الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
العمران:
اهتم المسلمون بالإنشاءات العمرانية العظيمة، في كل البلدان التي فتحها الله لهم، في الشام، والعراق، ومصر، وبلاد فارس، وبلاد المغرب حتى أقصى الأندلس، وفي أفغانستان، والهند والسند وفي سائر بلدانهم في الشرق.
ومن منشآتهم الحضارية العظيمة تخطيط المدن وإقامتها. وبناء المساجد والمدارس والقصور ودور السكن، وبناء القلاع والحصون والمعسكرات، وإنشاء الأسواق التجارية المظللة المغلقة المحفوظة بالأبواب والحراس، وتعبيد الطرقات ورصفها، وإنشاء الجسور والقناطر، وإنشاء الأبراج للمراقبة، وإنشاء المنارات البحرية للسفن، وإنشاء قنوات الماء والقساطل التي تجري فيها المياه إلى المنازل والمساجد، حتى صارت المدن التي طال حكم المسلمين فيها في مشارق الأرض ومغاربها مقصدًا لمتتبعي الآثار العمرانية العظيمة، لتصويرها، والتعريف بعظمتها، وبيان تفوق مهندسيها في الإتقان الهندسي، وإتقان بنائها العمراني ولدراسة الفنون المعمارية فيها.
ولا يزال متتبعو الآثار والسائحون ينبهرون وتأخذهم الدهشة من عظمة آثار المسلمين العمرانية، وما احتوت عليه من زخرفيات وجماليات بديعات رائعات، كالمقرنسات1، والمدليات ذوات الإتقانات الهندسية الرائعة، وكالفسيفساء التي تزين رسومها البديعة المدهشة المسطحات الداخلية للمباني، سواء كانت مستويات أو منحنيات أو مكورات أو مجوفات أو مقوسات.
1 قرنس البيت: أي زيّنه بخوارج منه ذات تدريج متناسب، فهو مقرنس.
وإذ نهى الإسلام عن تصوير الإنسان والحيوانات قطعًا لدابر الوثنيات، فقد انطلق أصحاب المهارات الفنية المسلمون يعبرون عن رغبات الإبداع الفني في نفوسهم؛ برسم الورود والزهور والأفنان والنباتات البديعة والأشجار والأنهار والسماء والغيوم والنجوم فيها، والقصور ونوافذها وستورها وبعض أثاثها، وأبدعوا كثيرًا في رسم الخطوط والأشكال الهندسية.
ويهتمون بالإبداع في الألوان حتى تكون رسوماتهم محاكية للألوان الطبيعية محاكاة تامة، بحسب أحوالها في الفصول الأربعة، فالرسوم المحاكية للربيع تكون ألوانها محاكية لألوان نباتات الربيع وجوها العام، والرسوم المحاكية للشتاء تكون ألوانها محاكية للأشياء من فصل الشتاء، وهكذا.
وقد غدت المدن التي حكمها المسلمون في التاريخ مقصدًا ينتجع إليه السائحون من الشرق والغرب، ومقصدًا مهمًّا لمتتبعي الآثار، بغية الإطلاع على ما أنتجه المسلمون في تاريخهم من حضارة عمرانية مدهشة.
وأعظم آثار المسلمين الحضارية العمرانية يجدها المتتبعون في المساجد والجوامع الكبرى ومآذنها الشاهقة المزخرفة، وفي المدارس والمعاهد التي أنشاها السلاطين وذوو الثراء من المسلمين، لطلاب العلم الذين كانوا يدرسون علوم الدين الإسلامي وعلوم اللغة العربية أولًا ثم العلوم الأخرى الشاملة للطب والرياضيات والفلسفة، ولما توصل إليه الناس من علوم كونية مختلفة.
وشواهد تقدم المسلمين الحضاري في مجال العمران ما تزال قائمة في المدن المهمة التي حكمها المسلمون حقبة من الدهر.
وقد فصل المؤرخون الذين كتبوا في الحضارات الإنسانية، من غربيين وشرقيين ومسلمين، ما أنتجه المسلمون من ظاهرات حضارية معمارية، تفصيلات واسعات تعتمد على تحديد البناء، وموقعه، وتاريخ إنشائه، ومن أنشأه، وعلى وصفه وصفًا شاملًا، مع بيان الميزات التي يشتمل عليها، مقرونًا كل ذلك بالرسوم الفوتغرافية، وبالرسوم الهندسية أحيانًا، وبالتحليلات العلمية.