الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من وجدت له من العرب كلاماً فصيحاً ولم نعلم عصره ولا تمييزه
سئل أعرابي عن زوجته وكان حديث عهد بعرس: كيف رأيت أهلك؟ فقال: أفنان أثلة، وجني نحلة، ومس رملة، ورطب نخلة، وكأني كل يوم آئب من غيبة.
وقال آخر في ذم إنسان: أنت والله ممن إذا سأل ألحف وإذا سئل سوف، وإذا حدث خلف، وإذا وعد أخلف؛ تنظر نظرة حسود، وتعرض إعراض حقود.
ووصف أعرابي مرح فرس فقال: كأنه شيطان في أشطان.
وقال أعرابي: خرجت في ليلة حندس قد ألقت أكارعها على الأرض، فعميت صور الأبدان، فما كنا نتعارف إلا بالآذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض صبغه.
وقال آخر: فصح الألسنة برد السائل، جذم الأكف عن النائل.
وقال أعرابي لقومه وقد ضافوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم، لا أغركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة، وقسي كأنها الحواجب، ينزع أحدهم حتى يتفرق شعر إبطه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع؛ فما بين أحدكم وبين أن يصدع قلبه منزلة! قال: فطاروا رعباً قبل اللقاء.
وقف أعرابي على قبر عامر بن الطفيل، فقال: كان والله لا يضل حتى يضل النجم، ولا يعطش حتى يعطش البعير، ولا يهاب حتى يهاب السيل. وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس شيئاً.
وقيل لأعرابي قد أسن: ما فعل بك الدهر؟ فقال: ضعضع قناتي، وجرأ علي عداتي.
ذكر أعرابي ظلم وال وليهم، فقال: ما ترك لنا فضة إلا فضها، ولا ذهباً إلا أذهبه، ولا غلة إلا غلها، ولا ضيعة إلا ضيعها، ولا عقاراً إلا عقره، ولا علقاً إلا اعتلقه، ولا عرضاً إلا عرض له، ولا ماشية إلا امتشها، ولا جليلا إلا جله، ولا دقيقاً إلا دقه.
وذكروا أن قوماً أضلوا الطريف، فاستأجروا أعرابياً يدلهم عليه، فقال: إني والله ما أخرج معكم حتى أشرط لكم وعليكم. قالوا: هات مالك، قال: يدي مع أيديكم في الحار والقار، ولي موضعي من النار؛ وذكر والدي محرم عليكم. قالوا: هذا لك، فما لنا عليك إن أذنبت؟ قال: إعراضة لا تؤدي إلى عتب، وهجرة لا تمنع من مجامعة السفرة، قالوا: فإن لم تعتب؟ قال: حذفة بالعصا أصابت أم أخطأت!
وقال أعرابي في وصف بليغ: كان لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.
وسأل أعرابي رجلاً فمنعه، فقال الحمد لله الذي أفقرني من معروفك، ولم يغنك عن شكري.
وقال أعرابي لولده: ابذل لصديقك كل المودة، ولا تبذل له كل الطمأنينة؛ وأعطه من نفسك كل المواساة، ولا تفض إليه بكل الأسرار.
وشتم رجل أعرابياً فلم يجبه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب.
وقال أعرابي: أكثر الناس بالقول مدل، ومن الفعل مقل.
* وقال أعرابي: وهو بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره.
وقال آخر: أبين العجز قلة الحيلة، وملازمة الحليلة.
وقال آخر: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك لمن لا ماء في وجهه؟ قال أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.
وصف آخر رجلاً، فقال: إن أتيته احتجب، وإن غبت عنه عتب، وإن عاتبته أبدى الغضب.
وقال أعرابي: لو عاونني الحال ما استبطأتك إلا بالصبر، ولا استزدتك إلا بالشكر.
وقال أعرابي: إن يسير مال أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً، ولم أبسط إليه كفاً، ولم أغضض له طرفاً، أحب إلي من كثير مال أتاني بالكد واستفراغ الجهد.
وقال أعرابي: لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت؛ فانك إن ظفرت لم تحمد، وإن عجزت لم تعذر.
هنأ بعض الأعراب فتى أراد البناء على أهله، فقال: بالبركة، وشدة الحركة، والظفر في المعركة.
وقال أعرابي: هو أفرح من المطل الواجد، والظعان الوارد، والعقيم الوالد.
وقال أعرابي: عليك بالأدب؛ فإنه يرفع المملوك حتى يجلسه في مجالس الملوك.
وقيل لبعض الأعراب: ما بال فلان يتنقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة.
وقال أعرابي: عباد الله، الحذر الحذر، فوالله لقد أسر من كان غفر.
وشكا أعرابي ركود الهواء، فقال ركد حتى كأنه أذن تسمع.
وقال آخر: كل مقدور عليه مختور أو معلول.
وقيل لأعرابي له أمة اسمها زهرة: أيسرك أنك الخليفة، وأن زهرة ماتت؟ قال: لا والله! قيل: ولم؟ قال: تذهب الأمة، وتضيع الأمة.
ومدح أعرابي قوماً، فقال: يقتحمون الحرب كأنما يلقونها بنفوس أعدائهم.
وقال أعرابي: حكم جليس الملوك أن يكون حافظاً للسر، صابراً على السهر.
وقال أعرابي: لا يقوم عن الغضب بذل الاعتذار.
ووصف أعرابي رجلاً، فقال: ذا ممن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، ولا يستمرأ ظلمه.
وقال آخر: فلان حتف الأقران غداة النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.
وقال أعرابي عن شخص: لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
وقال آخر: فلان أفصح خلق الله كلاماً إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وأسكتهم عن الملاحاة إذا خولف؛ يعطي صديقه الناقلة، ولا يسأله الفريضة؛ له نفس عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الأبريز الذي يفيد كل أوان، والشمس المنيرة التي لا تخفى بكل مكان؛ وهو النجم المضيء للحيران، والبارد العذب للعطشان.
وقال أعرابي: فلان ليث إذا عدا، وغيث إذا غدا، وبدر إذا بدا، ونجم إذا هدى، وسهم إذا أردى.
وقال آخر: الاغتراب يرد الجدة ويكسب الجدة.
وقيل لأعرابي: كيف ابنك؟ فقال: عذاب رعف به الدهر، فليتني أودعته القبر؛ فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها الشكر.
وقال أعرابي: لا تضع سرك عند من لا سر له عندك.
وقال أعرابي لرجل: ويحك! إن فلاناً وإن ضحك إليك فإن قلبه يضحك منك، ولئن أظهر الشفقة عليك فإن عقاربه لتسري إليك. فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك، فلا تتخذه صديقاً في سريرتك.
وحذر أعرابي آخر رجلاً، فقال: احذر فلاناً؛ فإنه كثير المسألة، حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول عقاربه لتسري إليك. فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك، فلا تظهرن له المخافة فيرى أنك قد تحرزت، وباثه مباثة الآمن وتحفظ منه تحفظ الخائف. واعلم أن من يقظة المرء إظهار الغفلة مع الحذر.
ومدح أعرابي نفسه، فقيل له: أتمدح نفسك؟ فقال: إلى من أكلها؟ وقال أعرابي: هلاك الوالي في صاحب يحسن القول، ولا يحسن الفعل.
وقال أعرابي: نبو النظر عنوان الشر.
وقال آخر: الحسود لا يسود.
وقال أعرابي: العبوس بؤس، والبشر بشرى، والحاجة تفتق الحيلة، والحيلة تشحذ الطبيعة.
وقال أعرابي: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
وقال آخر: العذر الجميل أحسن من المطال الطويل، فإن أردت الإنعام فأنجح، وإن تعذرت الحاجة فأفصح.
وقيل لأعرابي: ما وقوفك ها هنا؟ فقال: وقفت مع أخ لي يقول بلا علم، ويأخذ بلا شكل، ويرد بلا حشمة.
وقال آخر في دعاء: لا رد لسانك عن البيان، ولا أسكتك الزجر والهوان.
وقال أعرابي: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
وقال آخر: بالفحول تدرك الذحول.
وقال أعرابي: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها.
وذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة، فقال: هذا والله رجل سوء، أيظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب! وقال أعرابي في الفخر بتمره: تمرنا جرد فطس عراض كأنها ألسن الطير، تمضغ التمرة في شدقك، فتجد حلاوتها في عقبك.
وقال أعرابي: سألت فلاناً حاجة أقل من قيمته، فردني رداً أقبح من خلقته.
ووصف أعرابي النساء، فقال: عليك منهن بالجاليات العيون، الآخذات بالقلوب، وتوخ بارع الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين السرة، ودقة
الأنامل، وسبوطة [القصب] وجزالة الأسوق، وجثولة الفروع، ونجالة العيون مع الحور، وسهولة الخدود، وامتداد القوام، ورخامة المنطق، وحسن الثغور، وصغر الأفواه، وصفاء الألوان.
