الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِلَّا لَكَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا بِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَالْمُجْتَهِدُ فَاسِقًا بِعَمَلِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ فِيهِمَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ عَدْلًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَحُكْمُهُ بِشَهَادَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ عَدْلًا فَعَمَلُهُ بِرِوَايَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ تَعْدِيلًا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي الْعَمَلِ سِوَى رِوَايَتِهِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَمَلَهُ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ) شَيْءٌ (سِوَى كَوْنُهُ) أَيْ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ (عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ مَا رَوَاهُ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ وَبَقِيَ هَلْ رِوَايَةُ الْعَدْلِ الْحَدِيثَ عَنْ الرَّاوِي تَعْدِيلٌ لَهُ قِيلَ نَعَمْ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا إنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ فَتَعْدِيلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتَوَقَّفَ فِيهَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرِّوَايَةِ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ عَلَى السَّامِعِ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ الْغَايَةُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْته يَقُولُ فَعَلَى السَّامِعِ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ بِرِوَايَتِهِ وَإِلَّا فَالتَّقْصِيرُ مِنْ قِبَلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ]
(تَنْبِيهٌ حَدِيثُ) الرَّاوِي (الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ) لِعَدَمِ تَأْثِيرِ مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَلِغَيْرِهِ) أَيْ وَحَدِيثُ الضَّعِيفِ لِغَيْرِ الْفِسْقِ كَسُوءِ الْحِفْظِ مَعَ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ (يَرْتَقِي) بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَصَحُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ (إلَى الْمَوْضُوعِ فَلَا) يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (أَوْ خِلَافُهُ) أَيْ الْمَوْضُوعِ (فَنَعَمْ) أَيْ يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (لِوُجُوبِ الرَّدِّ لِلْفِسْقِ وَبِالتَّعَدُّدِ) لِطُرُقِهِ (لَا يَرْتَفِعُ) الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ بِفِسْقِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الرَّدِّ (لِسُوءِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ) أَيْ رَدَّهُ (لِوَهْمِ الْغَلَطِ وَالتَّعَدُّدِ يُرَجَّحُ أَنَّهُ) أَيْ الرَّاوِيَ السَّيِّئُ الْحِفْظِ (أَجَادَ فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَرْوِيِّ (فَيَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَأَمَّا) الطَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ (بِالْجَهَالَةِ) لِرَاوِيهِ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ بِحَدِيثَيْنِ (فَبِعَمَلِ السَّلَفِ) بِهِ يَزُولُ الطَّعْنُ فِيهِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِهِ إمَّا لِعِلْمِهِمْ بِعَدَالَةِ الرَّاوِي وَحُسْنِ ضَبْطِهِ أَوْ لِمُوَافَقَتِهِ سَمَاعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ سَامِعٍ مِنْهُ ذَلِكَ مَشْهُورٌ لِانْتِفَاءِ اتِّهَامِهِمْ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَعَ مَا لَهُمْ مِنْ الرُّتْبَةِ الْعَالِيَةِ فِي الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى (وَسُكُوتُهُمْ) أَيْ السَّلَفِ (عِنْدَ اشْتِهَارِ رِوَايَتِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَاوِيهِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ (كَعَمَلِهِمْ) بِهِ (إذْ لَا يَسْكُنُونَ عَنْ مُنْكَرٍ) يَسْتَطِيعُونَ إنْكَارَهُ وَالْفَرْضُ ثُبُوتُ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ.
(فَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ الْحَدِيثَ (بَعْضٌ) مِنْهُمْ (وَرَدَّهُ آخَرُ) مِنْهُمْ (فَكَثِيرٌ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى الرَّدِّ وَالْحَنَفِيَّةِ يُقْبَلُ وَلَيْسَ) قَبُولُهُ (مِنْ تَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ لِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ) بِالْحَدِيثِ (لَيْسَ جُرْحًا) فِي رَاوِيهِ (كَمَا سَنَذْكُرُ فَهُوَ) أَيْ قَبُولُ الْبَعْضُ لَهُ (تَوْثِيقٌ) لِلرَّاوِي (بِلَا مُعَارِضٍ وَمَثَّلُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ مَا قَبِلَهُ بَعْضُهُمْ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ (بِحَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَضَى لِبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ» قَبِلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَرَدَّهُ عَلِيٌّ) فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْت فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقَيْنِ بِسِيَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا مُخْتَصَرٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدِ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ إلَخْ وَثَانِيهِمَا نَحْوَ هَذَا وَفِيهِ فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَابْنُ سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ قَالَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لَكَانَ الْحُجَّةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ بِمِصْرَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ بِحَدِيثِ بِرْوَعَ اهـ.
لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَسَانِيدِهَا صِحَاحٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ نَقُولُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَمَلَهُ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ (كَانَ بِالرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّهُ سُرَّ بِرِوَايَةِ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِهِ مِنْ إلْحَاقِ الْمَوْتِ بِالدُّخُولِ بِدَلِيلِ إيجَابِ الْعِدَّةِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (كَالدُّخُولِ وَهُوَ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ (أَعَمُّ مِنْ الْقَبُولِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَأْيِهِ الْمَذْكُورِ (كَالْمُتَابَعَاتِ) فِي بَابِ الرِّوَايَاتِ لِإِفَادَةِ التَّقْوِيَةِ (إلَّا أَنْ يُنْقَلَ) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّهُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا (اسْتَدَلَّ بِهِ) أَيْ بِالْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى رَأْيِهِ (وَهَذَا نَظَرٌ فِي الْمِثَالِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ قَبُولَ مَا قَبِلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ (فِي تَقْسِيمِ الرَّاوِي الصَّحَابِيِّ إلَى مُجْتَهِدٍ كَالْأَرْبَعَةِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم (وَالْعَبَادِلَةِ) جَمْعُ عَبْدَلٍ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي زَيْدٍ زَيْدَلَ أَوْ عَبْدٍ وَضْعًا كَالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ وَهُمْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ مَقَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ (فَيُقَدَّمُ) خَبَرُهُ (عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ (وَ) إلَى (عَدْلٍ ضَابِطٍ) غَيْرِ مُجْتَهِدٍ (كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَسَلْمَانَ وَبِلَالٍ فَيُقَدَّمُ) خَبَرُهُ (إلَّا إنْ خَالَفَ كُلَّ الْأَقْيِسَةِ عَلَى قَوْلِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ) وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ (كَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ) وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَالتَّصْرِيَةُ رَبْطُ أَخْلَافِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا ثُمَّ إذَا حَلَبَهَا الْحَلْبَةَ أَوْ الْحَلْبَتَيْنِ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا وَهَذَا غُرُورٌ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا فَذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيّ نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِ الْأَمَالِي عَنْهُ وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ لِلْخَطَّابِيِّ وَابْنِ قُدَامَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ قِيمَةِ اللَّبَنِ.
وَلَمْ يَأْخُذْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِهِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ (فَإِنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ وَضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَمَا يَأْتِي (وَلَوْ) كَانَ اللَّبَنُ (قِيَمِيًّا فَبِالْقِيمَةِ) أَيْ فَضَمَانُهُ بِهَا مِنْ النَّقْدَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا (لَا كَمِّيَّةِ تَمْرٍ خَاصَّةً وَلِتَقْوِيمِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِقَدْرٍ وَاحِدٍ) وَالْمَضْمُونُ إنَّمَا يَكُونُ قَدْرُ ضَمَانِهِ بِقَدْرِ التَّالِفِ مِنْهُ إنْ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ وَإِنْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ (وَرُبَّ شَاةٍ) تَكُونُ (بِصَاعٍ) مِنْ التَّمْرِ خُصُوصًا فِي غَلَائِهِ (فَيَجِبُ رَدُّهَا مَعَ ثَمَنِهَا) فَيَكُونُ رِبًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ خَبَرُ الْعَدْلِ الضَّابِطِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَخَبَرِ الْمُجْتَهِدِينَ (وَيَأْتِي الْوَجْهُ) فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ (وَتَرْكُهُ) أَيْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ (لِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى} [البقرة: 194] وَ) مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ (الْمَشْهُورَةِ) وَهِيَ مَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا أَيْ نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ» إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا رَوَى مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ «وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ مَعْنَاهُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْمَمْلُوكَ فَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُضِيَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَأْخُذُهُ وَيَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ طَيِّبَةً وَهُوَ الْخَرَاجُ وَإِنَّمَا طَابَتْ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ وَلَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ.
