الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: صور ونماذج من تطبيقات المسلمين الحضارية في مختلف المجالات العلمية والعملية
الفصل الأول: تلقي القرآن وتدوينه وتدبره
المقولة الأولى: تلقي القرآن وتدوينه
1-
القرآن في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم:
مع إشراق رسالة الإسلام التي اصطفى الله لتبليغها محمدًا صلى الله عليه وسلم، طفق الوحي يتنزل بآيات القرآن المجيد عليه، فيتلفقها الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما وهبه ربه من قدرة على الحفظ والاستيعاب، ويتبصر فيها بكل ما آتاه ربه من قدرة على الفهم والتدبر.
وكان منه في بعض الأحيان تسرع في تلقي القرآن وتلاوته، قبل أن ينتهي جبريل عليه السلام من إملاء النجم القرآني الذي يوحي به إليه، اهتمامًا منه بتحمل المسئولية التي اصطفاه الله لها، وحرصًا منه على حفظه، فأنزل الله عليه قوله في سورة "القيامة: 75 مصحف/ 31 نزول":
ثم أنزل الله عليه قوله في سورة "طه: 20 مصحف/ 54 نزول":
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ كل ما كان ينزل عليه من القرآن، لا ينقص منه حرفًا، ولا يزيد فيه حرفًا.
وكان يأمر أصحابه بكتابة القرآن، وحفظه، وتبليغه، وتداوله بين الناس نشرًا للعلم الرباني، وبثًا لأسس الإسلام ومفهوماته الاعتقادية والعملية.
وكان له كتاب اشتهروا في عصره بعبارة: "كتاب الوحي" فكان من كتاب الوحي1:
1-
أبو بكر الصديق، عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي "51ق. هـ-13هـ".
2-
عمر بن الخطاب، القرشي العدوي "40ق. هـ-23 هـ".
3-
عثمان بن عفان، القرشي الأموي "47ق. هـ-35 هـ".
4-
علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي "23ق. هـ-40 هـ".
5-
معاوية بن أبي سفيان، القرشي الأموي "20ق. هـ-60 هـ".
6-
زيد بن ثابت، الأنصاري الخزرجي "11ق. هـ-54 هـ".
7-
أبي بن كعب، الأنصاري الخزرجي، كان من أحبار اليهود قبل الإسلام "000-21هـ".
8-
خالد بن الوليد، القرشي المخزومي "000-21هـ".
9-
خالد بن قيس، الأنصاري الخزرجي "000-12هـ".
رضي الله عنهم، ولدى التبصر بهذا العلم العظيم نلاحظ أن أول قاعدة حضارية يمكن أن يعتمد عليها بناء حضاري مجيد.
ومنذ ذلك الحين تحولت الأمة العربية الأمية من واقع الجهل الذي كانت تتقلب في أوحاله، وأخذت تسلك في طريق المعرفة والعلم بهمة عظيمة.
واندفع المسلمون يحفظون القرآن، ويكتبونه، ويتدبرونه معانيه، وتنفتح عقولهم إلى آفاق كثيرة من المعرفة، وجهتهم لها آياته، ثم أخذوا يعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناته القولية والعملية، فيستوعبونها فهمًا، ويطبقونها عملًا،
1 اعتمدت في ترجمة أعلام هذا الفصل على كتاب "الأعلام" للزركلي، وكتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي.
على مقادير استطاعاتهم، ويتداركون ما كان ينقصهم في سالف أميتهم من شروط العلم، فأسرعوا إلى زيادة أعداء الذين يتقنون صنعة الكتابة والقراءة فيهم، عملًا بما جاء في الإرشاد القرآني الذي اشتملت عليه أولى سور القرآن نزولًا، وهي سورة "العلق: 96 مصحف/ 1 نزول" وهو قول الله فيها:
واستجابة للتوجيه النبوي، إذ جعل يدفع أبناء المسلمين إلى تعلم القراءة والكتابة، ضمن الوسائل التي كانت متيسرة حينئذ للمسلمين.
وكثر في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفاظ القرآن كله أو بعضه.
ذكر القرطبي: أنه قد قتل منهم يوم بئر معونة سبعون رجلًا، وقتل منهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا العدد.
على أن الشغف بالقرآن الكريم قد كان صفة مشتركة لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استمر بعدهم في المسلمين. الأمر الذي حفظ الله به كتابه، تحقيقًا لوعده الذي أبانه في سورة "الحجر: 15 مصحف/ 54 نزول" بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
وحسب المسلمين أن يكون هذا القرآن المجيد قاعدتهم العلمية، ودستورهم الحضاري، ومنطلقهم إلى كل معرفة إنسانية، وبناء حضاري.
