الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُؤتي بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه" رواه البخاري.
وكل إكراه يمكن التخلص منه بوسيلة لا ضرر فيها، أو بوسيلة ضررها أخف من ضرر ما حصل عليه الإكراه، ويستطيع المستكره مباشرتها فإنه إكراه ترتفع معه المسئولية، ولا يكون مناطًا للاعتذار به في استحقاق العفو.
وليس من الإكراه حمل الإنسان على إثم كبير وجرم خطير عن طريق تهديد بإنزال ضرر فيه دون الضرر الذي يتحقق بذلك الجزم، ومن أمثلة ذلك حمل الجندي على قتل إنسان بريء، غير مدان في القضاء الشرعي بالقتل، فإن لم يفعل ما أمر به، سرح من عمله، أو سجن، أو حُسِمَ من راتبه مبلغ من المال، فإنه في مثل هذا غير مكره؛ لأنه آثر أن يرتكب جريمة القتل، خشية أن يسرح من عمله أو يسجن أو يحسم من راتبه مبلغ من المال، ولن يجد لنفسه عند الله عذرًا بأنه كان مكرهًا على العمل، ولكنه سيلاقي جزاءه فهو من شركاء الظالمين وأعوانهم.
ومن روائع أمثلة إيثار العذاب على الوقوع في معصية الله ما كان من يوسف عليه السلام، فإنه لما سمع تهديد امرأة العزيز له إذا قالت:{وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} . قال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} .
شرح الأمر الثالث: مراعاة مطالب الفكر والنفس والجسد الإنسانية
وتظهر الواقعية في أسس الإسلام في مراعاتها مطالب الفكر والنفس والجسد الإنسانية، وعدم إهمالها، وذلك ضمن حدود طريق الخير.
ولدى شرح الواقعية في هذا المجال نلاحظ أن الله تبارك وتعالى لما فطر الإنسان على مجموعة كبيرة من الميول والدوافع الفطرية، ذات المطالب المتنوعة في الحياة، لم يشأ في شريعته للناس أن يحرمها من تلبية مطالبها، وإنما ارتضى لها أن تسلك في ذلك سبيلًا سويًّا، يضمن لها تحقيق العناصر الخمسة التالية:
العنصر الأول: تلبية المطالب الإنسانية باعتدال دون إفراط ولا تفريط مضرين.
العنصر الثاني: إقامة العدل على أسس الحق بين مجموعة الميول والدوافع الفطرية ومطالبها، وواجبات الإنسان في الحياة، ثم إعطاء كل منها ما يناسبه، ويصلحه بالعدل، دون أن يطغى بعضها على حقوق بعض أو على حقوق سائرها.
العنصر الثالث: ربط تلبية المطالب بالأسس الإيمانية، وتصعيد غايات النفس وأهدافها، لدى فسح المجال لتلبية مطالبها، وذلك بأن لا يكون هدف الإنسان وغايته مجرد تلبية مطالب الميول والدوافع الفطرية، وإنما يهدف مع ذلك إلى أمور أسمى.
العنصر الرابع: الالتزام لدى تلبية مطالب الميول والدوافع الإنسانية بالبعد عن سبل الشر والإثم والإفساد في الأرض، وبالبعد عن سبل العدوان على حقوق الآخرين، ويكون ذلك بالوقوف عند حدود الله، التي حدها لعباده في تلبية مطالبهم الإنسانية.
العنصر الخامس: توجيه كل من الدوافع الفطرية ذات المظاهر المتضادة كالشجاعة والجبن، والحب والكراهية، والزهد والطمع، والكرم والبخل، لما يحقق أكبر نسبة من الخير، يمكن تحقيقها عن طريقه، وعدم اعتبار شيء منها شرًّا بذاته، أو انحرافًا في أصل التكوين، وإنما هي مقادير من المنح الربانية اقتضت لونًا من ألوان الامتحان خاصًّا بالشخص الذي أودع الله فيه هذه الدوافع الفطرية ومقاديرها، وذلك كتوجيه عاطفة الحب نحو الله والحق والخير والفضيلة والمؤمنين الصالحين، وتوجيه عاطفة الكراهية نحو الباطل والشر والرذيلة ودعاة هذه الموبقات من شياطين الإنس والجن.
وشرح هذه العناصر الخمسة فيما يلي:
شرح العنصر الأول:
وهو تلبية المطالب الإنسانية باعتدال دون إفراط ولا تفريط مضرين.
ويتحقق هذا العنصر بالتزام ما أمر به الإسلام، واجتناب ما نهى عنه، واتباع ما أرشد إليه بوجه عام، أما ما أباحه فللإنسان أن يفعله أو يتركه ضمن حدود مصلحته التي يراها.
أ- ففي تلبية دوافع الطعام والشراب مثلًا أمر الإسلام الناس بأن يتناولوا من الطيبات ما يدفع عنهم مضرات الجوع والعطش، ونهاهم عن الخبائث من المآكل والمشارب، وعن الإسراف المضر وأباح لهم أن يختاروا من الطيبات من الرزق ما يشاءون، ورغبهم بالاقتصار على مقدار الحاجة، وعدم اتخاذ الطعام والشراب غاية من غايات الحياة، ووجههم إلى فهم أنهما وسيلة مزينة للنفس، وأن الغاية منهما المحافظة على الحياة من جهة، والابتلاء من جهة أخرى.
قال تعالى في سورة "الأعراف: 7 مصحف/ 39 نزول":
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".
رواه أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم عن المقداد بن معديكرب.
وفي بيان أن الإسلام يحل للناس الطيبات ويحرم عليهم الخبائث: قال تعالى في سورة "الأعراف: 7 مصحف/ 39 نزول":
وقال تعالى في سورة "المائدة: 5 مصحف/ 112 نزول":
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} .
وفي تفصيل الخبائث المحرمة من الطعام والشراب:
يقول الله تعالى في سورة "المائدة: 5 مصحف/ 112 نزول":
ويقول أيضًا فيها:
ب- وفي تلبية دوافع غريزة بقاء النوع كان مظهر الواقعية في الإسلام ممثلًا ببيان وجودها، وإباحتها والحث عليها، ضمن شروط تحقق الخير منها، وتبتعد بها عن مزالق الإثم والشر.
فمن بيان وجودها قول الله تعالى في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} .
ومن الحث عليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود.
ومن إبعادها عن مزالق الإثم والشر قول الله تعالى في سورة "الإسراء: 17 مصحف/ 50 نزول":
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} .
وقوله تعالى يصف المؤمنين في سورة "المؤمنون: 23 مصحف/ 74 نزول".
ج- وفي تلبية دوافع حب التملك كان مظهر الواقعية في الإسلام متمثلًا بإثبات وجودها من جهة، وبإعطاء حرية التملك الشخصي من جهة ثانية، وبالبحث على العمل لاكتساب الرزق، مع تحريم وسائل التملك التي فيها عدوان وظلم، وإضرار بالناس، أو بسياسة الدولة الإسلامية، أو إخلال بأصل من الأصول العامة للشريعة الإسلامية.
فمن إثبات وجودها قول الله تعالى في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
وقول الله تعالى في سورة "الكهف: 18 مصحف/ 69 نزول":
ومن النصوص الدالة على إعطاء حرية التملك الشخصي ضمن الحدود التي حدها الإسلام قول الله تعالى في سورة "النساء: 4 مصحف/ 92 نزول":
وعن المقدام رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده". رواه أحمد والبخاري.
وفي الحديث الصحيح أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده". رواه أحمد والطبراني عن أبي بردة بن نيار.
ومن النصوص التي تتضمن الحث على اكتساب الرزق قول الله تعالى في سورة "الجمعة: 62 مصحف/ 110 نزول":
وفي القرآن الكريم آيات كثيرات تبين ملكية الناس لأموالهم بشكل عام، وتحدد بعض طرق التملك المشروعة، كالميراث، وتبين بالإضافة إلى ذلك الوجوه المحرمة من وجوه الكسب، وتبين الحقوق المتعلقة بأموال الأفراد لصالح المحرومين ذوي الحاجات، أو لمن تجب لهم النفقة، أو للصالح العام الذي تشرف على رعايته وإدارته حكومة المسلمين.
فمن النصوص التي تبين بعض وسائل الكسب المحرمة في الإسلام، قول الله تعالى في سورة "البقرة: 2 مصحف/ 87 نزول":
وبهذا يعلن الله حدود الإسلام في تحريم الربا.
وقول الله تعالى في سورة "النساء: 4 مصحف/ 92 نزول":
ومن وسائل الكسب المحرمة الغلول، وهو الاستيلاء على الأموال العامة بغير حق، قال الله تعالى في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
وبهذا يعلن الله حدود الإسلام في تحريم الربا.
وقوله الله تعالى في سورة "النساء: 4 مصحف/ 92 نزول":
ومن وسائل الكسب المحرمة الغلول، وهو الاستيلاء على الأموال العامة بغير حق، قال الله تعالى في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
وهكذا تمضي النصوص الإسلامية في تحديد الاقتصاد الموجه، وبيان المحرم من وسائل الكسب التي يقترف الناس بها أموالهم.
شرح العنصر الثاني:
وهو إقامة العدل على أسس الحق بين مجموعة الميول والدوافع الفطرية ومطالبها، وواجبات الإنسان في الحياة، ثم إعطاء كل منها ما يناسبه ويصلحه بالعدل، دون أن يطغى بعضها على حقوق بعض، أو على حقوق سائرها.
لدى التبصر في مفاهيم الإسلام وأحكامه المختلفة نلاحظ أن هذا العنصر من عناصر الواقعية الإسلامية يتمثل بنظرة الإسلام الراقية إلى الإنسان كل الإنسان، لا إلى ناحية منه دون أخرى، وإلى جميع واجبات هذا الإنسان في الحياة الدنيا، وهي الواجبات التي تكون سبب سعادته فيها، وتأخذ بيده إلى أفضل مصير يمكن أن يصير إليه في الآخرة.
وقد اقتضت إقامة العدل بين مجموعة الميول والدوافع الفطرية ومطالبها، وواجبات الإنسان المختلفة في الحياة أن يقوم كل منها تقويمًا ملائمًا، ويعطي من طاقة الإنسان وفكره وعواطفه وزمنه بالعدل.
ومن أجل ذلك لم يرتض الإسلام في تربية المسلم السوي أن تسود فيه بعض الدوافع والميول الفطرية حتى تمتص معظم طاقاته، وتستهلك معظم عمره، وحتى يهمل بسبب ذلك ما لديه من دوافع خيرة، ويهمل واجباته الدينية والشخصية والاجتماعية في الحياة.
ولم يرتض الإسلام في تربية المسلم السوي أيضًا أن تهيمن عليه فضيلة من الفضائل الدينية العبادية أو غيرها، أو مجموعة منها، حتى تمتص معظم طاقاته، وتستهلك معظم عمره، مع إهماله بقية الواجبات، وحرمان نفسه من مطالبة الضرورية في الحياة.
وإنما رغب الإسلام في تربية المسلم حتى يكون إنسانًا سويًّا أن يصنع
المسلم لنفسه جدولًا محكمًا، يورع فيه طاقاته وزمنه توزيعًا عادلًا، على مطالب وفكره وجسده، وواجباته الدينية الشخصية والاجتماعية، ويمنح كلا منها من طاقاته وزمنه ما يناسبه بالعدل.
وبهذا التوزيع العادل يغدو الإنسان المسلم متعادل الشخصية، في صفاته وعواطفه، وأعماله، حكيمًا فيأمره كله.
فمن سوء التوزيع لطاقات الإنسان وزمنه الذي لا يرتضيه الإسلام أن ينصرف المسلم للعبادة تاركًا عياله في آلام الحاجة إلى وسائل العيش، ظانًّا أن هذا أفضل من المشي في مناكب الأرض لاكتساب الرزق من الطرق التي أحلها الله، وإنفاقه عليهم، ومن أجل هذا أمر الله بالانتشار في الأرض، ابتغاء لفضل الله عقب أداء الصلاة من يوم الجمعة، كما أمر بالسعي إلى ذكر الله وترك البيع، إذا نودي للصلاة، قال الله تعالى في سورة "الجمعة: 62 مصحف/ 110 نزول":
ومن سوء التوزيع إشغال الإنسان فكره ونفسه وقلبه وجسده في جمع الأموال، وإهماله حظوظه النفسية والجسدية الأخرى، وإهماله واجباته الدينية الشخصية والاجتماعية.
ومن سوء التوزيع تعليق الإنسان قلبه بحب شهوة من شهوات النفس أو الجسد، والاستغراق بها، وإهماله توجيه قلبه إلى حب الله ورسوله، وما يحبه الله ورسوله من خير.
ولا يعارض مبدأ الحكمة في التوزيع أن يتجه الإنسان إلى اكتساب مهارة كبيرة في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو صناعة من الصناعات؛ لأن ذلك من حصر الطاقات المخصصة في التوزيع العام العادل لهذه الأنواع من حاجات الإنسان، أو واجباته في الحياة، في أفضل طريقة منتجة مدنية إلى
الكمال، بل حث الإسلام المسلم على أن يجمع أمره ولا يشتت عمله، وذلك ليتقن ما هو فيه من علم أو عمل، ولكن بشرط أن لا يكون ذلك على حساب أنواع من الواجبات والضروريات الأخرى.
