الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} .
فإشارة إلى أدوات المعرفة التي زود الخالق بها الإنسان وأهمها السمع والبصر والفؤاد، والفؤاد هو القوة العاقلة في الإنسان، ومركز التفكير الذي تسجل فيه العلوم. ومن الأمور البدهية أن الله تبارك وتعالى لم يمنحه هذه الأدوات إلا من أجل أن يستعملها فيما خلقت له.
وأما قوله تعالى في آخر الآية:
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
فهو إعلان عن الغاية من منحه أدوات المعرفة، وتفضيله بها على كثير ممن خلق، ولن يتحقق شكر الإنسان لله على ما وهبه من نعم ما لم يتابع سيره في طريق المعرفة والعلم، دون انحراف أو شذوذ؛ لأنه متى استخدم هذه الأدوات، وسار ضمن منهج فطري سليم فإنه لا بد أن يصل إلى معرفة خالقه، ومعرفة ما أنعم به عليه، ومعرفة ما يجب عليه نحوه من شكر.
فالمراحل لا بد أن تتابع وفق خطوات البحث العلمي، وبعد ذلك يأتي تحقيق واجب الشكر بالعمل على ما يرضي الله، تطبيقًا لما توصلت إليه المعرفة، التي استخدمت فيها أدواتها.
المقولة الثالثة: تكريم الإنسان بأدوات التعلم ومسؤوليته بالنسبة إليها
…
المقولة الثالثة: تكريم الإنسان بأدوات التعلم ومسئوليته بالنسبة إليها
أجل تكريم كرم الله به بني آدم هو أنه سبحانه منحهم أدوات التعلم والتعرف على حقائق الأمور، وصفات الأشياء وخصائصها، وذلك ليتابعوا في حياتهم بحثهم العلمي السليم، وليكتشفوا أسرار هذا الكون الدالة على عظمة خالقه، حتى يصلوا إلى معرفة عظيم صفات الله، وجليل حكمته، ومعرفة ما يجب عليهم نحوه من طاعة وعبادة وشكر، وحتى يحسنوا الانتفاع مما بث الله لهم في هذا الكون من قوى وخيرات، كما أذن لهم، دون إفساد في الأرض، أو إضرار بالنفس أو أذى، أو ظلم وعدوان.
أما الذين يعطلون أدوات المعرفة التي وهبهم الله إياها، أو يستخدمونها في حدود ظواهر الحياة الدنيا فقط، ثم لا ينتقلون من ذلك إلى معرفة خالقهم ورازقهم ومفيض النعم الظاهرة والباطنة عليهم، ولا يؤمنون به، ولا يعبدونه، ولا يشكرونه، فأحر بهم أن يقال عنهم صم وبكم وعمي فهم لا يعقلون، وذلك لأنهم قد عطلوا هذه الأدوات التي منحهم الله إياها عما خلقت من أجله، فهم وفاقدوها سواء، وأولئك شر الدواب عند الله، قال تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} .
وأولئك هم المحكوم عليهم بالعذاب الدائم في جهنم، قال تعالى في سورة "الأعراف: 7 مصحف/ 39 نزول":
وإنما كانوا أضل من الأنعام لأن لديهم أدوات المعرفة، فعطلوها عما حلقت من أجله، أما الأنعام فإنها لم تمنح الأداة الكبرى للمعرفة التي يكون بها التفكير والفهم والعقل، لذلك فهي غير مسئولة عن شيء ليس لديها أداته.
ولما وضع الله الإنسان المكلف موضع المسئولية عن كل تصرف من تصرفاته الإرادية نبه على أن المناط الأول للمسئولية هي أدوات المعرفة التي لديه، وأن اتباعه، ما ليس له به علم يُعرض هذه الأدوات للسؤال بين يدي الله، ولمناقشة الحساب، قال الله تعالى في سورة "الإسراء: 17 مصحف/50 نزول":
أي: لا تتبع أيها الإنسان في أي أمر من أمور حياتك ما ليس لك به علم، إن لديك من أدوات المعرفة ما تستطيع به التبصر في الأمور، فإذا اتبعت ما ليس
لك به علم فقد عطلت أدوات المعرفة التي لديك، لذلك فلا بد أن تكون هذه الأدوات مسئولة عن تأدية وظائفها الفطرية، أي: لا بد أن تكون أنت المسئول أيها الإنسان؛ لأن هذه الأدوات جزء من كيانك.
فيقال للسمع: ألم تأتك أنباء المرسلين؟ ألم تسمع كلام الله؟ ألم ترشدك النصائح والنذر؟ فكيف اتبعت ما ليس لك به علم من وساوس الشياطين، ويقال له نحو ذلك في أمور الدنيا.
ويقال للبصر: ألم تشاهد آيات الله في خلق الإنسان؟ وآياته في الأرض؟ وآياته في السماء؟ فكيف اتبعت ما ليس لك به علم من مغربات الحياة الدنيا؟ ويقال له نحو ذلك في أمور الدنيا.
ويقال للفؤاد: ألم تستنتج من كل هذه الواردات التي وردت إليك عن طريق السمع والبصر وسائر الحواس من دلائل وجود الله وقدرته وعظمته وحكمته وعدله ما يكفيك للإيمان به ومراقبته، والقيام بواجب شكره، وإتباع رسله، والالتزام بشريعته التي أنزلها لعباده؟ فكيف اتبعت ما ليس لك به علم من ضلالات الأهواء؟ ويقال له نحو ذلك في أمور الدنيا التي أهملها فلم يبحث فيها على مقدار استطاعته، ليكتشف خصائص الأشياء وصفاتها، وكوامن طاقاتها، بغية الانتفاع بها في خيره وخير الإنسانية جمعاء، وكان جزاؤه في الدنيا حرمانه من خيراتها.
وهكذا وقفت نصوص الشريعة الإسلامية موقف التحريض الشديد على المعرفة، وإلقاء كامل المسئولية على الإنسان إذا هو اتبع ما ليس له به علم.