وشغف المسلمين بالقرآن المجيد قد رافقه تعلق شديد منهم بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وبياناته وتطبيقاته العملية، ورغبة عامة في تحصيل كل معرفة إنسانية كان للعرب نصيب منها، كالشعر العربي، وأمثال الحكمة والأدب، وكلام فصحاء العرب وبلغائهم، والأنساب وأخبار الأولين، وما كانوا يعرفونه من علم النجوم، وما كانوا يعرفونه من أدوية نباتية وغيرها، للأمراض التي كانت معروفة لديهم في جزيرة العرب يومئذ، ونحو ذلك من معارف أخرى توصل إليها العرب بأنفسهم، أو وفدت إليهم من معارف الأمم المجاورة لهم.
2-
القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
ظل القرآن المجيد في قمة ما أولاه المسلمون بالغ عنايتهم واهتمامهم، بالإقبال على حفظه وتدبر معانيه، وكانوا يعلمونه أبناءهم قبل أن يعلموهم أي علم آخر.
ورغبة في صيانته من أن يدخل إليه أي تحريف أو تغيير، عمد الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى كتابته كتابة كلية جامعة في نسخة أم، تكون هي المرجع لسائر المكتوبات التي يكتبها المسلمون للقرآن، وكان ذلك بإشارة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد موقعة اليمامة، سنة اثنتي عشرة للهجرة، التي وقعت بين المسلمين وأهل الردة، من أتباع مسيلمة المتنبئ الكذاب، التي استشهد فيها سبعون رجلًا من حفظة القرآن، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهال هذا الأمر عمر بن الخطاب، فجاء إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، فاقترح عليه جمع القرآن، في نسخة تكون هي الأم والمرجع المعتمد لدى جميع المسلمين.
روى البخاري في صحيحه أن يزويد بن ثابت رضي الله عنه قال:
"أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده. قال: أبو بكر، إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر1 يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل
1 استحر: أي: اشتد.
جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو الله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف1 وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة "التوبة" مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره.
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر". ا. هـ.
ومعنى قوله: "لم أجدها عند أحد غيره" لم أجدها مكتوبة عند أحد غير أبي خزيمة الأنصاري، أما كونها محفوظة فكل حفاظ القرآن من الصحابة قد كانوا يحفظونها. وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، ولكنه كان قد اشترط على نفسه أن يعتمد فيما يجمع على شهادتي الحفظ والكتابة معًا.
وقد كان هذا الجمع للقرآن الكريم الظاهرة الأولى من ظاهرات تثبيت العلم المنزل من عند الله قرآنًا يتلى في نسخة أصلية جامعة، تكون هي الأم والمرجع الذي ترجع جميع المكتوبات من القرآن إليه، وقد تولى هذا الأمر العظيم أول خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده، باقتراح ممن صار الخليفة الثاني، وقام بالعمل أحد كتاب الوحي "زيد بن ثابت الأنصاري" وأعانه عليه كل صحابي كانت لديه كتابة قرآنية كتبها في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، مع الجمهور العظيم لحفاظ كتاب الله من الصحابة.
وبهذا العمل المجيد استوفى هذا السفر العلمي الرباني العظيم أولى وسائل
1 العسب: جمع "العسيب" وهي جريدة النخل المستقيمة يكشط خوصها، وقد كان يكتب على صفحتها. واللخاف: جمع "اللحفة" وهي حجر أبيض عريض رقيق.
توثيقه التاريخي بالكتابة الموحدة المجموعة، وبالحفظ في صدور الحفاظ الكثيرين الثقات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان.
وهذا من توفيق الله وعنايته الجلية بهذا الكتاب. الذي جعله خاتمة كتبه المنزلة من لدنه، ليكون نورًا وهدى للناس أجمعين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وإذ كان من خطته جل جلاله أن ينزل هذا الكتاب الخاتم، على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم، كان من مقتضى حكمته أن يتكفل بحفظه من أي تحريف أو تغيير أو زيادة أو نقص، بما يُسخر له من وسائل حفظ وتثبيت. وكان من مقتضى حكمته أن لا يتكفل بحفظ الكتب التي أنزلها على رسله السابقين، فلم يوجد للكتب السابقة ما وجد للقرآن من وسائل حفظ وتوثيق، فدخل فيها التحريف والتغيير، والزيادة والنقص والنسيان، فلا يوجد لدى أمة من الأمم السابقة ما يصحح نسبة كتبها المقدسة لديها إلى رسلها أو أنبيائها.
وبهذا يلاحظ كل ذي فكر وعقل وإنصاف أن الأمة الإسلامية قد انفردت من بين جميع الأمم، بأنها الأمة التي تملك توثيقًا قطعيًّا للكتاب الرباني المنزل على الرسول الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
3-
القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
اتسعت أراضي الدولة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ودخلت في الإسلام شعوب كثيرة غير عربية الأصل، وأخذ بعض الذين دخلوا في الإسلام يقرءون القرآن على غير وجهه الذي أُنزل به.
فأسرع الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، إلى الخليفة عثمان بن عفان، واقترح عليه أن ينسخ عددًا من المصاحف مطابقة للنسخة الأم التي كان قد تم جمعها في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأن يُوزِّع هذه النسخ
على الأقطار الإسلامية، تداركًا للأمة الإسلامية من أن يقع بينها الخلاف في نصوص آيات القرآن المجيد.
واستجاب الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه لتنفيذ هذا الاقتراح، فألف لجنة للقيام بهذا العمل الجليل الخطير، من أربعة رجال ثقات فضلاء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم:
1-
زيد بن ثابت المدني الأنصاري الذي كان قد كلفه الخليفة الأول "أبو بكر الصديق" أن يجمع النسخة الأولى.
2-
عبد الله بن الزبير، وهو مكي قرشي أسدي "1-73هـ".
3-
سعيد بن العاص، وهو مكي قرشي أموي "3-59هـ".
4-
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو مكي، قرشي، مخزومي "1-43هـ".
فاجتمع هؤلاء الأربعة الأعلام الثقات، وشرعوا في تنفيذ أمر الخليفة عثمان رضي الله عنه، سنة خمس وعشرين للهجرة، ونسخوا بضع مصاحف لم تزد على سبعة.
ولما تم نسخ هذه المصاحف بعث الخليفة عثمان إلى كل ناحية واحدًا منها.
فأرسل إلى الشام، والكوفة، والبصرة، ومكة، واليمن، والبحرين، واحتفظ بواحدة عنده في المدينة.
وتلقى المسلمون في الأقطار الإسلامية عمل الخليفة هذا بالقبول والاستحسان، وبه قطع الله دابر الاختلاف، وصار لدى المسلمين في كل قطر مصحف إمام مدقق على الأصل الذي هو الأم. وأقر ما فيه الحفاظ المتقنون المنتشرون في الأقطار، من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان عمل عثمان هذا عملًا مجيدًا حميدًا، في طريق نشر وتثبيت كتاب المسلمين الأول والأكبر، على وجه محقق مدقق موثق في مختلف الأقطار الإسلامية.
روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب، أن أنس بن مالك حدثه:
"أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يُغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة، أن أرسلي إلينا بالمصحف ننسخها في المصاحف التي نردها إليك، فأرسلت به حفظة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الثلاثة، إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواء من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق".
وكان رسم الكتابة العربية يومئذ خاليًا من النقط والتشكيل، وعلى ذلك تمت كتابة المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه، كما كانت كذلك كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر.
4-
ضبط حروف كلمات القرآن بالنقط وبالتشكيل:
ظل رسم كتابة القرآن كما رسم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهود الخلفاء الراشدين، خالي الحروف من النقط ومن الشكل.
وكان معظم المسلمين الأولين عربًا أصلاء، يقرءون القرآن بسليقتهم متقنًا، دونما لحن في نطق مفرداته أو في إعرابها بحسب موقعها من الجمل القرآنية.
وظل المسلمون يقرءون القرآن على وفق الرسم الذي كتبت به نسخ مصحف عثمان الذي كان المصحف الإمام بضعًا وأربعين سنة، حتى خلافة عبد الملك بن مروان.
وكثر منذ ذلك الحين اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب التي دخلت في الإسلام، وبدأت العجمة واللحن يتسربان إلى أبناء العرب.
وعندئذ تنبه فريق من رجال الفكر الإسلامي، وفريق من رجال الحكم والإدارة، إلى ضرورة صيانة القرآن الكريم من التصحيف واللحن في كلماته على ألسنة العامة، بسبب التشابه في رسم بعض الحروف العربية؛ إذ كانت خالية من فروق النقط عليها، وإلى ضرورة صيانته من اللحن الذي يكون بتغيير حركات الحروف، نظرًا إلى أن الكتابة العربية في أصلها خالية من الدلالة على حركات حروفها فتحًا، وضمًّا، وكسرًا وسكونًا.
