الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
العلم والتعليم والتربية في بلاد الشام:
1-
بقيت المساجد والجوامع في بلاد الشام بيوتًا لله لإقامة الصلوات فيها، ومراكز مهمة للعلم والتعليم والموعظة، والتربية على الفضائل الأخلاقية والسلوكية الإسلامية.
2-
وكان يُبنى إلى جوار أروقة معظم الجوامع وبعض المساجد حجرات لإقامة الأئمة والخطباء والمدرسين والعلماء فيها، ثم لإقامة الوافدين من طلاب العلم الغرباء.
3-
وكان لعلماء المسلمين والواعظين المرشدين حلقات علم وتعليم وموعظة في هذه الجوامع والمساجد، يعقدونها لطلاب العلم، أو لمستمعي الموعظة.
وكان طلاب العلم على فريقين:
- فريق ينقطع لطلب العلم، منصرفًا من أعمال الدنيا، فساعات اليوم عند هذا الفريق مقسمة على دروس العلم الجامعة لمختلف المواد الدراسية، وقضاء مصالح حياتهم الأخرى.
- وفريق يجمع بين طلب العلم، وبين أعمال الكسب، فيجعلون لطلب العلم الوقت الممتد من بعد صلاة الفجر وأورادها إلى ما بعد إشراق الشمس بنحو ساعة أو أكثر، ومن بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ومن بعد صلاة العشاء إلى غاية ثلث الليل الأول، وقد يضيف إلى هذه الأوقات ساعة بعد صلاة العصر.
4-
وقد يكون في الجامع الواحد عالم أو اثنان أو ثلاثة، ولهم فيه حلقات يعلمون فيها الفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه والتفسير والتوحيد، وعلوم اللغة العربية على اختلافها، والعلوم المساعدة على فهم نصوص القرآن والسنة كالمنطق، ومتعلمو علم الفرائض يتعلمون معه الحساب لأنه المساعد على تقسيم المواريث بالدقة المطلوبة.
5-
وصارت مدينة "حلب" كعبة الأدب والأدباء في عهد سيف الدولة الحمداني.
6-
واستمر حال التعليم والتربية في البلاد الشامية في المساجد والجوامع على ما سبق بيانه أكثر من أربعة قرون، وقد تخرج في هذه المراكز التعليمية التربوية كبار العلماء الصلحاء الموسوعيون، وذوو التخصصات في بعض العلوم،
الذين ذاع صيتهم، وانتشرت في أقطار البلاد الإسلامية مصنفاتهم المحررة النافعة.
وكانت العلاقة بين الأستاذ وتلاميذه كعلاقة الأب بابنه، فالأستاذ معلم ومرب ومنفق، وإذا أعجب بتلميذه زوجه بنته.
7-
ولم تؤسس في بلاد الشام مدارس ذات وضع نظامي للأساتذة وللطلاب، حتى أواسط القرن الخامس الهجري.
ففي سنة "444هـ" أسس "رشأ بن نظيف بن ما شاء الله" الدمشقي مدرسة جعلها دارًا للقرآن، وهي المعرفة باسم "الرشائية".
وفي سنة "510هـ" أنشأ صاحب حلب "بدر الدولة أبو الربيع سليمان بن عبد الجبار بن أرتق" مدرسة عرفت باسم المدرسة الزجاجية.
وفي هذه الحقبة أقام "الحسن بن عمار" قاضي طرابلس للفاطميين مدرسة أطلق عليها اسم "دار الحكمة" لتكون بمثابة جامعة، على غرار "دار الحكمة" التي أنشأها الحاكم بأمر الله الفاطمي في مصر، وكان الهدف منهما نشر الفكر الفاطمي الباطني.
ولما استولى "نور الدين محمود بن زكي" على الشام، وجه همته الكبيرة، وعنايته العظيمة لبناء المدارس، واستدعى لها كبار علماء المسلمين من أهل السنة، من مختلف الأقطار.
فبنى "نور الدين" في حلب مدرسة تعرف بالمدرسة "العصرونية" نسبة إلى العالم الفقيه "سنجار شرف الدين بن أبي عصرون" الذي استدعاه للإشراف عليها.
وبنى عدة مدارس أخرى، مدرسة في "منبج" ومدرسة في "حماة" ومدرسة في "حمص" ومدرسة في "بعلبك" ومدرسة في "دمشق".
وكثرت المدارس جدًّا، في عهد "نور الدين محمد بن زنكي" ثم في عهد "صلاح الدين الأيوبي" لشدة اهتمام وعناية هذين السلطانين السنيين، بالعلم.
والتعليم، والوقوف في وجه تيار المفاهيم الباطنة التي أراد الفاطميون أن ينشروها من خلال المدارس التي أسسوها، لتحريف الفكر الإسلامي، وإفساد أصوله وفروعه، مع إبقاء مظهر الانتماء إلى الإسلام نفاقًا.
ولم يقتصر إنشاء المدارس في هذين العهدين على ما كان يأمر به السلطان، بل توجهت عناية كثير من المسلمين الموسرين من أفراد الشعب لإنشاء المدارس، ابتغاء مرضاة الله، على اختلاف مراكزهم الاجتماعية، ومنهم بعض بنات الأمراء والسلاطين.
وكان من هذه المدارس مدارس خاصة بتخريج الأطباء، والصيادلة، والكحالين "= أطباء العيون" والمهندسيين وغيرهم من أصحاب التخصصات الدنيوية المدنية.
وكان من هذه المدارس مدارس متخصصة ببعض العلوم الإسلامية، أو العلوم المساعدة كاللغة العربية.
حتى بلغ عدد المدارس في دمشق وحدها قرابة عدد أيام السنة، وكانت هذه المدارس تستضيف الزائرين الوافدين إلى دمشق من طلاب العلم، وباستطاعة الوافد أن يتنقل زائرًا من مدرسة إلى أخرى طوال حول كامل، دون أن يكرر زيارته لأي واحدة منها، وفي زيارته يستضاف استضافة تامة.
وكان الموظفون في هذه المدارس يخضعون لنظام توظيفي يحدد أعمال كل موظف، ومسئولياته في وظيفته، وراتبه.
ولكل مدرسة من الأوقاف ذوات الغلة، ما تكفي غلتها النفقات التي تحتاجها المدرسة، للطلاب والأساتذة والموظفين، والترميمات وغيرها.
ومن وظائف هذه المدارس التي اشتملت عليها صكوك الوقفيات ما يلي:
- كاتب الغيبة: وهو المسئول عن تسجيل أسماء الذين يتغيبون من الطلاب عن حضور الدروس، وما فاته حضوره من أبواب أو فصول العلم الذي
غاب عن حضور بعض دروسه، ويرفع أمره إلى الناظر ليحسم من راتبه بمقدار تخلفه، ما لم يكن تخلفه بعذر مقبول.
- الناظر: وهو الذي يتولى إدارة أموال وقف المدرسة، والإنفاق عليها.
- الشاهد: وهو الذي يراقب الناظر في أعماله، ويشهد على عقود تصرفاته المالية.
- نائب الناظر: وهو الذي يجعله الناظر نائبًا عنه في أعماله.
- المشرف: وهو المشرف على نظافة المدرسة وأنواع الخدمات العامة فيها، والمتابع للأمور المتعلقة بذلك.
-الفقيه: وهو المشهود له بأنه عالم بالفقه، ويسمح له بتدريسه.
- المقرئ: وهو العالم بالقراءات السبع أو العشر، المتقن لأدائها بالتجويد الكامل، والمأذون له بأن يُقرئ ويُعلم ضبط تلاوة القرآن.
- شيخ المدرسة: وهو رئيسها ومديرها العام.
- ناظر المكتبة: وهو المسئول عن حفظ كتب مكتبة المدرسة، وترتيبها، والإعارة منها ومتابعة إعادة المستعار منها إليها.
- المعيد: وهو المدرس الذي يُعيد على الطلبة ما قرره أستاذ الحلقة، وتسمى وظيفته "الإعادة".
إلى غير ذلك من وظائف، وأسماء أطلقت عليها.
8-
وقد أحصى "الدكتور عبد الجليل حسن عبد المهدي" مؤسسات التعليم في بيت المقدس وحدها في العصرين الأيوبي والمملوكي فبلغت "15" مؤسسة في العصر الأيوبي، "57" مؤسسة في العصر المملوكي1.
1 انظر كتابه الذي يقع في جزئين: "المدارس في بيت المقدس، في العصرين الأيوبي والمملوكي" ودورها في الحركة الفكرية.