الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
التدبيرات العسكرية:
قال اللواء الركن "محمد جمال الدين محفوظ" في كتابه "العسكرية الإسلامية ونهضتها الحضارية".
"إن للإسلام مدرسة عسكرية مكتملة الأركان، تحتوي على المبادئ والنظريات التي تقوم عليها أية مدرسة عسكرية في الشرق، أو الغرب.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قائد هذه المدرسة ومعلمها الأول، وعلى يديه تعلم أجدادنا الأوائل من قادة وجنود جيش الإسلام، وقامت الإستراتيجية العسكرية الإسلامية التي طبقها المسلمون في معاركهم التي خاضوها إعلاء لكلمة الله، والتي واجهوا بها أعداء يفوقونهم عددًا وعدة فانتصروا عليهم بإذن الله، وأصبحوا ظاهرين، وسجل التاريخ أن المجاهدين الصادقين قوم لا يقهرون".
1-
ففي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حققت عسكرية المسلمين الهدف المنشود، وهو تأمين تبليغ الدعوة الإسلامية، وقيام دولة المسلمين آمنة مستقرة تؤدي رسالتها لخير الناس أجمعين.
وبمتابعة التدريب العملي خلال المعارك ارتفعت الكفاءة القتالية لجيش المسلمين في مجال الرماية والتسليح والتركيب التنظيمي والقوة الضاربة، حتى صارت تضارع كفاءة جيوش الدول العظمى المعاصرة لها.
وأضاف المسلمون إلى أسلحة قتالهم أسلحة جديدة، وهي أسلحة الحصار ودك الحصون، كالمنجنيق والدبابات، فقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم اثنين من المسلمين إلى جرش في الشام، فتعلما صنعة هذه الأسلحة.
وزادت قوة الفرسان في التركيب التنظيمي لجيش المسلمين، حتى بلغت الثلث من مجموع القوة.
2-
وبعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ المسلمون بأسباب التقدم والتطور في الكفاءة القتالية، وفي تحسين وتجويد الأسلحة، وتطورت جيوش المسلمين في التركيب التنظيمي، وتشكيلات القتال وإدارة المعارك.
وخاض المسلمون بنجاح باهر أشكالًا جديدة من العمليات الحربية. مثل عمليات عبور الأنهار والموانع المائية، والحصار الطويل، والمسير الطويل، والإمداد المستمر بحاجات الجيش، وتأمين خطوط المواصلات، وإقامة
المعسكرات، وحماية الثغور، وإقامة القواعد الحربية الإدارية، وإرادة شئون البلاد المفتوحة بكفاءة.
وباتخاذهم الأسباب وصدقهم وإخلاصهم ومعونة الله لهم امتدت فتوحاتهم في أقل من مائة عام من حدود الصين شرقًا، إلى شاطئ الأطلسي غربًا.
وأثبتت قيادة المسلمين كفاءة لا نظير لها في إدارة دقة الحرب، ضد أعظم قوتين عالميتين في ذلك الوقت، وكان ما قام به المسلمون مثلًا فريدًا في التاريخ لم تبلغه أقوى الأمم وأكثرها خبرة في الحروب.
واقتحم المسلمون بكل اقتدار الحروب البحرية، وأحدثوا مصانع لبناء السفن الحربية، وبرعوا في هذا المجال الجديد عليهم، حتى انتصروا على أساطيل بيزنطية التي كانت أعظم قوة بحرية في زمانها.
بيزنطة: هي "إستانبول" الآن. والإمبراطورية البيزنطية هي دولة تأسست في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية من البوسفور حتى الفرات.
الإيمان الراسخ وطلب الشهادة سر تفوق المسلمين في الحروب:
مما لا ريب فيه أنه قد كان إيمان المسلمين بما جاء في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانهم بما للمجاهدين في سبيل الله، وبما للشهداء من أجر عظيم، مع حرصهم على طاعة الله ورسوله باتخاذ الأسباب التي تقضي بها أنظمة الله في كونه، وحرصهم على تبليغ دين الله للناس أجمعين، باعتباره أولى وظائفهم تجاه شعوب الأرض من أعظم الأسباب التي حققت للمسلمين تفوقهم في الحروب، بصورة متتالية، حتى فتحوا معظم العالم القديم، وكانت لهم في الأرض دولة عظمى.
وقد أدرك هذه الحقيقة كبار القادة العسكريين في العالم:
- جاء في كتاب "الحرب عبر التاريخ" للقائد العسكري المشهور المارشال "مونتغمري" ما يلي1:
1 نقلًا من كتاب "العسكرية الإسلامية" للواء الركن محمد جمال الدين محفوظ.
"من العوامل التي جعلت العرب قومًا لا يقهرون، شجاعتهم، وإقدامهم، وحشدهم لقواتهم.
على أن هناك عوامل أخرى شاركت في نجاح زحفهم غير العادي الذي كان عبارة عن نجاح تلو نجاح، فقد كان العرب يندفعون نحو القتال تحركهم أقوى دوافع الحرب: الإيمان والعقيدة.
لقد كانوا يؤمنون إيمانًا راسخًا بالدعوة الإسلامية ويتحمسون لها، ويغارون عليها، وقد أدى هذا إلى اعتناقهم مبدأ صلبًا هو: الجهاد في سبيل الله.
لقد وصلت الفتوحات الإسلامية مدى لم تصله في أي عهد سابق، وليس ذلك لأنهم كانوا أكثر عددًا، بل لأنهم كانوا يستقبلون في كل مكان يصلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية، وذلك لما اتسموا به من تسامح وإنسانية وحضارة، فزاد إيمان الشعوب بهم، علاوة على تميزيهم في الوقت نفسه بالصلابة والشجاعة في القتال".
أقول: وقد أضاف المسلمون إلى ما ذكره "مونتغمري" أنهم كانوا يتخذون كل الوسائل السببية، التي تضمد لأسباب الأعداء، وتتفوق عليها، وأنهم كانوا يحرصون على الموت شهداء في سبيل الله، كما يحرص أعداؤهم على الحياة؛ لأنهم كانوا يؤمنون بجنات النعيم، وأن الشهداء الصادقين يكونون أحياء عند ربهم يرزقون.
- ووصف القائد البيزنطي "نيقفورس" المسلمين في القتال بقوله:
"عندما يتوقعون النصر، فهم قوم غاية في الجسارة، يصمدون بثبات في صفوفهم، ويقاتلون بإصرار في وجه أعنف الهجمات، وحينما يلاحظون أن وحشية عدوهم بدأت تتراخى، يحشدون قواتهم ويهجمون باستماتة"1.
إن ارتباط عسكرية المسلمين بالدين قد جعلها تتميز على غيرها بمزايا متعددة، منها ما يلي:
1 المصدر السابق.
أ- الاستقرار والثبات، نظرًا إلى أن دين الله للناس ثابت مستقر غير متبدل ولا متحول، بخلاف سياسات الناس ومذاهبهم.
ب- أن العسكرية الإسلامية لا تخضع للأهواء والأطماع الخاصة، والمصالح الشخصية، بخلاف العسكريات الأخرى التي تخضع لأهواء الناس ومصالحهم.
ج- أن المقاتل المسلم يقاتل لمصلحة نفسه عند رهب؛ إذ هو يقاتل ابتغاء مرضاته، ولا يقاتل من أجل زعيم أو حزب أو تحقيق مصلحة دنيوية.
د- أن المقاتل المسلم يُقاتل وليس في نفسه مشاعر عدوان ضد قوم من الناس، بل يقاتل حرصًا على إنقاذ البشرية من الكفر الذي يُفضي بها إلى الخلود في عذاب النار، ومن الظلم والعدوان والعبودية والشرور التي تفرضها عليها تكتلات البغي، وعصابات الإثم.
هـ- والمسلم حين يقاتل الطغاة، شديد الحرص على أن يسود السلم والأمن والحق والعدل والخير والفضيلة الناس أجمعين.
و وارتباط عسكرية المسلمين بالدين، قد دفع المسلمين قادة وشعبًا، إلى متابعة التطوير الارتقائي، في اتخاذ الأسباب للسلم وللحرب، والعمل على أن تكون أسبابهم متفوقة على أسباب أعدائهم، عملًا بقول الله عز وجل لهم في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
ومعلوم أن إرهاب العدو الظاهر وإرهاب آخرين مستورين مجهولين لا يعلمهم المسلمون، إنما يكون باتخاذ الأسباب وإعداد القوى المتفوقة جدًّا على قوى الأعداء الظاهرين المعروفين.
أما تفصيل الأسباب فأمر من خصائص الدراسات العسكرية، والأسباب أمور متطورة مع الزمن ما دام للعقول الإنسانية ابتكارات فيها، وفي المتاحف العالمية نماذج كثيرة من أسلحة المسلمين في التاريخ.