(وَ) مُخَالَفَةُ
(الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّضْمِينِ بِالْمِثْلِ) فِي الْمِثْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ (أَوْ الْقِيمَةِ) فِي الْقِيَمِيِّ الْفَائِتِ عَيْنُهُ أَوْ الْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ فَضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ قَوْلُ الضَّامِنِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ فَكَانَ إيجَابُ التَّمْرِ مَكَانَ اللَّبَنِ مُطْلَقًا مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْقِيَاسِ أَيْضًا عَلَى سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الْمِثْلِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ مُضْطَرِبُ الْمَتْنِ فَمَرَّةً جَعَلَ الْوَاجِبَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَمَرَّةً صَاعًا مِنْ طَعَامٍ غَيْرِ بُرٍّ وَمَرَّةً مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا وَمَرَّةً ذَكَرَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرْهُ وَقِيلَ هُوَ مَنْسُوخٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُجْمَلًا فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ نَسَخَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَلَمَّا قَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْفُرْقَةِ الْخِيَارُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَجْعُولَ فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهُوَ لَا يَقْطَعُهُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ عِنْدَنَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَلِفِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ وَأَخَذَ بِهِ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَا كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ تُؤْخَذُ بِالْأَمْوَالِ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ الرِّبَا فَرُدَّتْ الْأَشْيَاءُ الْمَأْخُوذَةُ إلَى أَمْثَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا أَمْثَالٌ وَإِلَى قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ لَا أَمْثَالَ لَهَا (وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقِيهٌ) لَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ أَفْتَى فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِمْ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَمَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالُ كَوَابِصَةَ) بْنِ مَعْبَدٍ وَالتَّمْثِيلُ بِهِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ الْمَذْكُورِ عِنْدَهُمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَاتَه إلَّا بِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ وَلَا طُولُ صُحْبَتِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ بِالنُّصُوصِ وَاشْتُهِرَ طُولُ صُحْبَتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَأَمْثَالُهُ كَسَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَإِنْ رَأَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَوْا عَنْهُ لَا يَعُدُّونَ مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ صُحْبَتِهِمْ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجُوا «لِوَابِصَةَ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إلَّا سَأَلْته عَنْهُ» الْحَدِيثَ «وَأَنَّ رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِيدَ» وَابْنُ مَاجَهْ أَخْرَجَ لَهُ أَيْضًا «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَالطَّبَرَانِيُّ أَخْرَجَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أُخْرَى أَحَدَهَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ الدَّوَابِّ مَنَابِرَ» ثَانِيَهَا «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ الْوَسَخِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَظْفَارِ فَقَالَ دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» ثَالِثَهَا «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبِّقِ وَاسْمُ الْمُحَبِّقِ صَخْرٌ أَخْرَجَ لَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ وَأَحْمَدُ حَدِيثَيْنِ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا. نَعَمْ مَعْقِلٌ رَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ حَدِيثًا وَالنَّسَائِيِّ حَدِيثًا (فَإِنْ قَبِلَهُ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا إذَا بَلَغَهُمْ أَوْ اخْتَلَفُوا قُبِلَ) وَقُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ (كَحَدِيثِ مَعْقِلٍ) السَّابِقِ فِي بِرْوَعَ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ صَارَ كَأَنَّهُ رَوَاهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا قَبِلَهُ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ رَدِّهِ بَعْدَمَا بَلَغَهُمْ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ عُدُولٌ أَهْلُ فِقْهٍ لَا يُتَّهَمُونَ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِقَبُولِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِالسُّكُوتِ عَنْ رَدِّ مَا يَجِبُ رَدُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّضَا بِالْمَسْمُوعِ (أَوْ رَدُّوهُ) أَيْ السَّلَفُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِ (لَا يَجُوزُ) الْعَمَلُ بِهِ (إذَا خَالَفَهُ) الْقِيَاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ بِرَدِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّدِّ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ اتَّهَمُوهُ فِي الرِّوَايَةِ (وَسَمَّوْهُ مُنْكَرًا كَحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (رَدَّهُ عُمَرُ) فَقَالَ لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
(وَقَالَ مَرْوَانُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حِينَ أَخْبَرَ) بِحَدِيثِهَا الْمَذْكُورِ (لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا امْرَأَةٌ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا وَهُمْ) أَيْ النَّاسُ يَوْمئِذٍ (الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فَدَلَّ أَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ) حَدِيثُ الْمَجْهُولِ (فِي السَّلَفِ بَلْ) ظَهَرَ (بَعْدَهُمْ فَلَمْ يَعْلَمْ رَدَّهُمْ وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمَ رَدِّهِ (جَازَ) الْعَمَلُ بِهِ (إذَا لَمْ يُخَالِفْ) الْقِيَاسَ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا لِغَلَبَتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (وَلَمْ يَجِبْ) الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْعًا لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (فَيَدْفَعَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ أَيْ لِيَدْفَعَ (نَافِيَ الْقِيَاسِ) عَنْ مَنْعِ هَذَا الْحُكْمِ (أَوْ يَنْفَعَهُ) أَيْ نَافِيَ الْقِيَاسِ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِدَفْعِ جَوَابِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ إذَا وَافَقَهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ فَمَا فَائِدَةُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ بِأَنَّهَا جَوَازُ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ نَافِي الْقِيَاسِ مِنْ مَنْعِ هَذَا الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْحَدِيثِ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ) الدَّفْعَ أَوْ النَّفْعَ (لَوْ قَبِلَهُ) أَيْ السَّلَفُ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِهِ وَقَدْ يَنْفَعُهُ حَيْثُ يُضِيفُ الْحُكْمَ إلَيْهِ لَا إلَى الْقِيَاسِ لَكِنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَهُمْ (وَرِوَايَةُ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ فِي زَمَانِنَا لَا تُقْبَلُ) مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِقَبُولِ الْعُدُولِ لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ لِلرَّاوِي الصَّحَابِيِّ (بَلْ وَضْعُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا هُوَ (أَعَمُّ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَالرَّاوِي إنْ عُرِفَ بِالْفِقْهِ إلَخْ غَيْرَ أَنَّ التَّمْثِيلَ وَقَعَ بِالصَّحَابَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ يَلْزَمُ) كَوْنُ الرَّاوِي (صَحَابِيًّا) مِنْ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ (فَصَارَ هَذَا حُكْمَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَيْضًا وَلَا جَرْحَ) لِلرَّاوِي وَالشَّاهِدِ (بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا شَهَادَةٍ) لَهُمَا (لِجَوَازِهِ) أَيْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ (بِمُعَارِضٍ) مِنْ رِوَايَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ أُخْرَى أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ غَيْرِ الْعَدَالَةِ لَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ مَجْرُوحٌ.
قَالَ السُّبْكِيُّ فَإِنْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ بِأَسْرِهَا وَكَانَ مَضْمُونُ الْخَبَرِ وُجُوبًا فَتَرْكُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ جُرْحًا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَهُوَ وَاضِحٌ قُلْت نَعَمْ فِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا فِي الصَّحَابِيِّ فَلَا وَسَتَقِفُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ لِلْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ سَبْعِ مَسَائِلَ (وَلَا) جُرْحَ (بِحَدٍّ لِشَهَادَةٍ بِالزِّنَى مَعَ عَدَمِ) كَمَالِ (النِّصَابِ) لِلشَّهَادَةِ بِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى فِسْقِ الشَّاهِدِ وَتَقَدَّمَ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي الْعَدَالَةِ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَدَّهَا بِهِ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ (وَلَا) جَرْحَ (بِالْأَفْعَالِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا) مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ بِإِبَاحَتِهَا أَوْ مُقَلِّدِهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَاللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ بِلَا قِمَارٍ وَتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَرَكْضِ الدَّابَّةِ) أَيْ حَثُّهَا لِتَعْدُوَ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِإِفْرَاطِ شُعْبَةَ لَمَّا قِيلَ لَهُ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ قَالَ رَأَيْته يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ إذْ مَا يَلْزَمُ مِنْ رَكْضِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ وَكَيْفَ وَهُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ وَاللَّفْظُ لَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي ضَمَرَتْ مِنْ الْحَيْفَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تَضْمُرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا» (وَكَثْرَةِ الْمِزَاحِ غَيْرِ الْمُفْرِطِ) بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْزَحُ أَحْيَانًا وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالُوا إنَّك تُدَاعِبُنَا قَالَ إنِّي وَإِنْ دَاعَبْتُكُمْ لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي فَقَالَ إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ قَالَ وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إلَّا النُّوقُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخِفَّةُ تَسْتَفِزُّهُ فَيَخْلِطُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَلَا يُبَالِي بِمَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ جُرْحًا (وَعَدَمِ اعْتِيَادِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِتْقَانُ وَرُبَّمَا يَكُونُ إتْقَانُ مَنْ لَمْ تَصِرْ الرِّوَايَةُ عَادَةً لَهُ فِيمَا يَرْوِي أَكْثَرَ مِنْ إتْقَانِ مَنْ اعْتَادَهَا وَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَغِلُ