الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا المنوال تابع علماء الحديث المسلمون تحقيقاتهم العلمية، حتى استطاعوا أن يحرروا ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو صفة أو تقرير، واستطاعوا أن يضعوا المنهج السليم لوضع الأحاديث في مرابتها بحسب درجة الثقة بصحة روايتها.
وكان عملهم في هذا المجال عملًا حضاريًّا جليلًا، لم تسبقهم إلى مثله أمة من الأمم.
ومن الجدير بالتنويه به أن علماء العصر الحديث من غير المسلمين غربيين أو شرقيين لم يجدوا سبيلًا لتحقيق النصوص التاريخية الخبرية أوفى وأسد من منهج علماء المسلمين.
لكن علماء العصر الحديث من غير المسلمين لا يستطيعون أن يلتزموا كل الشروط التي التزم بها علماء الحديث المسلمون.
المقولة الرابعة: حركة التصنيف الكبرى للسنة وزواتها
…
المقولة الرابعة: حركة التصنيف الكبرى للسنة ورواتها
في ضوء المنهج الرائع الذي وضعه علماء الحديث من المسلمين لضبط ما روي مضافًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحريره وتنقيحه، ونفي الشوائب الدخيلة، اتسعت الحركة العلمية بتنافس عجيب للاستزادة من جمع وحفظ ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وصفات وإقرارات، حتى ظهر في المحدثين من يختص بلقب الحافظ، أو يختص بلقب الحاكم، وربما بلغت محفوظات بعضهم مئات الألوف من متون الأحاديث وأسانيدها، وليس كل هذا الجم الغفير صحيح النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن علماء الحديث كانوا يحفظونه ويسجلونه ويقدمونه للنقد والتحرير وتمييز الصحيح من غيره، وفق المنهج العلمي العام، الذي انتهوا إليه في تحرير مرويات الأخبار، فما صح منها حكموا بصحته، وما ترجحت صحته حكموا بحسنه، وما لم يكن كذلك حكموا بضعفه وتوهينه، وأما
ما اقترن بما يدل على أنه موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم يعلنون الحكم عليه بالوضع والسقوط، مع بيان السبب الذي استندوا إليه في كل ما يحكمون به.
وواكب هذا الاندفاع المنقطع النظير لجمع الحديث وحفظه ظاهرة حضارية متصلة به، ألا وهي ظاهرة تصنيف كتب الحديث، وكتب تراجم الرجال الرواة له، فظهرت خلال القرنين الثالث والرابع من التاريخ الهجري وما بعدهما مصنفات كثيرات، ذوات ميزات مختلفات، فمنها ما اقتصر على الصحاح، ومنها ما لم يقتصر عليها، ومنها ما كان الهدف منه جمع أحاديث في موضوع معين، ومنها المسانيد، والمسند هو ما تذكر فيه الأحاديث على أسماء الصحابة حسب سوابقهم في الإسلام، أو حسب أنسابهم، ومنها المختصرات، ومنها الجوامع الكبرى المرتبة على وفق حروف المعجم، إلى غير ذلك.
وهذه هي كنوز جهودهم الحضارية المشكورة تزخر بها مكتبة المسلمين، فيما هو مطبوع منها، وما هو مخطوط، وهي مئات المصنفات المراجع.
واستعرض فيما يلي ما هو مشهور منها:
1-
كتاب "الموطأ" لإمام دار الهجرة "مالك بن أنس 93-179هـ" أمير المؤمنين في الحديث، وقد استغرق في تأليفه لهذا الكتاب قرابة أربعين سنة، انتقاه واصطفاه من نحو مائة ألف حديث، وعرضه على سبعين فقيها من فقهاء المدينة.
2-
كتاب "الجامع الصحيح" للإمام "أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري 194-256هـ" وقد ظل البخاري يعمل في جمعه ست عشرة سنة.
قال علماء الحديث: هذا الكتاب أصح الكتب بعد القرآن المجيد.
وللبخاري هذا مصنفات كثيرات: "منها التواريخ الثلاثة "الكبير والأوسط والأصغر" وكتاب "الأدب المفرد"، وكتاب "الضعفاء" وغيرها.
3-
كتاب "صحيح مسلم" وهو للإمام "أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري 204-261هـ" وبنو قشير قبيلة عربية.
ويأتي صحيح مسلم مكافئًا أو مقاربًا لصحيح البخاري صحة وثبوتا.
وللإمام مسلم كتب غير هذا الكتاب، ومنها كتاب "المسند الكبير" وهو على أسماء الرجال، وكتاب "الجامع الكبير" وهو على الأبواب.
وقد توفي في نيسابور.
4-
كتاب "سنن أبي داود" وهو للمحدث "سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني 202-275هـ" إمام أهل الحديث في زمانه.
5-
كتاب "الجامع الكبير" العروف بـ"سنن الترمذي" وهو للإمام الحافظ "محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الضحاك السلمي 209-279هـ" وهو من أهل "ترمذ" على نهر جيحون، تتلمذ للبخاري، وشارك البخاري في بعض شيوخه.
6-
كتاب "المجتبى" المعروف بـ"سنن النسائي" والنسائي هو الإمام الحافظ "أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب 215-303هـ" أصله من "نسا" بخراسان، واستوطن مصر، ثم خرج إلى الرملة بفلسطين، وله كتاب "الضعفاء والمتروكون".
7-
كتاب "سنن ابن ماجه" وابن ماجه هو "أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي القزويني" من أهل قزوين، أحد الأئمة في علم الحديث "209-273هـ".
8-
كتاب "مسند الإمام أحمد بن حنبل" وهو "أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل" الشيباني الوائلي، إمام المذهب الحنبلي "164-241هـ".
وهذا المسند يحتوي على ثلاثين ألف حديث، وله كتب أخرى.
9-
كتاب "مسند أبي داود الطيالسي" والطيالسي هذا هو "سليمان بن الجارود مولى قريش"، من كبار حفاظ الحديث، فارسي الأصل "133-204هـ".
10-
كتاب "صحيح ابن خزيمة" وابن خزيمة هو "أبو بكر محمد بن
إسحاق بن خزيمة السلمي 223-311هـ" وهو إمام نيسابور في عصره، كان فقيها مجتهدًا عالمًا بالحديث.
11-
كتاب "صحيح أبي عوانة" وأبو عوانة هو "يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري" ثم الإسفراييني 000-316هـ" من أكابر حفاظ الحديث.
12-
كتاب "صحيح ابن حبان" وابن حبان هو "أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي البستي 000-354هـ" وهو مؤرخ علامة جغرافي محدث، وله عدة مؤلفات.
13-
كتاب "سنن الدارمي" والدارمي هو "أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي 150-214هـ" من حفاظ الحديث، كان عاقلًا مفسرًا فقيهًا، أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند.
14-
كتاب "سنن الدارقطني" والدارقطني هو "أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني 306-385هـ" إمام عصره في الحديث، ولد بدار القطن "من أحياء بغداد".
إلى غير هذه المصنفات من كتب كثيرة أبرزت ظاهرة حضارية رائعة، في جانب من جوانب العلم، وهو علم السنة النبوية.
وتبع مدونات الحديث والمرويات من السنة مؤلفات كثيرات تناولت السنة النبوية بالشرح والتفسير والتحليل، واستنباط الأحكام والتعليمات والتوجيهات، والعلوم التي اشتملت عليها. وقد قام بها جلة من علماء المسلمين، وكانت هذه من الظواهر الحضارية التي انفردت بها الأمة الإسلامية، دون أن تقتبسها من أمة سلفت.