فليس للإنسان أن يضيع الصلوات المفروضة مثلًا زاعمًا أنه مشتغل عنها بعلوم الفقيه والحديث والتفسير، أو مشتغل عنها بإتقان صناعة من صناعات كسب الرزق، أو أن يضيع حقوق أهله وأولاده عليه بحجة انشغاله بعلم أو عبادة، أو عمل من أعمال الاكتساب، حتى تأخذ هذه الأمور من طاقته وزمنه أكثر من حصتها المقدرة لها في التوزيع العام، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن لربك عليك حقًّا. وإن لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه".
شرح العنصر الثالث:
وهو ربط تلبية المطالب الإنسانية بالأسس الإيمانية، وتصعيد غايات النفس وأهدافها، لدى فسح المجال لتلبية مطالبها، وذلك بأن لا يكون هدف الإنسان وغايته مجرد تلبية مطالب الميول والدوافع الفطرية، وإنما يهدف مع ذلك إلى أمور أسمى.
1-
أما ربط تلبية المطالب الإنسانية بالأسس الإيمانية فيكون بملاحظة أن الله تعالى هو الذي خلق مطالب الأنفس، وهو الذي ييسر سبل تلبيتها، وهو الذي وضعها ووضع مجالات تلبيتها تحت سلطة الإنسان، ليمتحن إرادته بين منهجي الحياة: الاستقامة على الطريقة، والانحراف عنها.
فالمسلم بهذا الربط بالأسس الإيمانية إذا عمل لتلبية مطالبه الإنسانية فإنها يبتغيها من فضل الله، ويدعو الله مع كل مطلب أن ييسره له، ويستعيذ بالله أن يدفع عنه الشر والسوء والأذى، التي قد تنجم عن تلبيته، ولا بد أن يرافق ذلك مراقبة الله، والطمع بثوابه، والخوف من عقابه، وهذه المراقبة من شأنها أن تصد
الإنسان من أيمن الصراط ومن أيسره عن الانزلاق وراءهما، وذلك كلما نزعت فيه نفسه نحو الإثم، وكلما طاف به طائف من الشيطان.
وقد أرشدنا الإسلام إلى ربط مطالبنا الإنسانية بالأسس الإيمانية في مناسبات كثيرات، منها ما يلي:
أ- ففي مجال ما امتن الله به علينا من تسخير البحر لنا، وإزجاء الفلك فيه يرشدنا كيما نبتغي مطالبنا الإنسانية من فضله، قال الله تعالى في سورة "الإسراء: 17 مصحف/ 50 نزول":
ب- وفي مجال ما امتن الله به علينا إذ جعل لنا الليل والنهار آيتين دالتين على قدرته وحكمته، يرشدنا كيما نبتغي مطالبنا الإنسانية من فضله، قال تعالى في سورة "الإسراء: 17 مصحف/ 50 نزول":
ج- وإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة يأمرنا الله بالسعي، إلى ذكر الله وترك البيع، فإذا قضيت الصلاة يرشدنا إلى أن ننتشر في الأرض، ونبتغي من فضل الله، ونحافظ على ذكر الله باستمرار، فقال الله عز وجل في سورة "الجمعة: 62 مصحف/ 110 نزول":
2-
وأما تصعيد الغاية لدى تلبية المطالب الإنسانية فيكون بقصد غايات أخرى تقضي إليها هذه المطالب، وهذه الغايات أسمى من مجرد تحصيل شهوة، وإشباع غريزة، أو تلبية دافع من الدوافع الإنسانية.
ومن أمثلة ذلك:
أ- أن يقصد المسلم بما يتناول من طعام وشراب التقوى على طاعة الله، كالعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، إضافة إلى قصد دفع مضرات الجوع والعطش عن نفسه، وأنه يقوم بذلك طاعة لله، وإضافة أيضًا إلى اعتقاد أنه يستمع بما تفضل الله به عليه من نعم تستوجب منه الحمد والشكر.
ب- وأن يقصد بالزواج تكوين أسرة إسلامية، وإنجاب أولاد يسعى في تربيتهم تربية إسلامية، حتى يكونوا جنودًا صالحين من جنود هذه الرسالة الربانية الخالدة، وذلك إضافة إلى قصده إعفاف نفسه عما حرم الله، بوضع شهواته فيما أباح له، وحينما يمارس منعته في ذلك يلاحظ مِنَّة الله عليه فيما تفضل به عليه من نعم تستوجب منه الحمد والشكر.
