخَبَرُ) مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الظَّنِّ وَتَرَجَّحَ الْخَبَرُ عَلَى النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِدُونِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِظَنِّيٍّ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ هَذَا وَلَفْظُهُ فِي الْمُعْتَمَدِ الْعِلَّةُ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِقَطْعِيٍّ فَالْقِيَاسُ أَوْ بِظَنِّيٍّ وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ فَالْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِمَقْطُوعٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ قُوَّةِ الظَّنِّ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ لَمْ يَجْعَلْ اخْتِيَارَهُ مَذْهَبًا مُسْتَقِلًّا بِرَأْسِهِ بَلْ أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَيَنْجَرُّ اخْتِيَارُهُ إلَى اتِّبَاعِ أَقْوَى الظَّنَّيْنِ وَهَذَا أَيْضًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ أَقْوَى الظَّنَّيْنِ مَا هُوَ فَمَنْ رَجَّحَ الْخَبَرَ قَالَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَقْوَى وَبِالْعَكْسِ، ثُمَّ تَخْصِيصُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْخِلَافَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِيهِ مُتَقَدِّمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنْ فَرَضَ أَبُو الْحُسَيْنِ صُورَةً يَكُونُ الْقَطْعُ مَوْجُودًا فِيهَا فَهَذَا مَا لَا يُنَازَعُ إذْ الْقَاطِعُ مُرَجَّحٌ عَلَى الظَّنِّ وَكَذَا أَرْجَحُ الظَّنَّيْنِ فَلَيْسَ فِي تَفْصِيلِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ كَبِيرُ أَمْرٍ
(وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ (إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ) ثَابِتَةً (بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ ثُبُوتًا) إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ (أَوْ دَلَالَةٍ) لَوْ اسْتَوَيَا ثُبُوتًا (وَقُطِعَ بِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْفَرْعِ قُدِّمَ الْقِيَاسُ) لَكِنْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ اقْتَصَرَا عَلَى تَقْيِيدِ رُجْحَانِ النَّصِّ عَلَى الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الدَّلَالَةِ إذْ الْمُعْتَبَرُ ذَلِكَ لَا رُجْحَانُهُ بِحَسْبِ الْإِسْنَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا لِجَوَازِ ثُبُوتِهَا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ رَاجِحٍ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي الدَّلَالَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَلِيَّةِ بِرَاجِحٍ وَالْقَطْعِ بِوُجُودِهَا أَنْ يَكُونَ ظَنُّ الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا فِي الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَكُمْ لَا يَلْزَمُهَا الِاطِّرَادُ بَلْ رُبَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا لِمَانِعٍ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ الْفَرْعِ لِمَانِعِ الْخَبَرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ عَامَّةً تَشْمَلُ فُرُوعًا كَثِيرَةً وَالْخَبَرُ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْفَرْعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَهَذَا مَا لَا يُعْتَقَدُ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْخَبَرِ فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ أَبَدًا اهـ قُلْت وَهَذَا ذُهُولٌ عَنْ مَوْضُوعِ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ بَعْدَ سَوْقِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْبَحْثُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَإِنْ ظُنَّتْ) الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ (فَالْوَقْفُ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْوَقْفُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَقْدَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ وُجُودُهَا ظَنِّيًّا وَالظَّنَّانِ مُتَسَاوِيَانِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ ظَنَّ الْخَبَرِ أَرْجَحُ (وَإِلَّا تَكُنْ) الْعِلَّةُ ثَابِتَةً (بِرَاجِحٍ) بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَنْبَطَةً أَوْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ مَرْجُوحٍ عَنْ الْخَبَرِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ (فَالْخَبَرُ) مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسِهِ
وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ إنْ كَانَ الرَّاوِي ضَابِطًا غَيْرَ مُتَسَاهِلٍ فِيمَا يَرْوِيه قُدِّمَ خَبَرُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْضُوعُ اجْتِهَادٍ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الرَّاوِي مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ قُدِّمَ خَبَرُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ دُونَ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فَالْأَصْلُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ فَلَا يُتْرَكُ مَا لَمْ تُوجِبْ الضَّرُورَةُ تَرْكَهُ وَهِيَ ضَرُورَةُ انْسِدَادِ بَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مُطْلَقًا (لِلْأَكْثَرِ تَرْكُ عُمَرَ الْقِيَاسَ فِي الْجَنِينِ وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (عَدَمُ الْوُجُوبِ) لِشَيْءٍ عَلَى الضَّارِبِ لِبَطْنِ امْرَأَةٍ فِيهِ جَنِينٌ فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا (بِخَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ (وَقَالَ لَوْلَا هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِرَأْيِنَا) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ عَنْهُ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْت عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ عُمَرُ إنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي هَذَا بِرَأْيِنَا وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِغَيْرِ هَذَا (فَأَفَادَ) عُمَرُ (أَنَّ تَرْكَهُ) الرَّأْيَ إنَّمَا هُوَ (لِلْخَبَرِ وَفِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ) الْقِيَاسُ أَيْضًا (وَهُوَ تَفَاوُتُهَا) أَيْ الدِّيَةِ فِيهَا (لِتَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا وَخُصُوصُهُ) أَيْ تَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا (أَمْرٌ
آخَرُ وَكَانَ رَأْيَهُ فِي الْخِنْصَرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالصَّادِ.
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ فَتْحُ الصَّادِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْقَامُوسِ (سِتٌّ) مِنْ الْإِبِلِ (وَاَلَّتِي تَلِيهَا) وَهِيَ الْبِنْصِرُ (تِسْعٌ) مِنْ الْإِبِلِ (وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ الْأُخْرَيَانِ وَهُمَا الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةُ (عَشْرٌ) مِنْ الْإِبِلِ كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِي السَّبَّابَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَفِي الْوُسْطَى عَشْرًا وَفِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ
وَقَدَّمْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيِّ قَضَاءَهُ فِي الْإِبْهَامِ بِذَلِكَ أَيْضًا (لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ثَمَّةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيِّ (وَفِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَهُوَ) الْقِيَاسُ (عَدَمُهُ) أَيْ مِيرَاثُهَا مِنْهُ (إذْ لَمْ يَمْلِكْهَا) الزَّوْجُ (حَيًّا بَلْ) إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ (جَبْرًا لِمُصِيبَةِ الْقَرَابَةِ وَيُمْكِنُ حَذْفُ الْأَخِيرِ) أَيْ كَوْنُ مِلْكِهِمْ إيَّاهَا جَبْرًا لِمُصِيبَةِ الْقَرَابَةِ (فَلَا يَكُونُ) تَوْرِيثُهُ إيَّاهُمْ مِنْهَا دُونَ الزَّوْجَةِ (مِنْ النِّزَاعِ) أَيْ تَعَارُضِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَرِثَ الْجَمِيعُ (وَلَمْ يُنْكِرْهُ) أَيْ تَرْكَ عُمَرَ الْقِيَاسَ لِلْخَبَرِ (أَحَدٌ فَكَانَ) تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ (إجْمَاعًا وَعُورِضَ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ) مَرْفُوعًا «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَلَوْ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ» إذْ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَمِيمِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا ابْنَ أَخِي إذَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(وَبِمُخَالَفَتِهِ هُوَ) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَعَائِشَةَ خَبَرَهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ (فِي الْمُسْتَيْقِظِ) وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (وَقَالَا) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ (كَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ) وَهُوَ حَجَرٌ مَنْقُورٌ مُسْتَطِيلٌ عَظِيمٌ كَالْحَوْضِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَيْ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الْيَدُ فَكَيْفَ نَتَوَضَّأُ مِنْهُ (وَلَمْ يُنْكِرْ) إنْكَارَهُمَا (فَكَانَ) الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْخَبَرِ لَهُ (إجْمَاعًا قُلْنَا ذَلِكَ) أَيْ الْمُخَالَفَةَ الْمَذْكُورَةَ (لِلِاسْتِبْعَادِ لِخُصُوصِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ (لِظُهُورِ خِلَافِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَأْدِيَتِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمُصَحَّحُ مُبْطَلًا وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَدَائِهِ إلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ مَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ هَذَا لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ النَّوْمِ فَلْيُفْرِغْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ قَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ كَيْفَ نَصْنَعُ بِمِهْرَاسِكُمْ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شِرْكٍ» وَقَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي هَذَا وَتَعَقَّبَهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صُحْبَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بَلْ وَلَا عَلَى إدْرَاكِهِ وَكَلَامُهُ هَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ مَاذَا يَصْنَعُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْمِهْرَاسِ (وَلَيْسَ) الْخِلَافُ لِلِاسْتِبْعَادِ الْمَذْكُورِ (مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ) أَيْ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لَا) أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ (لِتَرْكِهِ) خَبَرَ الْوَاحِدِ (بِالْقِيَاسِ) عَلَى أَنَّهُ لَا قِيَاسَ يُنَافِي وُجُوبَ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِي غَسْلَ الْيَدِ مِنْ الْمِهْرَاسِ (وَلَهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرِ (تَقْرِيرُهُ عليه السلام مُعَاذًا حِينَ أَخَّرَ الْقِيَاسُ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةً: الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ (وَأَيْضًا لَوْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ لَقُدِّمَ الْأَضْعَفُ وَبُطْلَانُهُ إجْمَاعٌ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِتَعَدُّدِ احْتِمَالَاتِ الْخَطَأِ بِتَعَدُّدِ الِاجْتِهَادِ) وَضَعْفُ الظَّنِّ بِتَعَدُّدِ الِاحْتِمَالَاتِ (وَمَحَالُّهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (فِيهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (أَكْثَرُ) مِنْ مَحَالِّهِ فِي الْخَبَرِ (فَالظَّنُّ) فِي الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ (أَضْعَفُ) مِنْهُ فِي الْخَبَرِ إذْ مَحَالُّ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِيَاسِ سِتَّةٌ (حُكْمُ الْأَصْلِ) أَيْ ثُبُوتُهُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (مُعَلَّلًا) بِعِلَّةٍ مَا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ (وَتَعْيِينُ الْوَصْفِ) الَّذِي بِهِ التَّعْلِيلُ (لِلْعِلِّيَّةِ وَوُجُودُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (فِي الْفَرْعِ وَنَفْيُ الْمُعَارِضِ) لِلْوَصْفِ مِنْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ
(فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (وَفِي الْخَبَرِ) مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فِيهِ أَمْرَانِ (فِي الْعَدَالَةِ) لِلرَّاوِي (وَالدَّلَالَةِ) لِلْخَبَرِ عَلَى الْحُكْمِ
(وَأَمَّا) أَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ (احْتِمَالُ كُفْرِ الرَّاوِي وَكَذِبِهِ وَخَطَئِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْهَا (وَاحْتِمَالُ الْمَتْنِ الْمَجَازَ) وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ وَالتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَضْعَفُ مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (فَمِنْ الْبُعْدِ) بِمَحَلٍّ (لَا يُحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ فِي نَفْيِهِ وَلَوْ) اُحْتِيجَ فِي نَفْيِ الْكُفْرِ وَأَخَوَيْهِ إلَى اجْتِهَادٍ (فَلَا) يُحْتَاجُ إلَيْهِ (عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ يَنْتَظِمُهُ) أَيْ نَفْيُ ذَلِكَ (الْعَدَالَةَ) أَيْ الِاجْتِهَادَ فِيهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهَا حَصَلَ نَفْيُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ لِيَجْتَهِدَ فِيهِ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ (مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ (فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا نَفْيُ كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فَرْعًا) لِغَيْرِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا (فَهِيَ) أَيْ مَحَالُّ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِيَاسِ (أَرْبَعَةٌ لِسُقُوطِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (فِي مُعَارِضِ الْأَصْلِ) وَهُوَ أَحَدُ الْمَحَالِّ لَهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ سُقُوطَ الِاجْتِهَادِ فِي نَفْسِ الْأَصْلِ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ (فَإِثْبَاتُهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْقِيَاسِ) أَيْ شَرْطًا لَازِمًا فِيهِ بَلْ اللَّازِمُ فِي الْقِيَاسِ ثُبُوتُهُ فَإِنَّ حَاصِلَ الْأَصْلِ أَنَّهُ حُكْمٌ دَلَّ عَلَيْهِ سَمْعِيٌّ وَالْمُجْتَهِدُونَ بِصَدَدِ أَنْ يَأْخُذُوا الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ السَّمْعِيَّةِ لِلْعَمَلِ بِهَا فَحِينَ اُجْتُهِدَ فِي السَّمْعِيِّ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْقِيَاسِ وَضْعًا بَلْ وُضِعَ لِاجْتِهَادِهِ لِيَعْمَلَ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ قِيسَ عَلَيْهِ أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِغَرَضِ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَمَلًا آخَرَ يَسْتَعْلِمُ بِهِ أَنَّ مَحَلًّا آخَرَ هَلْ فِيهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ أَوْ لَا فَهَذَا الْعَمَلُ هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ فِيهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا حَاجَتُهُ الْآنَ إلَيْهِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ لَا إلَى إثْبَاتِهِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمُسَاوَاةُ فَذَلِكَ الْعَمَلُ اجْتِهَادٌ لِيَحْصُلَ الْقِيَاسُ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنَّ الِاجْتِهَادَ) أَيْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ (فِي الْعَدَالَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ظَنَّ الضَّبْطِ فَهُوَ) أَيْ الضَّبْطُ (مَحَلٌّ ثَالِثٌ فِي الْخَبَرِ وَفِي الدَّلَالَةِ إنْ أَفْضَى) الِاجْتِهَادُ (إلَى ظَنِّ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَدْلُولِ (حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ النَّاسِخِ) إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا (فَرَابِعٌ) أَيْ فَمَدْلُولُ الْخَبَرِ مَحَلٌّ رَابِعٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ (وَلَا) يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ (الْمُعَارِضِ) لَهُ (فَخَامِسٌ) أَيْ فَهُوَ مَحَلٌّ خَامِسٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَارِضٍ (وَيَنْدَرِجُ بَحْثُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (عَنْ الْمُخَصَّصِ) إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَامًّا فِي بَحْثِهِ عَنْ نَفْيِ الْمُعَارِضِ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ صُورَةَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ
(وَفِي الْأَقْيِسَةِ الْمَنْصُوصَةِ الْعِلَّةِ بِغَيْرِ رَاجِحٍ إنْ زَادَ) الْقِيَاسُ مِنْهَا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (مَحَلَّانِ) الدَّلَالَةُ وَالْعَدَالَةُ (سَقَطَ) مِنْ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (مَحَلَّانِ) كَوْنُهُ مُعَلَّلًا وَتَعْيِينُ الْعِلَّةِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ عَلَى بَحْثِكُمْ خَمْسَةٌ قُلْنَا لَمَّا فُرِضَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ تَبَيَّنَ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى النَّاظِرُ إلَى غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ كَانَ بِرَدِّهِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ (فَقُصِرَ) الْقِيَاسُ عَنْ الْخَبَرِ فِي عَدَدِ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ الظَّنُّ الَّذِي فِيهِ أَقْوَى مِمَّا فِي الْخَبَرِ ثُمَّ هَذَا نَظَرٌ فِي هَذَا الدَّلِيلِ الْخَاصِّ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَفِيمَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ (كِفَايَةٌ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ (وَاسْتَدَلَّ) لِلْأَكْثَرِ أَيْضًا (بِثُبُوتِ أَصْلِ الْقِيَاسِ بِالْخَبَرِ) كَخَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ (فَلَا يُقَدَّمُ) الْقِيَاسُ (عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (وَقَدْ يُمْنَعُ الْأَمْرَانِ) أَيْ إثْبَاتُهُ بِالْخَبَرِ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ فِي أَوَاخِرِ مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ (وَبِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ) أَيْ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَكْثَرِ أَيْضًا بِأَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ (وَلَوْلَا الطَّرِيقُ) الْمُوصِلَةُ لَهُ إلَيْنَا لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّيْءِ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ بِهِ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ) فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ (وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاصِلُ الْآنَ وَهُوَ) أَيْ الْحَاصِلُ الْآنَ مِنْهُ (مَظْنُونٌ) ثُمَّ مَضَى
(هَذَا وَأَمَّا تَقْدِيمُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ) الَّذِي عِلَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ وَقَطَعَ بِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى الْخَبَرِ (فَلِرُجُوعِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ (إلَى الْعَمَلِ بِرَاجِحٍ مِنْ الْخَبَرَيْنِ