الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (مَمْنُوعٌ) قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ.
وَإِنَّمَا حَكَمُوا بِالِاسْتِبْعَادِ دُونَ الِاسْتِحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الْمَعْصِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي ابْتِدَائِهَا خَاصَّةً، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِذَا عَصَى الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِ شَخْصٍ آخَرَ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ عَلَى مَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» لَمْ يَسْتَبْعِدْ مَعْصِيَتَهُ لِفِعْلٍ لَهُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِهِ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ وَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ (وَادِّعَاءِ جِهَتَيْ التَّفْرِيعِ وَالْغَصْبِ) فِي الْخُرُوجِ (فَيَتَعَلَّقَانِ) أَيْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ (بِهِ) أَيْ بِالْخُرُوجِ كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ (يَلْزَمُهُ عَدَمُ إمْكَانِ الِامْتِثَالِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ التَّفْرِيعِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ جِهَةِ الْغَصْبِ وَحِينَئِذٍ (فَتَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ) التَّكْلِيفُ بِهِمَا إذْ طَلَبُ الْخُرُوجِ طَلَبٌ لِشَغْلِ الْحَيِّزِ فَلَوْ كَانَ شَغْلُ الْحَيِّزِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ طَالِبًا مِنْ الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلَهُ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَكْلِيفُ مُحَالٍ (بِخِلَافِ صَلَاةِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ) الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مُحَالٍ لِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ جِهَتَيْهِمَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْبَحْثُ عَنْ حُكْمِ الْخُرُوجِ بَحْثًا أُصُولِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا بَحْثَ لِلْأُصُولِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أُصُولِيٌّ عَنْ أَحْوَالِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا بَحْثُهُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ لِلْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهَا لِلْأَحْكَامِ وَثُبُوتُ الْأَحْكَامِ بِهَا فَوَظِيفَتُهُ هُنَا بَيَانُ امْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مُحَالٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ لَفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَنْدُوبِ]
(مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَنْدُوبِ) أَيْ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (عَنْ الْمُحَقِّقِينَ: حَقِيقَةٌ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَجَمْعٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: مَجَازٌ وَيَجِبُ كَوْنُ مُرَادِ الْمُثْبِتِ) لِلْحَقِيقَةِ (إنَّ الصِّيغَةَ) أَيْ صِيغَةَ الْأَمْرِ (فِي النَّدْبِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ أَمْرٍ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى عُرْفِ النُّحَاةِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ) اسْمٌ (لِلصِّيغَةِ الْمُقَابِلَةِ لِصِيغَةِ الْمَاضِي وَأَخِيهِ) أَيْ وَصِيغَةِ الْمُضَارِعِ حَالَ كَوْنِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ (مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِيجَابِ أَوْ غَيْرِهِ) كَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (فَمُتَعَلِّقُهُ) أَيْ الْأَمْرِ اسْمًا لِلصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ (الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَالنَّافِي) لِلْحَقِيقَةِ مُسْتَمِرٌّ (عَلَى مَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الصِّيغَةُ وَهُوَ أَيْ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ (أَوْجَهُ لِابْتِنَائِهِ) أَيْ النَّفْيِ (عَلَى الثَّابِتِ لُغَةً) مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ بِالْوُجُوبِ (وَابْتِنَاءِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً (عَلَى الِاصْطِلَاحِ) لِلنَّحْوِيِّينَ فِي أَنَّ الصِّيغَةَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ.
(وَاسْتِدْلَالُ الْمُثْبِتِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى انْقِسَامِ الْأَمْرِ إلَى أَمْرِ إيجَابٍ وَأَمْرِ نَدْبٍ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إرَادَةِ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ مِنْ النُّحَاةِ) بِأَهْلِ اللُّغَةِ مَجَازًا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُخَالِفُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ حُكْمُ اللُّغَةِ كَاسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ وَإِرَادَةُ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِلْمُثْبِتِينَ كَإِرَادَةِ الِاصْطِلَاحِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ أَيْضًا (بِأَنَّ فِعْلَهُ) أَيْ الْمَنْدُوبَ (طَاعَةٌ وَهِيَ) أَيْ الطَّاعَةُ (فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَأْمُورِ فِي الِاصْطِلَاحِ) النَّحْوِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ (فَعَيْنُ النِّزَاعِ) إذْ لَيْسَ النِّزَاعُ إلَّا فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمَنْدُوبِ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا يَتَمَشَّى (عَلَى تَقْدِيرِ اصْطِلَاحٍ فِي الطَّاعَةِ) وَهُوَ أَنَّ الطَّاعَةَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ فِيهَا (مُنْتَفٍ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ تَسْمِيَةِ فِعْلِ الْمُهَدَّدِ عَلَيْهِ طَاعَةً لِأَحَدٍ) أَيْ لَا يُقَالُ لِلْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ افْعَلْ بِهِ تَهْدِيدًا إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا إنَّهُ أَمْرٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ قَطْعًا مَعَ صِدْقِ الْأَمْرِ اصْطِلَاحًا نَحْوِيًّا عَلَى صِيغَتِهِ بَلْ الطَّاعَةُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ الْمَنْدُوبِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْمُثْبِتُونَ فِي الِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ بَلْ أَرَادُوا فِي اللُّغَةِ (فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ) الَّتِي هِيَ مُسَمًّى لَفْظِ أَمْرٍ (حَقِيقَةٌ فِي النَّدْبِ مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ (أَوْ خَاصًّا) لِلنَّدَبِ (وَهُمْ) أَيْ الْمُثْبِتُونَ (يَنْفُونَهُ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَوْ خَاصَّةٌ فِي النَّدْبِ وَيَجْعَلُونَهَا حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ خَاصَّةً فَلَا يَكُونُ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا وَحِينَئِذٍ
(فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْدُوبَ (لَوْ كَانَ مَأْمُورًا أَيْ حَقِيقَةً لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً) لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَاصٍ إذْ كَانَ الْأَمْرُ خَاصًّا بِصِيغَةِ الْإِيجَابِ (وَلِمَا صَحَّ) .
