الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَارَضَا إذْ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ نَصٌّ عَلَى الْحُكْمِ فِي مَحَلِّهَا) وَهُوَ الْفَرْعُ (وَقَدْ قَطَعَ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ (فِيهِ) أَيْ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ (وَالتَّوَقُّفُ) فِيمَا أَوْجَبْنَاهُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ ظَنِّيًّا (لِتَعَارُضِ التَّرْجِيحَيْنِ خَبَرَ الْعِلَّةِ بِالْفَرْضِ) فَإِنَّ الْفَرْضَ رُجْحَانُهُ (وَالْآخَرُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْآخَرُ (بِقِلَّةِ الْمُقَدِّمَاتِ) لِعَدَمِ انْضِمَامِ الْقِيَاسِ إلَيْهِ (وَعَلِمْت مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِالْبَحْثِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَقَلُّ مَحَالَّ لِلِاجْتِهَادِ مِنْ الْخَبَرِ (هَذَا إذَا تَسَاوَيَا) أَيْ الْقِيَاسُ وَالْخَبَرُ الْمُتَعَارِضَانِ بِحَيْثُ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْخَبَرُ وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورَانِ (عَامًّا) أَحَدُهُمَا (وَخَاصًّا) الْآخَرُ (فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (كَيْفَ اتَّفَقَ) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهِيَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ فَعَلَى الشَّافِعِيَّةِ يَخُصُّ الْخَاصُّ مُطْلَقًا وَيَجْرِي فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ اعْتِبَارُهُ بَيْنَ خَبَرِ الْعِلَّةِ وَالْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لِمُقْتَضَى الْعِلَّةِ وَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ قُدِّمَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ الْعَامُّ هُوَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُعَارِضَ لِخَبَرِ الْعِلَّةِ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيمَا سِوَى مَحَلِّ الْقِيَاسِ الَّذِي بِهِ وَقَعَ التَّخْصِيصُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي الَّذِي أَخْرَجَهُ نَصُّ الْعِلَّةِ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ خَبَرَ الْعِلَّةِ فَعَلَى الْقَلْبِ أَيْ يَكُونُ الْعَمَلُ بِمَا بِهِ التَّخْصِيصُ وَهُوَ الْمُخْرَجُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي غَيْرِهِ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَارَضَانِ وَيُرَجَّحُ فَيَكُونُ إمَّا عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْكُلِّ وَأُهْدِرَ خَبَرُ الْعِلَّةِ أَوْ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ فِي الْكُلِّ وَأُهْدِرَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالثَّانِي اعْتِبَارُهُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَيَخُصُّ الْقِيَاسُ عُمُومَ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِأَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَبِالْقَلْبِ هَذَا وَفِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ خَصَّهُ الْقِيَاسُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ أَخَصَّ مِنْ الْقِيَاسِ فَعَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهَا بِهِ يُعْمَلُ بِالْخَبَرِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَبِالْقِيَاسِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى بُطْلَانِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ هُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ الصَّادِرَةِ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ]
(مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ) أَيْ الصَّادِرَةِ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (الْإِبَاحَةُ لَنَا وَلَهُ وَفِيمَا ثَبَتَ خُصُوصُهُ) أَيْ كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ كَإِبَاحَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فِي النِّكَاحِ وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ (اخْتِصَاصُهُ) بِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ (وَفِيمَا ظَهَرَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] ( «وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (فِي أَثْنَاءِ حَجِّهِ) أَيْ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97](أَوْ) بَيَانًا بِفِعْلٍ صَالِحٍ لِلْبَيَانِ (بِقَرِينَةِ حَالٍ كَصُدُورِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) إلَى بَيَانِ لَفْظٍ مُجْمَلٍ (بَعْدَ تَقَدُّمِ إجْمَالٍ) لَهُ حَالَ كَوْنِ الْفِعْلِ (صَالِحًا لِبَيَانِهِ) يَكُونُ بَيَانًا لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بَيَانًا (كَالْقَطْعِ مِنْ الْكُوعِ وَالتَّيَمُّمِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِآيَتَيْهِمَا) أَيْ السَّرِقَةِ وَالتَّيَمُّمِ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تُذَيِّلُ بَحْثَ الْمُجْمَلِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي آيَةِ الْقَطْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَلِّ
وَأَمَّا أَنَّهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ فِي الْيَدِ فَتَقَدَّمَ نَفْيُهُ ثَمَّةَ فَحِينَئِذٍ التَّمْثِيلُ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الشِّرْذِمَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا مُجْمَلَةٌ أَوْ يُرَادُ بِكَوْنِهِ بَيَانًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ أَوْ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ مُطْلَقٍ ثُمَّ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَدِيٍّ هُوَ ابْنُ عَدِيٍّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ مِنْ الْمَفْصِلِ» وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ قَطْعُهَا مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا بِفِعْلِهِ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ كَمَا فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثِيَابُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَأَتَى سَارِقٌ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
فَأَقَرَّ السَّارِقُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْمَفْصِلِ» فَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِهِ لِمَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا عَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ» وَفِي إسْنَادِهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ ضَعِيفٌ لَكِنْ تَابَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَفِي كَوْنِ هَذَا مُبِينًا لِآيَةِ التَّيَمُّمِ كَلَامٌ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهِ أَلْيَقُ (بِخِلَافِهِمَا) أَيْ الْمَرْفِقَيْنِ (فِي الْغَسْلِ) فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ غَسْلَهُ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمَا كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَيْسَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6](لِذِكْرِ الْغَايَةِ وَعَدَمِ إجْمَالِ أَدَاتِهَا) أَيْ الْغَايَةِ بِخِلَافِ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا (وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْبَيَانُ وَالْخُصُوصِيَّةُ (وَعُرِفَ صِفَتُهُ) فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم (مِنْ وُجُوبٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ نَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ (فَالْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْجَصَّاصُ أُمَّتُهُ مِثْلُهُ) فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ لَهُ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ لَهُمْ
(وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَلَّادٍ أُمَّتُهُ مِثْلُهُ (فِي الْعِبَادَات) فَقَطْ (وَالْكَرْخِيُّ) وَالدَّقَّاقُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ (يَخُصُّهُ) أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْفِعْلَ بِصِفَتِهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (إلَى) قِيَامِ (دَلِيلِ الْعُمُومِ) لَهُمْ أَيْضًا (وَقِيلَ) هُوَ (كَمَا لَوْ جَهِلَ) أَيْ لَمْ يَعْلَمْ وَصْفَهُ (وَلَيْسَ) هَذَا الْقَوْلُ (مُحَرَّرًا إلَّا أَنْ يَعْرِفَ قَوْلَهُ) أَيْ هَذَا الْقَائِلُ (فِي الْمَجْهُولِ) وَصْفَهُ (وَلَمْ يَدْرِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَوْلَهُ فِيهِ فَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ جَهَالَةٌ (أَوْ يُرِيدُ مَنْ قَالَ فِي الْمَجْهُولِ) مَا قَالَ (فَلَهُ فِي الْمَعْلُومِ مِثْلُهُ فَبَاطِلٌ فَمَنْ سَيَعْلَمُ قَائِلًا بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمَجْهُولِ قَوْلُهُمْ فِي الْمَعْلُومِ شُمُولُ صِفَتِهِ) لَهُمْ أَيْضًا فَقَوْلُهُ فَمَنْ سَيَعْلَمُ مُبْتَدَأٌ وَقَائِلًا حَالٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَشُمُولُ صِفَتِهِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ وَقَدْ أَجْرَى الْمُصَنِّفُ الِاسْتِعْمَالَيْنِ الْإِفْرَادَ وَالْجَمْعَ فِي مَنْ فَالْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ قَائِلًا وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ قَوْلُهُمْ (لَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَى فِعْلِهِ احْتِجَاجًا وَاقْتِدَاءً كَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ «فَقَالَ عُمَرُ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك» ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَلَمْ يُنْكِرْ) عَلَى عُمَرَ ذَلِكَ (وَتَقْبِيلِ الزَّوْجَةِ صَائِمًا) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَكَثِيرٌ) وَلَا سِيَّمَا فِي أَبْوَابِ الْعِبَادَاتِ كَمَا يُحِيطُ بِهِ مُسْتَقْرَؤُهُ مِنْ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ (وَأَيْضًا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَالتَّأَسِّي فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ (عَلَى وَجْهِهِ لِأَجْلِهِ) فَاحْتَرَزَ بِمِثْلِ فِعْلِهِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ بِأَنْ تَخْتَلِفَ صُورَةُ الْفِعْلِ كَالْقِيَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُعُودِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَأَسِّيًا وَبِعَلَى وَجْهِهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي الصِّفَةِ وَالْغَرَضِ وَالنِّيَّةِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ وَاجِبًا عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ لَا يَكُونُ مُتَأَسِّيًا بِمَنْ فَعَلَهُ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي الصُّورَةِ وَبِقَوْلِهِ لِأَجْلِهِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ فِعْلُ جَمَاعَةٍ فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ وَالْقَصْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُ أَحَدِهِمْ لِأَجْلِ فِعْلِ الْآخَرِ كَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ لَا يُقَالُ تَأَسَّى الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ وَلَا يُخِلُّ بِالتَّأَسِّي مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْقُيُودِ اخْتِلَافُ الْفِعْلَيْنِ زَمَانًا وَمَكَانًا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَكَانِ كَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِعَرَفَاتٍ أَوْ بِالزَّمَانِ كَاخْتِصَاصِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِهِ وَلَا كَوْنُ فِعْلِ الْغَيْرِ مُتَكَرِّرًا أَوْ لَا وَمِثْلُ التَّأَسِّي فِي الْفِعْلِ التَّأَسِّي فِي التَّرْكِ وَهُوَ تَرْكُ الشَّخْصِ فِعْلًا مِثْلَ مَا تَرَكَهُ الْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ لِأَجْلِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ لِلْغَيْرِ فِعْلُ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَإِلَّا فَفِعْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ مُنَازَعَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ
(وَأَمَّا) قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37](فَبِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ) يَدُلُّ (عَلَى اتِّحَادِ حُكْمِهِ) صلى الله عليه وسلم (بِهِمْ) أَيْ مَعَ حُكْمِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَّلَ تَزْوِيجَهُ صلى الله عليه وسلم بِنَفْيِ الْحَرَجِ الْكَائِنِ فِي تَحْرِيمِ
زَوْجَاتِ الْأَدْعِيَاءِ وَمَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يُزَوِّجْهُ ثَبَتَ الْحَرَجُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ وَثُبُوتُ الْحَرَجِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ حُكْمُهُمْ بِحُكْمِهِ وَلَمْ يَتَّحِدَ (وَمَا جَهِلَ وَصْفَهُ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَّةِ مَذَاهِبُ (فَأَبُو الْيُسْرِ) قَالَ (إنْ) كَانَ (مُعَامَلَةً فَالْإِبَاحَةُ إجْمَاعٌ وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي الْقُرْبِ فَمَالِكٌ شُمُولَ الْوُجُوبِ) لَهُ وَلَنَا (كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ (مُتَعَرِّضًا لِلْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِ الْكَرْخِيِّ مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ لِلتَّيَقُّنِ) أَيْ تَيَقُّنِهَا فِي الْفِعْلِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهَا دُونَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ (وَلَيْسَ لَنَا