الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النابغة الذبياني
زياد بن عمرو من غيظ بن مرة، وهو أحد شعراء الجاهلية.
من الأغاني: "لقب بقوله فقد نبغت لنا منهم شؤون وهو أحد الأشراف الذين غض منهم الشعر".
قال الأصمعي: "كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء تعرض أشعارها عليه؛ فأنشدته الخنساء:
وإن صخراً لتأتم الهداة به
…
كأنه علم في رأسه نار
فقال: والله، لولا أن أبا بصير أنشدني آنفاً لقلت إنك أشعر الانس والجن! فقام حسان بن ثابت فقال: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك؛ فقال إنك يا ابن أخي لا تحسن أن تقول:
فانك كالليل الذي هو مدركي
…
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة
…
تمد بها أيد إليك نوازع"
"قال أبو عبيدة: كان رجلان من الشعراء يقويان: النابغة وبشر بن أبي خازم، فأما النابغة فدخل يثرب فهابوه أن يقولوا له لحنت وانكفأت، فدعوا له قينة، وأمروها أن تغني من شعره ففعلت، فلما سمع في الشعر غير مزود والغراب الأسود ومدت الكسرة لأجل اللحن حتى صارت ياء، ومدت الضمة حتى صارت واواً فطن لموضع الخطأ فلم يعد. وأما بشر ابن أبي خازم فدله أخوه على ذلك فلم يعد. وكان النابغة يقول: وردت يثرب وفي شعري بعض العاهة، فصدرت عنها وأنا أشعر الناس".
"وقال صالح بن كيسان: كان والله النابغة مخنثاً، أما سمعت إلى قوله:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
…
فتناولته واتقتنا باليد
فوالله ما يحسن هذه الإشارة، ولا هذا القول إلا مخنث".
وكان خاصاً بالنعمان بن المنذر، ثم إنه هرب منه لأجل أنه شبب بزوجة النعمان المتجردة في قصيدته الدالية. وقيل: كان السبب في هروبه أن عبد القيس بن خفاف التميمي ومرة بن سعد بن قريع السعدي عملا هجاء في النعمان، فأنشداه النعمان، ونسباه إلى النابغة، ومنه:
قبح الله ثم ثني بلعن
…
وارث الصائغ الجبان الجهولا
من يضر الأدنى ويعجز عن ضر
…
(م) الأقاصي ومن يخون الخليلا
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو
…
ثم لا يرزأ العدو فتيلا
وكان جده لأمه صائغاً ثم إن النابغة بعد ذلك وفد على النعمان مع الفزاريين، فكلموه فيه، فرضي عنه، وأنشد قصيدته الدالية:
يا دار مية بالعلياء فالسند
وأحسن الاعتذار فيها.
ومن واجب الأدب: قيل إنه لقب بالنابغة لكونه نبغ بالشعر كبيراً. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقدمه ويقول: هو أحسنهم شعراً، وأعذبهم بحراً، وأبعدهم قعراً. وقال عمر رضي الله عنه: يا معشر غطفان، من الذي يقول:
إلى ابن محرق أعملت نفسي
…
وراحلتي وقد هدت العيون
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي
…
على خوف تظن بي الظنون
فوفيت الأمانة لم تخنها
…
ومن يك في نصابك لا يخون
قالوا: النابغة، قال: ذلك أشعر الناس! وكان الخليل بن أحمد يقدمه على زهير، وقال يوماً: إنه دخل على النعمان فأنشده:
متوج بالمعالي فوق مفرقه
…
وفي الوغى ضيغم في صورة القمر
أخلاق مجد تجلت مالها مثل
…
في البأس والجود بين الحلم والخفر
فأمر أن يحشى فوه بالدر، وأن يكسى أثواب الرضا. ثم قال الخليل: بمثل هذا تمدح الملوك! وكان أبو عمرو بن العلاء يقدمه بقوله:
كم قد أحل بدار الفقر بعد غنى
…
عمرو، وكم راش عمرو بن إقتار
يريش قوماً ويبري آخرين بهم
…
لله من رائش عمرو ومن بار
وهو أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم، وقد حمله إحسان النعمان بن المنذر على التجاوز في مدحه والذل له، على مكانه في ذبيان. ولما تناهت حاله عند النعمان، وصار من أخص ندمائه، حسده أعداؤه، وعملوا على لسانه الهجاء المتقدم الذكر، ووجدوا له سبيلا بأنه كان جميلا وكان النعمان دميماً، فقالوا له: إن المتجردة زوجة تعشقه، وزاد على ذلك وصفه لها بقوله:
وإذا طعنت طعنت في مستهدف
…
رابي المجسة بالعبير مقرمد
وإذا نزعت نزعت عن مستحصف
…
نزع الحزور بالرشاء المحصد
وإذا يعض تشده أعضاؤه
…
عض الكبير من الرجال الأدرد
وقالوا: ليس يصف هذا الوصف الباطن إلا من جرب! فغضب النعمان عليه، وهم بقتله، ففر منه.
وله في الاستعذار والاستعطاف من المحاسن ما انفرد به وتقدم، وهو أشعر الناس إذا رهب؛ فمن فرائد اعتذاره المنصوص على تقديمها قوله:
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني
…
ولا قرار على زأر من الأسد
لا تقذفني بركن لا كفاء له
…
وإن تأثفك الأعداء بالرفد
ما قلت من سيئ مما أتيت به
…
إذاً فلا رفعت سوطي إلي يدي
قال أحد النقاد: وإنما دعا على يده؛ لأنه كان قد بلغ النعمان أنه عزم على الغارة على بلاده بقومه.
وقوله:
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
…
وتلك التي أهتم منها وأنصب
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
…
وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة
…
لمبلغك الواشي أغش وأكذب
ولكنني كنت أمرأ لي جانب
…
من الناس فيه مستراد ومذهب
ملوك وإخوان إذا ما قصدتهم
…
أحكم في أموالهم وأقرب
كفعلك في قوم أراك اصطفيتهم
…
فلم ترهم في فعل ذلك أذنبوا
فلا تتركني بالوعيد كأنني
…
إلى الناس مطلي به القار أجرب
ألم تر أن الله أعطاك سورة
…
ترى كل ملك دونها يتذبذب
وأنك شمس والملوك كواكب
…
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ولست بمستبق أخاً لا تلمه
…
على شعث، أي الرجال المهذب؟
وقوله:
وعيد أبي قابوس في غير كنهه
…
أتاني ودوني راكس فالضواجع
فبت كأني ساورتني ضئيلة
…
من الرقش في أنيابها السم ناقع
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
…
وتلك التي تستك منها المسامع
مخافة أن قلت: سوف أناله
…
وذلك من تلقاء مثلك رائع
لكلفتني ذنب امرئ وتركته
…
كذي العر يكون غيره وهو راتع
فان كنت لا ذو الضغن عني مكذب
…
ولا حلفي على البراءة نافع
فانك كالليل الذي هو مدركي
…
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وأنت ربيع ينعش الناس سيبه
…
وسيف أعيرته المنية قاطع
ومن فرائد نسيبه قوله:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
…
فتناولته واتقتنا باليد
نظرت إليك بحاجة لم تقضها
…
نظر السقيم إلى وجوه العود
لو أنها عرضت لأشمط راهب
…
عبد الإله صرورة متعبد
لرنا لرؤيتها وحسن حديثها
…
ولخاله رشداً وإن لم يرشد
زعم الهمام بأن فاها بارد
…
عذب مقبله شهي المورد
زعم الهمام
…
ولم أذقه
بأنه
عذب متى ما ذقته قلت: ازدد
تجلو بقادمتي حمامة أيكة
…
برداً أسف لثاته بالأثمد
كالأقحوان غداة غب سمائه
…
جفت أعاليه وأسفله ند
والبيت الثاني عندهم من أغزل ما قالته العرب، وعابه الأصمعي لذكر السقم في صفتها.