ج- وأن يقصد من أعمال كسب الرزق التي يقوم بها كف نفسه عن الحاجة إلى صدقات الناس، وأداء ما يجب عليه من نفقة على عياله، وأقاربه، ورحمه، وبذل الزكاة والصدقات والمبرات لمستحقيها، وإنما القوة المالية لجماعة المسلمين، والمساهمة في القوة الدفاعية التي تصد أعداءهم، والمساهمة أيضًا في نشر الدعوة الإسلامية على أوسع نطاق، عن طريق العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والجهاد في سبيل الله.
وعلى مثل ذلك يكوت تصعيد الغايات لدى تلبية المسلم مطالبه الإنسانية المختلفة.
شرح العنصر الرابع:
وهو الالتزام لدى تلبية مطالب الميول والدوافع الإنسانية، بالبعد عن سبل الشر والإثم والإفساد في الأرض، وبالبعد عن سبل العدوان على حقوق الآخرين، ويكون ذلك بالوقوف عند حدود الله، التي حدها لعباده في تلبية مطالبهم الإنسانية.
لدى التبصر في المجالات التي يتم فيها تلبية مطالب الميول والدوافع الإنسانية نلاحظ أن كلا من هذه الميول والدوافع يمكن تلبيته في مجالات مختلفات، ومن هذه المجالات ما يتضمن شرًّا أو ضرًّا أو أذى أو يفضي إلى شيء من ذلك، وهذه المجالات قد وضع الإسلام لها حدودًا، ووضع على هذه الحدود إعلانًا بالمنع من اقترابها، أو اختراقها، والتجاوز إلى ما وراءها، والدخول في المجالات المحظورة المطوقة بهذه الحدود، ويمكن أن نُسمي هذه المجالات بالمناطق المحرمة في الإسلام.
وجل ما في الشريعة الإسلامية من محظورات كفت عنها لدى تلبية مطالب الميول والدوافع الإنسانية، هي مما يتضمن شرًّا أو ضرًّا أو أذى، أو يفضي إلى شيء من ذلك، وحينما كفت عن هذه المناطق فتحت لها مجالات كثيرات أخرى مباحة خالية من الشر والضر والأذى.
وبعض المناطق المحظورة في الإسلام مثلها كمثل شجرة آدم، الغرض من الحظر فيها امتحان إرادة الإنسان بين يدي أوامر الله ونواهيه، هل يطيع الله أو يعصيه؟ سواء عرف الحكمة منها أم لم يعرف، وذلك لأن ما في الكون كله ملك الله تعالى الذي خلقه، والإنسان في هذا الكون ضيف على مائدة الرحمن، ولصاحب الملك أن يمنع ضيوفه المكرمين عنده من أن يقربوا بعض مناطق في ملكه، أو أن يأكلوا أو يشربوا من بعض الأطعمة والأشربة التي توجد فيه، وذلك لغاية هو أعلم بها، وأكثر تقديرًا لوجوه الحكمة فيما أباحه وفيما حرمه، وأدنى ما في ذلك من حكمة امتحان عفة ضيوفه، ومدى تقيدهم بحق من كرمهم في داره ومائدته، وأذن لهم بمعظم ما فيها، إلا أنه منع عنهم أشياء طفيفة، اختبارًا لمدى شكرهم له، كما أنه لم يأذن لهم بما فيه شر أو ضر أو أذى.
وباستعراض ما حرمته الشريعة الإسلامية تتجلى لنا هذه الحقيقة، بوجهها المشرق.
وفيما يلي أمثلة من ذلك:
أ- فحينما حرم الإسلام الخمر والميسر بين لنا وجه الحكمة من التحريم قال الله تعالى في سورة "المائدة: 5 مصحف/ 112 نزول":
وفي مقابل هذه المنطقة المحرمة أذن بتلبية مطالب النفس في مناطق كثيرة مباحة؛ إذ أباح لنا كل الطيبات من أنواع الأشربة، وأباح لنا كسب الأمول من التجارة المبرورة، والأعمال الإنتاجية، والاستثمارية، والخدمات التي لا شر فيها ولا ضر ولا أذى، وأباح لنا أنواعًا من اللهو البريء الخالي من أسباب المنع.