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَدَبَهُمْ إلَى السِّوَاكِ وَنَفَى كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَمْرِ ثَمَّ فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (زِيَادَةٌ) مِنْهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ الْأَمْرِ فِي هَذَيْنِ (بِحَمْلِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَلَى قِسْمٍ خَاصٍّ هُوَ أَمْرُ الْإِيجَابِ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مُخَالَفَةً لِلظَّاهِرِ (بِلَا دَلِيلٍ وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُثْبِتِينَ (لِدَلِيلِنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ) وَحِينَئِذٍ فَأَخَفُّ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْمُثْبِتِينَ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَفْظِيَّةً فَالْمُثْبِتُ يَعْنِي الِاصْطِلَاحَ النَّحْوِيَّ وَلَا يُخَالِفُهُ النَّافِي وَالنَّافِي مَشَى عَلَى الْجَادَّةِ وَلَا يُخَالِفُهُ الْمُثْبِتُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمِثْلُ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (فِي اللَّفْظِيَّةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَنْدُوبَ تَكْلِيفٌ وَالصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (عَدَمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَكْلِيفًا (خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْقَاضِي أَيْضًا) ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ لَفْظِيًّا (لِدَفْعِ بُعْدِهِ) أَيْ خِلَافِهِ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِقَوْلِهِ إنَّهُ تَكْلِيفٌ (إيجَابُ اعْتِقَادِهِ) أَيْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مَنْدُوبًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الدَّفْعُ بَعِيدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّدْبَ حُكْمٌ وَالْوُجُوبَ حُكْمٌ آخَرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَيْفَ لَا، وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ إهْدَارُ النَّدْبِ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ وَرَدُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ الْمَنْدُوبِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ شَاقٌّ؛ لِأَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ أَيْضًا وَإِلَّا فَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ.
فَإِنْ فُسِّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَيْسَ بِتَكْلِيفٍ، وَإِنْ فُسِّرَ بِطَلَبِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَتَكْلِيفٌ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمَنْدُوبِ لَا يَتِمُّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَلَبَ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَرَتَّبَ خِلَافَهُ فِي الْمُبَاحِ أَيْضًا عَلَيْهِ فَقَالَ (إلَّا أَنَّ الْمُبَاحَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِكَوْنِ النَّدْبِ تَكْلِيفًا إيجَابَ اعْتِقَادِ نَدْبِيَّتِهِ (تَكْلِيفٌ) أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إيجَابُ اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ الْمُبَاحُ تَكْلِيفًا (قَالَ) الْأُسْتَاذُ (أَيْضًا) وَمَنْ سِوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ قِيلَ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مَعَ أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (وَمِثْلُهُمَا) أَيْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا وَفِي كَوْنِ الْمُبَاحِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ (الْمَكْرُوهُ) أَيْ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا فَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا (مَنْهِيٌّ) عَنْهُ (أَيْ اصْطِلَاحًا) نَحْوِيًّا (حَقِيقَةً مَجَازًا لُغَةً) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الِاصْطِلَاحِ يُقَالُ عَلَى لَا تَفْعَلْ اسْتِعْلَاءً سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَنْعِ الْحَتْمِ أَوْ لَا أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةُ نَهْيٍ عَنْ كَذَا إلَّا إذَا مُنِعَ مِنْهُ فَالْقَائِلُ " حَقِيقَةٌ " يُرِيدُ الِاصْطِلَاحَ وَالْقَائِلُ " مَجَازٌ " يُرِيدُ اللُّغَةَ (وَإِنَّهُ) أَيْ الْمَكْرُوهَ (لَيْسَ تَكْلِيفًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَتَكْلِيفٌ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِاعْتِقَادِ كَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا أَوْ طَلَبِ تَرْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَفِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَكْرُوهِ هَاتَيْنِ (مَا فِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا.
(وَالْمُرَادُ) بِالْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ (تَنْزِيهًا) كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ تَكْلِيفٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالُوا (وَيُطْلَقُ) الْمَكْرُوهُ إطْلَاقًا شَائِعًا (عَلَى الْحَرَامِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى مِمَّا لَا صِيغَةَ) نَهْيٍ (فِيهِ) أَيْ تَرْكِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَا صِيغَةَ نَهْيٍ فِيهِ (فَالتَّنْزِيهِيَّة مَرْجِعُهَا إلَيْهِ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى بَلْ هِيَ هُوَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالتَّفْرِقَةُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ بِأَخْذِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى (وَكَذَا يُطْلَقُ الْمُبَاحُ عَلَى مُتَعَلِّقِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) الَّتِي هِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِمَا هُوَ الْمَنَافِعُ لِعَدَمِ ظُهُورِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ (كَمَا)