الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: البناء الفكري للحضارة الإسلامية
الفصل الأول: الحق والباطل
1-
تعريفات:
الحق: اسم عام يطلق على كل صورة فكرية أو قولية مطابقة لما عليه حال الشيء الذي تحكيه هذه الصورة وجودًا أو عدمًا.
الباطل: نقيض الحق، فهو اسم يطلق على كل صورة فكرية أو قولية مخالفة لما عليه حال الشيء الذي تحكيه هذه الصورة وجودًا أو عدمًا.
وقد تكون الصورة الفكرية أو القولية مطابقة من بعض الوجوه، ومخالفة من بعض الوجوه، فيكون فيها من الحق على مقدار المطابقة ومن الباطل على مقدار المخالفة.
الأمثلة:
فالصورة الفكرية أو القولية التي تحكي أن مكة المكرمة تقع في أرض الحجاز من شبه الجزيرة العربية من قارة آسيا حق.
وصورة فكرية أو قولية أخرى تحكي أن مكة المكرمة موجودة في قارة أمريكا باطل.
والصورة الفكرية أو القولية التي تحكي أن الله موجود وهو خالق كل شيء حق.
وصورة فكرية أو قولية أخرى تحكي أن الله غير موجود أو أن لله شريكًا في خلقه وأمره باطل.
استعمالات قرآنية:
أ- قال الله عز وجل في سورة "الحج: 22 مصحف/ 103 نزول":
الصورة الفكرية الاعتقادية التي تثبت أن الله هو الرب الخالق الذي لا إله غيره حق.
والصورة الفكرية الاعتقادية التي تجعل مع الله إلهًا آخر باطل.
ب- وقال الله عز وجل في سورة "الأحزاب: 33 مصحف/ 90 نزول":
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} .
فكل صورة قولية يقولها الله تعالى هي حق لا شك فيه.
ج- وقال تعالى في سورة "الكهف: 18 مصحف/ 69 نزول":
وهذه الآية تعلن أن الصور القولية التي يجادل بها الكافرون لا سند لها من الواقع فهي باطل، وغرضهم منها أن يدحضوا بها الحق الذي جاء به المرسلون من عند ربهم.
2-
نشدان الحقيقة:
اقترن الدفع الإسلامي إلى مجد القمم الحضارية بنشدان الحقيقة أنى كانت، وطرح الخرافات والأباطيل من أية جهة صدرت، وتبصير الناس بالطرق المنطقية السليمة التي تهدي إلى الرشد، حقًّا كان أم خيرًا أم جمالًا.
فهو إذ يعرض على الناس الحقائق العلمية والاعتقادية يقدمها إليهم مقترنة بأدلتها المنطقية، وحينما ينكر على الناس خرافاتهم وأباطيلهم الاعتقادية أو غيرها يقيم الأدلة المنطقية على بطلانها، ويطالبهم بالأدلة المثبتة لها، إن كان لهم أدلة عليها، ويناقشهم ضمن الأسس المنطقية السليمة، ومع ذلك فهو لا يُعفي أدلته من مناقشات الناس الحرة المنطقية السليمة أيضًا، إذا كانت له مناقشات حولها.
ويرى أن من كان الحق بيده فإنه لا يخشى عليه من أي بحث أو مناقشة بريئين من الاحتيال والمكر، والتضليل والتشويه.
ولذلك نجد في القرآن العظيم حشدًا كبيرًا من الأدلة المنطقية المثبتة للحقائق والعقائد الإسلامية، وحشدًا كبيرًا من المناقشات والمجادلات للمشركين والكافرين، وسائر ذوي المعتقدات المخالفة للحق، والمجافية للصواب، ويعلم القرآن العظيم المسلمين أن يقولوا لمخالفيهم لدى بحث أي موضوع من الموضوعات الإسلامية كما جاء في سورة "سبأ: 34 مصحف/ 58 نزول":
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .
وذلك ليشعروهم بالنزاهة التامة في طلب الحقيقة والبحث عنها، وليهونوا عليهم التنازل عن عصبياتهم وتقاليدهم وموروثاتهم الفكرية القديمة ويضعوا ما لديهم منها على منصة البحث والنقد، وتمييز الحق من الباطل.
ويتضمن هذه الأسلوب الإسلامية الرباني تمجيدًا رائعًا للعقل الإنساني، وتحريرًا له من رواسب الخرافات والأباطيل، وسائر الموروثات الفاسدات، سواء كانت اعتقادية، أم عملية، أم خلقية، أم تربوية، أم سلوكية، فردية أم اجتماعية.