ب- وحينما حرم الإسلام الزنا بين لنا أنه سبيل سيئ لتلبية دوافع الغريزة النفسية والجسدية، قال الله تعالى في سورة "الإسراء: 17 مصحف/ 50 نزول":
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} .
وفي مقابل هذه المنطقة المحرمة أذن بتلبية مطالب هذه الدوافع عن طريق الزواج المشروع، أو ملك اليمين، بل حث على ذلك.
ج- وحينما منع الإسلام من معاشرة الزوجة في المحيض بين لنا أنه أذى، قال الله تعالى في سورة "البقرة: 2 مصحف/ 87 نزول":
أما تحريم معاشرة الزوجات في نهار الصوم فأمر من الأمور التعبدية البحت التي يمتحن الله فيها إرادة الإنسان بين يدي أوامر الله ونواهيه التعبدية المجردة عن ملاحظة المضار والمنافع الخاصة، ونظير ذلك تحريم الأكل والشرب في الصوم وهما من الأمور المباحة في الأحوال العادية، ونظير ذلك أيضًا تحريم الأكل والشرب والكلام العادي في الصلاة، وما أشبه ذلك من الأمور التعبدية البحت.
د- وحينما حرم الإسلام الربا بين لنا وجه المضرة فيه، وأنه لون من ألوان الظلم، قال الله تعالى في سورة "البقرة: 2 مصحف/ 87 نزول" بعد بيان تحريم الربا: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .
وفي مقابل هذه المنطقة المحرمة أذن لنا بتلبية مطالب دوافع حب التملك ضمن مجالات كثيرات لا عدوان فيها ولا ظلم.
وهكذا تضع الشريعة الإسلامية حدودها دون كل منطقة تتضمن شرًّا أو ضرًّا أو أذى، أو تقضي إلى شيء من ذلك.
شرح العنصر الخامس:
وهو توجيه كل من الدوافع الفطرية ذات المظاهر المتضادة كالشجاعة والجبن، والحب والكراهية، والزهد والطمع، والكرم والبخل، لما يحقق أكبر نسبة من الخير، يمكن تحقيقها عن طريقه، وعدم اعتبار شيء منها شرًّا بذاته، أو انحرافًا في أصل التكوين، وإنما هي مقادير من المنح الربانية اقتضت لونًا من ألوان الامتحان خاصًّا بالشخص الذي أودع الله فيه هذه الدوافع الفطرية ومقاديرها.
وفي كل إنسان نسبة ما من كل متضادين من الطبائع الفطرية، ففيه نسبة ما من الشجاعة، ونسبة من الجبن، ونسبة ما من عاطفة الحب، ونسبة من عاطفة الكراهية، ونسبة من الكرم ونسبة من البخل، ونسبة ما من الزهد ونسبة من الطمع، وهكذا إلى سائر الطبائع المتضادة في الناس.
ومن الواقعية في أسس الإسلام أنه لا يعمد إلى إلغاء هذه الدوافع الفطرية المتضادة في الإنسان، أو إلغاء شيء منها إلغاء تامًّا، وإنما يعمد إلى قيادتها وتوجيهها الوجهة التي تثمر فيها الخير، وتبعدها من مزالق الشر والضر والإفساد، ويعتمد أيضًا إلى تدريب المسلم على استعمال كل منها في الموضع الملائم له.
وذلك إذ ينقل الإنسان عن طريق تصوراته الفكرية، فيوجه ما لديه من الدوافع الفطرية المتضادة لما يحقق أكبر نسبة ممكنة من الخير، ويتجافى عن أكبر نسبة ممكنة من الشر يمكن تجافيها.
وفيما يلي طائفة من الأمثلة على ذلك:
أ- فيوجه مثلًا ما لدى الإنسان من طبيعة الجبن شطر ما نهى الله عنهن وشطر ما أعتد من عذاب أليم للظالمين والآثمين، ويحسن امتصاص ما لديه منه في هذا المجال، ثم يوجه ما لديه من شجاعة وجرأة للدفاع عن حرمات الله، والجهاد في سبيله، والانتصار للحق، والتزامه باعتزاز، دون اكتراث بنقد أو سخرية أو ملام.
وقيامًا بهذا التوجيه لفطرتي الجبن والشجاعة أنزل الله تعالى طائفة من النصوص القرآنية التربوية التي تحكم قيادة ما لدى الإنسان المسلم من كل منهما.
منها قول الله تعالى في سورة "التوبة: 9 مصحف/ 113 نزول" يخاطب المؤمنين:
ففي هذا النص يوجه الله ما لدى المؤمنين من شجاعة ضد الذين كفروا، ويوجه ما لديهم من جبن نحو خشية الله، ويستنكر استنكارًا شديدًا أن يخشوا من الكافرين، ويبين أن الله أحق أن يخشوه، وفي قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} تنبيه على أهمية التصورات الفكرية والعقائد القلبية في توجيه الطبائع المتضادة في الإنسان.
ومنها قول الله تعالى في سورة "المائدة: 5 مصحف/ 112 نزول":
{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} .
وفي هذا النص انتقال في التوجيه من مرحلة الاستنكار إلى مرحلة الأمر والتكليف للمؤمنين بأن لا يخشوا الذين كفروا وبأن يخشوا الله.
ومنها قول الله تعالى في وصف الرسل في سورة "الأحزاب: 33 مصحف/ 90 نزول":
ومقام الرسل هذا مقام عظيم لا يصل إليه إلا المخلصون، وعند هذا المقام تكون المرتبة المثالية في هذا الجانب من الإيمان.
أما نزعات الشيطان ووساوسه فتعمل في الإنسان على العكس من ذلك؛ إذ توجه ما لدى الإنسان من طبيعة الجبن للحرص على الحياة، والخوف من مؤذيات الجسد المادية العاجلة، وتوجه ما لديه من شجاعة وبأس للجرأة على الله، وعدم المبالاة بما أعتد من عذاب أليم للظالمين والآثمين.
ففي غزوة بدر يظهر الشيطان للمشركين فيزين لهم أعمالهم، ويشجعهم على مقاتلة المسلمين، بينما يحاول عن طريق وساوسه أن يقذف في قلوب المؤمنين. الخوف من ملاقاة المشركين، قال الله تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
وقد أثمرت التربية الإسلامية في توجيه ما لدى المؤمنين بحسب التكوين الفطري من خشية وجرأة لما يلائم كلا منهما، فأورثتهم شجاعة نادرة في المواقف التي تحسن فيها الشجاعة، وذلك حينما يتوقف عليها تحقيق
مرضاة الله، وتثبيت الحق، وإقامة العدل، كما أورثتهم خشية زائدة في المواقف التي تحسن فيها الخشية؛ إذ تصد المؤمن عن محارم الله، وتكفه عن معصيته، قال الله تعالى في وصف المؤمنين في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
ولنا من عمر بن الخطاب مثل رائع في ذلك؛ إذ كان شجاعًا قويًّا ذا بأس لا يخاف في الله أحدًا، وكان إلى جانب ذلك وقافًا عند حدود الله، مشبعًا بالخشية منه، والخوف من عقابه.
ب- وينظر الإسلام إلى ما لدى طبيعة الإنسان من كرم وما لدى طبيعته من بخل فيحسن الانتفاع من كل منهما في الجهة الملائمة له.
وذلك إذ يمتص ما لديه من بخل في الحرص على ما عند الله من نعيم مقيم، والحرص على كل عمل يربح تجارته عند الله في دار البقاء، ويوجه ما لديه من كرم للبذل في سبيل الله، والإنفاق في مواطن البر التي يستحق بها رضا الله وثوابه.
وتأثرًا بهذه التربية الإسلامية الرفيعة نلاحظ أولياء الرحمن يبذلون الألوف المؤلفة فيما يرضي الله، ويبخلون بأقل القليل من كل مجال يسخطه.
أما نزغات الشيطان فتعمل على العكس من ذلك؛ إذ توجه ما لدى الإنسان من كرم وسخاء لبذل أمواله في الشهوات واللذات المحرمة ومواطن التفاخر بين الناس، وتوجه ما لديه من بخل للإمساك عن الإنفاق في سبيل الله ومواطن البر، وتحذره من الوقوع بالفقر والحاجة كلما اندفع للبذل في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
وتأثرًا بهذه النزعات نلاحظ أولياء الشيطان يبذلون الألوف المؤلفة في الفواحش والموبقات، ومواطن التفاخر بين الناس، ويبخون بالدارهم وأعشارها.
في المجالات التي فيها رضوان الله وصوابه، قال الله تعالى في سورة "البقرة: 2 مصحف/ 87 نزول":
ففي مجال الإنفاق في سبل الخير يخوف الشيطان الإنسان من الفقر؛ إذ يمنعه من الإنفاق، وفي مجالات الفواحش يأمر الشيطان بها مهما استدعت من إنفاق للأموال، ومن أجل ذلك كان المبذرون إخوان الشياطين، أما الله تعالى فيفتح أبواب مغفرته للمذنبين، ويفتح أبواب فضله للمنفقين في سبيله، ويخلف لهم ويضاعف لهم أجرًا.
ج- وينظر الإسلام إلى ما لدى طبيعة الإنسان من زهد وطمع فيوجه كلا منهما لما يلائمه.
فيوجه ما لديه من طمع مفرط لما ادخر الله للمقربين من عباده المستقيمين في الدنيا من أجر عظيم، ونعيم لا ينفد، ويمتص المقدار الأكبر منه في التعلق بهذه الخيرات الحسان.
ويوجه ما لديه من زهد لما في الدنيا من شهوات ولذات محرمات، ولما فيها من تفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، ولعب ولهو وزينة فانية.
أما نزغات الشياطين فعلى العكس من ذلك إذ تُزهد الإنسان بما عند الله من نعيم مقيم، وتوجه طمعه لما في الدنيا من زوائد عن الحاجات، ومحرمات تسخط الله، وتستوجب عقابه.
ومنذ أول وجود هذه السلالة الإنسانية أطمع إبليس آدم وزوجه بأن يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، فلما أكلا منها تأثرًا بوساوس إبليس أخرجهما الله من الجنة، وفي هذا الحدث التاريخي عظة كافية لبني آدم أن لا يتبعوا خطوات الشيطان، ولا يستجيبوا لوساوسه، قال الله تعالى في سورة "الأعراف: 7 مصحف/ 39 نزول":
د- وينظر الإسلام إلى ما لدى الإنسان من رغبة بالمقاتلة، ونزوع إلى الشدة والعنف، فيوجهه ضد أعداء الحق والخير والفضيلة، وينظر إلى ما لديه من رحمة ورأفة وعطف، فيوجهه لصالح المؤمنين أنصار الحق والخير والفضيلة.
ففي المواقف التي تلائمها الشدة يطالب الله المؤمنين بأن يكونوا أشداء، ويوجه ما لديهم من رغبة بالمقاتلة لما فيه خير للإنسانية بوجه عام، ففي مقام الحث على القتال في سبيل الله إقامة للحق والعدل، وكفاحًا للباطل والظلم، قال الله تعالى في سورة "محمد: 47 مصحف/ 95 نزول"
وفي مقام الإلزام بإقامة الحدود الربانية قال الله تعالى في سورة "النور: 24 مصحف/ 102 نزول":
أما في المواقف التي تلائمها الرأفة والرحمة وخفض الجناح فيطالب الله المؤمنين بأن يتذوقوا الشعور بالعطف والرحمة والرأفة وخفض الجناح للآخرين، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
قال الله تعالى لنبية صلى الله عليه وسلم في سورة "الشعراء: 26 مصحف/ 47 نزول":
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
وقال الله له أيضًا في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
وأوصى الله جل وعلا بخفض جناح الذل من الرحمة للوالدين بقوله تعالى في سورة "الإسراء: 17 مصحف/ 50 نزول":
وقال الله تعالى في سورة "المائدة: 5 مصحف/ 112 نزول":
ووصف الله المؤمنين في سورة "الفتح: 48 مصحف/ 111 نزول" بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} .
أما نزغات الشيطان فعلى العكس من ذلك؛ إذ تعمل على توجيه ما لدى الإنسان من رحمة ورأفة للعطف على المجرمين والمنحرفين الشاذين عطفًا شاذًّا، وذلك بأن ترفع عنهم عقوبات جرائهم، وفي الوقت نفسه تعمل على توجيه ما لديه من رغبة بالمقاتلة وشدة وعنف لمقاتلة المؤمنين، وقهر دعاة الحق والخير والفضيلة، ومؤازرة المجرمين.
هـ- وينظر الإسلام إلى ما لدى طبيعة الإنسان من نزوع فطري إلى شيء يحبه وشيء يكرهه، فيوجه ما لديه من نزوع إلى المحبة نحو حب الله ورسوله، وحب الحق والخير والفضيلة، وحب الخير للناس جميعًا، وفي العواطف الخاصة يوجهه لحب من أحل الله له معاشرته، ويوجه ما لديه من نزوع إلى الكراهية نحو كراهية الشر والإثم والرذيلة، وشياطين الإنس والجن، ودعاة الشر وأنصار الباطل، وناشري الرذيلة، والأدلة على ذلك كثيرة: