الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن قتيبة: "وقعت الاكلة في صدر أبرهة، فحمل إلى اليمن، فهلك بها؛ وفي ذلك العصر كان مولد النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ملك بعد أبرهة ابنه يكسوم، فساءت سيرته وسيرة الحبشة باليمن، وركبوا في أهلها العظائم".
ثم مات، وولي بعده أخوه مسروق بن أبرهة.
سيف بن ذي يزن
واجتمعت حمير في السر إلى سيف بن ذي يزن بن مالك بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن واثل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن يمن بن الهميسع بن حمير، وشكت له ذهاب ملكها بالعبيد، وتكمهم في حرمهم وأموالهم [فامتعض] لذلك. وتجهز في طلب الثأر إلى قيصر ملك الروم، فاعتذر له بأن الحبشة قائلة بالنصرانية، ولا يسوغ له أن ينصره على أهل ملته.
فقدم الحيرة على النعمان بن المنذر، وشكا إليه ذل العرب مع الحبشة، فقال له: إن لي على كسرى وفاده كل عام، فأقم عندي إلى حين وفادتي. فأقام معه حتى وفدوا على كسرى أنوشروان، فدخلا عليه، [وتكلم] النعمان فيما شكا إليه سيف، فاستنطقه عن ذلك، فقال له فيما تكلم به: أنت، أيها الملك، خير لنا منهم. ونحن طالبو ثأر لا ملك، والدماء لنا والأرض لك! فقال: بعدت
أرضك من أرضنا، وهي مع ذلك قليلة الخير! وأمر له بعشرة آلاف درهم وخلعة. فلما قبضها خرج وجعل ينثر الدراهم، فنهبتها العبيد والصبيان.
وبلغ ذلك كسرة، فقال: إن لهذا الرجل شأنا، وأمر أن يلام على ذلك. فقال: إن جبال أرضي ذهب وفضة، وإنما رغبت في إزالة الظلم، ورفع الذل الذي لا يقدر عليه إلا الملك. فاستشار أنوشروان ثقاته في ذلك، فأشير عليه أن يبعث معه رجالا كانوا في سجونه، فإن نصروا كان الاسم للفرس من غير مرزئة، وإن هلكوا استرحنا منهم. وكانوا ثمانمائة، فغرق مائتان في البحر، وسلم ستمائة.
وكان المقدم على الفرس وهرز، فقرن سيف بن ذي يزن رجله مع رجله، وتحالفا. وعندما نشبت المعركة قتل الحبشة أبنا لوهرز فزاد حنقه، وأقبل مسروق بن أبرهة وهو على فيل، وبين عينية ياقوتة حمراء، ثم تحول عنه إلى بغلة، فقال: انتقل إلى بنت الحمار! ذلك ملكهم! ثم ضربه بنشابة خرجت من قفاه، وهلك، وانقرضت مدة الحبشة. وقد اختلف فيها، والأكثر يقولون: إنها اثنتان وسبعون سنة.
قال صاحب تواريخ الأمم: "كان قدوم سيف بن ذي يزن مع وهرز إلى اليمن وللنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة. وأقام ملك اليمن ولكنه تحت طاعة أنوشروان ومعترف له".
ولما ملك اليمن وقتل الحبشة وفدت عليه الوفود من الأقطار. وكان فيمن وفد عليه عبد المطلب بن عبد مناف، فسر به وأكرمه وحباه، وبشره بأن النبي الذي يعز الله به العرب من صلبه. وكان فيمن وفد عليه أبو الصلت بن ربيعة الثقفي، وأنشده قصيدته التي منها:
ليطلب الملك أمثال ابن ذي يزن
…
لجج في البحر حتى غاب أميالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن
…
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً
…
في رأس غمدان داراً منك محلالا
ثم إن سيف بن ذي يزن أساء الرأي "فاتخذ من بقايا الحبشة خدماً، فخلوا به يوماً في متصيد، فزرقوه بحرابهم، فوقع ميتاً، وهربوا في رؤوس الجبال".
وتفرق أهل اليمن بعده في مخاليفهم، وصاروا ملوك طوائف لا ينقاد بعض لبعض. وكان بصنعاء الأبناء - وهم أبناء الفرس الذين فتحوا اليمن - ومنهم عمال الأكاسرة.
ودخل زمان الهجرة النبوية وباذان الفارسي عامل أبرويز ملك الفرس، ثم أسلم في زمان ابنه شيرويه بن أبرويز.
قال صاحب تواريخ الأمم: "ليس في جميع التواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير؛ لما يذكر فيه من كثرة عدد سنيهم مع قلة ملوكهم".
قال: "وقد زعموا أن جميع ملوك حمير باليمن ستة وعشرون ملكاً في مدة ألفين وعشرين سنة. ثم ملك بعدهم من الحبشة ثلاثة، ثم من الفرس ثمانية، وانتقل الملك بها إلى قريش".