الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقولة الثانية: السنة بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نهاية القرن الأول الهجري
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم غدا أصحابه الأجلاء هم المرجع للمسلمين في نقل صورة صادقة لحياته، في أقواله وأعماله وصفاته وإقراراته وسائر سيرته.
وأخذ عشاق العلم الإسلامي الكثيرون من التابعين يتلقفون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم جميع ما كانوا وعوه وحفظوه من سنته.
وقامت حركة علمية نشيطة قادها نوابغ من التابعين، لحفظ العلم النبوي وجمعه، اقتباسًا من الذين أخذوه مباشرة من الرسول، أو شهدوه من حياته، أو أخذ بعض الصحابة عن بعض، وكانت عمدتهم الكبرى الأخذ مشافهة، وحفظ ما يسمعونه.
وأخذ تدوين السنة النبوية يتزايد شيئًا فشيئًا، اعتمادًا على ما يتلقاه الحريصون عليها من التابعين، على سبيل المشافهة أو الأمالي من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإذ توزع بسبب الفتوحات الإسلامية علماء الصحابة وكبار علماء التابعين في بلدان العالم الإسلامي، وإذا كانت السنة النبوية موزعة في صدروهم، وغير مجموعة عند واحد منهم، وغير مجموعة في كتاب واحد، أو مدونة واحدة، فقد كان على طلابها أن يتابعوا العلماء بها إلى البلدان التي هم فيها، فظهرت في المسلمين الرحلات لطلب الحديث النبوي وسماعه وتسجيله، حتى كان بعض الصحابة يرحل لسماع حديث من صحابي آخر ليأخذه عنه، أو ليوثق به سماع نفسه من الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد رحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى مصر
ليستوثق من عقبة بن عامر نص حديث سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يبق غيره وغير عقبه من الذين سمعوه من الرسول مباشرة، ولما استوثق منه ركب راحلته وقفل راجعًا إلى المدينة.
وكذلك روي عن جابر بن عبد الله أنه رحل لسماع حديث من بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانتشرت الرحلات من طلاب العلم الإسلامي لتلقي السنة النبوية وسماعها، من الصحابة أو من التابعين، وتدوينها.
وظهر في عصر التابعين التدوين الكثير للسنة النبوية، ثم أجمع المسلمون على ضرورة هذا التدوين خشية ضياع السنة، وخشية اختلاف الآراء في بيانات الرسول صلى الله عليه وسلم لأحكام الدين.
ونشط طلاب العلم الإسلامي في كتابة المرويات من السنة، ونشطت معها الحركة العلمية الواسعة.
والذين وجهوا لتدوين السنة النبوية من علماء التابعين كثيرون:
- فمنهم: "سعيد بن المسيب" فقد شكا إليه تلميذه عبد الرحمن بن حرملة سوء حفظه فوجهه للكتابة.
- ومنهم: الشعبي "عامر بن شراحيل" من كبار التابعين: وقد كان يضرب المثل بحفظه. فقد أخذ يقول: "إذا سمعتم مني شيئًا فاكتبوه ولو في حائط" وكان يردد العبارة المشهورة: "الكتاب قيد العلم" وهذه العبارة مقتبسة من قول عمر رضي الله عنه "قيدوا العلم بالكتاب".
- ومنهم: "عطاء بن أبي رباح" فقد كان يكتب لنفسه. ويأذن بالكتابة لغيره.
- ولما تولى الخلافة "عمر بن عبد العزيز" أصدر أمرًا بالشروع في تدوين الحديث؛ إذ خشي على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من الضياع، وكتب إلى عامله على المدينة "أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم":
"انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنة ماضية، أو حديث "عمرة" أو حديث "القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق" فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله".
عمرة: هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، فقد كانت ممن سمع الحديث من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
وكذلك القاسم بن محمد بن أبي بكر فقد كان ممن سمع الحديث من عمته عائشة رضي الله عنها، وكان هو و"عمرة" أعلم الناس بأحاديثها عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد قام "أبو بكر بن حزم" بما عهد إليه الخليفة الصالح "عمر بن عبد العزيز" إلا أن الخليفة توفي قبل أن ينهي عمله.
وكتب "عمر بن عبد العزيز" إلى أهل الآفاق، وإلى عماله في الأمصار بمثل ما كتب إلى عامله على المدينة.
وكان أول من استجاب له في حياته وحقق له بعض أمنيته عالم الحجاز والشام. "محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني" إذ دون له في ذلك كتابًا وأرسله إليه، وفيه يقول الزهري:"لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني".
ومما دون في هذا العهد صحيفة رواها التابعي "همام بن منبه" عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، وكان سماعه لها من أبي هريرة في منتصف القرن الأول الهجري.
وقد وصلت هذه الصحيفة إلينا كاملة شاملة، كما رواها ودونها "همام بن منبه" واشتهرت باسم:"الصحيفة الصحيحة" وهي موجودة في مخطوطتين متماثلتين في دمشق، وبرلين، أحادثها موجودة كلها في مسند الإمام أحمد، وكثير من أحاديثها مروي في صحيح البخاري في أبواب مختلفة، وعدد أحاديثها "138" حديثًا.