المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في شرائط الراوي] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٢

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَوْضُوعَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُقُوع الْمَجَازُ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَوْنِ الْمَجَازِ نَقْلِيًّا]

- ‌[مَسْأَلَة كَوْنُ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَة يَعُمُّ الْمَجَازُ فِيمَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَة اسْتِعْمَالُ اللَّفْظَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَجَازِ خُلْفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَسْأَلَة خَلْفِيَّةِ الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَسْأَلَة يَلْزَمُ الْمَجَازُ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ]

- ‌[مَسَائِلُ الْحُرُوفِ جَرَى فِيهَا الِاسْتِعَارَةُ تَبَعًا كَالْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفً]

- ‌[مَسْأَلَة الْوَاوُ إذَا عَطَفْتَ جُمْلَةً تَامَّةً]

- ‌[مَسْأَلَة الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَة اسْتِعَارَة ثُمَّ لِمَعْنَى الْفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَة تُسْتَعَارُ ثُمَّ لِمَعْنَى الْوَاوِ]

- ‌[مَسْأَلَة بَلْ قَبْلَ مُفْرَدٍ لِلْإِضْرَابِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْ قَبْلَ مُفْرَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُسْتَعَارُ أَوْ لِلْغَايَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْأَلَةٌ حَتَّى جَارَّةٌ وَعَاطِفَةٌ]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْبَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُرُوف الْجَرّ مِنْ]

- ‌[مَسْأَلَةُ إلَى لِلْغَايَةِ حُرُوف الْجَرّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ إذَا لِزَمَانِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَوْ لِلتَّعْلِيقِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ كَيْفَ أَصْلُهَا سُؤَالٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ قَبْلُ وَبَعْدُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ غَيْرُ اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْحُكْمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا تَكْلِيفَ أَمْرًا كَانَ أَوْ نَهْيًا إلَّا بِفِعْلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقُدْرَةُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِشَيْءٍ لَيْسَ شَرْطًا لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الواجب بِالسَّبَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ شَرْعًا]

- ‌[تَذْنِيبٌ لِهَذَا الْبَحْثِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَكُونُ الْوَقْتِ فِيهِ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَقْتٌ هُوَ مِعْيَارٌ لَا سَبَبٌ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَقْتٌ ذُو شَبَهَيْنِ بِالْمِعْيَارِ وَالظَّرْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجِبُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَحْرِيمُ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَنْدُوبِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْكَعْبِيِّ الْمُبَاحَ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ]

- ‌[تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمُ إمَّا رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ]

- ‌[تَتِمَّةٌ الصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ فَهْمُهُ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ]

- ‌[الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ وُجُوبٌ وَأَدَاءٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل الْعَوَارِض السَّمَاوِيَّة]

- ‌[الصِّغَرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْجُنُونُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْعَتَهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[النِّسْيَانُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[النَّوْمُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْإِغْمَاءُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الرِّقُّ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْمَرَضُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْحَيْضُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْمَوْتُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[السُّكْرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[الْهَزْلُ مِنْ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسِبَة]

- ‌[السَّفَرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[الْخَطَأُ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[الْإِكْرَاهُ مِنْ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مِنْ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَشْتَمِلُ الْقُرْآنُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ هَلْ يَجِبُ تَوَاتُرُهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ السُّنَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَجْهُولُ الْحَالِ هَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الشُّهْرَةَ لِلرَّاوِي بِالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ]

- ‌[رِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنْ الْمَجْهُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ يَثْبُتَانِ بِوَاحِدٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبِاثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا مُبَيَّنًا سَبَبُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْمُعَاصِرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَدْلُ أَنَا صَحَابِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الصَّحَابِيُّ قَالَ عليه السلام حُمِلَ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ خَبَرًا بِحَضْرَتِهِ عليه السلام فَلَمْ يُنْكِرْ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَذْكُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِقَرَائِنِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ يُوَافِقُ خَبَرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ تَعْرِيفُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَكْذَبَ الْأَصْلَ أَيْ الشَّيْخُ الْفَرْعُ أَيْ الرَّاوِي عَنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْفَرَدَ الثِّقَةُ مِنْ بَيْنِ ثِقَاتٍ رَوَوْا حَدِيثًا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْفَرَدَ مُخْبِرٌ بِمَا شَارَكَهُ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ خَلْق كَثِيرٌ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ الصَّادِرَةِ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه علية وَسَلَّمَ بِفِعْلٍ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه علية وَسَلَّمَ قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبِّدٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ]

الفصل: ‌[فصل في شرائط الراوي]

وَالْقَائِلُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ (وَالْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الْإِكْفَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ (لِآحَادِيَّةِ أَصْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ) جَحْدُهُ (تَكْذِيبًا لَهُ عليه السلام بَلْ ضَلَالَةً لِتَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ) فِي الْقَبُولِ وَاتِّهَامِهِمْ بِعَدَمِ التَّأَمُّلِ فِي كَوْنِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَايَةَ التَّأَمُّلِ (وَلِأَنَّ الْإِفَادَةَ) لِلْعِلْمِ (إذَا كَانَتْ نَظَرِيَّةً تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ) أَيْ النَّظَرِ (وَقَدْ يَعْجِزُ السَّامِعُ لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ) أَيْ النَّظَرِ (أَوْ يَذْهَلُ عَنْهُ وَحَاصِلُ ذَلِكَ النَّظَرِ) الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْعِلْمِ الْمُفَادِ بِالْمَشْهُورِ عَلَى قَوْلِ الْجَصَّاصِ (الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ) عَلَى (أَنَّهُ) أَيْ الْمَشْهُورُ (صَحَّ عَنْهُ عليه السلام فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ بِهِ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ (قُلْنَا اللَّازِمُ) مِنْ إجْمَاعِهِمْ (الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ) لَهُ (بِمَعْنَى اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْقَبُولِ لَا الْقَطْعِ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَشْهُورُ (قَالَهُ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (وَلَوْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ (عَلَى الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يُكْفَرُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الْخَفَاءِ) فِيهِ وَهُوَ الْعَجْزُ وَالذُّهُولُ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْذِيبِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَالْمَسْمُوعِ مِنْهُ وَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ (ثُمَّ يُوجِبُ) الْمَشْهُورُ عِنْدَ عَامَّةِ الْحَنَفِيَّةِ (ظَنًّا فَوْقَ) ظَنِّ خَبَرِ (الْآحَادِ قَرِيبًا مِنْ الْيَقِينِ) وَهُوَ مَا سَمَّاهُ الْقَوْمُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ إذْ هِيَ زِيَادَةُ تَوْطِينٍ وَتَسْكِينٍ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ عَلَى مَا أَدْرَكَتْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ يَقِينًا فَاطْمِئْنَانُهَا زِيَادَةُ الْيَقِينِ وَكَمَالُهُ كَمَا يَحْصُلُ لِلْمُتَيَقِّنِ بِوُجُودِ مَكَّةَ بَعْدَمَا يُشَاهِدُهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ عليه السلام {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَاطْمِئْنَانُهَا رُجْحَانُ جَانِبِ الظَّنِّ بِحَيْثُ يَكَادُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْيَقِينِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحَاصِلُهُ سُكُونُ النَّفْسِ عَنْ الِاضْطِرَابِ بِشُبْهَةٍ إلَّا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ آحَادِ الْأَصْلِ (لِمَقُولِيَّةِ الظَّنِّ) عَلَى أَفْرَادِهِ (بِالتَّشْكِيكِ) فَبَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فِي مَعْنَاهُ (فَوَجَبَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ (كَتَقْيِيدِ) مُطْلَقِ (آيَةِ جَلْدِ الزَّانِي) الشَّامِلِ لِلْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ (بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ) مِنْ غَيْرِ جَلْدِ الثَّابِتِ جُمْلَةُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

(وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بَلْ تَقْيِيدُهُ بِهِ مِنْ قَبِيلِ التَّقْيِيدِ بِمَا هُوَ مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى (وَ) تَقْيِيدُ مُطْلَقِ (صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) الشَّامِلِ لِلْمُتَتَابِعِ وَغَيْرِهِ (بِالتَّتَابُعِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ (لِشُهْرَتِهَا) أَيْ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الشُّهْرَةُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (الشَّرْطُ) فِي وُجُوبِ تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ (وَ) تَقْيِيدُ (آيَةِ غَسْلِ الرَّجُلِ) فِي الْوُضُوءِ (بِعَدَمِ التَّخَفُّفِ) أَيْ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَيْهَا (بِحَدِيثِ الْمَسْحِ) عَلَى الْخُفِّ الْمُخْرَجِ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) حَدِيثُهُ (مُتَوَاتِرًا) وَعَلَيْهِ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا يُشْبِهُ الْمُتَوَاتِرَ وَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازُ الْمَسْحِ بِآثَارٍ مَشْهُورَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ التَّوَاتُرِ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَثْبَتْنَا الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي]

(فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي مِنْهَا كَوْنُهُ بَالِغًا حِينَ الْأَدَاءِ) وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَقْتَ التَّحَمُّلِ (لِاتِّفَاقِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى) قَبُولِ رِوَايَةِ (ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ بِلَا اسْتِفْسَارٍ) عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَحَمَّلُوا فِيهِ مَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُصُوصًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَسِنُّ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْعَشْرِ فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ وَمَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَمِمَّا حَفِظَهُ فِي الصِّغَرِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْت أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْأُطُمِ الَّذِي فِيهِ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يَرْفَعُنِي وَأَرْفَعُهُ فَإِذَا رَفَعَنِي رَأَيْت أَبِي حِينَ يَمُرُّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ يُقَاتِلُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 236

مَنْ يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَذَهَبَ الزُّبَيْرُ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْت لَهُ يَا أَبَتِ لَقَدْ رَأَيْتُك وَأَنْتَ تَمُرُّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَجْمَعَ لِي أَبَوَيْهِ يَتَفَدَّانِي بِهِمَا فِدَاك أَبِي وَأُمِّي» وَالْخَنْدَقُ إمَّا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ فَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عُمُرُهُ إذْ ذَاكَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَبَعْضُ أَشْهُرٍ فَقَدْ ضَبَطَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا وَالنُّعْمَانُ مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ وُلِدَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَمِمَّا صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ» الْحَدِيثَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَإِنْ جَاءَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ تَحَمَّلَ صَغِيرًا وَأَدَّى كَبِيرًا فَقَدْ «قِيلَ لَهُ أَشَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْته مِنْ الصِّغَرِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنَسٌ فَكَانَ ابْنُ عَشَرَ سِنِينَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَعَرَضَتْهُ أُمُّهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِخِدْمَتِهِ فَقَبِلَهُ وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ رُوِيَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَلْفَا حَدِيثٍ وَمِائَتَا حَدِيثٍ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا وَلَمْ يُنْقَلْ الْفَحْصُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَلَقَّى فِيهِ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ التَّلَقِّي فِي غَيْرِ حَالَةِ الْبُلُوغِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لَمْ يَغْفُلْ الْفَحْصُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَوْ فُحِصَ عَنْهُ لَنُقِلَ ظَاهِرًا وَلَمْ يُنْقَلْ ثُمَّ قَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ (فَبَطَلَ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ قَبُولِهِ لِكَوْنِ الصِّغَرِ مَظِنَّةَ عَدَمِ الضَّبْطِ وَالتَّحْرِيرِ وَيَسْتَمِرُّ الْمَحْفُوظُ إذْ ذَاكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.

(وَأَمَّا إسْمَاعُهُمْ الصِّبْيَانَ) لِلْحَدِيثِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ) قَبُولَ رِوَايَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَلْبَتَّةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ بِدَلِيلِ إحْضَارِهِمْ مَنْ لَا يَضْبِطُ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى رِوَايَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي الصِّبَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى رِوَايَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي الصِّبَا (وَقَبْلَ الْمُرَاهِقِ شُذُوذٌ مَعَ تَحْكِيمِ الرَّأْيِ) فَإِذَا وَقَعَ فِي ظَنِّ السَّامِعِ صِدْقُهُ قَبِلَ رِوَايَتَهُ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ.

(قُلْنَا الْمُعْتَمَدُ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَرْجِعُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ (إلَيْهِ) أَيْ الْمُرَاهِقِ (وَاعْتِمَادُ أَهْلِ قُبَاءَ عَلَى أَنَسٍ أَوْ ابْنِ عُمَرَ لِسِنِّ الْبُلُوغِ) وَهُوَ جَوَابُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ عَنْ حُجَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ رِوَايَةَ الصَّبِيِّ فِي بَابِ الدَّيْنِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ بِحَدِيثِ أَهْلِ قُبَاءَ حَيْثُ قَالُوا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَتَاهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمئِذٍ صَغِيرًا عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ فَقَدْ اعْتَمَدُوا خَبَرَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بِعِلْمٍ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّا نَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَاءَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَأَخْبَرَا بِذَلِكَ فَإِنَّمَا تَحَوَّلُوا مُعْتَمَدِينَ عَلَى رِوَايَةِ الْبَالِغِ وَهُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بَالِغًا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ لَا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا اهـ وَقَدْ مَشَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَعَقَّبَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ فِيهَا أُمُورًا أَحَدَهَا أَنَّ الْمُخْبِرَ لَمْ يَكُنْ ابْنَ عُمَرَ بَلْ كَانَ رَجُلًا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِيَ أَخْبَارِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ثَانِيَهَا «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا عُرِضَ يَوْمُ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُرِضَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ» كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثَالِثَهَا أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَنَسًا كَانَ ابْنَ عَشَرَ سِنِينَ كَمَا سَلَفَ فَكَيْفَ يَكُونُ بَالِغًا وَلَمْ يُكْمِلْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَأُحُدٌ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَ عُمُرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يَوْمئِذٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ بِسَنَةٍ لَا بِالْعَكْسِ.

(وَالْمُحَدِّثُونَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ إسَافٍ وَهُوَ شَيْخٌ) أَيْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ إسَافٍ الشَّاعِرُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنَقَلَهُ الْأَبْنَاسِيُّ فِي رِجَالِ الْعُمْدَةِ

ص: 237

عَنْ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَوَضَعَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم الْغَزْوَ وَهُوَ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَكْعَتَيْنِ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ بْنِ قَيْظِيٍّ الْأَشْهَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَهَذَا أَرْجَحُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرُهُ اهـ.

وَلَيْسَ هُوَ بِرَفِيقِ أُسَيْدَ بْنِ حُضَيْرٍ فِي الْمِصْبَاحَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْبُلْقِينِيُّ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي الصَّحَابَةِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ نُسِبَ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ اهـ.

وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» الْحَدِيثَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ «فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا» الْحَدِيثَ فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يُسَمَّ هَذَا وَمَنْ فَسَّرَ بِاَلَّذِي قَبْلَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهَذِهِ الصُّبْحُ وَذَاكَ مَسْجِدُ بَنِي حَارِثَةَ وَذَا مَسْجِدُ قُبَاءَ ثُمَّ قَالَ فِي الشَّرْحِ مُشِيرًا إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ.

وَالْجَوَابُ أَنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَالْآتِي إلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ أَوْ ابْنُ نَهِيكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُسَمِّ الْآتِيَ بِذَلِكَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ نَقَلُوا أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ بَنِي حَارِثَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوا مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّادُ أَتَى بَنِي حَارِثَةَ أَوَّلًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى أَهْلِ قُبَاءَ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فِي الصُّبْحِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِمَا أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي حَارِثَةَ اهـ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَبُولَ أَخْبَارِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ مَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ كَالْإِفْتَاءِ وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي (وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ) فِي حُكْمِهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ نُقْصَانُهُ بِالْعَتَهِ فَوْقَ نُقْصَانِهِ بِالصِّبَا إذْ قَدْ يَكُونُ الصَّبِيُّ أَعْقَلَ مِنْ الْبَالِغِ وَالْمَعْتُوهِ لَا.

(ثُمَّ قِيلَ سِنُّ التَّحَمُّلِ خَمْسٌ) حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُتَأَخِّرِينَ (لِعَقْلِيَّةِ مَحْمُودٍ الْمَجَّةَ ابْنَ خَمْسٍ فِي الْبُخَارِيِّ) أَيْ لِمَا رَوَى هُوَ وَالنَّسَائِيُّ «عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْت مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ» (أَوْ) ابْنُ (أَرْبَعٍ) فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسِ سِنِينَ وَالْمَجَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْمَجِّ وَهُوَ إرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْفَمِ مَعَ النَّفْخِ وَقِيلَ لَا يَكُونُ مَجًّا حَتَّى يَتَبَاعَدَ بِهِ (وَقِيلَ) أَقَلُّ سِنِّ التَّحَمُّلِ (أَرْبَعٌ لِذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ مَحْمُودِ الْمَذْكُورِ كَانَ سِنُّهُ أَرْبَعًا (وَلِتَسْمِيعِ ابْنِ اللَّبَّانِ) وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ تَسْمِيعُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ اللَّبَّانِ الْأَصْفَهَانِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَرَوَيْنَا عَنْ الْخَطِيبِ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ حَفِظْت الْقُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِينَ وَأُحْضِرْت عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي وَلِي أَرْبَعُ سِنِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يُسَمِّعُوا لِي فِيمَا حَضَرْت قِرَاءَتَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَصْغُرُ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ لِي ابْنُ الْمُقْرِي اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ اقْرَأْ سُورَةَ التَّكْوِيرِ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ لِي غَيْرُهُ اقْرَأْ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ

ص: 238

فَقَرَأْتهَا وَلَمْ أَغْلَطْ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي سَمِّعُوا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيَّ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ رَأَيْت صَبِيًّا ابْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقَدْ حُمِلَ إلَى الْمَأْمُونِ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا جَاعَ يَبْكِي وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ الْقَاضِي وَكَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى حِفْظِهِ فِيهِمْ.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مُتَسَاهِلًا قُلْت وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

وَقَالَ السَّلَفِيُّ أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إذَا بَلَغَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأَنَّ الْعَجَمِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ (وَصَحَّحَ عَدَمَ التَّقْدِيرِ بَلْ) الْمَنَاطُ فِي الصِّحَّةِ (الْفَهْمُ وَالْجَوَابُ) فَمَتَى كَانَ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا وَمَا ذَاكَ إلَّا (لِلِاخْتِلَافِ) أَيْ اخْتِلَافِ الصِّبْيَانِ بَلْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي فَهْمِ الْخِطَابِ وَرَدِّ الْجَوَابِ فَلَا يَتَقَيَّدُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ (وَحِفْظُ الْمَجَّةِ وَإِدْرَاكُ ابْنِ اللَّبَّانِ لَا يَطَّرِدُ) كُلٌّ مِنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِفْظِ مَحْمُودِ الْمَجَّةِ حِفْظُ مَا سِوَاهَا مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمَيِّزُ تَمْيِيزَ مَحْمُودٍ فِي سِنِّهِ وَلَا أَنْ لَا يَعْقِلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَسِنُّهُ أَقَلُّ مِنْ سِنِّهِ وَلَا مِنْ إدْرَاكِ ابْنِ اللَّبَّانِ فِي أَرْبَعٍ إدْرَاكَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فِي أَرْبَعٍ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِرْوَاحِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي رَآهُ إبْرَاهِيمُ الْجَوْهَرِيُّ لِيَلْزَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعٍ صَحَّ تَحَمُّلُهُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الصَّحِيحِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ بِسِنٍّ خَاصٍّ (يُوقِفُ الْحُكْمَ بِقَبُولِ مَنْ عُلِمَ سَمَاعُهُ صَبِيًّا عَلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ فِي صِبَاهُ) فَيُعْطَى لِمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ حُكْمُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ (أَمَّا مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ مَعْرِفَةِ حَالِهِ (فَيَجِبُ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ لِسَبْعٍ) مِنْ السِّنِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ» صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي سِنِّ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الصَّغِيرُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ (وَأَفْرَطَ مُعْتَبِرُ خَمْسَةَ عَشَرَ) حَتَّى قَالَ عَنْهُ أَحْمَدُ بِئْسَ الْقَوْلُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَهُوَ عَجَبٌ مِنْ هَذَا الْعَالِمِ الْمَكِينِ.

وَقِيلَ مَتَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ

(وَالْإِسْلَامُ كَذَلِكَ) أَيْ وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّاوِي مُسْلِمًا حِينَ الْأَدَاءِ (لِقَبُولِ) رِوَايَةِ (جُبَيْرٍ فِي قِرَاءَتِهِ) أَيْ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» فِي الصَّحِيحَيْنِ) مَعَ أَنَّ سَمَاعَهُ إيَّاهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَمَّا جَاءَ فِي فِدَاءِ أَسَارَى بَدْرٍ (وَلِعَدَمِ الِاسْتِفْسَارِ) عَنْ مَرْوِيِّهِ هَلْ تَحَمُّلُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ أَوْ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ تَحَمُّلُهُ حَالَةَ الْإِسْلَامِ شَرْطًا لَاسْتَفْسَرَ وَلَوْ اسْتَفْسَرَ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ (بِخِلَافِهِ) أَيْ أَدَائِهِ (فِي الْكُفْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ (وَهُوَ) أَيْ الْفَاسِقُ (الْكَافِرُ بِعُرْفِهِمْ) أَيْ السَّلَفِ (وَهُوَ) أَيْ الْكَافِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ صَدَقَ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْكَافِرُ خَارِجٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ (وَلِلتُّهْمَةِ) أَيْ تُهْمَةِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَالْكَافِرُ عَدُوُّنَا فِي الدِّينِ فَرُبَّمَا تَحْمِلُهُ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى السَّعْيِ فِي هَدْمِ الدِّينِ بِإِدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْهُ (وَالْمُبْتَدِعُ بِمَا هُوَ كُفْرٌ) كَغُلَاةِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ (مِثْلُهُ) أَيْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (عِنْدَ الْمُكَفِّرِ) وَهُوَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِجَامِعِ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ (وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ إنْ اعْتَقَدَ حُرْمَةَ الْكَذِبِ قَبِلْنَا رِوَايَتَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (لِأَنَّهُ) أَيْ ابْتِدَاعَهُ بِمَا هُوَ مُكَفِّرٌ لَهُ (بِتَأْوِيلِ الشَّرْعِ) فَكَيْفَ يَكُونُ كَالْمُنْكِرِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ اعْتِقَادُهُ حُرْمَةَ الْكَذِبِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَوُجِدَ الْمُقْتَضِي لِلْقَبُولِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَقِيلَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ كُلَّ مُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي أَنَّ مُخَالِفِيهَا مُبْتَدِعَةٌ وَقَدْ تُبَالِغُ فَتُكَفِّرُ مُخَالِفَهَا فَلَوْ أَخَذَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَاسْتَلْزَمَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذِي تُرَدُّ رِوَايَتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُتَوَاتِرًا مِنْ الشَّرْعِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ عَكْسَهُ.

فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لِمَا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ

ص: 239

وَتَقْوَاهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ (وَغَيْرُهُ) أَيْ الْمُبْتَدِعِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ (كَالْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ كَفِسْقِ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ سَبْعُ فِرَقٍ ضَالَّةٍ لَهُمْ ضَلَالَاتٌ فَاضِحَةٌ وَأَبَاطِيلُ وَاضِحَةٌ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي أَصْنَافِهَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ (وَفِيهَا) أَيْ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ مَذْهَبَانِ (الرَّدُّ) لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] وَهُوَ فَاسِقٌ (وَالْأَكْثَرُ الْقَبُولُ) لِمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» فَإِنَّ قَوْلَ صَاحِبِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ ظَاهِرُ الصِّدْقِ إذَا ظَنَّ صِدْقَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ سُئِلَ الْمِزِّيُّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَالذَّهَبِيُّ قَالَ لَا أَصْلَ لَهُ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ يُؤْخَذُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَنُقِلَ عَنْ مُغَلْطَاي أَنَّهُ رَأَى لَهُ فِي كِتَابٍ يُسَمَّى إدَارَةَ الْأَحْكَامِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْخَيْزُونِيِّ فِي قِصَّةِ «الْحَضْرَمِيِّ وَالْكَنَدِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَيْت لِي بِحَقِّي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» قَالَ شَيْخُنَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَلَا أَدْرِي هَلْ سَاقَ لَهُ إسْمَاعِيلُ الْمَذْكُورُ إسْنَادًا أَوْ لَا (وَلَا يُعَارِضُ) هَذَا الْمَرْوِيُّ (الْآيَةَ لِتَأَوُّلِهَا بِالْكَافِرِ أَوْ) بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ مُرْتَكِبٌ فِسْقًا (بِلَا تَأْوِيلٍ أَنَّهُ) أَيْ الْفِسْقَ (مِنْ الدِّينِ) وَهَذَا مُرْتَكِبٌ فِسْقًا بِتَأْوِيلِ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ (بِخِلَافِ اسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ (أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَهِيَ) أَيْ بِدْعَةُ قَتَلَتِهِ (جَلِيَّةٌ) لِذَوِي الْعُقُولِ الْمُرْضِيَةِ (رُدَّ بِمَنْعِ إجْمَاعِ الْقَبُولِ) لِرِوَايَتِهِمْ.

قَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى رَدِّ رِوَايَتِهِمْ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فَإِنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ إنْ كَانُوا مُسْتَحِلِّينَ قَتْلَهُ فَلَا رَيْبَ فِي كُفْرِهِمْ وَالْكَافِرُ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْتَحِلِّينَ فَلَا رَيْبَ فِي فِسْقِهِمْ بِفِسْقٍ ظَاهِرٍ فَتُرَدُّ رِوَايَتُهُمْ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الَّذِي ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا مُجَازِفٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ بَاشَرَ قَتْلَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ رِوَايَةٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ حَاصَرَهُ أَوْ رَضِيَ بِقَتْلِهِ فَأَهْلُ الشَّامِ قَاطِبَةً مَعَ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ إمَّا مُكَفِّرٌ لِأُولَئِكَ وَإِمَّا مُفَسِّقٌ.

وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الشَّامِ فَكَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٍ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ وَفِرْقَةٍ سَاكِتَةٍ وَفِرْقَةٍ عَلَى رَأْيِ أُولَئِكَ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ (وَلَوْ سَلِمَ) قَبُولُ رِوَايَةِ قَتَلَتِهِ (فَلَيْسَ) قَتْلُ عُثْمَانَ (مِنْهَا) أَيْ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِبَعْضِ الْقَتَلَةِ (لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَاهُ) أَيْ قَتْلَهُ حَقًّا (اجْتِهَادِيًّا فَلَا يُفَسِّقُهُمْ وَنُقِلَ) هَذَا (عَنْ عَمَّارِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْفَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْأَشْتَرُ) فِي جَمَاعَةٍ وَفِي هَذَا مَا فِيهِ فَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ.