وقوله من قصيدة في مدح عمرو بن الحارث الأصغر الغساني لما أجاره من النعمان:
كليني لهم يا أميمة ناصب
…
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض
…
وليس الذي يرعى النجوم بآئب
وصدر أراح الليل عازب همه
…
تطاول فيه الحزن من كل جانب
أراد براعي النجوم الصبح، فأقام مقامه الذي يغدو بالماشية للرعي؛ وهذا من بارع التلويح، وجعل صدره مأوى للهموم، وجعلها كالنعم الشاردة للسرح نهاراً،
الآوبة لمكانها ليلا لتقييد الألحاظ عما هي فيه مطلقة بالنهار، متسلية بسببه. قال صاحب زهر الآداب: "وهو أول من أثار هذا المعنى. وكره امرؤ القيس أن يخف عنه الهم في وقت من الأوقات، فقال:
ألا أيها الليل ألا انجل
…
بصبح وما الإصباح منك بأمثل"
ومن فرائد هذه القصيدة قوله:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم
…
عصائب طير تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقن أن قبيله
…
إذا ما التقى الجيشان أول غالب
تراهن خلف القوم خزراً عيونها
…
جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
تورثن من أزمان يوم حليمة
…
إلى اليوم قد جربن كل التجارب
تقد السلوقي المضاعف نسجه
…
وتوقد بالصفاح نار الحباحب
رقاق النعال طيب حجزاتهم
…
يحيون بالريحان يوم السباسب
ولا يحسبون الخير لا شر بعده
…
ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وبيته الثالث من التشبيهات العقم. ويوم حليمة هو الذي قتل فيه الحارث بن أبي شمر ملك عرب الشام المنذر بن المنذر ملك عرب العراق، ونسب إلى حليمة بنت الحارث بن أبي شمر؛ لأنها حضرته محرضة لعسكر أبيها، وتزعم العرب أن الغبار ارتفع في ذلك اليوم، وتكاثف حتى سد عين الشمس، وظهرت الكواكب.
ولما بلغ النابغة أن النعمان عليل قد اشتد ألمه أقلقه ذلك، ولم يملك الصبر عنه، فسار إليه، فألفاه محمولا على سرير ينقل، فقال لعصام حاجبه:
ألم أقسم عليك لتخبرني
…
أمحمول على النعش الهمام؟
فاني لا ألومك في دخول
…
"ولكن ما وراءك يا عصام"
فان يهلك أبو قابوس يهلك
…
ربيع الناس والبلد الحرام
وكان النعمان بن الحارث الغساني قد حمى قراقراً لتربع ماله، فتربعته ذبيان، فنهاهم النابغة، وخوفهم عقوبته، فعيروه خوفه منه. ثم إن النعمان أوقع بهم، فقال النابغة:
وخوفتني بنو ذبيان خشيته
…
وهل علي بأن أخشاك من عار
وقلت: يا قوم إن الليث منقبض
…
على براثنه لوثبة الضاري
ويستحسن في باب رثاء الملوك والعظماء قوله في حصن بن بدر سيد فزارة:
يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم
…
وكيف بحصن والجبال جنوح
ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل
…
نجوم السماء والأديم صحيح
فعما قليل ثم جاء نعيه
…
فظل ندي القوم وهو ينوح
ومن فرائده التي يتمثل بها قوله في عامر بن الطفيل:
فان يك عامر قد قال جهلا
…
فان مظنة الجهل الشباب
فانك سوف تحلم أو تناهى
…
إذا ما شبت أو شاب الغراب
وقوله:
إذا حاولت في أسد فجوراً
…
فاني لست منك ولست مني
وقوله:
نصحت بني عوف فلم يتقبلوا
…
وصاتي ولم تنجح لديهم وسائلي
وقوله:
ليهنئ بني ذبيان أن بلادهم
…
خلت لهم من كل مولى وتابع
ومن تاريخ ابن عساكر أن "الشعبي كان عند عبد الملك بن مروان يوماً، فدخل عليه الأخطل، وأنشده ما قال فيهم من الشعر، فقال الشعبي: قاتل الله النابغة حيث يقول:
هذا غلام حسن وجهه
…
مستقبل الخير بديع التمام
للحارث الأكبر والحارث ال
…
أصغر والحارث خير الأنام
ثم لهند وهند وقد
…
أفرغ في الخيرات منهم إمام