فاتجهت الأفكار لابتكار طريقة يضبط بها رسم القرآن، بشرط المحافظة على صورة بناء الرسم السابق، إلا ما تدعو الضرورة إلى تحسينه من الناحية الإملائية، كإثبات بعض الألفات التي كان اصطلاح الرسم قائمًا على حذفها. مثل ألف "كانت" ونحو ذلك.
والطريقة المختارة التي تم الاتفاق عليها أن يكون الضبط على شكل علامات مرافقات غير ملاصقات، تحدد نوع الحرف، وتُشير إلى حركته في النطق، من فتح وضم وكسر وسكون.
وأخذت العلامات المميزات للحروف، والمشيرات إلى الحركات، تدخل فيما يُكتب من مصاحف، ويُصاحب هذه العلامات التطوير والتحسين، حتى بلغت ذروتها في نهاية القرن الثالث الهجري، وهي الصورة التي استمرت حتى يوم الناس هذا.
ومن الذين تذكر أسماؤهم في التاريخ ممن وجهوا لعمليات الضبط هذه من رجال الحكم:
1-
عبد الملك بن مروان، "الخليفة الأموي 26-86 هجرية"1.
2-
عبيد الله بن زياد. "والي خراسان، ثم البصرة للأمويين "27-67 هجرية"2.
1، 2 عن الأعلام للزركلي.
3-
الحجاج بن يوسف الثقفي "أحد القادة وولاة الحكم في العهد الأموي 40-95 هجرية"1.
ومن أشهر الذين تتردد أسماؤهم بأنهم بدءوا أو ساهموا في وضع أصول النقط والشكل ثلاثة رجال:
1-
أبو الأسود الدؤلي "ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني" واضع علم النحو، وجاء في صبح الأعشى أن أبا الأسود وضع الحركات والتنوين لا غير "1ق. هـ-69 هجرية"1.
2-
يحيى بن يعمر الوشقي العدواني "متوفى 129 هجرية" قالوا: هو أول من نقط المصاحف، أي: ميز بين الحروف المتشابهة الرسم بالنقط1.
3-
نصر بن عاصم الليثي من أوائل واضعي علم النحو "متوفى 89 هجرية"1.
وهكذا تم في حقبة مبكرة من تاريخ المسلمين عمل حضاري عظيم، ضبطوا به كتابهم الأول أكمل ضبط وأتقنه، مع حفظه في صدور عشرات الألوف من الحفاظ المتقنين المنتشرين في كل موقع وصل إليه المسلمون.
5-
كل القرآن المنزل من عند الله لهداية الناس هو ما كتب في النسخة الأم بعهد أبي بكر:
عرفنا أن القرآن الذي جمعه "زيد بن ثابت" بأمر من الخليفة الأول أبي بكر رضي الله عنهما هو كل القرآن الذي أنزله الله على رسوله لهداية الناس، وعرفنا أن عمل الخليفة الثالث عثمان بن عفان لم يكن إلا نسخ سبع نسخ عنه وزعت في الأقاليم كما سبق بيانه.
فلم تسقط ولم تضع من القرآن كلمة واحدة ولا حرف واحد، وكل حرف من القرآن قد ثبت بالتواتر القطعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضمن القراءات العشر التي حررها ودونها وضبطها علماء القراءات.
1 عن الأعلام للزركلي.
أما لهجات أداء النطق العربي التي لا يرتبط بها اختلاف معنى، فقد أنزل الله الإذن بها ضمن سبعة أحرف، ولم يثبت علماء القراءات منها إلا ما بلغ التواتر.
فما بين دفتي المصحف المنتشر بين المسلمين هو كل القرآن المنزل من لدن حكيم عليم لهداية الناس وتعليمهم علوم الدين، لم يضع منه شيء ولم يكتم منه شيء.
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
"من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فقد كذب".
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله بن السوائي قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟
فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة.
قلت: وما في هذه الصحيفة؟
قال: العقل1، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر".
وقد نفذ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به من تبليغ جميع ما أنزل إليه من ربه؛ إذ قال الله له في سورة "المائدة: 5 مصحف/ 112 نزول":
فمن زعم وجود كلمات أو آيات أو سور هي من القرآن، إلا أنها ليست في دفتي المصحف المنتشر بين عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فهو كذاب يفتري على الله ورسوله، وعلى جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وقد تحقق بحفظ القرآن وعد الله عز وجل بقوله في سورة "الحجر: 15 مصحف/ 54 نزول":
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
1 العقل: الدية.