ووصف أعرابي امرأة، فقال: هي خالية من ألا وليت.
وقيل لأعرابي: "كيف كتمانك للسر؟ قال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
وقيل لأعرابي: كيف تغلب الناس؟ قال: أبهت بالكذب، واستشهد بالموتى.
وقال أعرابي لأخيه: إن لم يكن مالك لك كنت له، وإن لم تفنه أفناك، فكله قبل أن يأكلك.
وقال أعرابي في رجل: صغره في عيني كبر الدنيا في عينه.
وقيل لأعرابي: كيف تقدر على جمع الضرائر؟ فقال: كنا لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصيرهن لنا؛ ثم قد بقي لنا خلق حسن، فنحن نتعايش به.
وقال أعرابي: مع الشعاب التحاب، والإفراط في الزيارة ممل، والتفريط فيها مخل.
وقيل لأعرابي عمر مائة وعشرين سنة: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت؟ وقال آخر في عيي: رأيت عورات الناس بين أرجلهم، وعورة هذا بين فكيه.
وقيل لأعرابي: ما تلبس؟ قال: الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس.
وسئل أعرابي عن ألوان الثياب، فقال: الصفرة أشكل، والحمرة أجمل، والخضرة أنبل، والسواد أهول، والبياض أفضل.
وسئل رجل عن نسبه، فقال: أنا ابن أخت فلان، فقال أعرابي: الناس ينتسبون طولا، وأنت تنتسب عرضا.
وقيل لأعرابي: بم تعرفون السودد في الغلام؟ قال: إذا كان سابل الغرة، طويل الغرلة، ملتاث الأزرة، وكانت فيه لوثة فلسنا نشك في سودده.
قال أعرابي: اكتب لابني تعويذاً، فقال: ما اسمه؟ قال: فلان، قال: فما اسم أمه؟ قال: ولم عدلت عن اسم أبيه؟ قال: لأن الأم لا يشك فيها؛ قال: اكتب: فإن كان ابني عافاه الله، وإن لم يكن فلا شفاه الله ولا عافاه!
قيل لأعرابي: ما تقول في ابن العم؟ قال: عدوك، وعدو عدوك؟ وقيل لأعرابي: أتشرب النبيذ؟ فقال: أنا لا أشرب ما يشرب عقلي.
وقيل لآخر: والله ما أرضى عقلي مجتمعاً، فكيف أفرقه؟ وقال بعضهم: رأيت أعرابياً في إبل قد ملأت الوادي، فقلت: لمن هذه؟ فقال: لله في يدي.
وأثنى أعرابي على رجل، فقال: إن خيرك لصريح. وإن منعك لمريح، وإن رفدك لربيح.
وقيل لأعرابي: ما أعددت للشتاء؟ فقال: شدة الرعدة.
وقال أعرابي: ما النار بأحرق للفتيلة من التعادي للقبيلة.
وقال آخر: مع القرابة والثروة يكون التناكر والتحاسد، ومع الغربة والخلة يكون التناصر والتحاشد.
وقال أعرابي لابن عم له: مالك أسرع إلى ما أكره من الماء إلى قرارة، ولولا ضني باجتنابك لما أسرعت إلى عتابك! فقال الآخر: والله ما أعرف تقصيراً فأقلع، ولا ذنباً فأعتب؛ ولست أقول لك كذبت، ولا أقر أني أذنبت.
وقال أعرابي: مازال يغطيني حتى حسبته يردعني، وما ضاع مال أودع حمداً.
وقيل لأعرابي: على من البرد أشد؟ قال: على خلق في خلق.
وقال أعرابي: ما رأيت كفلان إن طلب حاجة غضب قبل أن يرد عنها، وإن سئل رد صاحبها قبل أن يفهمها.
وذم رجل آخر فقال: لم يقنع كمياً سيفاً، ولا قرى يوماً ضيفاً، ولا حمدنا له شتاء ولا صيفاً.
ووقف أعرابي في بعض المواسم، فقال: اللهم إن لك حقوقاً فتصدق بها علي، وللناس تبعات قبلي فتحملها عني؛ وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك، فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة.
ووقف سائل أعرابي فقال: رحم الله امرأ أعطى من سعة، وآسى من كفاف، وآثر من قوت.
وقال أعرابي في دعائه: اللهم إن كان رزقي في السماء فأحدره، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائياً فقربه، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيراً فبارك فيه.