الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقولة الأولى: البيعة وواجبات الحاكم والمحكوم
إن إقامة الحكم الإسلامي لا تتم إلا بشرطين أساسيين:
أحدها: يكون عند بدء إقامته، وهي البيعة.
وثانيهما: يلازم قيامه وهو عدل صاحب الأمر ونصحه لرعيته، وطاعة المسلمين له فيما لا معصية لله فيه، ونصحهم له.
وقد اختار الإسلام أن يبدأ الحكم الإسلامي بالبيعة الكبرى المسبوقة بالشورى، والبيعة الكبرى التزام مشترك بين جمهور المسلمين وبين من اختاروه ليكون صاحب الأمر فيهم، والمطلع بمهام الخلافة الكبرى.
وهذه البيعة في الإسلام تتضمن بالدرجة الأولى التزام كل من الطرفين جمهور المسلمين وصاحب الأمر منهم، بأسس الشريعة الإسلامية، وبأحكام فروعها، وتتضمن بالدرجة الثانية التزام جمهور المبايعين من المسلمين بالطاعة لأميرهم في كل أمر أو نهي لا معصية لله فيه، مع نصحهم له.
ولما كان قيام الحكم الإسلامي ضرورة حتمية لإقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة على الوجه الصحيح.
ولما كانت الوسيلة المختارة في الإسلام لإقامة هذا الحكم هي البيعة.
كان حكم البيعة في الإسلام من واجبات كل مسلم مكلف ذكرًا كان أو أنثى.
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية". رواه مسلم.
ونظرًا إلى أهمية البيعة في الإسلام قال الله تعالى في سورة "الفتح: 48 مصحف/ 111 نزول":
فقد أعلن الله تبارك وتعالى في هذه الآية أن مبايعة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي مبايعة لله؛ لأن أهم شطر فيها إنما هو التزام كل من جمهور المؤمنين وولي أمرهم، بأسس الإسلام وأحكامه وتعاليمه، ولذلك كانت يد الله فوق
أيديهم، تعقد هذه المبايعة وتباركها، وتتكفل بدفع الثمن لمن أوفى بما عاهد عليه الله، وكل مبايعة بعد الرسول لأي خليفة يتولى أمور المسلمين، لها حكم مبايعة المؤمنين للرسول، وذلك إذا توافرت فيها شروط البيعة الإسلامية.
والبيعة ملزمة لا يجوز خلعها إلا بكفر بواح "أي: ظاهر جلي".
هذا هو الشرط الأول من شرطي إقامة الحكم الإسلامي.
وأما الشرط الثاني وهو الذي يلازم قيام الحكم الإسلامي، وهو كما سبق عدل صاحب الأمر من المسلمين، ونصحه لهم، وطاعة المسلمين له فيما لا معصية لله فيه، مع نصحهم له، فقد تظاهرت عليه نصوص كثيرة من القرآن والسنة.
قال الله تعالى في سورة "النساء: 4 مصحف/ 92 نزول":
ولدى التأمل في هذا النص القرآني العظيم نلاحظ أنه يجمع الكليات الكبرى لإقامة الحكم الإسلامي.
أ- ففي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .
أمر من الله لجميع المسلمين بأن يؤدوا أمانة الحكم والسلطان لمن هم أكفياء للقيام بواجبات هذه الأمانة منهم، وقد بينت نصوص أخرى الوسيلة العملية لتأدية هذه الأمانة، وأنها إنما تكون عن طريق البيعة الشرعية، المسبوقة بالشورى.
قال تعالى في وصف المؤمنين في سورة "الشورى: 42 مصحف/ 62 نزول":
وفي حديث مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".
ب- وفي قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} .
أمر من الله موجه لأولي الأمر من المسلمين بأن يحكموا بين الناس بالعدل، وقد أوضحت أسس الإسلام طريق العدل ومناهجه العامة في مختلف شئون الحكم السياسية والإدارية والقضائية والحربية والداخلية والخارجية.
وفيما يجب على الحاكم نحو رعيته تظاهرت نصوص الشريعة الإسلامية:
فمنها النصوص القرآنية الكثيرة التي أمرت بالعدل وبالقسط، ونهت عن الجور والظلم.
ومنها: عن أبي يعلى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو عاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وفي رواية: "فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة".
وفي رواية عنه عند مسلم:
"ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم، وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا:
"اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به". رواه مسلم.
ج- وفي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} .
أمر موجه للمسلمين كافة حكامًا ومحكومين بأن يلتزموا جميعًا طاعة الله وطاعة رسوله، فإذا كانوا جميعًا مأمورين بهذه الطاعة فليس للحاكم أن يخالف، فيأمر بما فيه معصية لله، أو معصية للرسول، وليس للمحكوم أن يطيع في ذلك، وإنما تكون الطاعة واجبة فيما ليس فيه معصية لله أو للرسول.
ومن هنا نفهم أن المباحث العامة إذا أمر بها أولو الأمر من المسلمين صارت أمورًا واجبة التنفيذ شرعًا، وإذا نهوا عنها صارت محرمة شرعًا ما لم تكن من حقوق الأفراد بالإباحة الربانية، ولكن أوامرهم ونواهيهم ليست لها صفة الاستمرار لذاتها فيما بعدهم، فلأولي الأمر الذين يخلفونهم أن يغيروا فيها بحسب المصالح التي يقدرونها.
د- وفي قوله تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} عطفًا على قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} .
أمر موجه من الله لجمهور المسلمين بأن يطيعوا أولي الأمر منهم، ولا بد أن يكون هذا مقيدًا بما ليس فيه معصية لله أو معصية للرسول؛ لأن أولي الأمر مأمورون بطاعة الله وطاعة الرسول، وجمهور المسلمين مأمورون كذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، قبل طاعتهم لأولي الأمر منهم، والجمع بين ذلك لا يتم إلا بأن تنحصر أوامر الأمر ونواهيهم فيما لا معصية لله فيه.
وهذه حقيقة تظاهرت عليها نصوص الشريعة الإسلامية.
فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة". رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"عليك السمع والطاعة عفي عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك".
أي: ألزم السمع والطاعة. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني". رواه البخاري ومسلم.
والأمر بالطاعة منفصل عن الأمر بالبيعة، فمن تولى أمور المسلمين بمبايعة جمهورهم له، وفيهم أهل الحل والعقد كان من حقه على كل فرد من أفراد المسلمين أن يطيعه فيما لا معصية لله فيه، سواء بايعه أم لم يبايعه.
وأما وجوب نصح عامة المسلمين لأئمتهم فيدل عليه نصوص كثيرة منها ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الدين النصيحة" فقال أصحابه: لمن يا رسول الله، قال:"لله ولرسوله ولأئمة المسملين وعامتهم".
اسم الخليفة:
وأما تسمية صاحب الولاية الكبرى في المسلمين خليفة فهو اختيار نبوي اقتبسه الرسول صلوات الله عليه من القرآن الكريم، وهذا الاختيار النبوي قد أخذ به المسلمون الأولون.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، سيكون بعدي خلفاء فيكثرون".
قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "أوفوا ببيعة الأول، ثم أعطوهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم". رواه البخاري ومسلم.