الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتنظيمات الإدارية لأية أمة من الأمم لا بد أن تخضع دومًا للتطوير والتحسين، واختيار الأفضل والأعدال والأحكم، والأكثر رفقًا بأفراد الشعب، والأبعد عن التعقيدات والتكاليف التي لا فائدة منها، ومثل هذا لا يصح أن يتوقف عند حد، بشرط المحافظة على الحق والعدل والرفق بالناس والتيسير عليهم، وتحقيق مصالح المسلمين ومصالح دولتهم على أحسن الوجوه وأيسرها.
ولهذا فإن أحدًا لا يستطيع أن يضع تنظيمًا إداريًّا عامًّا شاملًا لكل جوانب حياة الناس، على أساس أن يكون هو النظام الإداري الدائم الذي لا يتعرض لنسخ أو تعديل أو تبديل مهما توالت التجربات، وتعاقبت العصور، فالتنظيمات الإدارية أوضاع بشرية زمنية، قابلة للتعديل والتبديل والنسخ، تبعًا لمصالح أفراد الشعب، ومصالح الدولة.
5-
القضاء:
وكان القضاء في أكثر أحوال دولة المسلمين وأطوارها قضاء شريفًا نزيهًا، يحكم فيه القضاء بالحق والعدل، عملًا بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بالقياس على ما جاء فيهما.
وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما لما ولاه قضاء البصرة كتابًا حدد له فيه معالم القضاء الإسلامي؛ إذ جاء فيه1:
"أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس2 الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك3، ولا ييأس ضعيف من عدلك.
1 نقلًا عن الرواية التي ذكرها ابن قيم الجوزية في كتابه "إعلام الموقعين" وشرحه انظر الجزء الأول صفحة 85 وما بعدها.
2 آس: أي: سوِّ.
3 في حيفك: أي: في جورك منحازًا له.
البينة على المدعي، واليمن على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا. ومن أدعى حقًّا غائبًا أو بينة فاضرب له أمدًا ينتهي إليه، فإن بينه أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء، ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه إلى رشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعه الحق خير من التمادي في الباطل. والمسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجربًا عليه شهادة زور، أو مجلودًا في حد، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة1، فإن الله تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان. ثم الفهمَ الفهمَ فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، وأعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق. وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذى بالناس والتنكر عند الخصومة "أو الخصوم"2 فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر، ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزيم بما ليس في نفسه شأنه الله، فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصًا، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته".
قال ابن قيم الجوزية: وهذا كتاب جليل، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة.
أقول: هذا الكتاب بمثابة قانون وضعه عمر بن الخطاب للقضاة، ومواده مأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 أو ظنينًا في ولاء أو قرابة: أي: أو متهمًا بأن له مصلحة لنفسه من شهادته، كشهادة المعتق لمن له ولاؤه، أو شهادة العتيق، وكشهادة القريب لقريبه الذي يرثه.
2 شك أبو عبيد راوي خبر كتاب عمر لأبي موسى.