3-
أسماء أنواع الأدلة:
ومن الأسماء التي سُمى القرآن بها أنواع الأدلة التي تقدم لإثبات فكرة ما الأسماء التالية:
الاسم الأول: الحجة، قال الله تعالى في سورة "الأنعام: 6 مصحف/ 55 نزول":
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} .
وقال تعالى أيضًا:
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} .
ويطلق اسم "الحجة" على أي دليل يقدمه صاحب الدعوى، سواء كان دليلًا صحيحًا، أم دليلًا فاسدًا.
ومن أمثلة الحجج الفاسدة حجة منكري البعث؛ إذ قالوا فيما حكى الله عنهم في سورة "الجاثية: 45 مصحف/ 65 نزول": {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .
وظاهر أن الاحتجاج على إنكارهم للبعث بعدم إتيان الرسل بآبائهم احتجاج فاسد، لا تقوم به حجة صحيحة، فإثبات الرسل للبعث قائم على أدلة منطقية مستندة إلى قدرة الله القادر على كل شيء، وإخباره فيما أنزل للناس عن طريق الوحي وهؤلاء المنكرون لم يستطيعوا أن ينقضوا أدلة الإثبات، ولا أن يعارضوها، وإنما جاءوا باحتجاج فاسد.
الاسم الثاني: البرهان، ويطلق لفظ البرهان في القرآن على الدليل القاطع المثبت للحقيقة، الذي لا يحتمل النقض.
أ- قال الله تعالى في سورة "النساء: 4 مصحف/ 93 نزول":
فالبرهان الذي جاء من عند الله دليل قاطع لا يحتمل النقض.
ب- وقال تعالى في سورة "المؤمنون: 23 مصحف/ 74 نزول":
فمن المعروف أن الذين يدعون مع الله إلهًا آخر لهم حجج ولكنها حجج فاسدة، والمطلوب منهم أن يقدموا براهين، والبراهين هي الحجج القاطعة التي لا تحتمل النقض، ولن يستطيعوا ذلك لأن الحقيقة على خلاف ما يدعون.
ج- وقد أمر الله رسوله محمدًا صلوات الله عليه بأن يطلب اليهود والنصارى ببرهانهم على بعض ما يدعون مما هو مخالف للحقيقة بقوله تعالى في سورة "البقرة: 2 مصحف/ 87 نزول".
ولن يستطيعوا أن يقدموا البرهان على هذا القول الباطل.
د- وكذلك فعل بالنسبة إلى مزاعم المشركين الذين يثبتون مع الله إلهًا آخر، قال الله تعالى في سورة "الأنبياء: 21 مصحف/ 73 نزول":
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} .
الاسم الثالث: السلطان، ولفظ سلطان حينما يراد به الدليل المثبت يطلق غالبًا على النصوص الإخبارية أو التعليمية المنزلة من عند الله؛ لأنها منزلة من عند من له هيمنة وسلطان على الحقائق كلها الغيبية والمشهودة. فمن ذلك قوله تعالى في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
فالمراد من السلطان هنا الدليل الشرعي المنزل من عند الله المثبت لما يدعون، ولن يستطيعوا الإتيان به لأن الله لم ينزل شيئًا من ذلك.
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى في سورة "غافر: 40 مصحف/ 60 نزول":
فهؤلاء الذين يجادلون في آيات الله إنما يجادلون بحجج باطلة، ولن
يستطيعوا أن يجادلوا بسلطان جاءهم من عند الله؛ لأن الله لم ينزل شيئًا من ذلك ينقض به دلائل آياته.
4-
من أسس الحضارة الإسلامية؛ الالتزام بمبدإ الحق ومناصرته والنفور من الباطل ومكافحته:
الالتزام بمبدأ الحق:
لما كان مبدأ الحق من أهم الأسس التي قامت عليها الحضارة الإسلامية كان من البدهي أن يحتل هذا المبدأ مركز الصدارة والتمجيد، في نصوص الدفع الإسلامي إلى القمم الحضارية المثلى، وأن تحمل هذه النصوص حربًا شعواء على الباطل حيث وجد، ومن أي مصدر ظهر.
ونظرة سريعة في القرآن الكريم كافية لأن تكشف لنا مبلغ اهتمام هذا الكتاب الرباني بمبدإ الحق، وذلك بوصفه أساسًا للدعوة الإسلامية، ورسالة الإسلام الحضارية للناس جميعًا.
وبالتأمل نلاحظ أن مادة الحق قد وردت في القرآن قرابة مائتي مرة.
أ- فالإسلام دين الحق؛ لأن أصوله الاعتقادية مطابقة للواقع، ولأن أخباره ومواعيده مطابقة للواقع، ولأن تعاليمه وشرائعه موافقة لأكمل صورة ممكنة تتحقق بها سعادة الناس في حياتهم الأولى وحياتهم الأخرى، قال الله تعالى في سورة "التوبة: 9 مصحف/ 113 نزول":
ب- وآيات الله تتلى على نبيه بالحق، وذلك لأن مضمون آيات الله لا يعدو صراط الحق، قال الله تعالى في سورة "البقرة: 2 مصحف/ 87 نزول":
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} .
ج- والقرآن الكريم أنزله الله بالحق، وذلك لأن كل ما فيه حق لا ريب فيه، قال الله تعالى في أول سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
د- ويأمر الله رسوله أن يدعو الناس إلى الحق الذي جاءهم من ربهم، وفي ذلك تنبيه لهم أن يتبينوا الحق الذي جاءهم به، بالنظر الشديد والبحث العلمي والمناقشة، قال الله تعالى في سورة "يونس: 10 مصحف/ 51 نزول":
هـ- ومن صفات المؤمنين بشكل مستمر أنهم يتواصون بالحق فيما بينهم، قال الله تعالى في سورة "العصر: 103 مصحف/ 13 نزول":
وعلى هذا النسق تسير آيات كثيرات في القرآن الكريم، وعلى هذه الصورة الرائعة يبرز مبدأ الحق محتلًّا مركز الصدارة والتمجيد في أسس الحضارة الإسلامية.
النفور من الباطل:
أما الباطل الذي هو نقيض الحق فقد لقي من أسس الحضارة الإسلامية ما يستحق من نفرة وتجهم وحرب مركزة، كلما حاول أن يظفر بعلو في الأرض، واستحواذ على نفوس الناس أو عقولهم، أو أعمالهم، وبمقدار ما أبرزت الحضارة الإسلامية مبدأ الحق، وشددت على الالتزام به، بوصفه أساسًا من أسسها، وجهت ضد الباطل نفرتها وتجهمها وحربها المركزة.
أ- فالله جل وعلا إذ يرسل المرسلين مبشرين ومنذرين، حاملين للناس لواء الحق، يقابلهم الكافرون بالمجادلة بالباطل، ليغلبوا به الحق الذي يرفع المرسلون لواءه، قال الله تعالى في سورة "الكهف: 18 مصحف/ 69 نزول":
ب- ومن عجيب أمر المنحرفين عن سنن الحق وضعهم الأشياء في غير مواضعها، فهم يؤمنون بالباطل لا خير عنده، ولا نعمة ترجى من قبله، ويكفرون بنعمة الله، وهذا الانتكاس الفكري يجعلهم يعبدون من دون الله ما لا يجلب لهم نفعًا ولا يدفع عنه ضرًّا، ولا يملك شيئًا من ذلك، قال الله تعالى في سورة "النحل: 16 مصحف/ 70 نزول":
ج- أما القرآن فإنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف يأتيه الباطل وهو تنزيل من حكيم حميد؟ قال الله تعالى في سورة "فصلت: 41 مصحف/ 61 نزول":
د- ويضع القرآن المؤمنين والكافرين في طريقين متعاكستين متنافرتين، فالذين آمنوا اتبعوا الحق، والذين كفروا اتبعوا الباطل، قال الله تعالى في سورة "محمد: 47 مصحف/ 95 نزول":
إحقاق الحق وإبطال الباطل:
فليس بدعًا بعد هذا أن تحمل أسس الحضارة الإسلامية رسالة إحقاق الحق وإبطال الباطل؛ لأنه لا وجود لا ناصر له، ولا متمسك به، ولا ظهور لحق ما دام للباطل أنياب تفترس وأظفار تنشب، وأنصار مستأسدون تحركهم الغرائز الجانحة، والمطامع الجامحة.
أ- فالله يريد بما ينزل للناس من شرائع أن يحق الحق ويبطل الباطل، قال تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
ب- ومن شأن الحق المقرون ببراهينه القاطعة أن يدمغ الباطل ويزهقه، ومن أجل ذلك يقذف الله بالحق على الباطل، قال تعالى في سورة "الأنبياء: 21 مصحف/ 73 نزول":
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} .
ج- ويدخل الإسلام مكة ظافرًا يوم الفتح، فيقول الله لرسوله في سورة "الإسراء: 17 مصحف/ 50 نزول":
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .
وتذكر المسلمون يومئذ أيام خرجوا من مكة مهاجرين يتسللون لواذًا، فارين بدينهم، من كيد المشركين، ومكرهم، وأذاهم، وإكرامهم لهم على أن يعودوا إلى الكفر، بعد أن أنقذهم الله بالإسلام، وهداهم إلى صراط الحق.
لقد برز الصراع بين الحق والباطل على مسرح الأحداث الإنسانية في تلك الحقبة من الزمن؛ إذ تجمعت هيئات المنتفعين من الباطل، للدفاع عما في أيديها من مغتصبات لا حق لها بها، وأخذت تصارع الحق النامي على مراحل.
بدأت أول الأمر تلفق الحجج المزورة التي لا سند لها من العقل، ولكن
سرعان ما تهاوت حجمها، وتساقطت واهنة ضعيفة أمام براهين الحق الإسلامي الدامغة القاطعة.
ثم انتقلت إلى سلاح آخر، إنه سلاح الهزء والسخرية والتعاظم والتكبر وازدراء أنصار الحق واحتقارهم، فما كان من المؤمنين أنصار الحق ودعائه إلا التغاضي والحلم والصبر وكل خلق كريم، وهنا تنتصر الفضائل على الرذائل في ميادين العلاقات الاجتماعية، ويزداد بذلك أنصار الحق.
وعند ذلك ضربت الجاهلية في رءوس المبطلين ففزعوا إلى إسكات كلمة الحق بالقوة، والحرب المسلحة، ووجد المؤمنون أنصار الحق أنفسهم أمام أمر لازب، فأخذوا يدفعون بما أوتوا من قوة فيقتلون ويقتلون، حتى إذا أبلوا بلاء حسنًا، وأثبتوا صدقهم وإخلاصهم، ببذل ما عندهم من طاقة تداركهم الله بحكمته ومعونته فوهبهم النصر، ودخلوا فاتحين، وبمجيئهم جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا، إنه لما لم يكن للحق أنصار استعلى الباطل واستكبر، فلما صار للحق أنصار عاد الباطل إلى طبيعته زاهقًا.
ولقد صور القرآن الصراع بين الحق والباطل أبدع تصوير بقوله تعالى في سورة " الرعد: 13 مصحف/ 96 نزول":
الانحراف عن الحق:
ونظرة مستقصية تكشف للباحث أن الانحراف عن الحق يكون بعدة أمور منها الأمور التالية:
الانحراف الأول:
يكون بجعل الباطل حقًّا والحق باطلًا، ومن أمثلة هذا الانحراف حال الكافرين إذ يؤمنون بالباطل ويكفرون بنعمة الله، ولما أصر الكافرون على انحرافهم هذا بعد بيان الحق لهم على لسان رسول الله
صلوات الله عليه أنكر الله عليهم ذلك بقوله تعالى في سورة "النحل: 16 مصحف/ 70 نزول":
{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} .
الانحراف الثاني: يكون بلبس الحق بالباطل، وذلك بإدخال صور من الباطل ضمن مجموعة صور من الحق، للإيهام بأنها حق كلها، ولا بد أن يكون الباعث عليه هوى من أهواء النفوس المنحرفة.
الانحراف الثالث: يكون بكتمان الحق مع العلم به، والسكوت عن الباطل مع معرفة أنه باطل، ولا بد أن يكون الباعث على هذا الانحراف هوى من أهواء النفوس المنحرفة أيضًا.
ومن أمثلة هذين الانحرافين الثاني والثالث ما عليه حال أهل الكتاب، فهم يلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق وهم يعلمون، ولذلك خاطبهم الله عز وجل بكثير من التأنيب والتثريب بقوله تعالى في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
خاتمة:
وهكذا تظهر أسس الحضارة الإسلامية لا دجل فيها ولا تخريف، ولا تعرج فيها ولا التواء، إنها ذات منهج وضاح مشرق؛ إذ أخذت بمبدإ الحق، والتزمته في كل ما انطلقت إليه من مجد فكري واعتقادي، أو عملي تطبيقي، والتزامها بمبدإ الحق جعلها تنفر من الباطل وتتجهم له حيث كان، وجعلها تقاومه وتصارعه مهما وقف في سبيلها وأعاق تقدمها وارتقاءها.
وأعداء الحق وأنصار الباطل هم أعداء الحضارة الإسلامية الصحيحة، وهم الذين يصنعون العثرات في طريقها.
وأنصار الحق يكسحون باستمرار هذه العثرات وهم يقولون: "حسبنا الله ونعم الوكيل".