الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الذي يلاحظ هذا المعنى حينما يعبد الله، ولكنه يلاحظ مع ذلك قدرة الله، وإحسانه، وعدلة، وشديد عقابه، وتهيمن عليه خشية الله، ورجاء ثوابه ومخافة عقابه، فإنه لا يخرج عن دائرة المثالية؛ لأن كل هذه المعاني تدور في حدود صفات الله ذات المثالية المطلقة، والفرق أن بعض هذه الصفات هي من كمال الله الذاتي، وبعضها من الكمالات ذات الأثر في سعادة عباده أو شفائهم.
ولا يُنزل الإنسان عن مرتبة المثالية أن يفعل الخير للخير، ولحظ نفسه منه معًا، فمن الخير أن يريد الإنسان لنفسه الخير، وهو أولى بذلك من غيره.
بل الذي يهبط بالإنسان حقًّا هو أن يتبع حظوظ نفسه، متجافيًا عن سبيل الخير. ومن أجل ذلك لم يمنع الإسلام في الجهاد من أن يطمع المسلمون بمجد النصر، وبمنافع الغنيمة، أو بثواب الشهداء عند الله، مع اشتراط أن تكون الغاية من الجهاد إعلاء كلمة الله، وابتغاء مرضاته، فإذا أثر الطمع بالنصر أو الغنيمة على أصل الهدف فسدت النية، ونزلت عن مرتبتها المثالية المطلوبة.
ونقول نظير ذلك أيضًا في الحج ومنافعه، والصوم وفوائده، والزكاة وآثارها، ونحو ذلك.
المقولة الثالثة: شرح الواقعيات في أسس الإسلام الحضارية
مدخل
…
المقولة الثالثة: شرح الواقعيات في أسس الإسلام الحضارية
بعد أن ألقى البحث لنا ضوءًا مناسبًا على المثالية في العقائد والأهداف والغايات، آن لنا أن نعالج الواقعيات في الأعمال ومناهج الحياة للناس بالشرح المناسب أيضًا.
عرفنا فيما سبق أن الواقعية من صور العمل الإرادي للإنسان هي الصور المستطاعة التنفيذ بوجه عام من دون عسر، وهي التي ينبغي أن لا يهبط الإنسان عن مستواها الواجب، ضمن ظروفه النفسية، والجسدية، والاجتماعية، والزمانية، والمكانية.
وقد انكشف لنا بالبحث أن أسس الحضارة الإسلامية التزمت التزامًا تامًّا جانب الواقعية في أعمال الناس، ومناهج حياتهم، وقد تمثل ذلك -كما سبق- بالأمور الخمسة التالية:
الأمر الأول: التكليف ضمن حدود الطاقة الإنسانية.
الأمر الثاني: رفع المسئولية في أحوال النسيان والخطأ والإكراه التي لا يملك الإنسان دفعها.
الأمر الثالث: مراعاة مطالب الفكر والنفس والجسد الإنسانية، وعدم إهمالها، وذلك ضمن حدود طريق الخير.
الأمر الرابع: مراعاة واقع حال المجتمعات الإنسانية التي يتفاوت أفرادها في استعداداتهم وخصائصهم، وذلك في البيانات الإسلامية، وفي أساليب التربية، وفي الأعمال الجماعية، وفي تحديد مناهج السلوك، وفي أصول المحاسبة والجزاء.
الأمر الخامس: مراعاة واقع حال الضعف البشري، وواقع حال النفس الإنسانية المفطورة على حب المخالفة، والنزوع إلى الشذوذ والمغامرة بامتحان المسالك الوعرة، وذلك بفتح باب الغفران للإنسان، وتهيئة أفضل الوسائل ليتخلص من الإثم، وليلقي عن كاهله أثقال الأوزار.
وفيما يلي شرح لهذه الأمور الخمسة: