الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يضربن حر وجوههن على فتى
…
عف الشمائل طيب الأخبار
قال: وكانوا لا يبكون على قتيل حتى يأخذوا بثأره.
وكان عند قيس بن زهير درع يستجيدها، ويضن بها، فاستعارها منه الربيع، فحبسها وأبى ردها؛ فعرض قيس لأم ربيع سفرها، فأراد أن يذهب بها رهناً في الدرع؛ فقالت: أين عزب عقلك؟ أترى بني زياد مصالحيك وقد ذهبت بأمهم يمينا وشمالا، فقال الناس ما شاءوا؟ "وحسبك من شر سماعه"، فذهب مثلا.
عروة بن الورد العبسي
من بني عوذ.
من الأغاني: "هو من شعراء الجاهلية وفرسانها، وصعلوك جواد؛ كان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم، وقيامه عليهم".
"وكان عبد الملك بن مروان يقول: من قال إن حاتماً أسمح الناس، فقد ظلم عروة ابن الورد".
"وقال عبد الله بن جعفر لمعلم ولده: لا تروهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها:
دعيني للغني أسعى فاني
…
رأيت الناس شرهم الفقير
ويقول: إنها تدعوهم للاغتراب عن أوطانهم".
وقيل: "إنه أصاب امرأة من بني كنانة باكراً، يقال لها: سليمي وتكنى أم وهب، فاعتقها واتخذها لنفسه، فمكثت عنده بضع عشرة سنة، وولدت له الأولاد وهو لا يشك أنها من أرغب الناس فيه؛ وهي تقول: لو حججت فأمر على أهلي فأراهم! فحج بها، وأتى مكة، ثم أتى المدينة، فأتت سليمى قومها، وقالت إنه خارج بي قبل أن تخرج الأشهر الحرم، فتعالوا إليه، وأخبروه أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحة الحسب سبية، وافتدوني منه، فإنه يظن أني لا أفارقه، ولا أختار عليه أحداً. فسقوه الشراب، فلما ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا؛ فإنها وسيطة النسب فينا معروفة، وإن علينا سبة في أن تكون سبية، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها، فاخطبها إلينا فإننا ننكحك إياها! فقال لهم: لكم ذلك، ولكن لي الشرط في أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وإن اختارتكم انطلقتم بها؛ قالوا: ذاك لك. فقال: دعوني ألهو بها الليلة، أودعها، وأفاديها غداً! فلما أصبح جاءوه، فامتنع عن فدائها، فقالوا له: قد فاديتها مذ البارحة، وشهد عليك بذلك جماعة من حضر؛ فلم يقدر على الامتناع، وفاداها. ثم خيروها، فاختارت أهلها؛ ثم أقبلت عليه، فقالت: يا عروة، أما إني أقول
فيك - وإن فارقتك - الحق: والله ما أعلم أن امرأة من العرب ألقت سترها إلى بعل خير منك، وأغض طرفاً، وأقل فحشاً، وأجود يداً، وأحمى حقيقة؛ وما مر علي يوم مذ كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك؛ لأني لم أكن أشاء أن اسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته، ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى ولدك، وأحسن إليهم، فقال عروة في ذلك:
سقوني الخمر ثم تكنفوني
…
عداة الله من كذب وزور
"وقال ابن الأعرابي: إن سلمى لما فارقته جاءته تثني عليه، فقالت: والله إنك ما علمت ضحوك السن مقبلا، كسوب مدبراً، خفيف على متن الفرس، ثقيل على قلب العدو، طويل العماد، كثير الرماد، راضي الأهل والجانب، ثم فارقته. فتزوجها ابن عم لها، فقال لها يوما: يا سليم، أثني علي كما أثنيت على عروة؛ فقالت: لا تكلفني ذلك؛ فاني إن قلت الحق غضبت، ولا - واللات والعزى - أكذب عليك! قال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين علي بما تعلمين! وخرج فجلس في ندي القوم.
وأقبلت فرماها القوم بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحاً، إن هذا عزم علي أن أثني عليه بما أعلم؛
ثم أقبلت عليه، فقالت: والله إن شملتك لالتحاف، وإن شربك لاشتفتف، وإن لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب! ثم انصرفت.
فلامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها! ومن حديث عروة أنه "خرج حتى دنا من ديار هذيل، فكان منها على نحو ميلين وقد جاع، فإذا هو بأرنب فرماها، ثم أورى ناراً واشتواها وأكلها، ودفن النار على مقدار ثلاث أذرع، وقد ذهب الليل، وغارت النجوم. ثم أتى سرحة فصعدها، وتخوف الطلب، فإذا الخيل قد جاءك، وتخوفوا البيات. قال: فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس، فجاء حتى ركز رمحه في موضع النار، وقال: لقد رأيت النار ها هنا! فجاء رجل فحفر قدر ذراع، فلم يجد شيئاً، وأكب القوم يعذلونه ويقولون: عنيتنا في مثل هذه الليلة القرة، وزعمت لنا شيئاً كذبت فيه! قال: ما كذبت، ولقد رأيت النار في موضع رمحي! قالوا: ما رأيت شيئاً لكن تحذلقك وتداهيك هو الذي حملك على هذا،
وما العجب إلا منا حين أطعناك! ولم يزالوا بالرجل حتى رجع الجميع.
واتبعهم عروة حتى إذا وردوا منازلهم، جاء عروة فكمن في كسر بيت، وجاء الرجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد أسود، وعروة ينظر، فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال: اشربي؛ فقالت: لا، أو تبدأ! فبدأ العبد فشرب. فقال للرجل حين جاء: لعن الله صلفك، عنيت قومك منذ الليلة؛ قال: لقد رأيت ناراً؛ ثم دعا بالعلبة ليشرب، فقال حين ذهب ليكرع: ريح جل ورب الكعبة! فقالت المرأة: وهذه أخرى، أي ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك؟ ثم صاحت، فجاء قومها، فأخبرتهم خبره، وقالت: يتهمني ويظن بي الظنون! فأقبلوا عليهم باللوم؛ فقال عروة: هذه ثانية! ثم آوى الرجل إلى فراشه، ووثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به، فضرب الفرس بيده وزمجر، فرجع عروة إلى موضعه؛ ووثب الرجل فقال: ما كنت لتكذبني! فأقبلت عليه امرأته باللوم. قال: فصنع ذلك عروة ثلاثاً، وصنعه الرجل؛ ثم آوى إلى فراشه، وضجر من كثرة ما يقوم، وقال: لا أقوم إليك الليلة! وأتاه عروة، فحله، وحال في متنه، وخرج ركضاً. وأحس الرجل بذلك، فركب فرساً عنده أنثى. قال عروة: فسمعته خلفي يقول: الحقي فانك من نسله.
فلما انقطع من البيوت قلت: أيها الرجل قف، فانك لو عرفتني لم تقدم علي _ أنا عروة بن الورد، وقد رأيت الليلة منك عجباً (وأخبره بشأن النار والأسود)، ثم قال: فرأيتك في هذه الخصال من أكمل الناس، ولكن تنثني وترجع! قال: فضحك وقال: ذلك لأخوال السوء، والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل، وما رأيت في كعاعتي فمن قبل أخوالي وهم خزاعة، والمرأة التي رأيتها عندي منهم، وأنا نازل عليهم، وذلك ما يثنيني عن أشياء كثيرة، وأنا لاحق بقومي، وخارج عن أخوالي، وأخلي سبيل المرأة؛ ولولا ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأتي أحد من العرب! فقال عروة: خذ فرسك راشداً؛ فقال: ما كنت لآخذه منك وعندي من نسله جماعة خيل، فخذه مبارك لك فيه".
"وخرج عروة مرة مع أصحاب له حتى أتوا ماء، فنزل وكنف عليهم كنيفاً من الشجر، وفي ذلك يقول:
تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم
…
إلى مستراح من عناء مبرح
ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً
…
من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذراً أو ينال رغيبة
…
ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
ثم مضى يبتغي لهم شيئاً وقد جهدوا، فإذا هم بأبيات شعر وبامرأة وشيخ كبير مكتن في كسر البيت، وقد أجدب الناس، وهلكت الماشية، فإذا هو في البيت بشي، فأكله، وقويت به نفسه. فإنه لكذلك عند المساء إذا هو بابل سدت الأفق، وإذا هي تلفت فرقاً، قال: فعلمت أن راعيها جلد شريد الضرب لها. فلما أتت المناخ وبركت مكث الراعي قليلا، ثم نفى ناقة منها فمرى أخلافها، ثم وضع العلبة على ركبته، وحلب حتى ملأها، وسقى الشيخ؛ ثم أتى ناقة أخرى، ففعل مثل ذلك، وسقى العجوز؛ ثم أتى أخرى فسقى نفسه، ثم تلفع واضطجع ناحية. فقال الشيخ _ وأعجبه ذلك _ للمرأة: كيف ترين ابني؟ فقالت: ليس بابنك! قال: فابن من هو ويلك؟ قالت: ابن عروة بن الورد! قال: ومن أين؟ قالت: أتذكر يوم مر بنا ونحن نريد سوق ذي المجاز وقلت: هذا عروة بن الورد، ووصفته لي، فسكت فاني استطرفته!
قال عروة: فسكت، حتى إذا نوم الناس وثبت فصحت بالإبل، فاقتطعت نصفها ومضيت، ورجوت ألا يتبعي الغلام _ وهو حين بدا شاربه _ فلم أشعر إلا به! قال: فتواخذنا فضرب بي الأرض، فتخوفته على روحي، فبادرته وقلت: أنا عروة بن الورد! فارتدع؛ ثم قال: ويلك لست أشك أنك قد سمعت ما كان من أمي؛ قال: فقلت له: ما قلت لك إلا ما يظهر برهانه، فاذهب معي أنت وأمك وهذه الإبل، ودع الشيخ! فقال: الذي بقي من عمره القليل، وأنا مقيم عنده ما بقي فإن له حقاً وذماماً، فإذا مضى فما أسرعني إليك! وخذ من هذه الإبل بعيراً؛ قال: فقلت: ما يكفيني فإن معي أصحاباً، قال: فثان، قلت: لا، قال: فثالث والله لازدتك على ذلك شيئاً! فأخذتها ومضيت إلى أصحابي. قال: ثم إن الغلام لحق بي بعد هلاك الشيخ".
ومن شعر عروة قوله:
وخل كنت عين الرشد منه
…
إذا نظرت ومستمعاً سميعا
أطاف بغيه فنهيت عنها
…
وقلت له: أرى أمراً فظيعا
أردت رشاده حتى إذا ما
…
عصا أمري أتيناها جميعا
ومن واجب الأدب: من مشهور شعره قوله:
ذريني للغنى أسعى فاني
…
رأيت الناس شرهم الفقير
وأدناهم وأهونهم عليهم
…
وإن أمسى له نسب وخير
يباعده الغريب وتزدريه
…
حليلته وينهره الصغير
وتلقى ذا الغنى وله جلال
…
يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبه والذنب جم
…
ولكن للغنى رب غفور
وقوله:
دعيني أطوف في البلاد لعلني
…
أفيد غنى فيه لذي الحق مجمل
أليس عظيماً أن تلم ملمة
…
وليس علينا في الزمان معول
فان نحن لم نحسن دفاعاً لحادث
…
يلم بنا فالموت بالحر أجمل