(وَأَمَّا غَيْرُ) الْبِدَعِ (الْجَلِيَّةِ كَنَفْيِ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ) الثُّبُوتِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّاتِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمُوَافِقُوهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ عِبَارَتِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَقِيلَ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا) قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الْمُتَخَالَفِينَ (الْقَطْعَ بِخَطَأِ الْآخَرِ لِقُوَّةِ شُبْهَتِهِ عِنْدَهُ وَإِطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) وَمُوَافِقِيهِ (رَدَّ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ وَقَبُولَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ قَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى تَحْرِيفِ الرِّوَايَاتِ وَتَسْوِيَتِهَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَعُزِيَ إلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَعَزَاهُ ابْنُ حِبَّانَ إلَى الْمُحَدِّثِينَ بِلَفْظِ لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَئِمَّتِنَا خِلَافٌ أَنَّ الصَّدُوقَ الْمُتْقِنَ إذَا كَانَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ يَدْعُو إلَيْهَا أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِأَخْبَارِهِ جَائِزٌ فَإِذَا دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوْ الْأَكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَوَّلَاهَا (يُخَصِّصُهُ) أَيْ إطْلَاقُ عَدَمِ قَبُولِ ذِي الْبِدْعَةِ الْجَلِيَّةِ اتِّفَاقًا (لِاقْتِضَائِهِ) أَيْ إطْلَاقَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (رَدَّ الدَّاعِي مِنْ نُفَاةِ الزِّيَادَةِ) لِلصِّفَاتِ عَلَى الذَّاتِ إلَى بِدْعَتِهِ هَذِهِ بَلْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ الدَّاعِيَةُ إلَى الْبِدْعَةِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا.

كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَاكِمِ

ص: 240

فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ الدَّاعِي إلَى الضَّلَالِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَأَغْرَبَ ابْنُ حِبَّانَ فَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ الدَّاعِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ سَهْوٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَكَذَا حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الدَّاعِيَةَ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى بِدْعَتِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ إلَى الْهَوَى سَبَبٌ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا عَزَا الْخَطِيبُ إلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَقْبَلُ أَخْبَارَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا بِالتَّأْوِيلِ أَوْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَيْضًا مَا عَزَاهُ الْخَطِيبُ إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ إنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ قُبِلَ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَا؟

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ (وَتَعْلِيلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا غَيْرُهُ رَدُّ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ (بِأَنَّ الدَّعْوَةَ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ) أَيْ الْكَذِبِ (يُخَصِّصُهُ) أَيْ الرَّدَّ (بِرِوَايَةِ) الدَّاعِي مَا هُوَ عَلَى (وَفْقِ مَذْهَبِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَمَشَّى فِيهِ وَمِنْ هُنَا نَصَّ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ رَدُّ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً كَمَا إذَا كَانَ دَاعِيَةً قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْحَافِظُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ فَقَالَ وَمِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ الْحَقِّ أَيْ السُّنَّةِ صَادِقُ اللَّهْجَةِ فَلَيْسَ فِيهِ حِيلَةٌ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا لَا يَكُونُ مُنْكَرًا إذَا لَمْ تَقْوَ بِهِ بِدْعَتُهُ اهـ وَمَا قَالَهُ مُتَّجِهٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا رُدَّ حَدِيثُ الدَّاعِيَةِ وَارِدَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ ظَاهِرُ الْمَرْوِيِّ يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْمُبْتَدِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً (لَا مُطْلَقًا) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ السَّالِفِ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَتَعْلِيلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (قَبُولَ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) جَمْعُ هَوَى مَقْصُورٌ وَهُوَ الْمَيْلُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَالْمُسْتَلَذَّات مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ الْمُبْتَدِعُونَ الْمَائِلُونَ إلَى مَا يَهْوُونَهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ (إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) مِنْ الرَّافِضَةِ الْمَنْسُوبِينَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَقِيلَ ابْنِ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيِّ الْأَجْدَعِ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرُ الصَّادِقُ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ وَفِي الْمَوَاقِفِ قَالُوا الْأَئِمَّةُ أَنْبِيَاءُ وَأَبُو الْخَطَّابِ نَبِيٌّ فَفَرَضُوا طَاعَتَهُ بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ آلِهَةٌ وَالْحَسَنَانِ ابْنَا اللَّهِ وَجَعْفَرُ إلَهٌ لَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمِنْ عَلِيٍّ فَقَبَّحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشَدَّ غَبَاوَتَهُمْ وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا رِوَايَتُهُمْ وَلَا كَرَامَةَ وَكَيْفَ وَقَدْ شَاعَ أَيْضًا كَوْنُهُمْ الْفِرْقَةَ (الْمُتَدَيِّنِينَ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِهِمْ أَوْ لِلْحَالِفِ) لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ (بِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى وَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْهَوَى (لِتَعَمُّقِهِ) فِي الدِّينِ (وَذَلِكَ) أَيْ تَعَمُّقُهُ فِي الدِّينِ (يَصُدُّهُ) أَيْ يَمْنَعُهُ (عَنْ الْكَذِبِ أَوْ يَرَاهُ) أَيْ الْكَذِبَ (حَرَامًا يُوجِبُ قَبُولَ الْخَوَارِجِ كَالْأَكْثَرِ) لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَعَدَمِ شُهْرَةِ تَدَيُّنِهِمْ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِهِمْ وَالْحَالِفِ لَهُمْ ثُمَّ حَيْثُ قُبِلُوا فِي الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ.

وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مَا عَزَاهُ الْخَطِيبُ إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَنْ مَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لَكِنْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَقْطَعِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْخَوَارِجِ مَا لَمْ يَخْرُجُوا إلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْفِسْقَ وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوهُ فَإِذَا قَاتَلُوا فَقَدْ أَظْهَرُوا الْفِسْقَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ إنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ فَرَّقَ فِي الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ بِالْقَبُولِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ فِي الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ لَا تَدْعُو إلَى التَّزْوِيرِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ فَلَمْ تَرُدَّ شَهَادَةَ صَاحِبِهَا بِخِلَافِهَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، ثُمَّ ظَاهِرُ كَوْنِ، وَتَعْلِيلُهُ مُبْتَدَأٌ وَبِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَيُوجِبُ قَبُولَ الْخَوَارِجِ خَبَرَهُ هَذَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُقْتَصِرِ عَلَى تَعْلِيلِ رَدِّ شَهَادَةِ الْخَطَابِيَّةِ بِتَدَيُّنِهِمْ الْكَذِبَ لِمُوَافِقِهِمْ أَوْ الْحَالِفَ عَلَى صِدْقِهِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا عَنْهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا قَبُولَ لِرِوَايَتِهِ فِي الدِّينِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا شُرْبُ النَّبِيذِ) مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخِهِ وَإِنْ اشْتَدَّ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ (وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ) بِالشِّينِ مُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ بِلَا قِمَارٍ بِهِ (وَأَكْلُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ مُجْتَهِدٍ

ص: 241

وَمُقَلِّدِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (فَلَيْسَ بِفِسْقٍ) إذْ لَوْ فَسَّقْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا لَفَسَّقْنَا بِارْتِكَابِ عَمَلٍ مُتَفَرِّعٍ عَلَى رَأْيٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ عَلَى الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعَ ظَنِّهِ وَعَلَى الْمُقَلِّدِ اتِّبَاعَ مُقَلَّدِهِ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ

(وَمِنْهَا رُجْحَانُ ضَبْطِهِ عَلَى غَفْلَتِهِ لِيَحْصُلَ الظَّنُّ) بِصِدْقِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَالْحُجَّةُ هِيَ الْكَلَامُ الصِّدْقُ (وَيُعْرَفُ) رُجْحَانُ ضَبْطِهِ (بِالشُّهْرَةِ وَبِمُوَافَقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ) أَيْ بِالضَّبْطِ فِي رِوَايَتِهِمْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى (أَوْ غَلَبَتِهَا) أَيْ الْمُوَافَقَةِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَعْرِفْ رُجْحَانَ ضَبْطِهِ بِذَلِكَ (فَغَفْلَةٌ وَأَمَّا) ضَبْطُ الْمَرْوِيِّ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ الرَّاوِي (فَلِلْحَنَفِيَّةِ تَوَجُّهُهُ بِكُلِّيَّتِهِ إلَى كُلِّهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ ثُمَّ حِفْظُهُ بِتَكْرِيرِهِ ثُمَّ الثَّبَاتُ) عَلَيْهِ (إلَى أَدَائِهِ)

(وَمِنْهَا الْعَدَالَةُ حَالَ الْأَدَاءِ وَإِنْ تَحَمَّلَ فَاسِقًا إلَّا بِفِسْقٍ) تَعَمَّدَ (الْكَذِبَ عَلَيْهِ عليه السلام عِنْدَ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ) كَأَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَالصَّيْرَفِيُّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يُوجِبُ مَنْعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ أَبَدًا وَكَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَهُوَ ثَابِتٌ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَيُرَاقُ دَمُهُ لَكِنْ ضَعَّفَهُ وَلَدُهُ وَعَدَّهُ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ (وَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى) أَيْ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31](وَالْمُرُوءَةِ) بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهِيَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الْأَدْنَاسِ وَمَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعِ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ (وَالشَّرْطُ) لِقَبُولِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (أَدْنَاهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ الصَّغَائِرَ قَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَالْإِصْرَارُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ اهـ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ تَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ لِدُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَالْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ وَابْنُ شَاهِينَ فَلَعَلَّ ذِكْرَهُ مَخَافَةُ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ بِالْإِصْرَارِ كَبِيرَةً كَمَا أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَةِ كُفْرًا وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الصَّغَائِرُ مُخْتَلِفَةُ النَّوْعِ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْإِصْرَارُ عَلَى أَصْغَرِ الصَّغَائِرِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ) أَيْ وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَيْضًا (وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ الشِّرْكَ وَالْقَتْلَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةَ وَالزِّنَى وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَالسِّحْرَ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْإِلْحَادَ فِي الْحَرَمِ أَيْ الظُّلْمَ وَفِي بَعْضِهَا) أَيْ الطُّرُقِ (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَجْمُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً ثُمَّ قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَقَعَ لَهُ مَجْمُوعُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَمَا هِيَ كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ وَفِي أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ لَكِنْ تَصَحَّفَ الرِّبَا بِالزِّنَى لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ بَيَانِهِ بَلْ إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ وُجُودُ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ أَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا إنَّمَا هِيَ تِسْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ نَسَمَةٍ يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالْفِرَارُ

ص: 242

مِنْ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَاَلَّذِي يَسْتَسْحِرُ وَالْإِلْحَادُ فِي الْمَسْجِدِ يَعْنِي الْحَرَامَ وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْعُقُوقِ ثُمَّ قَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ طَيْسَلَةَ مِثْلُ هَذَا السِّيَاقِ لَكِنْ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ إسْنَادًا لِأَنَّ أَيُّوبَ بْنَ عُتْبَةَ مَوْصُوفٌ بِسُوءِ الْحِفْظِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي عَدِّ الْخِصَالِ فَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ أَيُّوبَ كَمَا ذَكَرْنَا وَرَوَاهُ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَيُّوبَ فَأَسْقَطَ خَصْلَتَيْنِ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى حُسَيْنٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ طَيْسَلَةَ قَالَ «سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ قُلْت أَقَبْلَ الدَّمِ؟ قَالَ نَعَمْ، وَرَغْمًا، وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَصَمِّ عَنْ عَبَّاسٍ الدَّوْرِيِّ وَخَالَفَهُ حَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ فَذَكَرَ الزِّنَى بَدَلَ خَصْلَةً مِنْ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ الْبَرْدِيجِيُّ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَعَدَّ الْخِصَالَ كَمَا فِي رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَكِنْ ذَكَرَ بَدَلَ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ وَرِجَالُ هَذَا رِجَالُ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْجَرِيرِيَّ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عُمَرَ فَإِنْ كَانَ حَمَلَهُ عَنْ ثِقَةٍ فَمُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ لِرِوَايَةِ طَيْسَلَةَ. وَإِذَا جَمَعْت الْخِصَالَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ زَادَتْ خَصْلَتَيْنِ عَلَى التِّسْعِ وَهُمَا الزِّنَى وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ وَأَقْوَى طُرُقِهِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى

ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ فَذَكَرَ سَنَدَهُ إلَى عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ وَمَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَنْ يُؤْتِي زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَمَنْ يَصُومُ رَمَضَانَ يَحْتَسِبُ صَوْمَهُ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَمْ الْكَبَائِرِ قَالَ هِيَ تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالسِّحْرُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا لَا يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْخِصَالِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ إلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا فِي بُحْبُوحَةِ جَنَّةٍ أَبْوَابُهَا مَصَارِيعُ الذَّهَبِ» قَالَ شَيْخُنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مُقْتَصِرًا عَلَى ذِكْرِ الْكَبَائِرِ دُونَ أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَقَالَ قَدْ احْتَجَّا بِرُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ اهـ مُلَخَّصًا (وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَكْلَ الرِّبَا) كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِثُبُوتِهِ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَتَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ بِلَفْظِ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ. الْحَدِيثَ.

فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ وَالْمُوبِقَةَ مُتَرَادِفَتَانِ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُ السُّبْكِيّ الْمُوبَقَةُ أَخَصُّ مِنْ الْكَبِيرَةِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْكَبَائِرُ (وَعَنْ عَلِيٍّ إضَافَةُ السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ) إلَى الْكَبَائِرِ أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَسَأَلْت الْمَشَايِخَ عَنْهُ فَلَمْ يَحْضُرْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ.

وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالسَّرِقَةُ لَا نَعْرِفُ لَهَا إسْنَادًا عَنْهُ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَالْخَمْرُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مُدْمِنَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ اهـ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ «قَالَ لِي جِبْرِيلُ يَا مُحَمَّدُ إنَّ مُدْمِنَ خَمْرٍ كَعَابِدِ وَثَنٍ» ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظِ «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» نَعَمْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَرَأَيْتُمْ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ مَا تَقُولُونَ فِيهِمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلِ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلِ الزُّورِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَزِيزٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَعَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ أَمِنْ الْكَبَائِرِ هِيَ قَالَ لَا

ص: 243

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلِمَ قَالَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَزَنَى وَتَرَكَ الصَّلَاةَ فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا لَكِنْ ضَبَّبَ عَلَى لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (وَفِي) الْحَدِيثِ (الصَّحِيحِ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ) مَعْدُودَانِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِعَدَمِ التَّقَيُّدِ بِهِ.

وَقَالَ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلْسًا (وَمِمَّا عُدَّ) مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ (الْقِمَارُ وَالسَّرَفُ وَسَبُّ السَّلَفِ الصَّالِحِ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَوْلُهُ (وَالطَّعْنُ فِي الصَّحَابَةِ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ وَعُدُولُ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَقِّ) .

قُلْتُ وَفِي هَذِهِ نُصُوصٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تُفِيدُ تَحْرِيمَهَا مَعْرُوفَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَأَمَّا النَّصُّ الصَّرِيحُ السَّمْعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبَائِرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِذَلِكَ نَعَمْ يُسْتَفَادُ كَوْنُهَا كَبَائِرَ مِنْ بَعْضِ ضَوَابِطِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَيَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وَمِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَصًّا صَرِيحًا فِي كَوْنِ السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ كَبِيرَةٌ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ 0 تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْلَى بِذَلِكَ أَيْضًا (وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا تَوَعَّدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَهَذَا الْقَوْلُ جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَعْلَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنٍ أَوْ عَذَابٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِي بَعْضِهَا أَوْ سَبْعُمِائَةٍ وَكَأَنَّهَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ مُبَالَغَةٌ وَقِيلَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِهِ أَمْيَلُ اهـ وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ عِدَّةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا كَأَكْلِ الرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْعُقُوقِ فَالْأَوَّلُ أَمْثَلُ (قِيلَ وَكُلُّ مَا مَفْسَدَتُهُ كَأَقَلِّ مَا رُوِيَ مَفْسَدَةً فَأَكْثَرَ فَدَلَالَةُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِئْصَالِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِرَارِ وَإِمْسَاكُ الْمُحْصَنَةِ لِيُزْنَى بِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَذْفِهَا، وَمَنْ جَعَلَ الْمُعَوَّلَ) أَيْ الضَّابِطَ لِلْكَبِيرَةِ (أَنْ يَدُلَّ الْفِعْلُ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ دِينِهِ ظَنَّهُ) أَيْ هَذَا الضَّابِطَ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَا قَبْلَهُ (مَعْنًى) وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةً وَكَأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِمَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ دَلَالَةَ أَدْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ اهـ.

أَيْ مَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا فِي دِينِهِ إشْعَارَ مَا هُوَ الْأَصْغَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْقَيْدَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ لِلْمُعَرَّضِ بِهِ (وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ صَغَائِرُ دَالَّةٌ عَلَى خِسَّةٍ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَاشْتِرَاطِ) أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى) سَمَاعِ (الْحَدِيثِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَلَا يَعْرَى إطْلَاقُ هَذَا عَنْ نَظَرٍ نَعَمْ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ أَخَذَ عَلَى التَّحْدِيثِ أَجْرًا وَرَخَّصَ آخَرُونَ فِيهِ كَالْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ وَالظَّنُّ يُسَاءُ بِفَاعِلِهِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ يَنْفِي ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا مُعِيلًا وَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّحْدِيثِ يَمْنَعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِعِيَالِهِ (وَبَعْضِ مُبَاحَاتٍ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ) فَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 244

قَالَ «الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ» وَفِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَنْصِبَ مَائِدَةً وَيَأْكُلَ وَعَادَةُ مِثْلِهِ خِلَافُهُ فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ كَالصَّنَّاعِينَ وَالسَّمَاسِرَةِ أَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ فَلَا وَكَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَالشُّرْبِ مِنْ سِقَايَاتِ الْأَسْوَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُوقِيًّا أَوْ غَلَبَهُ الْعَطَشُ.

(وَالْبَوْلُ فِي الطَّرِيقِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ أَيْضًا قُلْت وَفِي إبَاحَتِهِ نَظَرٌ لِلْأَمْرِ بِاتِّقَاءِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِمَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (وَالْإِفْرَاطُ فِي الْمَزْحِ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَصُحْبَةُ الْأَرْذَالِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِالنَّاسِ وَفِي إبَاحَةِ هَذَا) أَيْ الِاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ (نَظَرٌ) .

قُلْت وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَمْطُ النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ كَمَا يُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ (وَتَعَاطَى الْحِرَفَ الدَّنِيئَةَ) بِالْهَمْزِ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَهِيَ السُّقَاطَةُ الْمُبَاحَةُ (كَالْحِيَاكَةِ وَالصِّيَاغَةِ) وَالْحِجَامَةِ وَالدَّبَّاغَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَلِيقُ بِأَرْبَابِ الْمُرُوآتِ وَأَهْلِ الدِّيَانَاتِ فِعْلُهَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِهَا كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ اعْتَادَهَا وَكَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْقَيْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَيَّدَ بِصَنْعَةِ آبَائِهِ بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَلِيقُ بِهِ هُوَ أَمْ لَا (وَلِبْسُ الْفَقِيهِ قَبَاءً وَنَحْوَهُ) كَالْقَلَنْسُوَةِ التُّرْكِيَّةِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَعْتَادُوهُ (وَلِعْبُ الْحَمَامِ) إذَا لَمْ يَكُنْ قِمَارًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ الْأَرْذَالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْكَذِبِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجْتَنِبُ هَذِهِ الْأُمُورَ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ الْكَذِبَ فَلَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُظَنُّ صِدْقُهُ فِي رِوَايَتِهِ

(وَأَمَّا)(الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَ) عَدَمُ (الْوِلَادِ وَ) عَدَمُ (الْعَدَاوَةِ) الدُّنْيَوِيَّةِ (فَتَخْتَصُّ بِالشَّهَادَةِ) أَيْ تُشْتَرَطُ فِيهَا لَا فِي الرِّوَايَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَإِلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ فِيمَا يَجِبُ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِي التَّمْيِيزِ بِهَا شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ فَلَمْ يَقَعْ ضَرُورَةً إلَى إهْدَارِ هَذِهِ التُّهْمَةِ وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا وَهَذَا الِاحْتِيَاجُ بِجُمْلَتِهِ مُنْتَفٍ فِي الرِّوَايَةِ فَكَانَ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى فِيهَا سَوَاءً وَقَدْ اُبْتُلِيَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِكَفِّ الْبَصَرِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ عَنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ فَحْصٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بَعْدَهُ وَلَا شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ هِلَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَمَالِ وِلَايَةِ الشَّاهِدِ إذْ هِيَ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةُ تُعْدَمُ بِالرِّقِّ أَصْلًا وَالرِّوَايَةُ لَا تَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ السَّامِعَ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمَرْوِيِّ لَيْسَ بِإِلْزَامِ الرَّاوِي عَلَيْهِ بَلْ بِالْتِزَامِهِ طَاعَةَ الشَّارِعِ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مُفْتَرِضُ الطَّاعَةِ فَإِذَا تَرَجَّحَ صِدْقُ الرَّاوِي يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِ امْتِثَالَ مَا يَرِدُ مِنْ الشَّارِعِ كَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ بِالْتِزَامِهِ وَتَقَلُّدِهِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ لَا بِإِلْزَامِ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدِ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَرْوِيِّ يَلْزَمُ الرَّاوِيَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْوِلَايَةُ وَلِهَذَا جَعَلَ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ الْوِلَايَةِ لِلشَّاهِدِ لِيُمْكِنَ الْإِلْزَامُ بِشَهَادَتِهِ وَلَا شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ بِالنَّصِّ كَمَا عُرِفَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ (نَفْيُ) قَبُولِ (رِوَايَتِهِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكَذِبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] .

وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ عَدَمُ الْحَدِّ مُخْتَصًّا بِالشَّهَادَةِ (وَالظَّاهِرُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ قَبُولِ رِوَايَتِهِ (لِقَبُولِ) الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ رِوَايَةَ (أَبِي بَكْرَةَ) مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالِ أَحَدٍ بِطَلَبِ التَّارِيخِ فِي خَبَرِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَمْ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْحَدِّ مُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ

ص: 245

لِمَا ذَكَرْنَا وَرِوَايَةُ الْخَبَرِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا وَلَا شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِمَا رَوَى الْخَصَّافُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ» وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَلَا ذِي الْحِنَةِ» وَالظِّنَّةُ التُّهْمَةُ وَالْحِنَةُ الْعَدَاوَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ لَيْسَتْ فِي هَذَا كَالشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَظَهَرَ) مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا وَتَفْسِيرُهَا وَتَفْسِيرُهُ (أَنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ شَرَطَ الْإِسْلَامَ بِالْبَيَانِ إجْمَالًا) بِأَنْ يَقُولَ عَنْ تَصْدِيقٍ قَلْبِيٍّ آمَنْت بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَفْصِيلًا حَرَجًا (أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ بَيَانِ الْإِسْلَامِ إجْمَالًا (مِنْ الصَّلَاةِ) فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَالزَّكَاةِ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِنَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (دُونَ النَّشْأَةِ فِي الدَّارِ) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ (بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَذَا الْإِسْلَامِ الْحُكْمِيِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا ظَهَرَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا وَتَفْسِيرِهِ لِظُهُورِ انْتِفَائِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ فَالِاعْتِذَارُ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ ذِكْرِهَا بِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَبُولَ خَبَرِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ وَلِهَذَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الْكَافِرِ إذَا شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ وَطَعْنُ الْخَصْمِ فِيهِ سَاقِطٌ وَوَصْفُ الْكَافِرِ بِهَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مَجَازٌ عَنْ اسْتِقَامَتِهِ عَلَى مُعْتَقِدِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا هَذَا) كُلَّهُ (فِي الرِّوَايَةِ) لِلْأَخْبَارِ (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الرِّوَايَةِ (لَا يُقْبَلُ الْكَافِرُ مُطْلَقًا فِي الدِّيَانَاتِ كَنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ) أَيْ السَّامِعِ (صِدْقُهُ) أَيْ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ وَفِي قَبُولِ خَبَرِهِ جَعَلَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ (إلَّا أَنَّ فِي النَّجَاسَةِ تُسْتَحَبُّ إرَاقَتُهُ) أَيْ الْمَاءِ (لِلتَّيَمُّمِ دَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ الْعَادِيَّةِ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْ خَبَرِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي الصِّدْقَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ بَلْ تَتَنَجَّسُ الْأَعْضَاءُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِرَاقَةِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ لِتَحْصُلَ الطَّهَارَةُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَقِينٍ (وَلَا تَجُوزُ) الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ (قَبْلَهَا) أَيْ إرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ الطَّاهِرِ ظَاهِرًا (بِخِلَافِ)(خَبَرِ الْفَاسِقِ بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ (وَبِحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ يَحْكُمُ) السَّامِعُ (رَأْيَهُ فَيَعْمَلُ بِالنَّجَاسَةِ وَالْحُرْمَةِ إنْ وَافَقَهُ) أَيْ رَأْيَهُ كُلًّا مِنْهُمَا لِأَنَّ أَكْثَرَ الرَّأْيِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَبَنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْيَقِينِ (وَالْأَوْلَى إرَاقَةُ الْمَاءِ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَيُرِيقُهُ لِيَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ (لِيَتَيَمَّمَ) أَيْ لِيَجُوزَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِيَقِينٍ (وَتَجُوزُ) صَلَاتُهُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ تَجِبُ (إنْ لَمْ يُرِقْهُ) لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْكَافِرِ بِهِ (لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَاسِقِ (لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَاصٌّ) بِالنِّسْبَةِ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَعْنِي لَيْسَ بِأَمْرٍ يَقِفُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ حَتَّى يُمْكِنَ تَلَقِّيهِ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ رُبَّمَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْفَاسِقُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَيَافِيِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْغَالِبُ فِيهِمَا الْفُسَّاقُ فَقُبِلَ مَعَ التَّحَرِّي لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ (لَكِنَّهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (غَيْرُ لَازِمَةٍ) لِلْمَاءِ بَلْ عَارِضَةٌ عَلَيْهِ (فَضَمَّ التَّحَرِّيَ) إلَى إخْبَارِهِ (كَيْ لَا يُهْدَرَ فِسْقُهُ بِلَا مُلْجِئٍ وَالطَّهَارَةُ) تَثْبُتُ (بِالْأَصْلِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِهِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ (بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي عُدُولِ الرُّوَاةِ كَثْرَةً بِهِمْ غُنْيَةٌ) عَنْ الْفَسَقَةِ فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْفَاسِقِ أَصْلًا وَقَعَ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُهُ أَوَّلًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ (فِي الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) حَيْثُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ ضَمِّ التَّحَرِّي إلَيْهِ (لِلُزُومِهَا) أَيْ الضَّرُورَةِ (لِلْكَثْرَةِ) لِوُجُودِهَا.

(وَلَا دَلِيلَ) مُتَيَسِّرٍ (سِوَاهُ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ

ص: 246