اتِّبَاعُهُ) إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ (وَقَوْلُ الْجَصَّاصِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ) وَمُتَابِعِيهِمْ (الْإِبَاحَةُ فِي حَقِّهِ وَلَنَا اتِّبَاعُهُ) مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ (وَالْقَوْلَانِ) أَيْ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ (يُعَكِّرَانِ نَقْلَ أَبِي الْيُسْرِ) الْإِجْمَاعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْبِ وَغَيْرِهَا فَيَتَنَاوَلُ الْمُعَامَلَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا لَيْسَ بِمُعَامَلَةٍ بِقَرِينَةِ جَعْلِهِ قَسِيمًا لَهَا (وَخَصَّ الْمُحَقِّقُونَ الْخِلَافَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ فَالْوُجُوبُ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ خَيْرَانِ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى مَالِكٍ وَالْكَرْخِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا (وَالنَّدْبُ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ والْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْقَفَّالُ (وَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ الْإِبَاحَةَ وَهُوَ مَعْزُوٌّ فِي الْمَحْصُولِ إلَى مَالِكٍ (وَالْوَقْفُ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ فِي الْمَحْصُولِ إلَى الصَّيْرَفِيِّ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالدَّقَّاقِ وَابْنِ كَجٍّ وَفِي غَيْرِهِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ
(وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ) وَابْنِ الْحَاجِبِ (إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَالنَّدْبُ وَإِلَّا فَالْإِبَاحَةُ وَيَجِبُ) أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ (قَيْدًا لِقَوْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْأُمَّةِ) وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْبِ عَمَلُهُ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِ الْإِبَاحَةِ بِالتَّيَقُّنِ (الْوُجُوبُ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] أَيْ افْعَلُوهُ فَفِعْلُهُ مِمَّا أَتَى بِهِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا أَمَرَكُمْ) بِهِ قَوْلًا (بِقَرِينَةِ مُقَابِلِهِ وَمَا نَهَاكُمْ) لِيَتَجَاوَبَ طَرَفَا النَّظْمِ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْفَصَاحَةِ الْوَاجِبِ رِعَايَتُهَا فِي الْقُرْآنِ (قَالُوا) ثَانِيًا قَالَ تَعَالَى {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ
(قُلْنَا هُوَ) أَيْ الِاتِّبَاعُ (فِي الْفِعْلِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِصِفَتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْمُتَّبِعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاتِّبَاعَ فِي الْفِعْلِ (فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ فِعْلِهِ) الْمُتَّبَعِ (وَالْكَلَامُ فِي مَجْهُولِهَا) أَيْ الصِّفَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّبَاعُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم (وَقَدْ مَنَعَ اعْتِبَارَ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي الِاتِّبَاعِ فِيهِ) أَيْ الْفِعْلِ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاتِّبَاعَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ بَلْ يَجِبُ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صِفَتَهُ فِي حَقِّ الْمُتَّبِعِ وَرَشَّحَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَفِي عِبَارَةِ الْإِبَاحَةِ وَلَنَا اتِّبَاعُهُ) أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَتْ صِفَةُ الْفِعْلِ أَوْ لَا فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ (بَلْ الْجَوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ وَهُوَ فَاتَّبِعُوهُ عَامٌّ (مَخْصُوصٌ إذْ لَا يَجِبُ قِيَامٌ وَقُعُودٌ وَتَكْرِيرُ عِمَامَةٍ وَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ الْأَفْعَالِ أَيْ الِاتِّبَاعِ فِيهَا (وَلَا مُخَصِّصَ مُعَيِّنَ فَأَخَصَّ الْخُصُوصَ) أَيْ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الدَّلِيلِ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ (مِنْ مَعْلُومِ صِفَةِ الْوُجُوبِ) أَيْ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَعْلُومًا صِفَتُهُ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَقَدْ كَانَ إلَى آخِرِهَا) قَضِيَّةً (شَرْطِيَّةً مَضْمُونُهَا لُزُومُ التَّأَسِّي لِلْإِيمَانِ) إذْ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ فَلَهُ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (وَلَازِمُهَا عَكْسُ نَقِيضِهَا عَدَمُ الْإِيمَانِ لِعَدَمِ التَّأَسِّي وَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (حَرَامٌ فَكَذَا) مَلْزُومُهُ الَّذِي هُوَ (عَدَمُ التَّأَسِّي فَنَقِيضُهُ) وَهُوَ الْإِيمَانُ (وَاجِبٌ) فَكَذَا لَازِمُهُ الَّذِي هُوَ التَّأَسِّي وَإِلَّا ارْتَفَعَ اللُّزُومُ (وَالْجَوَابُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا قَبْلَهُ (لِأَنَّ التَّأَسِّي كَالِاتِّبَاعِ) وَهُوَ الْفِعْلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ لِأَجْلِهِ فَيَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ الْوُجُوبِ عَلَيْنَا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ (وَفِيهِ) مِنْ الْبَحْثِ (مِثْلُ مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ مَنْعُ اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي الِائْتِسَاءِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ الْجَوَابِ
يُؤْخَذُ أَيْضًا (الْجَوَابُ الْمُخْتَارُ) وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ التَّأَسِّي فِيمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ
(قَالُوا) رَابِعًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعُوا أَيْ أَصْحَابُهُ نِعَالَهُمْ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ أَلْقَيْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاك أَلْقَيْت فَأَلْقَيْنَا قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ (فَأَقَرَّهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ) بِفِعْلِهِ (وَبَيَّنَ سَبَبَ اخْتِصَاصِهِ بِهِ) أَيْ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ وَهُوَ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى (إذْ ذَاكَ) وَلَوْلَا وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ (قُلْنَا دَلِيلُهُمْ) عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (لَا فِعْلُهُ أَوْ فَهْمُهُمْ الْقُرْبَةَ) مِنْ الْخَلْعِ وَإِلَّا لَحَرُمَ أَوْ كُرِهَ (أَوْ مَنْدُوبًا) لَا وَاجِبًا (قَالُوا) خَامِسًا (أَمَرَهُمْ) أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ (بِالْفَسْخِ) أَيْ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ (فَتَوَقَّفُوا) عَنْ الْفَسْخِ (لِعَدَمِ فَسْخِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ) أَيْ تَوَقُّفَهُمْ لِعَدَمِ فَسْخِهِ (وَبَيَّنَ مَانِعًا) مِنْ الْفَسْخِ (يَخُصُّهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ (سَوْقُ الْهَدْيِ كَذَا ذَكَرَ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَنَّ النَّاسَ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَنْ نَظَرَ السُّنَنَ فَعَلِمَ أَنَّهُ غَضِبَ مِنْ تَوَقُّفِهِمْ) فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مَضَيْنَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْت مَنْ أَغْضَبك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَشْعَرْت أَنِّي أَمَرْت النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَحِلَّ كَمَا أَحَلُّوا» ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ (لَمْ يَلْزَمْ) مِنْهُ أَنَّهُ غَضَب لِتَوَقُّفِهِمْ (لِعَدَمِ الْفِعْلِ) مِنْهُ (بَلْ) إنَّمَا غَضِبَ (لِكَوْنِهِ) أَيْ تَوَقُّفِهِمْ (بَعْدَ الْأَمْرِ ثُمَّ بَيَّنَ مَانِعَهُ) مِنْ الْفِعْلِ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُمْ لَمْ يُنْكِرْهُ
(وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ لَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (ظَنُّهُ) أَيْ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ (أَمْرَ إبَاحَةٍ رُخْصَةٌ تَرْفِيهًا) لَهُمْ (وَأَظْهَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى مَا فِيهِ (أَمْرُهُ) صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ (بِالْحَلْقِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ مُخَفَّفَةٌ وَمُثَقَّلَةٌ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى التَّثْقِيلِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ (فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى حَلَقَ فَازْدَحَمُوا) كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اُخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَك وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضَهُمْ غَمًّا» اهـ إذْ هَذَا أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ أَنَّ تَوَقُّفَهُمْ كَانَ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَمَّا فَعَلَ فَعَلُوا (وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الْخَامِسِ (بِأَنَّ الْفَهْمَ) لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ فِعْلِهِ فَقَطْ بَلْ (مِنْ) قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (خُذُوا عَنِّي) مَنَاسِكَكُمْ وَهُوَ لَمْ يَحِلَّ فَلَمْ يَحِلُّوا كَمَا أَجَابُوا بِهِ (لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ) صلى الله عليه وسلم (قَالَهُ بَعْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ حِينَ أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ وَحَلْقِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ قَالَهُ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَطْعًا وَأَمَّا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ فَلِأَنَّ أَمْرَهُمْ بِهِ كَانَ فِي أَوَائِلِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ (بَلْ) الْجَوَابُ (مَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ إبَاحَةٍ فَلَمْ يَفْعَلُوا أَخْذًا بِالْأَحْمَزِ (أَوْ بِحَلْقِهِ) صلى الله عليه وسلم (عُرِفَ حَتْمُهُ) أَيْ أَنَّهُ أَمْرُ إيجَابٍ هَذَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ عَقِبَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَلَوْلَا أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت أَلَا فَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَلَعَلَّهُ قَالَهُ مِرَارًا وَعَلَى هَذَا فَيَتِمُّ ذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْضًا
(قَالُوا) سَادِسًا (اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ) لِقَدْرِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ (ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ) أَيْ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِ
كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ حَدِيثٍ لِأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ لَكِنْ لَا (لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ فِعْلُهُ) بَلْ لِقَوْلِهَا «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَإِنْ كَانَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْهَا بِغَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَعْدَ هَذَا اللَّفْظِ «فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاغْتَسَلْنَا» (أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ قَوْلًا «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ وَهْبٍ (وَإِنَّمَا يُفِيدُ) هَذَا الْجَوَابَ (إذَا رَوَتْهُ) أَيْ عَائِشَةُ هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ (لَهُمْ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (أَوْ هُوَ) أَيْ الْفِعْلُ الَّذِي رَوَتْهُ عَائِشَةُ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ (بَيَانُ) قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَيْ فَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلُهُ بَلْ إلَى أَمْرِهِ تَعَالَى بِالِاطِّهَارِ لِلْجُنُبِ وَبِالْفِعْلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَثْبُتُ بِهِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْإِنْزَالِ فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْكِتَابِ وَهُوَ إيجَابُ الْغُسْلِ فَإِذَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ الْبَيَانِيَّةِ (أَوْ تَنَاوُلِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (إذْ هُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (شَرْطُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ وَهُوَ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ الِالْتِقَاءِ بِالْغُسْلِ (أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ مِنْهَا) أَيْ عَائِشَةَ حَيْثُ حَكَتْ فِعْلَهُ وَالِاغْتِسَالَ مِنْهُ (إذْ كَانَ خِلَافُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ أَيْ أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ مِنْ حِكَايَتِهَا بِقَرِينَةٍ وَهِيَ سُؤَالُهُمْ لَهَا بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَوْلَا إشْعَارُ الْجَوَابِ بِهِ لَمَا تَطَابَقَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِمَّا عُلِمَ صِفَتُهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ
(قَالُوا) سَابِعًا الْوُجُوبُ (أَحْوَطُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ الْإِثْمِ قَطْعًا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الِاحْتِيَاطَ (فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ) عَلَى الْأُمَّةِ (وَفِعْلُهُ) صلى الله عليه وسلم (يَحْتَمِلُهُ) أَيْ التَّحْرِيمَ عَلَى الْأُمَّةِ (وَرُدَّ) هَذَا (بِوُجُوبِ صَوْمِ) يَوْمِ (الثَّلَاثِينَ) مِنْ رَمَضَانَ (إذَا غُمَّ الْهِلَالُ) لِشَوَّالٍ بِالِاحْتِيَاطِ وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنُهُ حَرَامًا لِكَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ (بَلْ الْجَوَابُ) عَنْ أَصْلِ الدَّلِيلِ (أَنَّهُ) أَيْ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا شُرِعَ (فِيمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ كَصَلَاةٍ نُسِيَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمُسُ احْتِيَاطًا (أَوْ كَانَ) ثُبُوتُ الْوُجُوبِ (الْأَصْلَ كَصَوْمِ) يَوْمِ (الثَّلَاثِينَ) مِنْ رَمَضَانَ إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ (النَّدْبُ الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ) دَفْعًا لِلتَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ (وَهُوَ) أَيْ التَّبْلِيغُ (مُنْتَفٍ بِالْفَرْضِ) إذْ الْكَلَامُ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ (وَأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تَنْفِي الْمُبَاحَ) لِأَنَّهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَلَا مَدْحَ عَلَى الْمُبَاحِ (فَتَعَيَّنَ النَّدْبُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ) الشَّرْعِيَّةَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إبَاحَةً (تَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ التَّبْلِيغَ فَإِنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ يَعُمُّهَا (فَلَوْ انْتَفَى) التَّبْلِيغُ (انْتَفَى النَّدْبُ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ حُسْنُ الِائْتِسَاءِ وَيَصْدُقُ) حُسْنُهُ (مَعَ الْمُبَاحِ) لِأَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ (قَالُوا) أَيْ النَّادِبُونَ ثَانِيًا (هُوَ) أَيْ النَّدْبُ (الْغَالِبُ مِنْ أَفْعَالِهِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ الْإِبَاحَةُ هُوَ) أَيْ الْمُبَاحُ (الْمُتَيَقَّنُ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ وَالْوُجُوبِ (فَيَنْتَفِي الزَّائِدُ) عَلَيْهَا (لِنَفْيِ الدَّلِيلِ) لَهُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا (وَجْهُ) قَوْلِ (الْآمِدِيِّ إذَا لَمْ تَظْهَرْ الْقُرْبَةُ) أَيْ قَصْدُهَا فِيهِ (وَإِلَّا) إذَا ظَهَرَ قَصْدُهَا فِيهِ (فَالنَّدْبُ) لِظُهُورِ الرُّجْحَانِ فِيهِ (وَيَجِبُ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ (كَذَا) أَيْ نَدْبًا عِنْدَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ (لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ (وَهُوَ) أَيْ النَّدْبُ (أَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَعَهَا) أَيْ الْقُرْبَةِ (إلَّا أَنْ لَا يُتْرَكَ) ذَلِكَ الْفِعْلُ (مَرَّةً عَلَى أُصُولِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فَالْوُجُوبُ) يَكُونُ حُكْمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ
(وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ الْقَرِينَةِ) لِلْقُرْبَةِ (الْمُتَيَقَّنِ الْإِبَاحَةِ وَعِنْدَ ظُهُورِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ لِلْقُرْبَةِ (وُجِدَ دَلِيلُ الزِّيَادَةِ) عَلَى الْإِبَاحَةِ (وَالنَّدْبُ مُتَيَقَّنٌ فَيَنْتَفِي الزَّائِدُ) وَهُوَ الْوُجُوبُ (وَعَدَمُ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ حَامِلِ الْوُجُوبِ الْكَرْخِيُّ جَازَتْ الْخُصُوصِيَّةُ) أَيْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّهِ كَمَا جَازَ مُشَارَكَةُ الْأُمَّةِ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِالْبَعْضِ وَمُشَارَكَةُ الْأُمَّةِ لَهُ فِي الْبَعْضِ (فَاحْتَمَلَ فِعْلُهُ التَّحْرِيمَ) عَلَى الْأُمَّةِ كَمَا احْتَمَلَ الْإِطْلَاقَ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ (فَيَمْنَعُ) فِعْلُهُ لَهُمْ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ يُرَجِّحُ أَحَدَ هَذَيْنِ الْجَائِزَيْنِ (الْجَوَابُ أَنَّ وَضْعَ مَقَامِ النُّبُوَّةِ لِلِاقْتِدَاءِ قَالَ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]