الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: نظرات موجزات حول تطبيقات حضاريات مختلفات قام بها المسلمون
1-
مقدمة:
لم يكن واقع حال المسلمين، في أدوار تاريخهم التي كان الحكم الإسلامي في الإدارة هو الشعار السائد فيها، تطبيقًا صحيحًا وافيًا للتعليمات الإسلامية الواردة في مصادر الدين الإسلامي، التي تقدم الصورة المثلى للحضارة الإسلامية.
بل كان في تطبيقات المسلمين الحضارية بصورة عامة، تقصير كثير عما هو مطلوب منهم، وانحرافات تختلف نسبها في العصور المتتالية والبيئات المختلفة عن المنهج الرباني، وكانت هذه التقصيرات والانحرافات ناتجات عن جهل أو اجتهاد فكري غير صحيح، أو اتباع للأهواء والشهوات والعصبيات والأنانيات المختلفات.
إلا أن إيجابيات المسلمين في الخير وفي التزام تعليمات الإسلام ونشدان الحق أكثر من إيجابيات أية أمة من الأمم، وكذلك كانت سلبياتهم في التقصيرات والانحرافات أقل من سلبيات أية أمة من الأمم.
ومعلوم أن البناء الحضاري تكامل ارتقائي مستمر، إذا تابع مسيرته دون مثبطات ولا معوقات ولا انتكاسات ولا مخربات تحيط به من معاول الأعداء.
وحين يصف الباحثون في الحضارة الإسلامية واقع حال المسلمين في مختلف شئونهم الحضارية، فلا يظن ظان أن هذا الواقع هو النموذج التطبيقي الصحيح، أو الكامل لما وجهت له أسس الحضارة الإسلامية وتعليماتها.
ولا يصح أن يستدل بهذا الواقع على أنه هو الحضارة الإسلامية المثلى، فيقاس عليه، أو يُقتدى به دوامًا.
إن الإسلام وتعليماته الحضارية شيء قائم بذاته، وواقع حال المسلمين في تطبيقاتهم الحياتية شيء آخر، إن النموذج الأكمل هو التعليمات الإسلامية، أما
تطبيقات المسلمين فما وافق منها النموذج فهو المطابق له، وما خالف منها النموذج فهو المقصر، أو المنحرف، أو المباين المضاد أو المناقض.
لقد مر في تاريخ الأمة الإسلامية أفراد كثيرون صالحون، وجماعات كثيرون صالحون، وأمثلة بشرية رائعة، تقدم في سلوكها النموذج الذي يُحتذى به؛ إذ كانوا ملتزمين تعليمات الإسلام ووصاياه التزامًا تامًّا، ومستمسكين بحبل الله المتين استمساكًا صاديًا بقوة وثبات.
ولكن قد كان يوجد في المسلمين إلى جانب هؤلاء الصالحين عصاه كثيرون جدًّا، ومنحرفون كثيرون انحرافًا فاحشًا عن تعاليم الإسلام وصراطه المستقيم، بدءًا من العامة على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، حتى الحكام والسلاطين ومن بأيديهم إدارة البلاد، وهؤلاء لا يعطون في سلوكهم وتطبيقاتهم صورة صحيحة مقبولة، أو مقاربة للصورة الصحيحة التي تقدمها تعليمات الإسلام، وتطالب المسلمين بأن يتمثلوها في واقعهم.
فالحكم قد كان خلافة للرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى منهاج النبوة، طوال حكم الخلفاء الراشدين، ثم صار ملكًا متوارثًا، ومطمعًا يتقاتل عليه الطامعون، ويتناهبه المتناهبون بالقوة.
وحين نستعرض بعض تطبيقات المسلمين الحضارية، فإننا نستعرض صورًا من تاريخ حضارة المسلمين، لا صورًا من الحضارة الإسلامية المنشودة.
هذه قضية يجب وضعها في الملاحظة دوامًا. ويجب التفريق دوامًا بين الإسلام وتطبيقات المسلمين عبر تاريخ الأمة الإسلامية.